الخميس، 4 مايو 2023

معجم مقاييسُ اللّغة لأبي الحسين أحمد بن فارِس بن زكَرِيّا/الجُزْءُ الثالث

معجم مقاييسُ اللّغة لأبي الحسين أحمد بن فارِس بن زكَرِيّا ( -395)

الجُزْءُ الثالث

بتحقيق وضبط:

عبد السَّلام محمد هَارُون

كتاب الزّاي:

ـ (باب ماجاء من كلام العرب أوله زاءٌ في المضاعف والمطابق)‏

ـ (باب الزاء العين وما يثلّهما)‏

ـ (باب الزاء والغين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاء والفاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاء والقاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاء والكاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاء واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاء والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاءِ والنون والحرف المعتل)‏

ـ (باب الزاءِ والهاءِ والحرف المعتل)‏

ـ (باب الزاء والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاي والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاء والهمزة وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاء والباء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاءِ والجيم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاءِ والحاءِ وما يثلثهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الزاء والخاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاء والدال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاء والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاءَ من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله زاء)‏

كتاب السّين:

ـ (باب ما جاء من كلام العرب وأوله سين في المضاعف والمطابق)‏

ـ (باب السين والطاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والغين وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والفاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والقاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والكاف وما يثلثهما) ‏

ـ (باب السين واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والهمزة وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والباء وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والتاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والحاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والخاء وما يثلثهما )‏

ـ (باب السين والدال وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والراء وما يثلثهما) ‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله سين)‏

كتاب الشين:

ـ (باب ما جاء من كلام العرب أوله شين في المضاعف والمطابق)‏

ـ (باب الشين والصاد وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والطاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والظاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والغين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والفاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والقاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والكاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والهمزة وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والباء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والتاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والثاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والجيم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والحاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والخاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والدال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والذال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والزاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والسين وما يثلثهما )‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف وأوله شين)‏

كتاب الصَّاد:

ـ (باب الصاد وما معها في الذي يقال في المضاعف والمطابق)‏

ـ (باب الصاد والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والغين وما يثلثهما )‏

ـ (باب الصاد والقاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والكاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والميم وما يثلثهما )‏

ـ (باب الصاد والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والباء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والتاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والحاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والخاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والدال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد* والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله صاد)‏

كتاب الضاد:

ـ (باب الضاد في المضاعف [والمطابق])‏

ـ (باب الضاد والطاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والغين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والفاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والكاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضّاد والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضّاد والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والباء وما يثلثهما )‏

ـ (باب الضاد والجيم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والحاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والخاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والزاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله ضاد)‏

كتاب الطاء:

ـ (باب الطاء في المضاعف والمطابق)‏

ـ (باب الطاء والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والغين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والفاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والباء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والثاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والجيم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والحاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والخاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والزاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والسين وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله طاء)‏

كتاب الظاء:

ـ (باب الظاء وما معها في المضاعف والمطابق( ))‏

ـ (باب الظاء والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الظاء والفاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الظاء واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الظاء والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الظاء والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب الظاء والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الظاء والهمزة وما يثلثهما)‏

ـ (باب الظاء والباء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الظاء والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاءَ من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله ظاء)‏

مراجع التحقيق والضبط

 

 

كتاب الزّاي:

ـ (باب ماجاء من كلام العرب أوله زاءٌ في المضاعف والمطابق)

(زط) الزاء والطاء ليس بشيء. وزُطّ ([1]): كلمةٌ مولَّدة.

(زع) الزاء والعين أصلٌ يدلُّ على اهتزازٍ وحركة. يقال: زَعْزَعْتُ الشيءَ وتَزعْزَعَ هو، إذا اهتزّ واضطرب. وسيرٌ زعزعٌ: شديد تهتز له الرِّكاب.

قال الهُذََليّ([2]):

وتَرْمَدُّ هَمْلَجَةً زَعْزَعاً *** كما انخَرَطَ الحَبْلُ فوق المَحَالِ

(زغ) الزاء والغين ليس بشيء. ويقولون: الزغزغة: السُّخْرِيَة.

(زف)  الزاء والفاء أصلٌ يدلُّ على خِفَّةٍ في كل شيء. يقال زَفَّ الظَّليم زفيفاً، إذا أسرع. ومنه زُفَّتِ العَروسُ إلى زوجها. وزفَّ القومُ في سَيرهم: أَسْرَعُوا. قال جلّ ثناؤه: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} [الصافات 94]. والزَّفْزافة: الرِّيح الشديدة لها زفزفةٌ، أي خِفَّة. وكذلك الزَّفزَف([3]). ويقولون لمن طاشَ حِلْمُهُ: قد زَفَّ رَأْلُه. وزِفُّ الطائر: صِغَار ريشه؛ *لأنه خفيف.

(زق) الزاء والقاف أصلٌ يدل على تضايُقٍ. من ذلك الزُّقاق، سمِّي بذلك لضيقهِ عن الشوارع.

ومن ذلك : زَقَّ الطائرُ فرخَهُ. ومنه الزِّقّ. والتزقيق في الجلد: أن يسلخ مِنْ قِبَلِ [العُنُق([4])].

(زل) الزاء واللام أصل مطّرد منقاسٌ في المضاعَف، وكذلك في كل زاءٍ بعدها لامٌ في الثلاثي. وهذا من عجيب هذا الأصل. تقول: زلَّ عن مكانه زَليلاً وزَلاًّ. والماء الزُّلال: العَذْب؛ لأنه يَزِلّ عن ظَهْرِ اللِّسانِ لِرقَّته. والزَّلَّة: الخطأ؛ لأن المخطئ زلَّ عن نَهْج الصَّواب، وتزلزَلت الأرضُ: اضطرَبت، وزُلْزِلَتْ زِلْزَالاً. والمِزَلَّة([5]): المكان الدَّحْضُ. فأما الذِّئْبُ الأَزَلُّ، وهو الأَرْسَح، فقال ابنُ الأعرابيّ : سمِّي بذلك مِنْ قولهم زَلَّ إذا عدا. وهو القياس الصَّحيح ثم شُبِّهَتْ به المرأةُ الرَّصْعاء فقيل زَلاَّء. وإن كان الأَرْسَح كما قيل فهو قياسُ ما ذكرناهُ أيضاً، لأن اللّحم قد زلَّ عن مؤخَّره، وكذلك عن مؤخَّر المرأة الرَّسْحاء.

ومن الباب الزُّلْزُل([6]) كالقَلِق؛ لأنَّه لا يستقرُّ في مكانه.

ومما شذّ عن الباب الزَّلَزِلُ: الأثاث والمتاع،  على فَعَلِلٍ.

(زم) الزاء والميم أصلٌ واحدٌ، وهو يدلُّ على تقدُّم في استقامةٍ وقَصْد، من ذلك الزِّمام لأنه يتقدَّم إذا مُدَّ به، قاصداً في استقامة. تقول زَمَمْتُ البعير أزُمُّه. ويقال أمْرُ بني فلانٍ زَمَمٌ، كما يقال أَمَمٌ، أي قصدٌ. ويحلفون فيقولون: "لا والذي وجْهِي زَمَمَ بَيْتِه([7])"، يريدون تلقاءَه وقَصْدَه. والزَّمُّ: التقدُّم في السَّير.

ومما شذّ عن هذا الأصل الزِّمْزِمة: الجماعة من الناس. وقال الشيباني: الزِّمزيم: الجِلَّة من الإبل([8]).

(زن) الزاء والنون كلمةٌ واحدةٌ لا يُتفرّع ولا يُقاس عليها. يقال أَزنَنْتُ فلاناً بكذا، إذا اتَّهمتَهُ به. وهويُزَنُّ به. قال:

إن كنتَ أزنَنْتَنِي بها كَذِبَاً *** جَزْءُ فلاقَيْتَ مِثلَها عَجِلاَ([9])

(زب) الزاء والباء أصلان: أحدهما يدل على وُفُورٍ في شَعَرٍ، ثم يحمل عليه. فالزَّبَب: طُول الشَّعَْر، وكثرتُهُ. ويقال بعيرٌ أزَبُّ. قال الشاعر:

أثَرْت الغَيَّ ثم نزَعْت عَنْهُ *** كما حادَ الأزبُّ عن الطِّعانِ

ومن ذلك عامٌ أَزَبُّ، أي خصيب.

والأصل الآخر:  الزَّبيب، وهو معروف، ثم يشبَّه به، فيقال للنُّكتَتَيْنِ السّوداوينِ فوقَ عينَي الحيّة زبيبتان؛ وهو أخبثُ ما يكون من الحيّات: وفي الحديث: "يجيء كَنْزُ أحدِهِم يومَ القيامة شجاعاً أقرعَ له زَبيبتان". وربّما سمَّوا الزَّبَدَتَيْنِ زَبيبتين، يقال أنشَدَ فلانٌ حتَّى زَبَّبَ شِدْقاه، أي أزبدا.

قال الشاعر:

إنِّي إذا ما زَبَّبَ الأشداقُ ***

وكَثُرَ الضِّجاجُ واللَّقْلاقُ

ثَبْتُ الْجَنانِ مِرْجَمٌ وَدَّاقُ([10])

ومما شذَّ عن الباب الزَّبَاب: الفارُ، الواحدُ زبابة. وقد يحتمل، وهو بعيدٌ، أن يكون من الزَّبيب، وقد ذكرناه.

ومما هو شاذٌّ لا قياس له: زَبَّتِ الشمس وأزَبّت: دنت للغروب.

(زت) الزاء والتاء كلمةٌ لا قياس لها. يقال زَتَتُّ العروسَ، إِذا زيَّنتَها. قال:

بَنِي تَميمٍ زَهنِعُوا فتاتَكُمْ *** إنَّ فتاةَ الحيِّ بالتَّزَتُّتِ([11])

وقد تزتَّتَتْ، أي تزيَّنت.

(زج) الزاء والجيم أصلٌ يدلُّ على رِقَّةٍ في شيء، من ذلك زُجُّ الرُّمْح والسّهمِ، وجمعه زِجاج بكسر الزاء. يقال زَجَّجْتُه: جعلت له زُجّاً فإذا نزَعْت زُجَّهُ قلت: أزجَجْتُه([12]).والزَّجَج: دِقَّةُ الحاجبينِ وحُسْنُهما. ويقال أنَّ الأزَجَّ من النعام: الذي فوق عينه ريشٌ أبيض.

(زح) الزاء والحاء يدلّ على البعد. يقال زُحْزِحَ عن كذا، أي بُوعِدَ. قال الله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ}[آل عمران 185]. أي بُوعِد.

(زخ) الزاء والخاء أُصَيلٌ يدلُّ على الدَّفْع والمبايَنَة. يقال زَخَخْتُ الشيءَ، إذا دفعتَهُ. وفي الحديث: "مَنْ نَبذَ القُرآنَ وراء ظَهرِهِ زُخَّ في قَفاه".  وزَخَّها: جامَعَها. و*المِزَخَّة: المرأة. ومن الباب الزَّخَّة: الحِقد والغَيظ. قال:

فلا تَقْعُدَنّ على زَخَّةٍ *** وتُضْمِرَ في القلبِ وَجْداً وَخِيفَا([13])

(زر) الزاء والراء أُصَيلٌ يدلُّ على شِدَّة. وشذَّ مِنْ ذلك الزِّرّ: زِرُّ القميص. ثم يشتقّ منه الزِّرُّ، يقال إنّه عظمٌ تحت القَلْب. قال ابن السكّيت: يقال للرّجلِ الحسن الرِّعْية للإبل: إنّه لَزِرٌّ من أزرارها. ومن الباب: زَرَّتْ عينهُ، إذا توقَّدَت. يقال عَيْناه تَزِرَّانِ في رأسهِ، إذا تَوقَّدَتا. ومن الباب الزَّرُّ: الشَّلُّ والطَّرد. يقال هو يزُرُّ الكتائبَ بسيفهِ زَرَّا. ومنه الزَّرُّ وهو العضُّ. يقال: حِمارٌ مِزَرٌّ. ويقال الزَّرّة الحَرْبَة([14]). ومن الباب الزَّرِير، وهو الحَصيف السَّديد الرأي. والله أعلم بالصَّواب.

ـــــــــــــــــ

([1]) الزط، بالضم: جيل من الهند، معرب "جت" بالفتح. قال صاحب القاموس: "والقياس يقتضي فتح معربه". وقال الخوارزمي الكلام على طبقات الهند: "الزط هم حفاظ الطرق، وهم جنس من السند يقال لهم: جتان". انظر مفاتيح العلوم ص 74. وفي معجم استينجاس 356 أن "جت" اسم لجنس هندي حقير.

([2]) هو أميّة بن أبي عائذ الهذلي. اللسان (زعع). وقصيدته في شرح السكري للهذليين 180 ومخطوطة الشنقيطي 79.

([3]) ويقال أيضاً ريح زفزفة وزفزاف.

([4]) التكملة من المجمل.

([5]) بكسر الزاي وفتحها.

([6]) الزلزل بضم الزاءين : الغلام الخفيف. وفي المجمل: "الزلز" وليس هذا بابه.

([7]) انظر هذا اليمين في أيمان العرب للنجيرمي 15، والأمالي (3: 51)، واللسان (زمم 165)، والمخصص (13: 118)، والمزهر (2: 262).

([8]) شاهده قول نصيب:

يعل بنيها المحض من بكراتها *** ولم يحتلب زمزيمها المتجرثم

([9]) لحضرمي بن عامر، كما في اللسان (زنن).

([10]) الرجز في اللسان (زبب، لقق)، وقائله هو أبو الحجناء نصيب الأصغر. انظر البيان والتبيين (1: 125).

([11]) البيت من تام الرجز. أنشده في اللسان (زهنع، زتت)، والمخصص (4: 54).

([12]) ويقال زججه وأزجه بمعنى ، ولا يقال أزجه إذا نزع زجه.

([13]) البيت لصخر الغي الهذلي. انظر ما سبق في حواشي (خيف: 235).

([14]) لم ترد الكلمة بهذا المعنى في المعاجم المتداولة.

 

ـ (باب الزاء العين وما يثلّهما)

(زعف) الزاء والعين والفاء أصيلٌ. يقال سُمٌّ زُعافٌ: قاتل. وموتٌ زُعافٌ: عاجل. ويشبه أنْ يكون هذا من الإبدال، وتكون الزاء مبدلةً من ذال. ويقال أزْعفته وزَعَفْتُهُ، إذا قتلتهُ. وحُكِيَ: زَعَفَ في حديثه. أي كذَب.

(زعق) الزاء والعين والقاف أصلٌ يدلُّ على شِدّةٍ في صياحٍ أو مرارةٍ أو مُلوحة. يقال طعام مزعوقٌ، إذا كُثِّرَ مِلْحُه. والماء الزُّعاق: المِلْح. فهذا في باب الطُّعوم.

وأما الآخَر فيقال زَعَقْتُ به، أي صِحْتُ به. وانْزَعَقَ، إذا فَزِعَ. والزَّعِق: النشيط الذي يَفْزَع معَ نشاطهِ. وفلان يَزْعَق دابّتَه، إذا طردهُ طرداً شديداً. ورجلٌ زَاعِق. وأزْعقه الخوفُ حتَّى زعق. قال:

*من غائلاتِ اللَّيلِ والهَوْلِ والزَّعِقْ([1])*

ويقال الزُّعاق النِّفار. يقال منه وَعِل زَعّاق. ومُهْرٌ مزعوق: نشيط يفزَع مَعَ نشاطِهِ. قال([2]):

يارُبَّ مُهْرٍ مَزْعُوق ***

مُقَيَّلٍ أومَغبوقْ

من لَبَن الدُّهْمِ الرُّوقْ

حتَّى شتا كالذُّعْلُوقْ ***

أَسْرَعَ مِنْ طَرْفِ المُوقْ

وطائرٍ وذي فُوقْ([3])

وكلِّ شيءٍ مخلوقْ

(زعك) الزاء والعين والكاف أُصَيلٌ إن صحّ يدلُّ على تلبُّثٍ وحَقارةٍ ولُؤم. يقولون إنَّ الأَزْعَكِيَّ: الرَّجُلُ القصير اللئيم. وكذلك الزُّعْكُوك. قال الكِسائيّ: يقال للقوم زَعْكة، إِذا لَبِثُوا ساعةً([4]). والزَّعاكيك من الإبل: المتردِّدَة الَخَلْق([5])، الواحدة زُعْكُوك. قال:

* تستنُّ أولادٌ لها زَعاكِيكْ([6]) *

(زعل) الزاء والعين واللام أُصَيلٌ يدلُّ على مَرَحٍ وقلّة استقرارٍ، لنشاطٍ يكون. فالزَّعَل: النّشاط. والزَّعِل: النشيط. ويقال أَزْعَلَهُ السِّمَنُ والرَّعْي. قال الهُذليّ([7]):

أَكَلَ الجميمَ وطاوعتْه سَمحجٌ   مثلُ القَناةِ وأزعَلَتْهُ الأَمْرُعُ

وقال طرفة:

ومَكانٌ زَعِلٍ ظِلْمانُهُ *** كالمَخَاض الْجُرْبِ في اليَوْمِ الخَصرْ([8])

ورُبَّما حُمِلَ على هذا فسُمِّي المتضوِّر من الجُوعِ زَعِلاً.

(زعم) الزاء والعين والميم أصلان: أحدهما القولُ من غير صِحَّةٍ ولا يقين، والآخر التكفُّل بالشيء.

فالأوَّل الزَّعْم والزُّعْم([9]). وهذا القولُ على غير صحّة. قال الله جلَّ ثناؤُهُ:

{زَعَمَ الَّذِينَ كفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا}  [التغابن 7]. وقال الشاعر:([10])

زَعمتْ غُدانَةُ أنَّ فيها سيِّدا *** ضَخْمَاً يُوَارِيهِ جَناحُ الجُنْدَُبِ

ومن الباب: زَعَم في غير مَزْعَم، أي طمِع في غيرمَطْمَع. قال:

* زَعْماً لَعَمْرُ أبيكِ ليس بِمَزْعَمِ([11]) *

ومن الباب الزَّعُوم، وهي الجَزُور التي يُشَكُّ في سِـمنها فتُغْبَطُ بالأيدي([12]). والتَّزَعُّم: الكذب.

والأصل الآخر: زَعَم بالشّيء، إذا كَفَلَ به. قال:

تُعاتِبُني في الرِّزْق عِرسي وإِنّما *** على الله أرزاقُ العبادِ كما زَعَمْ([13])

أي كما كَفل. ومن الباب الزَّعَامة، وهي السِّيادة؛ لأنّ السيِّد يَزْعُمُ بالأمورِ، أي يتكفل بها. وأصدَقُ مِنْ ذلك قولُ الله جلَّ ثناؤُهُ: { قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ المَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف 72]. ويقال  الزّعامة حَظّ السيِّد من المَغْنَم، ويقال بل هي أفضل المال. قال لبيد: 

تَطِيرُ عَدائِدُ الإشراكِ وَِتْراً *** وشَفْعَاً والزَّعامةُ للغُلامِ([14])

(زعب) الزاء والعين والباء أصلٌ واحد يدلُّ على الدَّفْعِ والتّدافع. يقال من ذلك الزَّعْب الدَّفْع. يقال زعَبْتُ له زَعْبَةً من المال. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "وأَزْعَبُ لك زَعْبَةً من المال". ويقال جاء سيلٌ يَرْعَبُ الوادِي ـ هذا غير معجم ـ إذا مَلأَه. وجاء سيلٌ يَزْعَبُ، بالزَّاء، إذا تدافَعَ. ويقال إنَّ الزَّاعب السَّيَّاح في الأرض. قال ابن هَرْمَة:

* يكادُ يَهْلِكُ فيها الزّاعبُ الهاِدي([15]) *

والزَّاعِبِيَّة: الرّماح. قال الخليل: هي منسوبة إلى زاعب. ولم يَظْهَرْ([16])عِلْمُ زاعبِ: أَرَجُلٌ أم بلد، إِلاّ أَنْ يولِّده مولّد. وقال غيره: الزَّاعِبيُّ هو الذي إذا هُزَّ تدافَعَ من أوّله إلى آخرِهِ، كأنَّ ذلك مَقِيسٌ  على تزاعُب الماء في الوادي، وهو تدافُعُه. وهذا هو الصحيح. ويقال زَعَب الرَّجُلُ المرأةَ، إذا جامعها. وهذا هو بالراء أحسَنُ. وقد مضى.

وبقي في الباب كلمةٌ واحدةٌ إنْ صحّتْ فهي من باب الإبدال. يقولون: الزُّعْبُوب القصِير من الرِّجال، ولعلَّهُ أن يكون الذُّعبوب.

(زعج) الزاء والعين والجيم أصلٌ واحدٌ، يدلُّ على الإقلاق وقلّة الاستقرار. يقال أَزْعَجْتُه أزْعِجُه إزعاجاً. ويقال أَزْعَجْتُه فشَخَص. قال الخليل: لو قيل انْزَعَجَ لكان صواباً.

(زعر) الزاء والعين والراء أُصَيلٌ يدلُّ على سُوء خُلُق وقلَّةِ خَير. فالزّعارة([17]): شراسَة الخُلُق. وهو على وزن فَعالة. ومن الباب الأَزْعر: المكان القليل النَّبات. ويقال إنَّ الزعارة لا يُبنَى منها تصريفُ فعلٍ. ومن الباب الأزعر: القليل الشَّعر. والمرأة زَعْرَاء؛ وقد زَعِرَ يَزْعَر. واللهُ أعلم.

ــــــــــــــــــ

([1]) البيت في اللسان (زعق). وهو لرؤبة في ديوانه 105. وقبله:

*تحيدُ عن أظلالها منَ الفرق*

([2]) الرجز في اللسان: (زَعق، روقَ، ذَعْلَق)، والمخصص: (3: 115).

([3]) في الأصل: "وطائر ذي" صوابه من المجمل. وذو الفوق: السهم، والفوق: موضع الوتر منه. يقول: قد غدا ذلك المهر أسرع من كل هذه الأشياء.

([4]) في المجمل: "تلبثوا ساعة". وهذا المعنى لم يرد في اللسان. وفي القاموس: "ولهم زعكة لبثة".

([5]) المترددة: المجتمعة الخلق.

([6]) وكذا جاءت روايته في المجمل. لكن في اللسان: "زعاكك"؛ وعليه استشهاده.

([7]) هو أبو ذؤيب الهذلي من قصيدته العينية في أول ديوانه؛ وفي المفضليات. وأُنشد البيت في اللسان (زعل، سعل، مرع). والمخصص: ( 3 : 114/ 13: 298).

([8]) ديوان طرفة 66 واللسان (خدر).

([9]) والزعم أيضاً، بالكسر، هو مثلث الزاي.

([10]) هو الأبيرد الرياحي يهجو حارثة بن بدر الغداني. انظر الأغاني (12: 10) والحيوان (3: 398/ 6: 351)، وثمار القلوب: 325. وقيل هو زياد الأعجم. انظر الكنايات للجرجاني: 129.

([11]) لعنترة بن شداد في معلقته. وصدره:  * علقتها عرضاً وأقتل قومها *

([12]) غبط الشاة والناقة يغبطهما غبطاً، إذا جسهما لينظر سمنهما من هزالهما.

([13]) لعمرو بن شاس، كما في اللسان. (زعم)، ورواية صدره فيه:

* تقول هلكنا إن هلكت وإنما *

([14]) ديوان لبيد 129 طبع 1880 واللسان (عدد، شرك، زعم).

([15]) في الأصل: "يهلك فيه" صوابه من المجمل واللسان.

([16]) في المجمل: "ولا أدري".

([17]) يقال زعارة بتشديد الراء وتخفيفها.

 

ـ (باب الزاء والغين وما يثلثهما)

(زغف) الزاء والغين والفاء أُصَيلٌ صحيحٌ يدلُّ على سَعةٍ وفَضْل. من ذلك الزَّغْفة: الدرع؛ والجمع الزَّغْف، وهي الواسعة. وربما قالوا زَغَفة وزَغَف. قال:

أيمنَعُنا القومُ ماءَ الفُراتِ *** وَفينا السُّيوفُ وفينا الزَّغَفْ([1])

ويقال رجل مِزْغَفٌ: نَهِمٌ رَغِيبٌ. قال الأصمعيّ: زَغَفَ في حديثه: زاد.

(زغل) الزاء والغين واللام أصلٌ يدلُّ على رَضاع وزَقٍّ وما أشبهه. يقال أَزْغَلَ الطّائِرُ فَرخَه، إذا زَقّه. قال ابن أحمر:

فأَزْغَلَتْ في حَلْقِهِ زُغْلَةً *** لم تُخْطِئ الجِيدَ ولم تَشْفَتِرّْ([2])

قال: وهو من قولهم: أَزْغِلي لـه زُغْلةً من سِقائِك، أي صُبِّي لـه شيئاً مِنْ لَبَن. ويقال أَزْغَلَت المرأةُ من عَزْلائِها، أي صَبَّت.

ومما شذّ عن الباب: الزُّغلول من الرِّجال: الخفيف.

(زغم) الزاء والغين والميم أُصَيْلٌ يدلُّ على ترديد صوتٍ خفيّ. قالوا: تزغَّمَ الجملُ، إذا ردَّدَ رُغَاءَه في خَفاءٍ ليس شديدا. ومنه التزَغم، وهو التَّغَضُّب، كأنه في غَضَبِهِ يردِّدُ صوتاً في نفسه. وذكرَ ناسٌ: تَزغَّمَ الفصيلُ لأمِّه، إذا حنَّ حنيناً خفياً.

(زغب) الزاء والغين والباء أُصَيْلٌ صحيح، وهو الزّغَب، أوّلُ ما ينبتُ من الرِّيش. وقد يُزْغِبُ الكَرْمُ، بعد جَرْيِ الماءِ فيه.

(زغد) الزاء والغين والدال أُصَيْلٌ يدل على تعصُّر في صوتٍ.

من ذلك الزَّغْد، وهو الهدير يتعصَّر فيه الهادرُ. وأصلهُ زغد عُكَّتَه، إذا عَصَرَها ليُخرِجَ سَمْنَها.

(زغر) الزاء والغين والراء أُصَيْلٌ. يقال زَغَر الماءُ وزَخَر. وليس هذا عندي من جهةِ الإبدال؛ لأن قياسَ زَغَر قياسٌ صحيح، وسيجيء *في الرباعيّ ما يصحِّحه. وذكر ابن دُريد([3]) أنَّ الزّغر الاغتصاب؛ يقال زَغَرْت الشيء زَغْراً. قال: والزغْر فعلٌ مُماتٌ. وزُغَر: اسمُ امرأةٍ، يقال أن عين زُغَر إليها تُنْسَب([4]).

ـــــــــــــــــــ

([1]) سبق البيت برواية أخرى في مادة (حجف). وهو هنا ملفق من بيتين. وفي وقعة صفين 184:

أيمنعنا القوم ماء الفرات *** وفينا الرماح وفينا الحجف

وفينا الشوازب مثل الوشيج *** وفينا السيوف وفينا الزغف

([2]) الاشفترار: التفرق. وفي الأصل: "لم تشتفر"، صوابه من المجمل، واللسان (زغل، شفتر). وفي المجمل: "لم تظلم الجيد".

([3]) الجمهرة (2 : 322).

([4]) ذكر ابن دريد أن عين زعم: موضع بالشام. وقال ياقوت: "بمشارف الشام".

 

ـ (باب الزاء والفاء وما يثلثهما)

(زفن) الزاء والفاء والنون ليس عندي أصلاً، ولا فيه ما يُحتاج إليه. يقولون: الزَّفْن: الرَّقْص. ويقولون: الزّيفن(1): الشّديد. وليس هذا بشيء.‏

(زفي) الزاء والفاء والحرف المعتل يدلّ على خفّةٍ وسُرعة. من ذلك زَفَتِ الرِّيح التُّرابَ، إذا طردَتْهُ عن وجهِ الأرضِ. والزَّفيانُ: شِدَّة هُبوب الريح. ويقال ناقةٌ زَفَيانٌ: سريعة. وقوسٌ زَفيانٌ: سريعة الإرسال للسَّهم. ويقال زَفَى الظَّليمُ زَفْياً، إذا نشر جنَاحَه.‏

(زفر) الزاء والفاء والراء أصلان: أحدُهما يدلُّ على حِمْل، والآخر على صَوْتٍ من الأصوات.‏

فالأول الزِّفْر: الحِمْل، والجمع أزفار. وازْدَفَرَه(2)، إذا حمله، وبذلك سمِّي الرجل زُفَر،لأنه يزدَفِر(3) بالأموال مطيقاً لها(4)، ومن الباب الزَّافرة: عشيرةُ الرَّجُل؛ لأنهم قد يتحمَّلون بعضَ ما ينُوبُهُ. وزَُفْرَة الفَرس: وسطُه. والزَّفْرُ:(5) القِرْبة، ومنه قيل للإماء التي تحمل القِرَب زوافر. ويقولون : الزُّفَر: الرجل السيِّد. قال:‏

* يأبى الظُّلامةَ منه النَّوْفلُ الزُّفَر(6) *‏

والقياس فيه كلِّه واحد. وزِفْر المسافر: جِهازه. ويقال الزُّفَر: النَّهر الكبير، ويكون سمِّي بذلك لأنَّه كثير الحملِ للماءِ.‏

(زفل) الزاء والفاء واللام هي الأَزْفَلة، وهي الجماعة. يقال جاؤوا بأَزْفَلَتهم، أي جماعتهم.‏

(زفت) الزاء والفاء والتاء ليس بشيء، إلاَّ الزِّفْت، ولا أدري أعربيٌّ أم غيره. إلاَّ [أنَّهُ] قد جاء في الحديث: "المُزَفَّت"(7)، وهو المطليُّ بالزِّفت. والله أعلم بالصواب.‏

ـــــــــــــــــ

(1) زيفن، بكسر الزاء وفتح الفاء وتشديد النون، وبكسر الزاء وفتح الياء وسكون الفاء.‏

(2) في الأصل: "وازفره"، صوابه من المجمل.‏

(3) في الأصل "يزفر" صوابه من المجمل.‏

(4) في المجمل واللسان: "مطيقاً له" أي لذلك.‏

(5) في الأصل: " الزفرة"، وصوابه بطرح التاء، كما في المجمل واللسان والقاموس.‏

(6) البيت لأعشى باهلة، في اللسان (زفَر) من قصيدة يرثي بها المنتشر بن وهب الباهلي. انظر الأصمعيات 89 طبع المعارف، وجمهرة أشعار العرب 135، ومختارات ابن الشجري 10 وأمالي المرتضى 3: 105-113 والخزانة: (1: 89-97). وسيعيده في (نفل). وصدره :‏

* أخو رغائب يعطيها ويسألها *.‏

(7) في اللسان: "في الحديث أنه نهى عن المزفت من الأوعية".‏

 

ـ (باب الزاء والقاف وما يثلثهما)

(زقم) الزاء والقاف والميم أُصَيْلٌ يدلُّ على جِنْسٍ من الأَكْلِ. قال الخليل: الزَّقْمُ: الفِعْل، من أكل الزَّقُّومِ. والازْدِقَام: الابتلاع. وذكر ابن دريد(1) أنَّ بعض العرب يقول: تزقّم فلانٌ اللّبن، إذا أفرطَ في شُرْبِهِ.‏

(زقل) الزاء والقاف واللام ليس بشيء. على أنَّه حكِيَ عن بعض العرب: زَوْقَلَ فلانٌ عِمَامتَه، إذا أرخىطرَفَيْها من ناحيتَيْ رأسِه.‏

(زقو) الزاء والقاف والحرف المعتل أُصَيْلٌ يدلُّ على صوتٍ من الأصوات. فالزَّقْو: مصدرُ زَقَا الدِّيك يَزْقُو، ويقال إن كلَّ صائحٍ زَاقٍ. وكانت العرب تقول: "هو أَثْقَلُ من الزّواقي"، وهي الدِّيَكة؛ لأنهم كانوا يَسْمُرون فإذا صاحت الدِّيكة تفرَّقُوا. والزُّقَاء: زُقَاء الدِّيك.‏

(زقب) الزاء القاف والباء كلمة. يقال طريقٌ زَقَبٌ(2). أي ضيِّق.‏

(زقن) الزاء والقاف والنون ليس بشيء، على أنَّهم ربَّما قالوا: زَقَنْتُ الحِمْلَ أزقُنُه، إذا حَمَلْتَه.وأزقَنْتُ فلاناً: أعنتُهُ على الحِمْل. والله أعلم بالصواب.‏

ــــــــــــــــ

(1) الجمهرة (3: 14).‏

(2) وقيل الزقب. الطرق الضيقة. واحدتها زقبة. وقيل الواحد والجمع سواء.‏

 

ـ (باب الزاء والكاف وما يثلثهما)

(زكل) الزاء والكاف واللام ليس بأصل، وقد جاءت فيه كلمة: الزَّوَنْكَل من الرجال: القصير.‏

(زكم) الزاء والكاف والميم ليس فيه إلا الزُّكمَة والزُّكَام(1)، ويستعيرون ذلك فيقولون: فُلان زُكْمَة أبويه، وهو آخر أولادهما.‏

(زكن) : الزاء والكاف والنون أصلٌ يُختلَف في معناه. يقولون هو الظّنُّ، ويقولون هو اليقين. وأهل التحقيق من اللغويِّين يقولون: زكِنْتُ منك كذا، أي علِمْته. قال:‏

ولن يُراِجعَ قلبي حبَّهم أبداً *** زَكِنْتُ منهم على مثل الذي زَكِنوا(2)‏

قالوا: ولا يقال أَزْكَنْت، على أن الخليل قد ذكر الإِزْكان. ويقال: إنَّ الزَّكَن الظَّنّ.‏

(زكي) الزاء والكاف والحرف المعتلّ أصلٌ يدل على نَمَاءٍ وزيادة. ويقال الطَّهارة زكاة المال. قال *بعضهم: سُمِّيت بذلك لأنَّها مما يُرجَى به زَكاءُ المال، وهو زيادتهُ ونماؤه. وقال بعضُهم:سمِّيت زكاةً لأنّها طهارة. قالوا: وحُجّة ذلك قولُهُ جلَّ ثناؤُه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة 103]. والأصل في ذلك كلِّه راجع إلى هذين المعنيين، وهما النَّماء والطهارة. ومن النَّماء: زرْع زاكٍ، بيِّن الزكاء. ويقال هو أمْرٌ لا يَزْكُو بفلانٍ، أي لا يليق به. والزَّكا: الزَّوْج، وهو الشّفع.‏

فأمَّا المهموز فقريبٌ من الذي قبله. قال الفرّاء: رجلٌ زُكَأةٌ(3): حاضِر النَّقد كثيرُهُ. قال الأصمَعيّ: الزُّكَأَةُ: الموسِر.‏

وممّا شذَّ عن الباب جميعاً قولهم: زَكَأَتِ الناقة بولدها تَزْكَأُ به زَكْأً، إذا رمَتْ به عند رجليها.‏

(زكر) الزاء والكاف والراء أُصَيلٌ إن كان صحيحاً يدلُّ على وِعاء يسمى الزُّكْرة. ويقال زَكَّرَ الصبيُّ وتزكَّر:امتلأ بطنُهُ.‏

(زكت) الزاء والكاف والتاء أصلٌ إن صحَّ. يقال زَكَتُّ الإناء: ملأته. والله أعلم.‏

ـــــــــــــــ

(1) الزكمة والزكام، هو ذاك الداء المعروف في الأنف، ويقال له الأرض.‏

(2) البيت لقعنب بن أم صاحب، اللسان (زكن)، عدي الفعل بعلى لتضمينه معنى اطلعت.‏

(3) ضبطه في القاموس كصرد، وهمزة، وزكاء ـ كغراب.‏

 

ـ (باب الزاء واللام وما يثلثهما)

(زلم) الزاء واللام والميم أصلٌ يدل على نَحَافةٍ ودِقّة في ملاسة. وقد يشذّ عنه الشيء.  فالأصل الزَّلَمْ والزُّلَم: قِدْح يُسْتَقْسَمُ به. وكانوا يفعلون ذلك في الجاهليّة، وحُرِّمَ ذلك في الإسلام، بقولـه جلّ ثناؤه: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بالأَزْلاَم} [المائدة 3]. فأمَّا قول لبيد:

* تَزِلُّ عن الثَّرَى أزلامُها ([1]) *

فيقال إنّه أراد أظلاف البقرة؛ وهذا على التشبيه.

ويقولون: رجلٌ مُزَلَّمٌ: نَحيف. والزَّلَمة: الهَنَة المتدلِّية من عُنُق الماعزة، ولها زَلمتان. والزَّلَمُ أيضاً: الزَّمَع التي تكون خَلْفَ الظِّلْف. ومن الباب المُزَلَّم: السيِّئ الغِذاء، وإِنَّما قيل لـه ذلك لأنه يَنْحَُف ويَدِقُّ. فأمَّا قولهم: "هو العبد زَُلْمَةً"([2])، فقال قومٌ: معناه خالصٌ في العُبودية، وكان الأصل أنَّه شُبِّه بِما خَلف الأظلاف من الزَّمَع . وأمَّا الأزْلَم الجَذَع، فيقال إنَّه الدَّهر، ويقال إنَّ الأسَد يسمَّى الأزلم الجَذَع.([3])

(زلج) الزاء واللام والجيم أُصَيْلٌ يدلُّ على الاندفاع والدَّفْع. من ذلك المُزَلَّج من العيش، وهو المُدَافعُ بالبُلْغَة. والمُزَلَّج: الذي يُدفَع عن كلِّ خيرٍ من كِفَايةٍ وغَناء. قال:

دعَوْتُ إلى ما نابني فَأَجابَني *** كريمٌ من الفِتْيانِ غيرُ مُزَلَّجِ

والزَّلْج: السُّرْعَة في المشْيِ وغيرِه، وكلُّ سريعٍ  زالجٌ. وسَهْمٌ([4]) زالجٌ: يتزَلّج من القَوس. والمُزَلَّج: المدفوع عن حَسَبه. فأمّا المِزْلاج فالمرأة الرَّسْحَاء، وكأنها شُبِّهت في دِقّتها بالسَّهم الزّالج.

(زلح) الزاء واللام والحاء ليس بأصل في اللغة منقاسٍ، وقد جاءت فيه كلماتٌ الله أعلَمُ بصحَّتها، يقولون: قَصعة زَلَحْلَحَةٌ، وهي التي لا قَعْرَ لها.

وقال ابن السِّكيت: الزَّلَحْلَحُ من الرِّجال: الخفيف([5]). وقالوا: الزَّلَحْلَحُ الوادي الذي ليس بعميقٍ: فإن كان هذا صحيحاً فالكلمةُ تدلُّ على تبسُّط الشَّيءِ من غير قعر يكون لـه.

(زلخ) الزاء واللام والخاء أصلٌ إنْ صحَ يدلُّ على تزلُّق الشَّيء. فالزَّلْخ: المَزَِلَّة. ويقال بئرٌ زَلُوخٌ، إذا كان أعلاها مَزَِلّة يُزْلِق مَنْ قام عليه. ويقال إنَّ الزَّلْخ: رفْعُك يدَك في رَمْي السهم إلى أقصى ما تقدِرُ عليه، تريد به الغَلْوة([6]). قال:

* مِنْ مائةٍ زَلْخ بِمِرِّيخٍ غالْ([7]) *

وقال بعضهم الزَّلْخُ: أقصى غايةِ المغَالي، ويقولون: إن الزُّلَّخَة عِلّة([8]). وهو كلامٌ يُنْظَرُ فيه.

(زلع) الزاء واللام والعين أصلٌ يدلُّ على تَفَطُّرٍ وزَوَالِ شيء عن مكانه. فالزَّلَع: تفطُّر الجِلد. تَزَلَّعَت يدُهُ: تشقَّقَت. ويقال: زَلِعَت جراحته: فسدَتْ. قال الخليل: الزَّلَع: شُقاقُ ظاهِرِ الكفّ. فإن كانَ في الباطن فهو كَلَع. والزَّلْع: استلابُ شيءٍ في خَتْل.

(زلف) الزاء واللام والفاء يدلُّ* على اندفاعٍ وتقدمٍ  في قرب إلى شيء. يقال من ذلك ازدَلَف الرجلُ: تقدَّم. وسمِّيَت مُزْدَلِفَة بمكة، لاقترابِ الناس إلى مِنَىً بعد الإفاضة من عَرَفات. ويقال لفُلانٍ عند فلانٍ زُلفَى، أي قرْبى. قال الله جلَّ وعزَّ: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى}  [ص 25 و 40]. والزَّلف والزُّلْفَة: الدَّرجة والمنْزلة. وأزْلَفت الرجلَ إلى كذا: أدنَيته. فأما قولُ القائل:

حتى إذا ماءُ الصَّهاريجِ نَشَفْ *** من بَعدِ ما كانت مِلاَءً كالزَّلَفْ([9])

فقال قومٌ: الزَّلَف: الأجاجِينُ الخُضْر. فإن كان كذا فإِنما سُمِّيَت بذلك لأن الماء لا يثبُت فيها عند امتلائِها، بل يندفع. وقال قومٌ: المزالف هي بلادٌ بين البرِّ والرِّيف. وإنّما سُمِّيت بذلك لقُرْبِها من الرِّيف. وأما الزُّلَف من الليل، فهي طوائفُ منه؛ لأنَّ كلَّ طائفةٍ منها تقربُ من الأخرى.

(زلق) الزاء واللام والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تزلُّج الشيء عن مقامهِ. من ذلك الزَّلَق. ويقال أَزْلَقَتِ الحامل، إذا أَزْلَقَتِ ولدَها. ويقال ـ وهو الأصحُّ ـ إِذا ألقَتِ الماء ولم تقبَلْهُ رَحِمُها. والمَزْلَقَة والمَزْلَق: الموضع لا يُثْبَت عليه. فأمَّا قَولُه جلَّ ثناؤُه: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} [القلم 51]. فحقيقة معناه أنَّه مِنْ حِدّة نظرِهما حَسَدَاً، يكادون يُنحُّونَك عن مكانِك. قال:

* نظراً يُزيل مواطئ الأقدامِ([10]) *

ويقال إنَّ الزَّلِق: الذي إذا دنا من المرأة رَمَى بِمائِهِ قبل أن يَغْشاها. قال:

* إنَّ الزُّبير زَلِقٌ وَزُمَّلِق([11])  *

وقال ابنُ الأعرابيّ: زَلَقَ الرَّجلُ رأسه: حَلَقه. فأما قولُ رُؤبة:

* كَأَنّها حَقْبَاءُ بَلْقَاءُ الزَّلَقْ([12]) *

فيقال إنّ الزَّلَق العَجُز منها ومِنْ كلِّ دابة. وسُمِّيت بذلك لأنَّ اليدَ تَزْلَقُ عنها، وكذلك ما يصيبُها من مَطَرٍ وندى. والله أعلم.

ـــــــــــــــــ

([1]) قطعة من بيت لـه في معلقته. وهو بتمامه:

حتى إذا انحسر الظلام وأسفرت *** بكرت تزل عن الثرى أزلامها

([2]) هو كغرفة وتمرة وشجرة ولمزة.

([3])  كذا في الأصل: ولم أجده لغيره.

([4]) في الأصل: "ومنهم" صوابه في المجمل واللسان.

([5]) ذكر في القاموس ولم يذكر في اللسان.

([6]) الغلوة: قدر رمية  بسهم. وفي اللسان والتاج: "تريد به بعد الغلوة". لكن ورد هكذا في الأصل والمجمل.

([7]) البيت في المجمل واللسان (مرخ، غلا).

([8]) قال ابن سيده: وهو داء يأخذ في الظهر والجنب، وأنشد:

كأن ظهري أخذته زلخه *** لما تمطى بالفرى المفضخه

([9]) الرجز للعماني ، كمافي اللسان (زلف).

([10]) البيت في البيان والتبيين: (1: 11)، من مكتبة الجاحظ. وأنشده في اللسان (قرض، زلق)، وصدره:  * يتقارضون إذا التقوا في موطن *.

([11]) هو للقلاخ بن حزن المنقري. وكذا أنشده في اللسان (زملق)، والمخصص (5: 115): "إن الحصين". على أنه ذكر أن صواب روايته: "إن الجليد" وهو الجليد الكلابي. وذلك لأن في الرجز: *يدعى الجليد وهو فينا الزملق*.

([12]) سبق إنشاد البيت في (حقب)، وسيعيده في (غني). وهو في ديوانه 104 واللسان (حقب، زلق)، والمخصص (6: 143).

 

ـ (باب الزاء والميم وما يثلثهما)

(زمن) الزاء والميم والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على وَقتٍ من الوقت. من ذلك الزَّمان، وهو الحِين، قليلُهُ وكثيرُهُ. يقال زَمانٌ وزَمَن، والجمع أَزمانٌ وأزمنَة. قال الشَّاعر في الزّمن:

وكنتُ امرأً زَمَناً بالعرَاقِ *** عَفيف المُناخِ طويلَ التَّغَنّْ([1])

وقال في الأزمان:

*أزمانَ لَيْلَى عامَ لَيْلَى وَحَمي([2])*

ويقولون: "لقيتُهُ ذات الزُّمَيْن" يُراد بذلك تراخِي المُدّة. فأما الزّمانة التي تصِيب الإنسانَ فتُقْعِده، فالأصلُ فيها الضّاد، وهي الضَّمَانة. وقد كُتِبَتْ بقياسها في الضّاد.

(زمت) الزاء والميم والتاء ليس أصلاً؛ لأنَّ فيه كلمةً وهي من باب الإبدال. يقولون رجلٌ زَمِيت وزِمِّيت، أي سِكّيت. والزاء في هذا مبدلة من صاد، والأصل الصَّمْت.

(زمج) الزاء والميم والجيم ليس بشيء. ويقولون: الزُّمَّج: الطائر([3]). والزِّمِجَّى: أصل ذَنَب الطّائر. والأصل في هذا الكاف: زِمِكَّى. ويقال زَمَجْتُ السِّقاء: ملأتُهُ. وهذا مقلوبٌ، إنما هو جَزَمْتُهُ. وقد مضى ذِكرُه.

(زمح)([4]) الزاء والميم والحاء كلمةٌ واحدة. يقولون للرّجُل القَصير: زُمَّح.

(زمخ) الزاء والميم والخاء ليس بأصل. قال الخليل: الزامخ الشّامخ بأنفه. والأُنُوف الزُّمّخ: الطوال. وهذا إن كان صحيحاً فالأصل فيه الشين "شمخ".

(زمر) الزاء والميم والراء أصلان: أحدهما يدلُّ على قِلّة الشيء، والآخر جنسٌ من الأصوات.

فالأوّل الزَّمَر: قلّة الشِّعَْر. والزَّمِر: قليل الشَّعرْ. ويقال رجلٌ زَمِرُ المروءة، أي قليلها.

الأصل الآخر الزَّمْر والزِّمار: صوت النعامة. يقال زَمَرت تَزْمُر وتَزْمِر زِماراً.

وأما الزَّمَّارة التي جاءت في الحديث: "أنَّه نَهَى عن كسْب الزَّمَّارة" فقالوا: هي الزَّانية. فإنْ صحَّ هذا فلعل نَغْمتها شُبّهت بالزَّمْر. على أنهم قد قالوا إنما هي الرّمّازة: التي ترمِز بحاجبيها للرجال. وهذا أقرب.

(زمع) الزاء والميم والعين أصلٌ واحد يدلّ على الدُّون والقِلّة والذِّلّة.

من ذلك الزَّمَع، وهي التي تكون خَلف أظلاف الشّاء. وشبه بذلك رُذَال الناس. فأمّا قول الشمَّاخ:

* عكرِشَةٍ زَمُوعِ([5]) *

فالعِكرشة الأُنثى من الأرانب. والزَّمُوع: ذات الزَّمَعات. فهذا هذا الباب.

وأمّا قولهم في الزَّماع، وأزْمَع كذا، فهذا لـه وجهان: أحدهما أن يكون مقلوباً من عزم، والوجه الآخَر أن تكون الزاء [مبدلةً] من الجيم، كأنّهُ مِن إجماع القوم وإجماع الرأي.

ومن الباب قولهم للسّريع([6]) : زميع. وينشدون:

* داعٍ بعاجلةِ الفِراقِ زَميعُ([7]) *

قالوا: والزّميع الشجاع الذي يُزْمِع ثم لا ينثني، والجميع الزُّمَعاء. والمصدر الزَّمَاع. قال الكسائيّ: رجلٌ زَمِيع الرّأي، أي جيِّده. والأصلُ فيه ما ذكرتُهُ من القلب أو الإبدال.

وأمَّا الزَّمَع الذي يأخذُ الإنسانَ كالرِّعدة، فهو كلامٌ مسموع، ولا أدري ما صحَّتُهُ، ولعلَّهُ أن يكون من الشاذّ عن الأصل الذي أصَّلتُهُ.

(زمق) الزاء والميم والقاف ليس بشيء، وإن كانوا يقولون: زَمَقَ شَعَره، إذا نَتَفه. فإنْ صَحَّ فالأصل زَبقَ. وقد ذكر.

(زمك) الزاء والميم والكاف. ذكر ابنُ دريد وغيره أنَّ الزاء والميم والكاف تدلُّ على تداخُل الشيء بعضه في بعض. قال: ومنه اشتقاق الزِّمِكَّى، وهي مَنْبِت ذنَب الطائر.

(زمل) الزاء والميم واللام أصلان: أحدهما يدلُّ علىحَملِ ثِقْل من الأثقال، والآخر صوتٌ.

فالأول الزَّامِلة، وهو بعيرٌ يستظهِرُ به الرَّجل، يحملُ عليه متاعَه. يقال ازدَمَلْت([8]) الشّيءَ، إذا حملتَه. ويقال عِيالاتٌ أَزْمَلَةٌ، أي كثيرة. وهذا من الباب، كأنَّهُمْ كَلُّ أحمالٍ، لا يضطلعون ولا يطيقون أنفسَهم.

ومن الباب الزُّمَّيل، وهو الرجل الضعيف، الذي إِذا حَزَبهُ أمرٌ تَزَمَّلَ، أي ضاعَفَ عليه الثِّياب حتَّى يصير كأنّه حِمْل. قال أُحيحة:

لا وأبيك ما يُغنِي غَنائِي *** من الفِتيانِ زُمَّيل كَسُولُ([9])

والمُزَامَلة: المعادلة([10]) على البعير.

فأمّا الأصل الآخَر فالأزْمَلُ، وهو الصّوتُ في قول الشاعر:

* لها بعد قِرَّاتِ العَشيّاتِ أَزْمَلُ *

ومما شذّ عن هذين الأصلين الإِزْمِيل: الشَّفْرَة([11]). ومنه أخذت الشيءَ بأَزْمَلِه.

ــــــــــــــــــ

([1]) التغني: الاستغناء. والبيت للأعشى في ديوانه 22 واللسان (غنا) والمخصص ( 12: 276).

([2]) أنشده في اللسان (وحم). وقال: "والوحم: اسم الشيء المشتهى". وكذا أنشده في المخصص (1: 19)، قال: "يقول : ليلى هي التي تشتهيها نفسي". وهو للعجاج في ديوانه 58.

([3]) أي الطائر المعهود، وهو طائر دون العقاب يصاد به. وفي المجمل: "طائر".

([4]) وردت هذه المادة في الأصل بعد (زمت)، ورددتها إلى هذا الترتيب وفقاً لنظام ابن فارس ولما ورد في المجمل.

([5]) جزء من بيت له ديوانه 61 واللسان (زمع)، وهو:

فما تنفك بين عويرضات *** تجر برأس عكرشة زموع

([6]) في الأصل (للسرمع) صوابه من المجمل واللسان.

([7]) البيت بتمامه كما في اللسان (زمع):

ودعا ببينهم غداة تحملوا  *** داع بعاجلة الفراق زميع

([8]) في الأصل: "أزملت"، صوابه من اللسان (13-331).

([9]) أنشده في المجمل (زمل).

([10]) المعادلة: أن يكون عديلاً له. وفي الأصل: "المعاملة". صوابها من المجمل واللسان.

([11]) قيده في اللسان بشفرة الحذّاء. وأنشد لعبدة بن الطبيب:

عيرانة ينتحي في الأرض منسمها *** كما انتحى في أديم الصرف إزميل

 

 

ـ (باب الزاءِ والنون والحرف المعتل)

(زني) الزاء والنون والحرف المعتل لا تتضايف، ولا قياس فيها لواحدةٍ على أخرى. فالأوَّل الزِّنَى، معروف. ويقال إنّه يمدّ ويقصر. وينشد للفرزدق:

أبا حاضِرٍ مَنْ يَزْنِ يُعرَف زنَاؤُهُ  *** ومن يَشْرَبِ الخمر لا بدّ يَسْكرُ([1])

ويقال  في النسبة إلى زِنَىً زِنَويّ، وهو لزِنْيَةٍ وزَنْيَةٍ، والفتح أفصح.

والكلمة الأخرى مهموز. يقال زَنَأت في الجبل أزنأ زُنُوءَاً وزَنْأً. والثالثة: الزَّنَاء، وهو القصير من كلِّ شيء. قال:

وتُولجُ في الظِّلِّ الزَّنَاء رؤوسَها *** وتحسَِبُها هِيماً وهنَّ صحائحُ([2])

وقال آخر([3]):

وإِذَا قُذِفْتُ إلى زَنَاءٍِ قعْرُها *** غبراءَ مُظْلِمةٍ منَ الأحْفارِ([4])

والرابعة: (الزَّنَاء)([5]): الحاقن بولَه. ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنْ يصلي الرجل وهو زَنَاء.

(زنج) الزاء والنون والجيم ليس بشيء. على أَنهم يقولون الزَّنَج: العطش، ولا قياس لذلك.

(زنح) الزاء والنون والحاء كالذي قبله. وذكر بعضهم أن التزَنُّح التفتُّح في الكلام.

(زند) الزاء والنون* والدال أصلان: أحدهما عضو من الأعضاء، ثم يشبه به. والآخَر دليلُ ضيقٍ في شيء.

فالأوَّل الزَّند، وهو طَرَف عظم الساعد، وهما زَنْدان، ثم يشبه به الزند الذي يُقدَح به النار، وهو الأعلى، والأسفل الزَّنْدَة.

والأصل الآخر: المُزَنَّد؛ يقال ثوبٌ مُزَنَّد، إذا كان ضيّقاً؛ وحوضٌ مُزنّدٌ مثله. ورجلٌ مزنَّد: ضيِّق الخُلُقِ. قال ابن الأعرابي: يقال([6]) تزنَّد فلانٌ، إذا ضاقَ بالجوابِ وغضِب. قال عديّ:

* فقُلْ مثلَ ما قالوا ولا تتَزَنَّدِ *

ومن الباب المُزَنَّد، وهو الحمِيل،([7]) يقال زنَّدْتُ الناقة، إذا خَلَّلت أشاعرها بأخِلّة صغار، ثُمَّ شددتَها بشَعر، وذلك إذا انْدحفت رحِمُها بعد الولادة.

(زنر) الزاء والنون والراء ليس بأصلٍ؛ لأنّ النون لا يكون بعدها راء. على أنّ في الباب كلمة. يقولون: إن الزَّنانِير الحصى الصِّغار إذا هبَّت عليها الريحُ سمعتَ لها صَوتاً. [والزَّنَانِير: أرضٌ بقرب جُرَشَ].([8]) وقال ابن مقْبل:

*زَنَانِيرُ أَرواحَ المصيفِ لها ([9]) *

(زنق) الزاء والنون والقاف أصل يدلُّ على ضيقٍ أو تضْييق. يقولون: زَنَقْت الفَرسَ، إذا شَكَلْته في قوائمه الأربع. والزَّنقَة كالمدخل في السِّكّة([10]) وغيرها في ضيق وفيها مَيل. ويقال لضربٍ من الحُليّ زِنَاقٌ.

(زنك) الزاء والنون والكاف ليس أصلاً ولا قياسَ لـه. وقد حُكِيَ الزَّوَنَّك: القصير الدَّميم.

(زنم) الزاء والنون والميم أصلٌ يدلُّ على تعليق شيء بشيء. من ذلك الزَّنيم، وهو الدَّعِيُّ. وكذلك المُزَنَّمُ؛ وشُبّه بزنَمَتَي العنز، وهما اللتان تتعلَّقان من أذنها. والزَّنَمة: اللَّحمة المتدلّية في الحلْق. وقال الشاعر في الزَّنيم:

زَنيمٌ تَداعاهُ الرِّجالُ زيادةً *** كما زِيدَ  في عَرضِ الأديمِ الأكارعُ([11])

ــــــــــــــــ

([1]) كذا ورد إنشاده في الأصل محرفاً. والذي في الديوان 383 واللسان (زنا، سكر):

*ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا *.

وقبله:

أبا حاضر ما بال برديك أصبحا *** على ابنةِ فروج رداء ومئزرا

([2]) البيت لابن مقبل، كما في اللسان (زنأ).

([3]) هو الأخطل. ديوانه 81 واللسان (زنأ).

([4]) الأحفار: جمع حفر بالتحريك، وهو المكان المحفور. وقبل البيت في ديوانه:

بأبي سليمان الذي لولا يد *** منه علقت بظهر أحدب عاري

([5]) الزّناء كسحاب، بتخفيف النون.

([6]) في الأصل: "مقابل".

([7]) الحميل: بالحاء المهملة، وهو الدعي في النسب. في الأصل: "الجميل" صوابه في المجمل.

([8]) التكملة من الجمل، ويقتضيها الاستشهاد بالبيت التالي.

([9]) قطعة من بيت له، وهو بتمامه كما في اللسان ومعجم البلدان (406) :

تهدى زنانير أرواح المصيف لها *** ومن ثنايا فروج الغور تهدينا

([10]) في الأصل: "التكة"، صوابه من المجمل واللسان.

([11]) للخطيم التميمي. وهو شاعر جاهلي، كما في اللسان (زنم).

 

ـ (باب الزاءِ والهاءِ  والحرف المعتل)

(زهو) الزاء والهاء والحرف المعتل أصلان: أحدها يدلُّ على كِبْر وفَخْر، والآخر على حُسْن.

فالأوَّل الزَّهْو، وهو الفخر. قال الشاعر([1]):

مَتى ما أشأ غير زَهْوِ الملوكِ *** أجعلْكَ رَهطا على حُيَّضِ

ومن الباب: زُهِيَ الرجل فهو مَزْهوٌّ، إذا تفخَّر وتعظّم.

ومن الباب: زَهَتِ الريح النباتَ، إذا هَزَّتْهُ، تَزْهاه. والقياس فيه أن المعْجَب([2]) ذَهَبَ بنفسه متمايلاً([3]).

والأصل الآخر: الزَّهو، وهو المنظر الحسَن. من ذلك الزَّهْو، وهو احمرار ثمر النخل واصفرارُهُ. وحكى بعضهم زَهَى وأَزْهَى. وكان الأصمعيُّ يقول: ليس إلاَّ زَهَا. فأمَّا قول ابن مُقْبِل:

ولا تقولَنَّ زَهْوَاً ما تُخَبِّرُني *** لم يترك الشيبُ لِي زَهْوَاً ولا الكِبرُ([4])

فقال قوم: الزَّهو: الباطل والكَذِب، والمعنى فيه أنَّه من الباب الأول، وهو من الفخر والخُيَلاء.

وأما الزُّهَاء فهو القَدْر في العَدَد، وهو ممّا شذ عن الأصلين جميعاً.

(زهد) الزاء والهاء والدال أصلٌ يدلُّ على قِلّةِ الشيء. والزّهِيد: الشيء القليل. وهو مُزْهِدٌ: قليل المال.([5]) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضلُ النّاسِ مؤْمِنٌ مُزْهِدٌ" وهو المُقِلُّ، يقال منه: أَزْهَد إِزْهَاداً. قال الأعشى:

فلَنْ يَطْلبُوا سِرَّها للغِنَى *** ولن يسلِموها لإزهادها([6])

قال الخليل: الزَّهادة في الدُّنيا، والزُّهْد في الدِّين خاصة. قال اللِّحياني: يقال رجل زَهيدٌ: قليل المَطعَم، وهو ضيِّق الخُلُقِ أيضاً. وقال بعضهم الزَّهِيد: الوادي القليل الأخذ للماء. والزَّهَاد: الأرض التي تَسيلُ من أدنى مطر.

وممّا يقرُبُ من الباب قولهم: "خُذْ زَهْدَ ما يكفِيكَ"، أي قَدْرَ ما يكفِيك ويُحكى عن الشيبانِيّ ـ إن صح فهو شاذٌّ عن الأصل الذي أصّلناه  ـ قال: زَهَدْت النَّخْلَ، وذلك إذا خَرَصْتَه.

(زهر) الزاء والهاء والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حُسنٍ وضِياء وصفاء. من ذلك الزُّهَرة: النجم. ومنه الزَّهْر، وهو *نَور كلِّ نبات؛ يقال أزهر النّبات. وكان بعضهم([7]) يقول: النّور الأبيضُ، والزّهر الأصفر، وزَهْرَة الدُّنيا: حُسْنها. والأزهر: القمر. ويقال زَهَرَت النّارُ: أضاءت، ويقولون: زَهَرَتْ بك ناري.

ومما شذّ عن هذا الأصل قولُهم: ازدهرتُ بالشيء، إذا احتفظتَ به. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي قَتادة في الإناء الذي أعطاه: "ازْدَهِرْ بِهِ فإنَّ له شأناً"، يريد احتفظ به . وممكنٌ أن يُحمَل هذا على الأصل أيضاً؛ لأنه إذا احتفظ به فكأنّه من حيثُ استحسنه. وقال:

* كما ازْدَهَرَت ([8])*

ولعل المِزْهَر الذي هو العُود محمولٌ على ما ذكرنَاه من الأصل؛ لأنّه قريب منه.

(زهم) الزاء والهاء والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على سَمِن وشحمٍ وما أشبه ذلك. من ذلك الزَّهَم، وهو أن تَزْهَم اليدُ من اللّحم. وذكر ناسٌ أنَّ الزُّهْم شَحم الوحش، وأنَّه اسمٌ لذلك خاصَّة، ويقولون للسَّمين زَهِمٌ. فأمّا قولُهم في الحكاية عن أبي زيدٍ أن المزَاهَمة القُرب، ويقال زَاهَمَ فلانٌ الأربعينَ، أي داناها، فممكنٌ أن يُحمَل على الأصل الذي ذكرناه، لأنّه كأنّه أراد التلطُّخ بها ومُماسّتها. ويمكن أنْ يكون من الإبدال، وتكون الميم بدلاً من القاف، لأنَّ الزاهق عَيْنُ السّمين([9]). وقد ذكرناه.

(زهق) الزاء والهاء والقاف أصلٌ واحدٌ  يدلُّ على تقدّم ومضيّ وتجاوز. من ذلك زَهَقَتْ نفسه. ومن ذلك: [زَهَقَ] الباطل، أي مضى. ويقال زَهَقَ الفرسُ أمامَ الخيل، وذلك إذا سَبَقَها وتقدَّمها. ويقال زَهَقَ السّهم، إذا جَاوَزَ الهَدَف. ويقال فرسٌ ذات أَزَاهيقَ، أي ذات جَرْيٍ وسَبْقٍ وتقدم.

ومن الباب الزَّهْق، وهو قَعْرُ الشيء؛ لأن الشيء يزهق فيه إذا سقط. قال رؤبة:

* كأنَّ أيديَهنَّ تَهْوِي بالزَّهَق([10]) *

فأمَّأ قولهم: أَزْهَقَ إِناءَه، إذا ملأَه، فإن كان صحيحاً فهو من الباب؛ لأنه إذا امتلأ سَبَقَ وفاضَ ومَرَّ. ومن الباب الزَّاهق، وهو السَّمِين، لأنَّه جاوزَ حدّ الاقتصاد إلى أن اكتنَزَ من اللحم([11]). ويقولون: زَهَقَ مخُّه: اكتنَز. قال زُهير في الزَّاهق:

القائدُ الخيلَ منكوباً دوابِرُها *** منها الشَّنُونُ ومنها الزَّاهِقُ الزَّهِمُ([12])

ومِنَ الباب الزَّهُوق، وهو البئر البعيدة القعر.

فأما قولهم: النَّاسُ زُهاقُ مائة، فممكن إن كان صحيحاً أن يكون من الأصل الذي ذكرنا، كأنَّ عددَهم تقدَّمَ حتَّى بلغ ذلك. وممكن أن يكون من الإبدال، كأنَّ الهمزة أُبْدِلَتْ قافاً. ويمكن أن يكون شاذّاً.

(زهف) الزاء والهاء والفاء أصلٌ يدلُّ على ذهاب الشيء. يقال ازدهَفَ الشيءَ، وذلك إذا ذَهَبَ به. قالت امرأةٌ من العرب:

يا من أحسَّ بُنَيَّيَّ اللذين هما  *** سَمعِي ومُخّي فمُخّي اليوم مزدَهَفُ([13])

ويقال منه أَزْهَفَهُ الموتُ، ومن الباب ازدَهَفه، إذا استعجَلَه. قال:

قولك أقوالاً مع التَّحلافِ  *** فيه ازدهافٌ أيما ازدهافِ([14])

وقال قوم: الازدهاف التزيُّد في الكلام. فإن كان صحيحاً فلأنّه ذَهابٌ عن الحقّ ومجاوزةٌ له.

(زهل) الزاء والهاء واللام كلمةٌ تدلُّ على ملاسةِ الشَّيء. يقال فرس زُهْلول، أي أملس.

(زهك) الزاء والهاء والكاف ليس فيه شيء إلا أن ابنَ دريد ذكر أنهم يقولون: زَهَكت الرِّيح التّرابَ، مثل سَهَكَتْ.

ـــــــــــــــ

([1]) هو أبو المثلم الهذلي، كما في اللسان (رهط، زهو)، وقد سبق البيت في (2: 450).

([2]) في الأصل "المعجب".

([3]) في الأصل: "زهت بنفسه متمائلا".

([4]) روايته في اللسان: "ولا العور". ورواية الصحاح تطابق رواية ابن فارس.

([5]) في الأصل: "الماء" صوابه من المجمل واللسان.

([6]) ديوان الأعشى 56 واللسان (زهد).  وفي شرح الديوان: "قرأت على أبي عبيدة لإزهادها، فلما قرأتُ عليهِ الغريب قال: لأزهادها، بالفتح".

([7]) هو ابن الأعرابي ، كما في اللسان (زهر).

([8]) قطعة من بيت في اللسان (زهر) وهو بتمامه:

كما ازدهرت قينة بالشراع *** لأسوارها عل منها اصطباحا

([9]) في الأصل: "عند السمين"، وانظر س 13 من هذه الصفحة.

([10]) ديوان رؤبة 106 واللسان (زهق).

([11]) في الأصل: "إلى أكثر من اللحم".

([12]) ديوان زهير 153 واللسان (زهق).

([13]) في اللسان (زهف):

بل من أحسَّ بريمي اللذين هما *** قلبي وعقلي فعقلي اليوم مزدهف.

([14]) الرجز لرؤبة في ديوانه ص 100.

 

 

ـ (باب الزاء والواو وما يثلثهما)

(زوي) الزاء والواو والياء أصلٌ يدلُّ على انضمامٍ وتجمُّع. يقال زوَيت الشَّيءَ: جمعته. قال رسول الله *صلى الله عليه وآله: "زُوِيتِ الأرضُ فأُرِيتُ مَشارِقَها ومغارِبَها، وسيبلغُ مُلْكُ أمّتي ما زُوِيَ لي منها". يقول: جُمِعَت إِليّ الأرضُ. ويقال زَوَى الرجلُ ما بين عينيه، إِذا قبضَه. قال الأعشى:

يزيدُ يَغضُّ الطَّرْف دُوني كأنَّما *** زَوَى بين عينيه عليَّ المحاجمُ([1])

فلا ينبسِطْ مِن بين عينَيكَ ما انزَوَى *** ولا تَلقَني إلاّ وأنفُكَ راغمُ

ويقال انْزَوتِ الجِلدةُ في النار، إذا تَقَبَّضت. وزَاوية البيت لاجتماع الحائِطَين([2]). ومن الباب الزِّيّ: حُسْن الهيئة. ويقال زوى الإِرثَ عن وارثِه يَزوِيه زَيّاً.

ومما شذَّ عن هذا الأصل ولا يُعلم لـه قياسٌ ولا اشتقاق: الزَّوْزَاة: حُسن الطرد([3])، يقال زَوْزَيْتُ به.

ويقال الزِّيزَاء: أطراف الرِّيش. والزِّيزاةُ: الأكَمة، والجمع الزِّيزاء، والزَّيازِي، في شعر الهذليّ([4]):

* ويوفِي زَيازِيَ حُدْبَ التّلالِ *

ومن هذا قدرٌ زُوَزِيَةٌ، أي ضخمة([5]).

وممَّا لا اشتقاقَ له الزَّوْء، وهي المَنِيّة([6]).

(زوج) الزاء والواو والجيم أصلٌ يدلُّ على مقارنَة شيءٍ لشيء. من ذلك [الزّوج زوج المرأة. والمرأةُ([7])] زوج بعلِها، وهو الفصيح. قال الله جل ثناؤه: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة 35، الأعراف 19]. ويقال لفلانٍ زوجانِ من الحمام، يعني ذكراً وأنثى. فأمّا قولُه جلّ وعزّ في ذِكْر النبات: {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج 5، ق7]، فيقال أراد به اللَّون، كأنَّه قال: من كل لونٍ بهيج. وهذا لا يبعد أن يكون مِن الذي ذكرناه؛ لأنه يزوَّج غَيْرَه ممّا يقاربه. وكذلك قولهم للنَّمَط الذي يُطرَح على الهودج زَوج؛ لأنَّه زوجٌ لما يُلْقَى عليه. قال لبيد:

مِن كل محفوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّهُ *** زَوْجٌ عليه كِلّةٌ وقِرامُها([8])

(زوح) الزاء والواو والحاء أصلٌ يدلُّ على تنَحٍّ وزوال . يقول زاح عن مكانه يزُوح، إذا تنحَّى، وأزحتُه أنا. وربَّما قالوا: أزاح يُزِيح.

(زود) الزاء والواو والدال أصلٌ يدل على انتقالٍ بخير، من عملٍ أو كسبٍ. هذا تحديدٌ حَدَّهُ الخليل. قال كلُّ مَن انتقل معه بخيرٍ مِنْ عملٍ أو كسب فقد تزوَّد. قال غيره: الزَّود: تأسيس الزّاد، وهو الطعام يُتَّخَذ للسَّفر. والمِزْوَد: الوعاء يُجْعَل للزاد. وتلقب العَجم برِقاب المَزاوِدِ.

(زور) الزاء والواو والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على المَيْل والعدول. من ذلك الزُّور: الكذب؛ لأنه مائلٌ عن طريقَةِ الحق. ويقال زوَّرَ فلانٌ الشَّيءَ تزويراً. حتَّى يقولون زوَّر الشيءَ في نفْسه: هيّأَهُ، لأنَّهُ يَعدِل به ِعن طريقةٍ تكون أقربَ إلى قَبولِ السامعِ. فأمَّا قولهم للصَّنم زُور فهو القياس الصحيح. قال:

* جاؤوا بزُورَيْهِمْ وجئنا بالأَصَمّْ([9]) *

والزَّوَر: الميل. يقال ازورَّ  عن كذا، أي مالَ عنه.

ومن الباب : الزائر، لأنّه إذا زارَك فقد عدَلَ عن غيرك.

ثم يُحمل على هذا فيقال لرئيس القوم وصاحِب أمرهم: الزُّوَيْر، وذلك أنهم يعدِلون عن كلِّ أحدٍ إليه. قال:

بأيدِي رجالٍ لا هَوادةَ بينهمْ *** يَسُوقون للموت الزُّوَيْر اليَلَنْدَدا([10])

ويقولون: هذا رجلٌ ليس له زَوْرٌ، أي ليس له صَيُّورٌ يرجِع إليه. والتزوير: كرامة الزَّائِر. والزَّوْرُ: القومُ الزُّوَّار؛ يقال ذلك في الواحد والاثنين والجماعة والنِّساء. قال الشاعر:

ومشيُهنَّ بالخُبَيْبِ المَوْرُ([11]) *** كما تَهَادى الفَتَياتُ الزَّوْرُ

فأمَّا قولهم إن الزِّوَرَّ القويّ الشديد، فإنما هو من الزَّوْر، وهو أعلى الصدر شاذٌّ عن الأصل الذي أصّلْناه.

(زوع) الزاء والواو والعين كلمةٌ واحدة. يقال زَاعَ الناقة بزمامها زَوْعاً. إذا جذبها. قال ذو الرّمة:

* زُعْ بالزِّمام وجَوْزُ الليلِ مرْكومُ *([12])

(زوف) الزاء والواو والفاء ليس بشيء، إلاّ أنّهم يقولون موتٌ *زُوَاف: وحِيٌّ.

(زوق) الزاء والواو والقاف ليس بشيء. وقولهم زَوَّفْتُ الشيءَ إذا زَيّنتهُ وموّهته، ليس بأصل، يقولون إنّهُ من الزَّاوُوق، وهو الزِّئبق. وكلُّ هذا كلام.

(زوك) الزاء والواو والكاف كلمةٌ إن صحت. يقولون إنَّ الزَّوْكَ مِشية الغُراب. وينشدون:

* في فُحْشِ زانيةٍ وزَوْكِ غُرَابِ([13]) *

ويقولون من هذا زَوْزَكَت المرأة، إذا أسرعت في المشي. وهذا باب قريبٌ من الذي قبلَه.

(زول) الزاء والواو واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تنحّي الشيءِ عن مكانه. يقولون: زال الشيءُ زَوالاً، وزالت الشمس عن كبد السماء تزُول. ويقال أزَلْتُهُ عن المكان وزوّلته عنه. قال ذو الرمة:

وبيضاءَ لا تَنحاشُ مِنّا وأُمُّها  *** إذا ما رأتْنا زِيل منا زَوِيلُها([14])

ويقال إنّ الزّائلة كلُّ شيء يتحرك. وأنشد:

وكنت امرأً أرمي الزّوائِلَ مَرَّةً *** فأصبحْتُ قد ودَّعْت رَمْيَ الزّوائِل([15])

ومما شذّ عن الباب قولُهم: شيءٌ زوْل، أي عَجَب. وامرأةٌ زَولة، أي خفيفة. وقال الطرِمّاح:

وألقَتْ إليَّ القولَ منهنَّ زَوْلةٌ *** تُخَاضِنُ أو ترنُو لقول المُخاضِنِ([16])

(زون) الزاء والواو والنون ليس هو عندي أصلاً. على أنّهم يقولون: الزَّون: الصّنَم. ومرّة يقولون: الزَّوْن بيت الأصنام. وربما قالوا([17]) زانَه يَزُونه بمعنى يَزِينه([18]).

ومن الباب الزِّوَنَّة: القصيرة من النِّساء. والرجل زِوَنّ. وربما قالوا: الزَّوَنْزَى: القصير. وكله كلام.

ــــــــــــــــــ

([1]) ديوان الأعشى 58 واللسان (زوى).

([2]) في المجمل: "وزاوية البيت سميت للاجتماع".

([3]) في المجمل واللسان: "شبه الطرد".

([4]) هو أسامة بن الحارث الهذلي من قصيدته في شرح السكري للهذليين 180 ونسخة الشنقيطي 79. وصدر البيت: * وظل يسوف أبوالها *

([5]) حق هذه الكلمة وما قبلها من أول هذه الفقرة أن يكون في مادة (زبز).

([6]) في الأصل: "المسنة"، تحريف.

([7]) التكملة من المجمل.

([8]) من معلقة لبيد.

([9]) الرجز للأغلب، أو ليحيى بن منصور. انظر اللسان (زور).

([10]) أنشده في اللسان (5: 427).

([11]) الخبيب: مصغر الخُب بالضم، وهو الغامض من الأرض، وفي اللسان: "ومشيهن بالكثيب مور".

([12]) صدره كما في ديوانه 579 واللسان (زوع):

*وخافق الرأس فوق الرحل قلت له*

لكن في اللسان: "مثل السيف قلت له".

([13]) البيت لحسان في ديوانه 59 والحيوان (3: 424)، وهو في اللسان (زوك) بدون نسبة.

([14]) البيت في ديوانه 554 واللسان (8: 180/ 13: 337/ 20: 165) والحيوان (5: 574). وقد سبق في (2: 119).

([15]) أنشده في اللسان (زول).

([16]) ديوان الطرماح 164 واللسان (خضن، لحن) والمقاييس (2: 193).

([17]) في الأصل: "قاله".

([18]) في اللسان: "محمد بن حبيب: قالت أعرابية لابن الأعرابي: إنك تزوننا إذا طلعت".

 

ـ (باب الزاي والياء وما يثلثهما)

(زيب) الزاي والياء والباء أصلٌ يدلُّ على خفّةٍ ونشاط وما يشبه ذلك. والأصلُ الخِفّة. يقولون: الأَزْيَبُ النشاط. ويقولون: مَرّ فلانٌ وله أزْيَبٌ إذا مَرَّ مَرّاً سريعاً. ومن ذلك قولهم للأمر المنكَر: أَزْيَبٌ. وهو القياس، وذلك أنّه يُستخفّ لمن رآه أو سمعه قال:

تُكلّفُ الجارةَ ذَنْبَ الغُيّبِ *** وهي تُبيتُ زوجَها في أزيَبِ([1])

ومن الباب قولهم للرجل الذّليل والدّعِيِّ أَزْيَب. ويقولون لمن قارَبَ خَطْوَه: أَزْيَب. وقد أعلمْتُكَ أنَّ مرجع البابِ كلِّه إلى الخِفّة وما قاربها.

وممّا يصلُح أن يقال إنّه شذّ عن الباب، قولهم للجَنُوب من الرِّياح: أَزْيَب.

(زيت) الزاء والياء والتاء كلمةٌ واحدة، وهي الزّيت، معروف. ويقال زِتُّه، إذا دهنْتَه بالزّيت. وهو مَزْيوت.

(زيح) الزاء والياء والحاء أصلٌ واحد، وهو زَوال الشيء وتنحِّيه. يقال زاح الشيءُ يَزيحُ، إذا ذهَب؛ وقد أزَحْتُ عِلَّته فزاحت، وهي تَزِيح.

(زيج) الزاء والياء والجيم ليس بشيء. على أنهم يسمُّون خيطَ البنَّاءِ زِيجاً([2]). فما أدري أعربيٌّ هو أم لا.

(زيد) الزاء والياء والدال أصلٌ يدلُّ على الفَضْلِ. يقولون زاد الشيء يزيد، فهو زائد. وهؤلاء قومٌ زَيْد على كذا، أي يزيدون. قال:

وأنتمُ مَعْشرٌ زَيدٌ على مائةٍ  *** فأجمِعُوا أمرَكُمْ كيداً فكيدوني([3])

ويقال شيءٌ كثير الزَّيايد، أي الزّيادات، وربما قالوا زوائد. ويقولون للأسد: ذو زوائد. قالوا: وهو الذي يتزيَّد في زَئِيرِهِ وصَولتهِ. والناقة تَتَزَيَّد في مِشيتها، إذا تكلفَتْ فوق طاقتها، ويروون:

* فقل [مثل] ما قالُوا ولا تَتزَيَّد([4]) *

بالياء، كأنّه أراد التّزيّد في الكلام.

(زير) الزاء والياء والراء ليس بأصلٍ. يقولون: رجلٌ زِيرٌ: يحبُّ مجالسَةَ النِّساء ومحادثتَهن. وهذا عندي أصلُهُ الواو، من زَارَ يزورُ، فقلبت الواو ياءً للكسرة التي قبلها، كما يقال هو حِدْثُ نِساء. قال في الزِّير:

مَنْ يَكُنْ في السِّوادِ والدَّدِ* والإغْـ *** رامِ زيراً فإنني غيرُ زيرِ([5])

(زيغ) الزاء والياء والغين أصلٌ يدل على مَيَل الشيء. يقال زاغ يَزيغُ زَيْغاً. والتَّزَيُّغ: التَّمايُل([6])، وقوم زاغَةٌ، أي زائغون، وزاغَت الشمس، وذلك إذا مالت وفاء الفيء([7]). وقال الله جلَّ ثناؤه: { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ } [الصف 5 ]، فأمَّا قولهم: تزيّغت المرأةُ، فهذا من باب الإبدال، وهي نونٌ أبدلت غيناً.

(زيم) الزاء والياء والميم أصلٌ يدلُّ على تجمّعٍ. يقال لحم زِيَمٌ، أي مُكتنِز. ويقال اجتمع الناسُ فصاروا زِيَما. قال الخليل:

* والخيل تعدُوا زِيَماً حولنا *

(زيل) الزاء والياء واللام ليس أصلاً، لكنّ الياء فيه مبدلةٌ من واو، وقد مضى ذِكره، وذُكِرَتْ هنالك كلماتُ اللَّفظِ. فالتَّزايل: التباين. يقال زَيَّلْتُ بينه، أي فرّقْت، قال الله تعالى: { فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ } [يونس 28] ويقال إن الزَّيَل تباعُدُ ما بين الفَخِذين، كالفَحَجِ. وذُكرَ عن الشيبانيّ إن كان صحيحاً تزايلَ  فلانٌ عن فلانٍ، إِذَا احتشَمَه. وهو ذاك القياسُ إن صحّ.

(زين) الزاء والياء والنون أصلٌ صحيح يدلُّ على حُسن الشيء وتحسينه. فالزَّيْن نَقيضُ الشَّيْن. يقال زيَّنت الشيء تزييناً. وأزْيَنتِ الأرضُ وازّيَّنتْ وازدانت([8]) إذا حَسَّنَها عُشْبُها. ويقال إن كان صحيحاً ـ إنّ الزَّين: عُرْف الدِّيك. ويُنشدون:

وجئتَ على بغلٍ تَزُفُّكَ تِسعةٌ *** كأنّكَ دِيكٌ مائلُ الزَّين أعْوَر([9])

(زيف) الزاء والياء والفاء فيه كلام، وما أظنُّ شيئاً منه صحيحاً. يقولون درهم زائِف وزَيْف. ومن الباب زَافَ الجملُ في مَشيه يزيف، وذلك إذا أسرع. والمرأة تَزِيف في مَشيها، كأنها تستدير. والحمامة تَزِيف عند الحَمَام. فأمّا الذي يُروَى في قول عديّ:

تَرَكونِي لدَى قُصورٍ وأعرا *** ضِ قصورٍ لزَيْفهنّ مَرَاقِ([10])

فيقولون إِنّ الزَّيف الطُّنُف الذي يقي الحائط: ويقال "لزيْفهن([11])". وكلُّ هذا كلام. والله أعلم.

ـــــــــــــــــــ

([1]) البيت الأخير في المجمل.

([2]) ذكر في المعرب 169 أنه فارسي، عربيته "المطمر".

([3]) البيت لذي الإصبع العدواني من قصيدة له في المفضليات (1/158).

([4]) التكملة من المجمل واللسان. وصدره في اللسان:

* إذا أنْتَ فاكهت الرجال فلا تلع *.

([5]) أنشده في اللسان (سود). والسواد، بالكسر: المسارة.

([6]) في الأصل : "والتماثل"، صوابه من المجمل واللسان.

([7]) في الأصل: "وذلك إذا فاءت الفيء" صوابه من المجمل واللسان.

([8]) ويقال أيضاً: "ازبنت" كاحمرت، و "ازبأنت".

([9]) البيت للحكم بن عبدل، كما في الحيوان (2: 305) واللسان (زين).

([10]) الكلمتان الأخيرتان من البيت في المجمل. وأنشده في اللسان (زيف).

([11]) كذا في الأصل.

 


ـ (باب الزاء والهمزة وما يثلثهما)

(زأر) الزاء والهمزة والراء أصلٌ واحد. زأر الأسد زأراً وزئِيرا.

قال النابغة:

نُبِّئتُ أنّ أبا قابوسَ أوعَدَنِي *** ولا قَرَارَ على زأر من الأسَدِ([1])

ومنه قوله:

حَلّتْ بأرضِ الزَّائِرِينَ فأصْبَحتْ *** عَسِراً عليَّ طِلابُكِ ابنةَ مَخْرَم([2])

ومن الباب الزَّأرَة: الأَجَمة، وهو كالاستعارة؛ لأنّ الأُسْدَ تأوي إليها فتزأَر.

(زأب) الزاء والهمزة والباء كلمتان. يقال زَأَبَ الشيءَ، إذا حَمله. والازدئاب: الاحتمال. والكلمة الأخرى زَأَبَ، إذا شَرِب شُرباً شديداً. ولا قياسَ لهما.

(زأد) الزاء والهمزة والدال كلمة واحدة، تدلُّ على الفزع. يقال زُئِد الرّجُل، إذا فَزِع، زُؤداً. قال:

حَملَتْ به في ليلةٍ مَزؤُودةٍ *** كَرْها وعَقدُ نِطاقِها لم يُحْلَلِ([3])

(زأم) الزاء والهمزة والميم أصلٌ يدلُّ على صوتٍ وكلام. فالزَّأْمة: الصَّوت الشديد. ويقال زأمَ لي فلانٌ زأْمةً، إذا طَرَح لي كلمةً لا أدري أحقٌّ هي أم باطل.

ومما يُحمَل عليه الزَّأَم: الذُّعر. ويقال أزأَمْتُه على كذا، أي أكرهْتُه.

ومما شذّ عن الباب الزّأْم: شِدّة الأكل. والله أعلم.

ــــــــــــــ

([1]) ديوان النابغة 26.

([2]) البيت لعنترة بن شداد في معلقته المعروفة، واللسان (زأر).

([3]) البيت لأبي كبير الهذلي، من قصيدة له في نسخة الشنقيطي من الهذليين 61. وهو في حماسة أبي تمام (1: 20).

 


ـ (باب الزاء والباء وما يثلثهما)

(زبد) الزاء والباء والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تولُّد شيءٍ عن شيء. من ذلك زَبَدُ الماءِ وغيرِه. يقال أزْبَدَ إزْباداً. والزُّبد من ذلك أيضاً. يقال زَبَدْتُ الصبي أزبُده، إذا أطعمتَه الزُّبد.

وربَّما حملوا على هذا واشتقّوا منه. فحكى الفرّاءُ عن العرب: أَزْبَدَ السِّدرُ، إذا نَوَّر. ويقال زَبَدَتْ فلانةُ سِقاءَها، إِذا مَخَضَتْه حتَّى يُخرِج زُبْدَه.

ومن *الباب الزَّبْد، وهو العطيّة. يقال زَبَدْتُ الرّجلَ زَبْدا: أعطيتُهُ. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّا لا نَقْبل زَبْد المُشركين" يريد هداياهم.

(زبر) الزاء والباء والراء أصلان: أحدهما يدلُّ على إحكام الشيء وتوثيقه، والآخَر يدلُّ على قراءةٍ وكتابةٍ وما أشبه ذلك.

فالأوّل قولهم زَبَرْت البِئر، إِذا طويتَها بالحجارة. ومنه زُبْرة الحديدِ، وهي القطعة منه، والجمع زُبَر. ومن الباب الزُّبْرة: الصّدر. وسُمّي بذلك لأنه كالبئر المزبورة، أي المطويّة بالحجارة. ويقال إنَّ الزُّبْرة من الأسد مُجتمع وَبَرِه في مِرفقيْهِ وصدرهِ. وأسد مَزْبَرانيٌّ، أي ضخم الزُّبْرة.

ومن الباب الزَّبير، وهي الدَّاهية. ومن الباب: أخَذَ الشَيءَ بزَوْبَرِه، أي كُلِّه. ومنه قول ابن أحمر([1]) في قصيدته:

* عُدَّتْ عليَّ بِزَوْبَرَا([2]) *

فيقال إنَّ معناهُ نُسِِبتْ إليَّ بكمالها. ومن الباب: ما لِفلاَنٍ زَبْرٌ، أي ما لـه عقلٌ ولا تماسُك. ومنه ازبأَرَّ الشّعر، إذا انتفَش تقوى([3]).

والأصل الآخر: زَبَرْتُ الكتابَ، إذا كتبتَه. ومنه الزبور. وربَّما قالوا: زبَرتَه، إذا قرأتَهُ. ويقولون في الكلمة:"أنا أعرفُ تَزْبِرَتِي([4])". أي كتابتي.

(زبق) الزاء والباء والقاف ليس من الأصول التي يُعوّل على صحّتها، وما أدري ألِما قيل فيه حقيقةٌ أم لا؟ لكنّهم يقولون: زَبَقَ شَعره، إذا نَتَفَه. ويقولون: انْزَبَق في البيت: دخل. وزَبَقْت الرّجلَ:حبستُه.

(زبل) الزاء والباء واللام كلمةٌ واحدة. يقولون: ما أصبت مِنْ فلان زُِبالاً([5])، قالوا: هو الذي تحمله النّملة بفيها. وليس لها اشتقاق. وذكر ناسٌ إن كان صحيحاً ـ : ما في الإناء زُبَالة، إذا لم يكن فيه شيء. وأما قولهم زَبَلْتَ الزّرعَ، إذا سَمَّدته بالزِّبل، فإن كان صحيحاً فهو من الباب أيضاً، لأن الزِّبْل  من الساقط الذي لا يُعْتَدّ به.

وحكى أنَّ الزَّأْبَل: الرجلُ القصير. وينشدون:

* حَزَنْبَلُ الْخُصْيَيْنِ فَدْمٌ زَأْبَل([6]) *

وهذا وشِبهه مما لا يُعرَّج عليه.

(زبن) الزاء والباء والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الدّفع. يقال ناقة زَبُون، إذا زَبَنَتْ حالبَها. والحرب تزبِنُ النّاسَ، إذا صَدَمتهم. وحربٌ زَبُون. ورجلٌ ذو زَبُّونةٍ، إذا كان مانعاً لجانبِه دَفُوعاً عن نفسه. قال:

بذَبِّي الذَّمَّ عن حَسبِي بمالِي *** وزَبُّوناتِ أشْوسَ تَيَّحانِ([7])

ويقال فيه زَبُّونَةٌ، أي كِبر، ولا يكونُ كذا إلاّ وهو دافعٌ عن نفسه. والزَّبانِيَةُ سُمُّوا بذلك، لأنّهم يدفعون أهلَ النار إلى النار. فأمَّا المُزابَنَة فبيع الثمر في رؤوس النّخل، وهو الذي جاء الحديث بالنَّهي عنه. وقال أهل العلم: إنّه مما يكون بعد ذلك من النِّزاع والمدافَعة. ويقولون إن الزَّبْن البُعْد. وأما زُبَانَى العقرب فيجوز أن يكون من هذا أيضاً، كأَنّها تدفَع عن نفسها به، ويجوز أن يكون شاذّاً.

(زبي) الزاء والباء والياء يدلُّ على شرٍّ لا خير. يقال: لقيت منه الأَزابِيَّ، إذا لقي منه شرّاً. ومن الباب: الزُّبْية: حفيرة يُزَبِّي فيها الرجلُ للصيد، وتحفر للذئب والأسد فيصادان فيها. ومن الباب: زَبَيْت أَزْبِي، إذا سقت إليه ما يكرهه. [قال]:

تلك استقِدْها وأَعطِ الحُكْم وَاليَها *** فإنّها بعضُ ما تَزْبي لك الرَّقِمُ([8])

(زبع) الزاء والباء والعين قريبٌ من الذي قبله، وهو يدلُّ على تغيُّظٍ وعزيمةِ شرّ. يقال تزبّع فلانٌ، إذا تهيَّأ للشر. وتزبّع: تغيَّر. وهو في شعر متمّم:

وإنْ تَلقَه في الشَّرْبِ لا تَلقَ فاحشاً *** من القوم ذا قاذُورة متزبِّعَا([9])

قال الشيبانيّ: الأزْبَع([10]) الدّاهية، والجمع الأزابع*. وأنشد:

وعَدْتَ ولم تُنْجِزْ وقِدْماً وعدتَني  *** فأخلفْتَني وتلك إحدى الأزابعِ

وهذا إنْ صح فهو من الإبدال، وهو من الباب قبله.

 

([1]) في الأصل: "ابن الحمر"، صوابه من المجمل واللسان.

([2]) البيت بتمامه كما في اللسان:

وإن قال عاو من معد قصيدة  *** بها جرب عدت عليّ بزوبرا

وفي الصحاح:"إذا قال غاو من تنوخ". وكلمة "زوبر" إحدى الكلمات التي لم تسمع إلا في شعر ابن أحمر، ومثلها "ماموسة" علم للنار، جاءت في قوله يصف بقرة:

تطايح الطل عن أعطافها صعدا *** كما تطايح عن ماموسة الشرر

وكذلك سمى حوار الناقة "بابوسها" ولم يسمع في شعر غيره. وهو قوله:

حنت قلوصي إلى بابوسها جزعا *** فماذا حنينك أم ما أنت والذكر

وسمى ما يلف على الرأس "أرنة"، ولم توجد لغيره، وهو قوله:

وتلفع الحرباء أرنته *** متشاوساً لوريده  نعر

([3]) كذا وردت هذه الكلمة في الأصل، وليست في المجمل.

([4]) في اللسان: "إني لا أعرف تزبرتي".

([5]) الزبال، بالكسر والضم.

([6]) الرجز في المجمل واللسان (زبل).

([7]) لسوار بن المضرب، كما في اللسان (زبن). وروايته: "عن أحساب قومي".

([8]) في اللسان: "تلك استفدها" بالفاء.

([9]) أنشده في اللسان (زبع، قذر). وهو من قصيدة في المفضليات (2: 65-70) وجمهرة أشعار العرب 141- 143.

([10]) لم أجدها في المعاجم المتداولة. لكن في اللسان: "الزوابع: الدواهي".

 

ـ (باب الزاءِ والجيم وما يثلثهما)

(زجر) الزاء والجيم والراء كلمة تدل على الانتهار. يقال زَجَرت البعيرَ حتَّى مضَى، أزجُره. وزجَرْت فلاناً عن الشيء فانْزَجر. والزَّجور من الإبل: التي تعرف بعينها وتُنكر بأنْفها.‏

(زجل) الزاء والجيم واللام أصلٌ يدلُّ على الرمْي بالشيء والدفعِ له. يقال قَبَحَ اللهُ أمّاً زَجَلَتْ به. والزَّجْل: إرسال الحمام الهادِي. والمِزْجل: المِزْرَاق. وزَجَلَ الفَحْل، إذا ألْقى ماءَه في الرَّحِم. ويقال أن الزَّاجَلُ(1): ماءُ الظليم؛ لأنه يزْجُل به. قال ابنُ أحمر:‏

وما بيضاتُ ذِي لِبَدٍ هِجَفٍّ *** سُقِينَ بِزَاجَلٍ حَتى رَوِينا(2)‏

ويقال بل الزَّاجَل مُخُّ البيض، والأول أقيس.‏

ومما شذّ عن الباب الزُّجلة: القطعة من كل شيء، وجمعها زُجَل.والزِّئجِيل(3): الرجل الضَّعيف.‏

ومن هذا، إن كان صحيحاً، الزَّاجَل: حَلقة تكون في طَرف حبل الثقَل(4).‏

(زجم(5)) الزاء والجيم والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على صوتٍ ضعيف .يقال: ما تكلم بِزَجْمَةٍ، أي بِنَبْسة. والزَّجوم: القوس ليست بشديدة الإرنان. والله أعلم بالصواب.‏

(زجي) الزاء والجيم والحرف المعتلّ يدلُّ على الرّمي بالشيء وتسييره من غير حبس(6). يقال أزجتِ البقرةُ ولدَها، إذا ساقته. والرِّيح تُزْجِي السَّحابَ: تسوقهُ سَوْقاً رفِيقاً. فأمّا المُزْجَى فالشيء القليل، وهو من قياس الباب، أي يُدفع به الوقت. وهذه بضاعة مُزْجَاة، أي يسيرة الاندفاع.‏

ومن الباب زجا الخراجُ يزجُو، أي تيسَّرت جِبايته.‏

ــــــــــــــــــ

(1) الزاجل، بفتح الجيم، يهمز ولا يهمز.‏

(2) البيت في الحيوان (4: 328، 341)، واللسان (هجف، زجل)، والمخصص (8: 55). وفي الأصل: "بعجف"، بدل "هجف"، تحريف.‏

(3) والزنجيل أيضاً، يقال بالهمز وبالنون كما في اللسان.‏

(4) الثقل، بالتحريك. متاع المسافر. وفي المجمل: "في طرف الحبل حبل الثقل".‏

(5) وردت هذه المادة في الأصل مؤخرة عن (زجي) ورددتها إلى موضعها المطابق لموضعها من المجمل.‏

(6) حبس، أي إمساك. وفي الأصل: "جنس".‏

 

ـ (باب الزاءِ والحاءِ وما يثلثهما في الثلاثي)

(زحر) الزاء والحاء والراء تنفُّسٌ بشدّة ليس إلاّ هذا. يقال زَحَرَ يَزْحَرُ زحيراً، وهو صوتُ نَفَسِهِ إذا تنفّس بشدة. وزَحَرَت المرأة بولدها عند الولادة.‏

(زحل) الزاء والحاء واللام أصلٌ يدلُّ على التنحِّي. يقال زَحَل عن مكانه، إذا تنحّى. وزَحَلت النّاقةُ في سَيرها. والمَزْحَل: الموضع الذي تَزْحَل إليه.‏

(زحم) الزاء والحاء والميم أصلٌ يدلُّ على انضمامٍ في شدّة. يقال زَحمَه يَزْحَمُه، وازْدَحم الناس.‏

(زحن) الزاء والحاء والنون أصلٌ يدل على الإبطاء. تقول : زَحَنَ يَزْحَن زَحْناً، وكذلك التَّزحُّن. يقال تزَحَّن على الشيء، إذا تكارَهَ عليه وهو لا يشتهيه.‏

(زحف) الزاء والحاء والفاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الاندفاع والمضيّ قُدُماً. فالزَّحف: الجماعة يَزْحَفون إلى العدوّ. والصبيّ يزحَف على الأرض قبل المشي. والبعير إذا أعيا فجرَّ فِرْسِنَه فهو يزحَف. وهي إبلٌ زواحفُ، الواحدة زَاحفة. قال:‏

* على زَوَاحف نُزْجِيَهَا مَحَاسِيرِ(1) *‏

ويقال زَحَفَ الدَّبَا، إذا مضى قُدُماً. والزاحف: السهم الذي يقع دون الغَرَض ثم يزحَف. والله أعلم بالصواب.‏

ـــــــــــــ

(1) للفرزدق في ديوانه 263 واللسان (زحف) وصدره:‏

*على عمائمنا تلقى وأرحلنا *.‏

 

ـ (باب الزاء والخاء وما يثلثهما)

(زخر) الزاء والخاء والراء أصلٌ صحيح، يدلُّ على ارتفاع. يقال: زَخَرَ البحر، إذا طما؛ وهو زاخرٌ. وزخَر النّبات، إذا طال. ويقال أخذ المكان زُخَارِيَّه، وذلك إذا نَمَا النبات وأخرجَ زَهْره. قال ابن مقبل:‏

زُخارِيَّ النّبات كأنَّ فيهِ *** جيادَ العبقريّة والقُطوعِ(1)‏

ــــــــــــــــــــ

(1) قبله في اللسان (زخر):‏

ويرتعيان ليلهما قرارا *** سقته كل مدجنة هموع.‏

 

ـ (باب الزاء والدال وما يثلثهما)

هذا بابٌ لا تكاد تكون الزاء فيه أصليَّة؛ لأنهم يقولون: جاء فلانٌ يضرب أَزْدَرَيْه، إذا جاء فارغاً. وهذا إنما هو أَصْدَرَيْه. ويقولون: الزَّدْو في اللعب، وإنما هو السَّدْو. ويقولون : مِزْدَغَة*، وإنما هي مِصْدَغة. والله أعلم.‏

 

ـ (باب الزاء والراء وما يثلثهما)

(زرع) الزاء والراء والعين أصلٌ يدلُّ على تنمية الشيء. فالزّرع معروف، ومكانه المُزْدَرَع. وقال الخليل: أصل الزّرع التنمية. وكان بعضهم يقولُ: الزَّرع طرح البَذْر في الأرض. والزَّرْع اسمٌ لِمَا نبت. والأصل في ذلك كلّه واحد. وزارِع: كلبٌ.‏

(زرف) الزاء والراء والفاء أصلٌ يدلُّ على سعيٍ وحركة. فالزَّرُوف: النَّاقة الواسعة الخَطو الطويلةُ الرِّجْلين. ويقال: زَرَف، إذا قَفَزَ. ويقال زَرَفْت الرّجلَ عن نفسي إذا نحّيتَه. ومن الباب: الزَّرافات: الجماعات وهي لا تكون كذا إلا إذا تجمّعت لسعيٍ في أمر. ويقال زَرَافَّة، مثقّلة الفاء، وكان الحجّاج يقول: "إيّايَ وهذه الزّرَافات". يريد المتجمّعين المضطربين لفتنةٍ وما أشبهها. ومن الباب زَرِف الجُرح، إذا انتقض بعد البُرْء.‏

(زرم) الزاء والراء والميم أصلٌ يدلُّ على انقطاع وقلّة. يقال زَرِم الدمعُ، إذا انقطَع؛ وكذلك كلُّ شيء. ومن ذلك حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين بال عليه الحسَنُ عليه السلام فقال: "لا تُزْرِمُوا ابني" يقول: لا تَقطَعوا بولَه. زَرِمَ البولُ نفسُه، إذا انقطع. قال:‏

أو كماء المثمودِ بعد جِمامٍ *** زَرِمَ الدّمعِ لا يؤوبُ نَزُورا(1)‏

ويقال إنَّ الزَّرِم البخيل. وهو من ذاك.[و] يقال زَرِمَ الكلب، إذا يبس جَعْرُهُ في دُبُرِه.‏

(زرب) الزاء والراء والباء أصلٌ يدلُّ على بعض المأْوَى. فالزَّرْب زَرب الغنم، وهي حظيرتها. ويقال الزَّرِيبة الزُّبْية. والزَّريبة: قُتْرَة الصائد.‏

(زرد) الزاء والراء والدال حرف واحد، وهو يدلُّ على الابتلاع، والزّاء فيه مبدلةٌ من سين. يقال ازدَرَدَ اللقمة يَزْدَرِدها(2). وممكنٌ أن يكون الزَّرَد من هذا، على أن أصله السين، ومعنى الزّرَّاد السَّرَّاد.‏

(زرح) الزاء والراء والحاء كلمة واحدة. فالزّراوِح: الرَّوابي الصِّغار(3).‏

(زري) الزاء والراء والحرف المعتل يدلُّ على احتقارِ الشيء والتّهاون به. يقال زَرَيْت عليه، إذا عِبْتَ عليه. وأَزْريْتَ به: قصَّرت به.‏

ــــــــــــــــــ

(1) البيت لعدي بن زبد كما في اللسان (زرم) وقد سبق في (ثمد، جم).‏

(2) بعدها في الأصل: "وزرد يزدردها" وهو كلام مقحم.‏

3)) واحدها "زروح" بفتح الزاي وسكون الراء.‏

 

ـ (باب ما جاءَ من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله زاء)

وسبيلُ هذا البابِ سبيلُ ما مضى. فمنه المشتقُّ البيِّنُ الاشتقاق، ومنه ما وُضع وضْعاً.

فمن المشتق الظّاهرِ اشتقاقُه قولهم (الزُّرْقُم)، أجمع أهلُ اللغة أنَّ أصله من الزَّرَق، وأن الميم فيه زائدة.

ومن ذلك (الزُّمَّلِق) و(الزُّمَالِق)، وهو الذي إذا باشر أراق ماءَه قبل أن يجامِع. وهذا أيضاً مما زيدت فيه الميم؛ لأنه من الزَّلَق. وهو من باب أَزْلَقَتِ الأنثى، وذلك إذا لم تقبل رحمُها ماءَ الفحل ورَمت به.

ومن ذلك (الزَّهْمَقَة) وهي الزَّهَم، أو رائحة الزُّهُومة. فالقاف فيه زائدة.

ومن ذلك قولهم (ازْمَهَرَّت) الكواكبُ، إذا لَمَعَتْ. وهذا مما زيدت فيه الميم؛ لأنه من زَهَرَ الشيء، إذا أضاء.

فأما (الزَّرَجُون) ففارسية معرّبة([1])، واشتقاقه من لون الذَّهَب.

ومن ذلك سيل (مُزْلَعِبٌّ)، وهو المُتدافع الكثير القَمْش. وهذا ممّا زِيدت فيه اللام. وهو من السَّيل الزّاعب، وهو الذي يتدافع.

ومن ذلك (الزُّلقوم)، وهو الحلقوم فيما ذكره ابن دريد([2]). فإن كان صحيحاً فهو منحوت من زَلِقَ وزقم، كأنَّ اللقمة تزلَق فيه.

ومن ذلك (الزُّهلُوق([3])) وهو الخفيف، وهو منحوت من زلق وزهق([4])، وذلك إذا تهاوى سِفْلاه.

ومن ذلك (الزُّعْرور) السَّيِّئُ الخُلُق. وهذا ممّا اشتقاقُه ظاهر؛ لأنه من الزّعارَة، والراء *فيه مكرَّرة.

ومن ذلك (الزَّمْجَرة): الصَّوت. والميم فيه زائدة، وأصله من الزّجر.

ومن ذلك قول الخليل: (ازَلَغَبّ([5])) الشعر، وذلك إذا نَبَتَ بعد الحلْق. وازلغَبَّ الطائر. إذا شوَّك([6]). وهذا مما نُحِت من كلمتين، من زَغَب ولَغَب. والزَّغب معروف، واللَّغْب: أضعف الريش.

ومن ذلك (الزَّغْدَب)، وهو الهدير الشديد، حكاه الخليل. وأمرُ هذا ظاهر. لأن الباء فيه زائدة. والزَّغْد: أشدّ الهدير.

ومن ذلك (الزَّغْبَد)([7]).

ومن ذلك (الزَّرْدَمَة([8])): موضع الازدرام، وهو الابتلاع. فهذا مما زيدت فيه الميم. لأنّه من زَرِدت الشيء.

ومن ذلك (ازْرَأَمَّ) الرجلُ فهو (مزرئمّ)، إذا غضب. وهذا مما زيدت فيه الهمزة، وهو من زَرِم، إذا انقطع، كذلك إذا غضب تغيَّر خُلقه وانقطع عمّا عُهد منه.

ومن ذلك (الزَّغْرَب) وهو الماء الكثير. فهذا مما زِيدت فيه الزّاء، والأصل راجع إلى الغَرَب، وهو من باب كثرة الماء.

ومما وُضع فيه وضعا (الزَّنْتَرَة): ضِيق الشيء. و(الزَّعْفقة([9])): سوء الخُلق. و(الزِّعْنِف): الرجل اللئيم. و(زعانف) الأديم: أطرافه.

ومما وُضع وضعاً وبعضُه مشكوك في صحته (الزِّبرج)، و(الزَّعْبَج). فالزِّبرِج: الزينة. والزَّعْبَج: سحاب رقيق.

حدثنا عليّ بن إبراهيم، قال: حدثنا عليّ بن عبد العزيز، قال: حدثنا أبو عبيد، قال: قال الفراء: الزَّعبج السحاب الرقيق. قال أبو عبيد: وأنا أنكر أن يكون الزَّعبَج من كلام العرب، والفرّاء عندي ثِقة.

وأمّا (الزَّمْهَرير) فالبرد، ممكنٌ أن يكون وضع وضعاً، وممكنٌ أن يكون مما مضى ذكره، من قولهم: ازمهرَّت الكواكب؛ وذلك أنّه إذا اشتدَّ البرد زَهَرت إذاً [و] أضاءت.

ومن ذلك (الزَّرْنَب):  ضرب من الطِّيب([10]). و(الزَّبَنْتَر([11])) القصير. و(الزِّخْرِط): مُخاط النعجة. و(الزُّخْرُف): الزينة. ويقال الزُّخْرُف الذهب. وزخارف الماء: طرائقُ تكونُ فيه.

و(زمْخَرَ) الصوت: اشتد. والزَّمْخَرة: الزَّمَّارة. و(الزَّمْخَر([12])): القصب الأجوف الناعم من الرّيّ. والزَّمْخر: نُشَّاب العَجَم. والزَّمْخَر: الكثير الملتفّ من الشجر. وممكن أن يكون الميم فيه زائدة، ويكون من زَخَرَ النبات. وقد مضى ذكره. والله أعلم.

(تم كتاب الزاء)

ـــــــــــــــــ

([1]) هي بالفارسية "زركون". و"زر" بمعنى الذهب. و"كون" لون، فمعناه لون الذهب. انظر اللسان والمعرب 165، ومعجم استينجاس 615. والزرجون في العربية: الخمر، وقضبان الكرم في لغة أهل الطائف وأهل الغور. وقال ابن شميل: الزرجون شجر العنب،  كل شجرة زرجونة.

([2]) الجمهرة: (3: 379).

([3]) هذه الكلمة مما فات صاحب اللسان. وقد وردت في المجمل والقاموس والجمهرة (3: 381).

([4]) في الأصل: "زعق"، تحريف.

([5]) وردت في الأصل بالعين المهملة في هذا الموضع وتاليه. والصواب ما أثبت.

([6]) في اللسان: "ازلغب الطائر: شوك ريشه قبل أن يسود".

([7]) لم يفسره. وفي اللسان "الزغبد: الزبد"، وأنشد:

صبحونا بزغبد وحتى ***  بعد طرم وتامك وثمال

([8]) الزردمة: الغلصمة، وقيل هي فارسية.

([9]) الزعفقة: بالعين المهملة. ووردت في الأصل بالمعجمة محرفة.

([10]) هو الزعفران. وقيل الزرنب: ضرب من النبات طيب الرائحة.

([11]) في الأصل: "الزبتر" تحريف، صوابه من المجمل واللسان.

([12]) وردت هذه الكلمة والكلمتان قبلها بالجيم، صوابهما بالخاء المعجمة كما أثبت.

 

كتاب السّين:

ـ (باب ما جاء من كلام العرب  وأوله سين في المضاعف والمطابق)

(سع) السين والعين في المضاعف والمطابق يدلُّ على أصل واحد، وهو ذَهاب الشيء. قال الخليل: يقال تَسَعْسَع الشَّهر، إذا ذهب أكثره، ويقال: تَسَعْسَع الرجل من الكِبَر، إذا اضطرب جسمه. قال:

* يا هندُ ما أسرعَ ما تَسَعسعا([1]) *

(سغ) السين والغين أصلٌ يدل على دَرْج الشيء في الشيء باضطرابٍ وحركة. من ذلك سَغْسَغْتُ رأسي بالدُّهْنِ، إذا روَّيته. قال الخليل وغيره: سغسغت الشَّيء في التراب، إذا دَحدحتَه فيه. وأما قولهم: تَسَغْسَغَت ثَنِيّته، فممكنٌ أن يكون من الإبدال، ومن الباب الذي قبل هذا.

(سف) السين والفاء أصلٌ واحد، وهو انضمام الشيء إلى الشيء ودنوُّه منه، ثم يُشتَقّ منه ما يقاربه.

من ذلك أسفَّ الطائرُ، إذا دنا من الأرض في طيرانه. وأسفَّ الرجل للأمر، إذا قارَبَهُ. ويُقال أسفَّت السحابةُ، إذا دَنَت من الأرض. قال أوسٌ يصف السّحاب:

دانٍ مِسفٌّ فويق الأرض هَيْدَبُه *** يكاد يدفعُهُ مَنْ قام بالرّاحِ([2])

ومن الباب: أَسَفَّ الرجل النَّظرَ، إذا أدامَه. ومنه السَّفْساف: الأمر الحقير. وسمِّي بذلك لأنَّه مِنْ أسَفَّ الرجل للأمر الدنيّ. ومن ذلك المُسَفْسِفَةُ، وهي الريح التي تجري فوَيقَ الأرض. والسِّفّ([3]): الحَيَّة التي تسمَّى الأرقم، وذلك أنّه يلصق بالأرض لُصوقاً في مَرِّهِ. فالقياس في هذا كلِّه واحد. وأمّا* سَففت الخوص والسَّفيف: بِطانٌ يشدُّ به الرَّحْل، فمن هذا؛ لأنَّه إذا نُسِجَ فقد أدْنِيَتْ كلُّ طاقةٍ منه إلى سائرها.

ومما يجوز أن يُحمَل على الباب ويجوزُ أن يكون شاذّاً، قولك: سفِفْتُ الدواء أسَفّه. ويقال أَسَفَّ وجهَه، إذا ذرَّ عليه الشيء([4]). قال ضابئ([5]) يذكر ثورا:

شديد بريقِ الحاجبَينِ كأنّما *** أُسِفَّ صَلَى نارٍ فأصبَحَ أكحلا

(سك ) السين والكاف أصلٌ مطّرد، يدلُّ على ضِيق وانضمام وصِغَر. من ذلك السَّكَك، وهو صِغَر الأُذُن. وهذه أذنٌ سَكَّاء. ويقال استكَّت مسامعه؛ إذا صَمَّت. قال النابغة:

وخُبِّرْتُ، خَيْرَ الناسِ، أنَّك لُمتَني *** وتلك التي تسْتَكّ مِنْها المسامِعُ([6])

والسّكّة: الطريقة المصطفّة من النخل. وسمّيت بذلك لتضايقها في استواء. ومن هذا اشتقاق سكّة الدراهم، وهي الحديدة؛ لتضايُق رَسم كتابتها. والسَّكّ: أن تَضُبَّ البابَ بالحديد. والسَّكّيّ: النّجّار([7]). ويقال إن السُّكَّ من الرّكايا المستوية الجِرَاب([8]). ويقال السُّكُّ: جُحر العقرب. ويقال للدِّرع الضّيقة أو الضيقة الحَلَق: سُكٌّ.  ويقال للنبت إذا انسدَّ خَصَاصُه([9]): قد استَكّ. والقياس مطّردٌ في جميع ما ذكرناه.

ومما حُمل عليه ماحكاه ابنُ دريد([10]): سَكَّه يَسُكُّه سَكّاً، إذا اصطلَمَ أذنَيه.

ومما شذّ عن الباب: السُّكاك: اللُّوح بين السّماء والأرض. والسُّكُّ: الذي يُتطيَّبُ به. ويقال إنَّه عربيٌّ صحيح.

(سل) السين واللام أصلٌ واحد، وهو مدُّ الشيء في رِفْق وخَفاء، ثم يُحمَل عليه. فمن ذلك سَلَلْتُ الشيء أسلُّه سَلاًّ. والسَّلَّة والإسلال: السَّرقة. وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم حين كتب: "لا إِغْلاَلَ ولا إِسْلاَل"([11]). فالإغلال : الخيانة. والإسلال: السرقة.

ومن الباب: السَّليل: الولد؛ كأنَّه سُلَّ من أُمّه سَلاًّ. قالت امرأةٌ من العرب في ابنها:

سُلَّ مِنْ قلبي ومن كبدي *** قمراً مِن دونه القَمرُ

وممّا حُمل عليه السِّلْسِلَة، سمّيت بذلك لأنها ممتدة في اتّصال. ومن ذلك تَسَلْسَل الماء في الحلْق، إذا جرى. وماءٌ سَلْسَلٌ وسَلْسَالٌ وسُلاسِل. قال الأخطل:

إذا خاف مِنْ نجمٍ عليها ظَمَاءَةً *** أمَالَ إليها جدوَلاً يَتَسَلْسَلُ([12])

قال بعضُ أهل اللغة: السَّلْسَلَة اتّصال الشيء بالشيء، وبذلك سُمّيت سِلسلة الحديد، وسِلسِلة البرق المستطيلة في عَرض السحاب. والسَّالُّ: مَسِيل في مَضيق الوادي، وجمعه سُلاّنٌ، كأنَّ الماء ينسَلُّ منه أو فيه انْسِلالا. ويقال: فرسٌ شديد السَّلَّة، وهي دَفعته في سِباقه([13]). ويقال: خَرَجَت سَلَّته على جميع الخيل. والمِسلَّة معروفة؛ لأنّها تسلّ الخيط سَلاًّ. والسُّلاَّءَة من الشوك مِنْ هذا أيضاً، لأن فيها امتداداً. ومنه السُّلاَل من المرض، كأن لحمه قد سُلَّ سَلاًّ منه، أسَلّه الله.

(سن([14])) السين والنون أصلٌ واحد مطرد، وهو جريَان الشيء وإطرادُهُ في سهولة، والأصل قولهم سَنَنْتُ الماءَ على وجهي أَسُنُّهُ سَنَّاً، إذا أرسلتَه إرسالاً. ثمَّ اشتُقَّ منه رجل مسنون الوجه، كأنَّ اللحم قد سُنَّ على وجهه. والحَمَأُ المسنون من ذلك، كأنه قد صُبَّ صَـبّاً.

ومما اشتقَّ منه السُّنَّة، وهي السّيرة. وسُنَّة رسول الله عليه السلام: سِيرته. قال الهذلي([15]):

فلا تَجْزَعَنْ من سُنَّةٍ أنت سرْتَها *** فأوَّلُ راضٍ سُنَّةً من يسيرُها

وإنّما سمِّيَت بذلك لأنها تجري جرياً. ومن ذلك قولهم: امضِ على سَنَنِك وسُنَنِك([16])، أي وجهك. وجاءت الريح سَنائِنَ، إذا جاءتْ على طريقة واحدة. *ثمَّ يحمل على هذا: سنَنْتُ الحديدة أسُنُّها سَنّاً. إذا أمْرَرْتَها على السِّنان. والسِّـنَان هو المِسَنّ. قال الشاعر:

* سِنَانٌ كحدِّ الصُّلَّبيِّ النَّحِيضِ([17]) *

والسِّنان للرُّمح من هذا؛ لأنّه مسنون، أي ممطول محدّد. وكذلك السَّناسِنُ، وهي أطراف فَقار الظهرِ، كأنَّها سُنّت سَنّاً.

ومن الباب: سِنُّ الإنسانِ وغيره مشبّه بسنان الرّمح. والسَّنون: ما يُسْتاك به؛ لأنَّه يُسَنُّ به الأسنان سَنّاً. فأمّا الثّور([18]). فأمّا قولهم: سَنَّ إبلَه، إذا رعاها، فإنّ معنى ذلك أنّه رعاها حَتى حسُنَت بَشَرتُها، فكأنّها قد صُقِلَتْ صَقْلاً، كما تُسنّ الحديدة. هذا معنى الكلام، ويَرجِعُ إلى الأصل الذي أصّلناه.

(سم([19])) السين والميم الأصل المطّرد فيه يدلُّ على مدخلٍ في الشيء، كالثَّقب وغيره، ثم يشتقّ منه. فمن ذلك السَّم والسُّم: الثّقب في الشّيء. قال الله عز ذكره: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الخِيَاطِ} [الأعراف 40]، والسُّم القاتل، يقال فتحاً وضمّاً. وسمِّي بذلك لأنّه يرسُب في الجسم ويداخلُهُ، خِلافَ غيرهِ ممّا يذاق.

والسَّامّة: الخاصّة، وإنّما سُمّيت بذلك لأنّها تَدَاخَلُ بأُنْسٍ لا يكون لغيرها والعرب تقول: كيف السَّامّة والعامّة؟ فالسَّامَّة: الخاصّة.

والسَّموم: الريح الحارّة، لأنَّها أيضاً تُداخِل الأجسامَ مداخَلةً بقوة. والسّمّ: الإصلاح بين الناس، وذلك أنّهم يتباينون ولا يتداخلون، فإذا أُصلح بينهم تداخَلُوا.

وممّا شذَّ عن الباب: السَّمّ: شيءٌ كالوَدَعِ يخرج من البحر. والسَّمْسام: طائر. والسَّمْسَم: الثّعلب. والسُّمْسُمَانِيّ: الرجل الخفيف. والسَّماسم: النَّمل الحُمْر، الواحدة سِمْسِمَة. والسِّمْسِمُ: حبّ.

ويمكن أن يَحمِل هذا الذي ذكرناه في الشذوذ أصلاً آخر يدلُّ علىخفّة الشيء. ومما شذّ عن الأصلين جميعاً قولهم: "ما لَهُ سَُمٌّ  ولا حَُمٌّ غيرك"، أي ما لَه همٌّ سواك.

(سب) السين والباء حَدّهُ بعضُ أهل اللغة ـ وأظنّه ابنَ دريد([20]) ـ أنَّ أصل هذا الباب القَطع، ثم اشتقَّ منه الشَّتم. وهذا الذي قاله صحيح. وأكثر الباب موضوعٌ عليه. من ذلك السِّبّ: الخِمار، لأنّه مقطوع من مِنْسَجه.

فأمّا الأصل فالسَّبّ العَقْر؛ يقال سَبَبْت الناقة، إذا عقرتَها. قال الشاعر([21]):

فما كان ذنبُ بني مالكٍ *** بأنْ سُبّ منهم غلامٌ فَسبّْ

يريد معاقرة غالب بن صعصعة وسُحيم([22]). وقوله سُبَّ أي شُتِمَ. وقولـه سَبّ أي عَقَر. والسَّبّ: الشتم، ولا قطيعة أقطع من الشَّتِم. ويقال للذي يُسابّ سِبّ. قال الشاعر([23]):

لا تَسُبَّنَّنِي فلستَ بِسبّي *** إنَّ سَبِّي من الرجال الكريمُ([24])

ويقال: "لا تسبُّو الإِبلَ، فإنَّ فيها رَقوءَ الدّم([25])"، فهذا نهيٌّ عن سبّها، أي شتمها. وأما قولهم للإبل: مُسَبَّبَة فذلك لما يقال عند المدح: قاتلَها الله فما أكرمها مالاً! كما يقال عند التعجُّب من الإنسان: قاتله الله! وهذا دعاءٌ لا يراد به الوقوع. ويقال رجل سُبَبَة، إذا كانَ يسُبُّ الناسَ كثيراً. ورجل سُبَّة، إذا كان يُسَبُّ كثيراً. ويقال بين القوم أُسْبُوبة يتسابُّون بها. ويقال مضت سَبَّة من الدهر، يريد مضت قطعة منه.. ([26])

* وذكرك سَبَّاتٍ إليَّ عجيبُ([27]) *

وأما الحبل فالسّبب، فممكن أن يكون شاذّاً عن الأصل الذي ذكرناه، ويمكن أن يقال إنَّه أصلٌ آخَر يدلُّ على طول وامتداد.

ومن ذلك السَّبَب. ومن ذلك السِّبُّ، وهو الخِمار الذي ذكرناه. ويقال للعمامة أيضاً سِبّ. والسِّبّ: الحبل  أيضاً في قول الهذليّ([28]):

* تدلَّى عليها بين سِبٍّ وخَيْطة([29]) *

ومن هذا الباب السِّبسب، وهي المفازة الواسعة، في قول أبي دُؤاد:

وخَرْقٍ سَبْسَبٍ يجري *** عليه مَوْرُهُ سَهْبِ([30])

فأمّا السَّباسِب فيومُ عيدٍ لهم. ولا أدري مِمَّ اشتقاقه. قال:

* يُحَيَّوْن بالرَّيحانِ يومَ السَّباسبِ([31]) *

(ست) السين والتاء ليس فيه إلا ستّة*  وأصل التاء دال. وقد ذكر في بابه.

(سج) السين والجيم  أصلٌ يدلُّ على اعتدالٍ في الشيء واستواء. فالسَّجْسج: الهواء المعتدل الذي لا حرَّ فيه ولا بردَ يُؤذي.

ومن ذلك الحديث: "إنَّ ظِلَّ الجنة سَجْسَجٌ". ويقال أرض سجسج، وهي السَّهلة التي ليست بالصُّلْبة. قال:

*والقوم قد قطعوا مِتَانَ السَّجْسَجِ*([32])

ويقال ـ وهو من الباب ـ سَجَّ الحائطَ بالطِّين، إذا طلاهُ به وسوَّاه. وتلك الخشبة المِسَجَّة. والسَّجَاج: اللّبَن الرقيق الصّافي.([33])

ومما يقرب  من هذا الباب الكبشُ السّاجِسِيُّ، وهو الكثير الصُّوف.

ومما شذّ عن الأصل قولُهم: لا أفعل ذلك سَجِيسَ الليالي، وسَجِيسَ الأوْجَسِ، أي أبداً. وماءٌ سَجَِس([34])، أي متغيّر. والسَّجَّة: صنمٌ كان يُعبَد في الجاهلية. وفي الحديث: "أخرِجوا صدقاتِكم؛ فإنَّ الله عزَّ ذكرُهُ قد أراحكم من الجَبْهَة والسَّجَّة والبَجَّة"([35]). وتفسيره في الحديث أنها أسماءُ آلهة كانوا يعبدونها في الجاهليَّة.

(سح) السين والحاء أصلٌ واحد يدلُّ على الصَّبّ، يقال سححت [الماء] أسُحُّ سَحّاً. وسَحَابَةٌ سحوح، أي صَبَّابة. وشاةٌ ساحٌّ، أي سمينة، كأنّها تَسُحّ الودكَ سَحّاً. وفرس مِسَحٌّ، أي سريعةٌ يشبه عدوُها انصبابَ المطر. ويقال سَحسَح الشيء، إذا سال. ويقال إن السحسحة هي السَّاحة([36]).

(سخ) السين والخاء أصلٌ فيه كلمة واحدة. يقال إن السَّخَاخ. الأرض اللَّيِّنة الحُرَّة. وذكروا ـ إن كان صحيحاً ـ سَخَّت الجرادة، إذا غرزت بذنبها في الأرض.

(سد) السين والدال أصل واحد، وهو يدلُّ على ردم شيء ومُلاءَمَته من ذلك سدَدت الثُّلمة سدَّاً. وكلُّ حاجزٍ بين الشيئين سَدٌّ. ومن ذلك السَّديد، ذُو السَّداد، أي الاستقامة([37])؛ كأنّه لا ثُلْمة فيه. والصَّواب أيضاً سَداد. يقال قلتُ سَدَاداً.  وسَدَّدَهُ الله عزَّ وجلَّ. ويقال أسَدَّ الرجلُ، إذا قال السَّداد. ومن الباب: "فيه سِدادٌ من عَوَز" بالكسرة. وكذلك سِداد الثُّلمة والثَّغر. قال:

أضاعُوني وأيَّ فتىً أضاعُوا *** ليومِ كريهةٍ وسِدَادِ ثغرِ([38])

والسُّدَّة كالفِناء حول البيت. واستدَّ الشيء، إذا كان ذا سَداد. ويقال: السُّدَّة الباب. وقال الشاعر:

تَرَى الوفودَ قياماً عند سُدَّتِهِ *** يَغْشَوْنَ بابَ مَزُورٍ غيرِ زَوَّارِ([39])

والسُّدَاد: داءٌ يأخذ في الأنف يمنع النَّسيم. والسَّدّ والسُّدُّ: الجراد يملأ الأفق. وقولهم السُّدة: الباب، لأنَّه يُسَدّ، وفي الحديث في ذكر الصَّعاليك: "الشعث رؤوساً  الذين لا يُفْتَحُ لهم السُّدَد".

(سر) السين والراء يجمع فروعَه إخفاءُ الشيء. وما كان من خالصه ومستقرِّه. لا يخرج شيءٌ منه عن هذا. فالسِّرّ: خلاف الإعلان. يقال أسْرَرت الشيءَ إسراراً، خلاف أعلنته. ومن الباب السِّرّ، وهو النِّكاح، وسمِّي بذلك لأنَّه أمرٌ لا يُعْلَن به. ومن ذلك السِّرَار والسَّرَار، وهو ليلةَ يستسرّ الهلال، فربما كان ليلة، وربماكان ليلتين إذا تمّ الشهر. ومن ذلك الحديث: "أنّه سأل رجلاً هل صُمْتَ مِنْ سِرَارِ الشَّهر شيئاً؟"، قال: لا، فقال: "إذا أفطرتَ رمضانَ فصُمْ يومين". قال في السِّرار:

نحنُ صَبَحْنا عامراً في دارِها ***

جُرداً تَعَادَى طَرَفي نهارِها

عَشِيَّةَ  الهِلال أو سَِرَارها([40])

وحدّثني محمد بن هارون الثّقفي، عن عليّ بن عبد العزيز، عن أبي الحسن الأثرم، عن أبي عبيدة قال: أسررت الشيء: أخفيته. وأسررته: أعلنته. وقرأ:{وأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا العَذَابَ}  [يونس 54]. قال: أظهروها. وأنشد قول امرئ القيس:

* لو يُسِرُّون مَقْتَلي([41]) *

أي لو يُظهرون. ثم حدّثني بعضُ أهل العلم، عن أبي الحسن عبد الله بن سفيان النحويّ قال: قال الفرَّاء: أخطأ أبو عبيدة التفسيرَ، وصحّف في الاستشهاد. أمَّا *التفسير فقال: أَسَرُّو النّدامة أي كتموها خوف الشَّماتة. وأمّا التصحيف فإنما قال امرؤ القيس:

* لو يُسِرُّون مَقتلي *

أي لو يظهرون. يقال أشْرَرت الشيءَ، إذا أبرزتَه، ومن ذلك قولهم أشْرَرت اللحمَ للشّمسِ. وقد ذُكِر هذا في بابه.

وأمّا الذي ذكرناه من مَحض الشيء وخالِصِهِ  ومستقرّهِ، فالسِّر: خالص الشيء. ومنه السُّرور؛ لأنه أمرٌ خالٍ من الحزْنِ. والسُّرَّة: سُرَّة الإنسان، وهو خالص جسمه وليّنه. ويقال قطع عن الصبي سَِرَرُه([42])، وهو [السُّرُّ]([43])، وجمعه أسِرَّة. قال أبو زيد: والسِّرَر: الخطّ من خطوط بطن الراحة. وسَرَارَة الوادي وسِرُّه: أجوده. وقال الشاعر:

هَلاَّ فوارسَ رحرحانَ هجوتَهم *** عُشَراً تناوَحَ في سَرارَةِ وادِ

يقول: لهم منظر وليس لهم مخبر. والسَّرَرُ: داءٌ يأخذ البعير في سُرَّتِهِ. يقال: بعيرٌ أَسَرّ. والسَّرُّ: مصدر سررت الزَّنْدَ، وذلك أن يبقى أَسَرَّ، أي أجوف، فيُصلَح. يقال سُرَّ زَنْدُكَ فإنّه أسرُّ. ويقال قَنَاة سَرَّاءُ، أي جوفاء. وكل هذا من السُّرَّة والسَّرَر، وقد ذكرناه.

فأمَّا الأسارير، وهي الكسور التي في الجبهة، فمحمولةٌ على أساريرَ السُّرَّة، وذلك تكسُّرها. وفي الحديث: "أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل على عائشة تبرقُ أساريرُ وجهه". ومنه أيضاً مما هو محمولٌ على ما ذكرناه: الأسرار: خطوط باطن الراحة، واحدها سِرّ. والأصل في ذلك كلّه واحد، قال الأعشى:

فانظرْ إلى كفٍّ وأسرارِها *** هل أنتَ إن أوعدتَني ضائري([44])

فأمّا أطرافُ الرّيحان فيجوز أن تسمَّى سُروراً لأنّها أرطَبُ شيء فيه وأغضَّه. وذلك قوله([45]):

كَبَردِيَّة الغِِيل وَسْطَ الغَرِيفِ *** إذا خالطَ الماءُ منها السرورا([46])

وأمَّا الذي ذكرناه من الاستقرار، فالسَّرير، وجمعهُ سرُر وأَسِرَّة. والسرير: خفض العيش؛ لأنّ الإنسان يستقرّ عنده وعندَ دَعَتَه. وسرير الرأس: مستقَرُّهُ. قال:

* ضرباً يُزيل الهامَ عن سريرِه *([47])

وناسٌ يروُون بيت الأعشى:

* إذا خالطَ الماءُ منها السريرا *

بالياء([48])، فيكون حينئذٍ تأويله أصلَها الذي استقرّت عليه، وأنشدوا قول القائل:

وفارقَ منها عِيشةً  دَغْفَلِيّةً *** ولم تَخْشَ يوماً أن يزولَ سريرُها([49])

والسِّرر من الصبي والسَّرر: ما يقطع. والسُّرة: ما يبقى. ومن الباب السَّرير: ما على الأكمَة من الرَّمل.

ومن الباب الأول سِرّ النسب، وهو محضُهُ وأفضلُهُ. قال ذو الأصبع:

وهم مَنْ وَلَدُوا أَشبَوْا *** بسِرِّ النّسب المحضِ([50])

ويقال السُّرسُور: العالم الفطن، وأصله من السِّر، كأنّه اطّلع على أسرار الأمور. فأما السُّرِّيَّة فقال الخليل: هي فُعليّة. ويقال يتسرَّر، ويقال يتسرَّى. قال الخليل: ومن قال يتسرَّى فقد أخطأ. لم يزد الخليلُ على هذا. وقال الأصمعي السُرِّية من السِّرّ، وهو النّكاح؛ لأنَّ صاحبها اصطفاها للنكاح لا للتجارة فيها. وهذا الذي قاله الأصمعيّ، وذكر ابن السِّكيت في كتابه. فأمّا ضمّ السين في السُّرّية فكثيرٌ من الأبنية يغيَّر عند النسبة، فيقال في النسبة إلى الأرض السَّهلة سُهْليّ، وينسب إلى طول العمر وامتدادِ الدَّهر فيقال دُهريّ. ومثل ذلك كثير. والله أعلم.

ــــــــــــــــــ

([1]) لرؤبة في ديوانه 88 واللسان (سعع) وقبله.

* قالت ولم تأل به أن يسمعا *

وبعده:                             * من بعد ما كان فتى سرعرعا *.

([2]) سبق البيت وتخريجه في (2: 457).

([3]) السف: بكسر السين وضمها.

([4]) في المجمل: "إذا ذر عليه شيء"، وفي اللسان: "وأسف وجهه النؤور، أي ذر عليه".

([5]) ضابئ بن الحارث البرجمي. وفي الأصل: "الصابي" صوابه من المجمل واللسان، حيث أنشد البيت.

([6]) ديوان النابغة 52، والمجمل واللسان (سكك)، برواية: "أتاني أبيت اللعن".

([7]) السكي، بالفتح والكسر، وقيل هو المسمار وقيل الدينار، وقيل البريد، وقيل الحداد، وقيل البواب، وقيل الملك.

([8]) في الأصل" الخراب"، صوابه من المجمل واللسان.

([9]) في الأصل: "للبيت إذا اشتد خصاصه"، صوابه من المجمل واللسان.

([10]) الجمهرة (1: 94).

([11]) من كتاب الحديبية حين وادع أهل مكة.

([12]) ديوان الأخطل. والمجمل (سلل).

([13]) في الأصل: "ساقته"، صوابه من المجمل واللسان.

([14]) كذا وردت  هذه المادة سابقة لتاليتها، وهي في المجمل على الترتيب المطرد.

([15]) هو خالد بن زهير الهذلي. انظر ديوان أبي ذؤيب 157، ونسخة الشنقيطي من الهذليين 30، وفي اللسان: "خالد بن عتبة الهذلي".

([16]) ويقال أيضاً بفتح فكسر، وبضمتين.

([17]) لامرئ القيس في ديوانه 110 واللسان (نحض، صلب). وصدره:

* يباري شباة الرمح خد مذلق *.

([18]) كذا في الأصل

([19]) كذا وردت هذه المادة، وحقها التقدّم على سابقتها، وآثرت إبقاءها في الترتيب كما هي محافظة على أرقام الأصل.

([20]) هو ابن دريد كما ظن، انظر الجمهرة: (1: 31).

([21]) هو ذو الخرق الطهوي، كما في اللسان (سبب).

([22]) سحيم بن وثيل الرياحي، انظر الخزانة (1: 129، 462).

([23]) هو عبد الرحمن بن حسان، يهجو مسكيناً الدارمي.

([24]) في الأصل: "الكرام"، صوابه من المجمل واللسان والمخصص (12: 175).

([25]) تمام الحديث في  اللسان (رقأ): "مهر الكريمة". أي إنها تعطى في الديات بدلاً من القود، فتحقن بها الدماء ويسكن بها الدم.

([26]) في الكلام سقط، تقديره: "والسبة: العار. وأنشد".

([27]) لحميد بن ثور في ديوانه 51. وانظر ما سبق في (تلع).

([28]) هو أبو ذؤيب الهذلي ديوانه 79 واللسان (سبب، خيط، وكف). وقد سبق في (1: 234).

([29]) عجزه:                                       * بجرداء مثل الوكف يكبو غرابها *.

([30]) البيت مطلع قصيدة له في الأصمعيات 8 ليبسك.

([31]) للنابغة الذبياني كما سبق (1: 140). وصدره:

*رقاق النعال طيب حجزاتهم *

([32]) للحارث بن حلزة اليشكري، كما في اللسان (رجل، متن، سجج). وصدره:

* أنى اهتديت وكنت غير رجيلة *

والبيت من قصيدة له في المفضليات (2: 55).

([33]) وقيل الذي ثلثه لبن وثلثاه ماء. وأنشد:

يشربه محضاً ويسقي عياله *** سجاجا كأقراب الثعالب أورقا

([34]) بالتحريك، وبفتح فكسر، ويقال سجيس: أيضاً. على أن حق هذه الكلمات أن تكون في مادة (سجس)،  لكن هكذا وردت في الأصل والمجمل.

([35]) ورد في الحديث في مادة (بجج، سجج، جبه). وروي في الموضع الأول: "من الشجة والبجة"، وقد فسر بتفاسير أخر.

([36]) في الأصل: "سمى الساحة". وفي المجمل: "ويقال إن السحسحة الساحة".

([37]) في الأصل: "والسداد إلى الاستقامة".

([38]) للعرجي، كما في اللسان (سدد).

([39]) أنشد البيت في المجمل أيضاً.

([40]) الرجز في اللسان (سرر).

([41]) من معلقته والبيت بتمامه:

تجاوزت أحراساً إليها ومعشراً *** علي حراصاً لو يسرون مقتلي

([42]) يقال بالتحريك، وبكسر ففتح.

([43]) التكملة من المجمل.

([44]) ديوان الأعشى 107 واللسان (سرر 24).

([45]) الأعشى، ديوانه 67، واللسان (سرر).

([46]) ويروى: "السريرا" أي شحمة البردي.

([47]) بعده في اللسان (سرر): * إزالة السنبل عن شعيره *.

([48]) ويروى أيضاً: "السرورا"، بالواو كما سبق.

([49]) في اللسان (6: 26): "ولم تخش يوماً".

([50]) وكذا في المجمل (سر)، وأشبوه: رفعوه. وفي اللسان (شبا): "إن ولدوا أشبوا"، يقال أشبى الرجل، إذا أنجب ولداً مثل شبا الحديد. وبعض هذه القصيدة في الأصمعيات 37 ليبسك.

 


ـ (باب السين والطاء وما يثلثهما)

(سطع) السين والطاء والعين أصلٌ يدلُّ على طول الشيء وارتفاعِهِ في الهواء. فمن ذلك السَّطع، وهو طول العنق. ويقال ظليم أسطَعُ، ونَعامة سَطْعاء. ومن الباب السِّطاع، وهو عمود من عُمُد البيت. قال القطاميّ:

أليسُوا بالأُولى قَسَطوا جميعاً  *** على النُّعمانِ وابتدروا السِّطاعا([1])

ويقال سَطَع الغبارُ* وسطعت الرائحة، إذا ارتفعت. والسَّطْع: ارتفاع صوت الشيء إذا ضربتَ عليه شيئاً. يقال سطعَه. ويقال: إنَّ السَّطيع الصبح. وهذا إنْ صحَّ فهو من قياس الباب؛ لأنه شيء يعلو ويرتفع. فأما السِّطاع في شعر هذيل فهو جَبَل بِعينه([2]).

(سطل) السين والطاء واللام ليس بشيء. على أنَّهم يسمُّون إناء من الآنية سَطلاً وسَيْطلا.

(سطم) السين والطاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على أصل شيء ومجتمَعِهِ. يقولون: الأسطمّ: مجتمع البحر. ويقال هذه أُسْطُمَّةُ الحَسَب، وهي واسطته. والناس في أُسطُمّة الأمر. ويقال إنَّ الأسطمّ والسِّطام: نَصل السيف. وفي الحديث: "سِطَام الناس" أي حَدُّهم.

(سطن) السين والطاء والنون، هو على مذهب الخليل أصلٌ، لأنه يجعل النون فيه أصلية. قال الخليل: أُسْطُوانة أُفْعُوَالة. تقول هذه أساطينُ مُسَطَّنة. قال: ويقال جملٌ أُسطوانٌ، إذا كان مرتفعاً. قال:

* جَرَّبْنَ منِّي أُسطواناً أَعْنَقَا([3]) *

(سطا) السين والطاء والحرف المعتل أصلٌ يدلُّ على القهر والعلوّ. يقال سطا عليه يسطو، وذلك إذا قهره ببطش. ويقال فرسٌ ساطٍ، إذا سطا على سائر الخيل. والفحلُ يسطو على طَرُوقته. ويقال سطا الرَّاعي على الشاة، إذا مات ولدُها في بطنها فسطا عليها فأخرجَه. ويقال سطا الماء، إذا كثُر. وقال بعض أهل اللغة في الفرس السَّاطي: هو الذي يرفع ذنبه في الحُضْر. قال الشيبانيّ:  السَّاطي: البعير إذا اغتلم خرج من إبلٍ إلى إبل. قال:

* هامته مثل الفَنيق السَّاطِي([4]) *

(سطح) السين والطاء والحاء أصلٌ يدلّ على بسط الشيء ومَدّه، من ذلك السَّطْح معروف. وسَطح كلِّ شيء: أعلاه الممتدُّ معه. ويقال انْسَطَح الرجلُ، إذا امتدَّ على قفاه فلم يتحرَّك، ولذلك سمِّي المنبسط على قفاه من الزَّمانة سَطيحاً. وسطيحٌ الكاهن سُمّي سطيحاً لأنه كذلك خُلِقَ بلا عَظْم. والمَسْطَح، بفتح الميم: الموضع الذي يبسط فيه التَّمر. والمِسطح، بكسر الميم: الخِباء، والجمع مساطح. قال الشاعر:

تَعَرَّضَ ضَيْطَارُو خُزاعةَ دوننا  *** وما خير ضَيْطارٍ يقلِّبُ مِسطَحا([5])

وإّنّما سمِّيَ بذلك لأنه تمدُّ الخيمةُ به مَدَّا. والسَّطيحة: المزادة، وإنّما سمِّيت بذلك لأنّه إذا سقط انسطح، أي امتَدَّ. والسُّطَّاح: نبت من نبات الأرض، وذلك أنّه ينبسط على الأرض.

(سطر) السين والطاء والراء أصلٌ مطّرد يدلُّ على اصطفافِ الشيء، كالكتاب والشجر، وكلِّ شيء اصطَفَّ. فأمَّا الأساطير فكأنها أشياءُ كُتبت من الباطل فصار ذلك اسماً لها، مخصوصاً بها. يقال سَطَّر فلانٌ علينا تسطيراً، إذا جاء بالأباطيل. وواحد الأساطير إسطار وأُسطورة.

ومما شذ عن الباب المُسَيطِر([6])، وهو المتعهّد للشيء المتسلّط عليه.

ــــــــــــــــــــ

([1]) ديوان القطامي 41 واللسان (سطع). وفي شرح الديوان: "أراد قتل عمرو بن كلثوم عمرو بن هند".

([2]) يعني في قول صخر الغي الهذلي. اللسان (سطع):

فذاك السطاع خلاف النجا *** ء تحسبه ذا طلاء نتيفا

وقصيدته في شرح السكري للهذليين 42 ونسخة الشنقيطي 57.

([3]) لرؤبة في اللسان  (سطن).

([4]) لزياد الطماحي، كما في اللسان (سطا).

([5]) البيت لمالك بن عوف النصري، كما في اللسان (سطح، ضطر). وقد سبق في (2: 102).

([6]) في الأصل: "المسطير"، صوابه من المجمل.

 

ـ (باب السين والعين وما يثلثهما)

(سعف) السين والعين والفاء أصلان متباينان، يدلُّ أحدُهما على يُبْس شيء وتشعُّثه، والآخر على مواتاة الشيء.

فالأوَّل السّعف جمع سَعَفة، وهي أغصان النخلة إذا يبست. فأما الرَّطْب فالشَّطْب. وأما قول امرئ القيس في الفرس:

* كَسَا وجْهَهَا سَعَفٌ منتشر([1]) *

فإنّه إنّما شبّه ناصيتها به. ومن الباب: السَّعْفَة: قروح تخرج برأس الصبيّ. ومنه قول الكسائيّ: سَُعِفت يدُه، وذلك هو التشعّث حول الأظفار، والشُّقاق. *ويقال ناقةٌ سَعْفاء، وقدسُعِفَتْ سَعفا، وهو داءٌ يتمعّط منه خُرطومها. وذلك في  النُّوق خاصّة.

والأصل الثاني: أَسْعَفْت الرجل بحاجته، وذلك إذا قضيتَها لـه. ويقال أسعفته على أمره، إذا أعنْتَه.

(سعل) السين والعين واللام أصل يدل على صخب وعلوِّ صوت. يقال للمرأة الصّخّابة قد استسعَلَتْ، وذلك مشبّه بالسِّعلاة. والسَّعالى: أخبثُ الغِيلان. والسُّعال، مشتقّ من ذلك أيضاً؛ لأنه شيءٌ عالٍ. فأما قول الهذليّ([2]) في وصف الحمار:

* وأسعلته الأمرُعُ([3]) *

فإنه يريد نَشّطته الأمرُعُ حتى صار كالسِّعلاة، في حركته ونشاطه.

(سعم) السين والعين والميم كلمةٌ واحدة. فالسَّعْم: السَّير. يقال سَعَم البعيرُ، إذا سار.. وناقةٌ سَعُوم.

(سعن) السين والعين والنون كلمة واحدة. يقولون ماله سَعْنة ولا مَعْنَة، أي ما له قليلٌ ولا كثير. ويقال إن كان صحيحاً إنَّ السُّعْن شيء كالدَّلو.

(سعو) السين والعين والحرف المعتل وهو الواو، كلمتان إن صحّتا. فذكر عن الكسائي: مضى سَعْوٌ من الليل، أي قِطْع منه. وذكر ابن دريد([4]) أن السَّعْوَ الشَّمَع، وفيه نظر. [والمَسْعاة([5])] في الكرم والجُود. والسِّعاية في أخذ الصدقات. وسِعاية العَبد، إذا كُوتِبَ: أن يسعى فيما يفُكُّ رقبتَه.

ومن الباب ساعَى الرّجلُ الأمَةَ، إذا فَجَرَ بها، كأنَّه سعى في ذلك وسَعَتْ فيه. قالوا: لا تكون المساعاة إلاّ في الإماء خاصّة.

(سعد) السين والعين والدال أصلٌ يدل على خير وسرور، خلاف النَّحْس. فالسَّعْد: اليُمْن في الأمر. والسَّعْدان: نبات من أفضل المرعى. يقولون في أمثالهم: "مرعى ولا كالسَّعدان". وسعود النجم عشرة([6]): مثل سعد بُلَعَ، وسعد الذابح. وسمِّيت سُعوداً ليُمنها. هذا هو الأصل، ثم قالوا لساعد الإنسان ساعد، لأنَّه يتقوَّى به على أموره. ولهذا يقال ساعده على أمره، إذا عاونَه، كأنه ضم ساعده إلى ساعِده. وقال بعضهم: المساعدة المعاونة في كل شيء، والإسعاد لا يكون إلاَّ في البكاء. فأما السَّعْدانة، التي هي كِركِرة البعير، فإنما سمِّيت بذلك تشبيهاً لها في انبساطها على الأرض بالسَّعْدان الذي ينبسط على الأرض في منبِتِه([7]). والسَّعْدانة عقدة الشِّسْع([8]) التي تلي الأرض. و السَّعْدانات: العقَد التي تكون في كِفَّة الميزان. وسُعْد: موضع. قال جرير:

ألاَ حَيِّ  الدِّيار بسُعْد إنِّي *** أحبُّ لحبِّ فاطمةَ الدِّيارا([9])

ويقال إنَّ السَّعدانة: الحمامة الأنْثى، وهو مشتقٌّ من السَّعْد.

(سعر) السين والعين والراء أصل واحدٌ يدل على اشتعال [الشيء] واتّقاده وارتفاعه. من ذلك السعير سعير النار. واستعارها: توقُّدها. والمِسْعر: الخشب الذي يُسْعر به([10]). والسُّعار: حَرّ النار. ويقال سُعِر الرَّجُل، إذا ضربته السَّموم. ويقال إِنَّ السِّعْرارة هي التي تراها في الشّمس كالهباء. وسَعَرتُ النّارَ وأسْعَرْتُها، فهي مُسْعَرَة ومسعُورة. ويقال استَعَرَ اللُّصوص كأنهم اشتعلوا. واستعر الجَرَب في البعير. وسمِّي الأسعر الجُعفيّ([11]) لقوله:

فلا يَدْعُني الأقوامُ من آل مالكٍ *** لئن أنا لم أَسْعَر عليهم وأُثْقِبِ([12])

قال ابن السِّكيت: ويقال سَعَرهم شَرَّا، ولا يقال أَسْعَرَهُم.

ومن هذا الباب: السُّعْر([13])، وهو الجنون، وسمِّي بذلك لأنّه يَسْتَعِر في الإنسان. ويقولون نَاقة مسعورة. وذلك لِحِدّتها كأنّها مجنونة. فأمّا سِعْر الطعام فهو من هذا أيضاً؛ لأنَّه يرتفع ويعلو. فأمَّا مساعِر البعير فإنَّها مشاعِرُهُ([14]). ويقال

 

هي آباطه وأرفاغه وأصل ذنبِهِ حيث رَقَّ وَبَرُهُ، وإنّما سُمِّيت بذلك لأنّ الجرب يستَعِر فيها أولاً ويستعر فيها أشدّ. وأما قول عروة بن *الورد:

* فطاروا في بلاد اليَستَعور([15]) *

فقالوا: أراد  السعير. ويقال إنه مكان، ويقال إنَّه شجرٌ يقال له اليستعور يُستاك [به].

(سعط) السين والعين والطاء أصل، وهو أن يُوجَر الإنسانُ الدواء، ثم يحمل عليه. فمن ذلك أسعطته الدواءَ فاسْتَعطَه([16]). والمُسْعُط([17]): الذي يجعل فيه السَّعوط. والسَّعوط هو الدواء، وأصل بنائه سَعَطَ. ومما يحمل عليه قولهم طعنته فأسعَطْتُه([18]) الرُّمح، والله أعلم.

ـــــــــــــــــ

([1]) صدره كما في اللسان (سعف) والديوان 12:

* وأركب في الروع خيفانة *

([2]) هو أبو ذؤيب الهذلي. ديوانه ص 4 والمفضليات (2: 223)، واللسان (سعل، مرع).

([3]) البيت بتمامه:

أكل الجحيم وطاوعته سمحج *** مثل القناة وأسعلته الأمرع

([4]) الجمهرة (3: 34).

([5]) التكملة من المجمل.

([6]) في اللسان: "وهي عشرة أنجم، كل واحد منها سعد. أربعة منها منازل ينْزل بها القمر، وهي سعد الذابح، وسعد بلع، وسعد  السعود، وسعد الأخبية، وهي في برجي الجدي والدلو. وستة لا ينْزل بها القمر وهي سعد ناشرة، وسعد الملك، وسعد البهام، وسعد الهمام، وسعد البارع، وسعد مطر. وكل سعد منها كوكبان، بين كل كوكبين في رأي العين قدر ذراع".

([7]) في الأصل: "الذي يبسط على الأرض في تنبته"، تحريف.

([8]) الشسع، بالكسر: قبال النعل الذي يشد إلى زمامها. وفي الأصل: "السبع"، صوابه في المجمل واللسان.

([9]) ديوان جرير 280 ومعجم البلدان (سعد) وهو بضم السين.

([10]) في اللسان : "ويقال لما تحرك به النار من حديد أو خشب مسعر ومسعار".

([11]) اسمه مرثد بن أبي حمران بن معاوية. المؤتلف 47.

([12]) البيت في المجمل واللسان (سعر) والمؤتلف 47.

([13]) السعر، بضم وبضمتين. وفي الكتاب: {إنا إذاً لفي ضلال وسعر} [القمر 24].

([14]) في الأصل: "مشافره" تحريف. وفي المجمل: "ومساعر البعير مشاعره، وهي آباطه وأرفاغه وأصل ذنبه حيث رق وبره، ويقال بل تلك المشاعر لأن عليها شعراً وسائر جسده وبر".

([15]) البيت من أبيات تروى أيضاً للنمر بن تولب، كما في ديوان عروة 89، وصدره:

* أطعت الآمرين بصرم سلمى *         ورواية الديوان: "في عضاه اليستعور".

([16]) في الأصل: "فأسعطه".

([17]) كمنبر، وبضم الميم والعين.

([18]) في الأصل: "فأسعته"، صوابه في المجمل.

 

ـ (باب السين والغين وما يثلثهما)

(سغل) السين والغين واللام أصلٌ يدل على إساءة الغِذاء وسوء الحال فيه. من ذلك السَّغِل: الولد السيِّئ الغذاء. وكلُّ ما أسيء غذاؤه فهو سَغِل. قال سلامة بن جندل يصف فَرساً:‏

ليس بأسْفَى ولا أقْنى ولا سَغِلٍ *** يُسقى دواء قَفِيّ السَّكْنِ مربُوبِ(1)‏

ويقال: بل السَّغِل: الدقيق القوائم الصغير. وقال ابن دريد: السغِل: المتخدِّد لحمه، المهزول المضطرب الخَلْق.‏

(سغم) السين والغين والميم ليس بشيء. على أنّهم يقولون للسغِل سَغِم.‏

(سغب) السين والغين والباء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الجوع. فالمَسْغَبَة: المجاعة، يقال سَغِبَ يَسْغَبُ سُغُوباً، وهو ساغب وسغبان. قال ابن دريد(2): قال بعض أهل اللغة: لا يكون السَّغَب إلا الجوعَ مع التعب. قال وربَّما سمي العطَش سَغَباً؛ وليس بمستعمل.‏

ـــــــــــــ

(1) كلمة "ولا أقنى" ساقطة من الأصل، وإثباتها من المجمل واللسان (سغل) وديوان سلامة 8 والمفضليات (1: 119).‏

(2) الجمهرة (1: 286).‏

 

ـ (باب السين والفاء وما يثلثهما)

(سفق) السين والفاء والقاف أصَيلٌ يدلُّ على خلاف السخافة. فالسَّفيق لغة في الصفيق، وهو خلاف السخيف. ومنه سَفَقْتُ الباب فانْسَفَقَ، إذا أغلقته. وهو يرجع إلى ذاك القياس. ومنه رجل سَفيق الوجه، إذا كان قليل الحياء. ومن الباب: سفَقْت وجهَه، لطمتَه.

(سفك) السين والفاء والكاف كلمة واحدة. يقال سَفَكَ دمَه يسفِكه سفْكاً ، إذا أساله، وكذلك الدّمع.

(سفل) السين والفاء واللام أصلٌ واحد، وهو ما كان خلافَ العلوّ. فالسُّفل([1]) سُِفل الدارِ وغيرها. والسُّفُول: ضدّ العُلُوّ. والسَّفِلة: الدُّون من الناس، يقال هو من سَفِلة الناس ولا يقال سَفِلة([2]). والسَّفَال:نقيض العَلاء. وإنّ أمرهم لفي سَفَال. ويقال قَعَدَ بسُفالة الرّيح وعُلاوتها. والعُلاوة من حيث تَهُبُّ، والسُّفالة ما كان بإزاء ذلك.

(سفن) السين والفاء والنون أصلٌ واحد يدلُّ على تنحية الشيء عن وجه الشيء، كالقَشْر، قال ابن دريد([3]): السفينة فعيلة بمعنى فاعلة، لأنَّها تسفِن الماء، كأنّها تقشِره. والسَّفّان: ملاّح السفينة. وأصل الباب السَّفْن، وهو القشر، يقال سَفَنْتُ العودَ أسفِنُه سَفْناً. قال امرؤ القيس:

فجاء خفِيَّاً يسفِنُ الأرضَ بطنُهُ *** تَرَى التُّربَ منه لاصقاً غير مَلْصَقِ([4])

والسَّفَن: الحديدة التي يُنحَت بها. قال الأعشى:

وفي كلِّ عامٍ لـه غزوةٌ *** تَحُكّ الدّوابِرَ حَكَّ السَّفَنْ([5])

وسفنتِ الريح التراب عن وجه الأرض.

(سفه) السين والفاء والهاء أصلٌ واحدٌ، يدلُّ على خفّة وسخافة. وهو قياس مطَّرد. فالسَّفَه: ضدّ الحِلْم. يقال ثوب سفيه، أي رديء النسج. ويقال تَسَفَّهَت الريحُ، إذا مالت. قال ذو الرمة:

مَشَيْن كما اهتَزَّت رياحٌ تسفَّهت *** أعالِيَها مَرُّ الرِّياحِ الرواسِمِ([6])

وفي شعره أيضاً:

* سَفيهٍ جَديلُها([7]) *

يذكر الزّمام واضطرابه. ويقال تسفّهتُ فلاناً عن ماله، إذا خدعْتَه، كأنَّك مِلت به عنه واسْتَخْفَفْتَه. قال([8]):

تَسَفَّهْتَهُ عن ماله إِذْ رأيته *** غلاماً كغُصنِ البانةِ المتغايِدِ([9])

وذكر ناسٌ * أنَّ السَّفَه أن يُكثِر الإنسانُ من شُربِ الماءِ فلا يَروَى. وهذا إن صحَّ فهو قريبٌ من ذاك القياس.

وكان أبو زيد يقول: سافَهْتُ الوَطْبَ أو الدّنَّ، إذا قاعَدْتَه فشربتَ منه ساعةً بعد ساعة. وأنشد:

أبِنْ لي يا عُمَيْرُ أذُو كعوبٍ *** أصَمُّ، قناتُهُ فيها ذُبُولُ

أحَبُّ إليكَ أم وَطْبٌ مُدَوٍّ *** تُسافِهُهُ إذا جَنَح الأَصِيلُ([10])

(سفو) السين والفاء والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خِفّة في الشيء. فالسَّفْو: مصدر سَفَا يَسْفو سَفْواً([11])، إذا مشى بسُرعة، وكذلك الطائر إذا أَسْرَعَ في طيرانه. والسَّفَا: خِفّة النّاصية، وهو يُكرَه في الخيلِ ويُحمَد في البِغال، فيقال بغلةٌ سفواء. وسَفت الريحُ التّراب تَسفيه سَفْياً. والسَّفا: ما تَطَايَرُ به الرِّيحُ من التُّراب. والسَّفا: شوك البُهْمَى، وذلك [أنه] إذا يبس خَفّ وتطايرت به الرّيح. قال رؤبة:

* واسْتَنَّ أعراف السَّفَا على القِيَقْ *([12])

ومن الباب: السَّفا، وهو تُراب القَبر. قال:

وحالَ السّفا بيني وبينكِ والعِدَا *** ورَهْنُ السّفا غَمْرُ الطبيعة ماجدُ([13])

والسَّفاءُ، مهموز: السَّفَه والطَّيش. قال:

كم أزلّتْ أرماحُنا من سفيهٍ *** سافَهونا بغِرّة وسَفَاءِ

(سفح) السين والفاء والحاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على إِراقة شيء. يقال سفح الدّمَ، إذا صبَّه. وسفح الدّم: هَرَاقه. والسِّفاح: صبُّ الماء بلا عَقد نكاح، فهو كالشيء يُسفَح ضَياعاً. والسَّفّاح: رجلٌ من رؤساء العرب([14])، سَفَح الماء في غزوةٍ غزاها فسُمّي سفَّاحاً. وأمَّا سَفْح الجبل فهو من باب الإبدال، والأصل فيه صَفح، وقد ذُكر في بابه. والسَّفيح: أحد السِّهام الثلاثة التي لا أنصباءَ لها، وهو شاذٌّ عن الأصل الذي ذكرناه.

(سفد) السين والفاء والدال ليس أصلاً يتفرّع منه، وإنّما فيه كلمتان متباينتان في الظاهر، وقد يمكن الجمع بينهما من طريق الاشتقاق. من ذلك سِفاد الطَّائر، يقال سَفِد يَسْفَد، وكذلك التَّيس. والكلمة الأخرى السّفُّود، وهو معروف. قال النابغة:

كأنَّه خارجاً من جَنب صَفحته *** سَفُّود شَرْبٍ نَسُوه عند مفتأدِ([15])

(سفر) السين والفاء والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الانكشاف والجَلاء. من ذلك السَّفَر، سمِّي بذلك لأنَّ الناس ينكشفون عن أماكنهم. والسَّفْر: المسافرون. قال ابن دريد([16]): رجلٌ سَفْرٌ وقوم سَفْرٌ.

ومن الباب، وهو الأصل: سَفَرتُ البَيت كنستُه. ومنه الحديث: "لو أمَرْتَ بهذا البيت فسُفِر([17])". ولذلك يسمَّى ما يسقُطُ من ورق الشّجر السَّفِير. قال:

وحائل مِنْ سَفير الحولِ جائلهُ *** حولَ الجراثيمِ في ألوانه شَهَبُ([18])

وإنّما سمّي سفيراً لأنَّ الرّيح تسفره. وأما قولهم: سَفَر بَيْن القوم سِفارة، إذا أصلح، فهو من الباب؛ لأنَّه أزال ما كان هناك من عَداوة وخِلاف. وسَفَرتِ المرأةُ عن وجهها، إذا كشفَتْهُ. وأسفر الصبح، وذلك انكشاف الظّلام، ووجه مُسفِر، إذا كان مُشرِقاً سروراً. ويقال استفَرَت الإبل: تصرفت وذهبَتْ في الأرض. ويقال للطعام الذي يُتّخذ للمسافر سُفْرة. وسمِّيت الجِلدة  سُفْرة([19]). ويقال بعير مِسفَر، أي قويٌ على السَّفر.

ومما شذّ عن الباب السِّفار: حديدةٌ تُجعَل في أنف الناقة. وهو قوله:

ما كان أجمالي وما القِطارُ *** وما السِّفار، قُبِحَ السِّفارُ

وفيه قول آخر؛ أنه خيطٌ يشدُّ طرَفُه على خطام البعير فيدارُ عليه، ويُجعَل بفيه زِماماً، والسَّفْر: الكتابة. والسفَرَة: الكَتبة، وسُمّي بذلك لأنَّ الكتابة تُسفِرُ عما يُحتاج إليه من الشيء المكتوب.

(سفط) السين والفاء والطاء ليس بشيء، وما في بابه ما يعوّل عليه، إلاّ أنّهم سمّوا هذا السَّفَط. ويقولون: السفيط السخيّ من *الرجال. وأنشدوا:

* ليس بذي حزم ولا سَفيطِ([20]) *

وهذا ليس بشيء.

(سفع) السين والفاء والعين أصلان: أحدهما لونٌ من الألوان، والآخر تناوُل شيءٍ باليد.

فالأوّل السُّفْعَة، وهي السَّوَاد، ولذلك قيل للأثافيّ سُفْعٌ. ومنه قولهم: أرى به سُفْعَةً من غضب، وذلك إذا تَمَعَّرَ لونُهُ. والسَّفْعاء: المرأة الشاحبة؛ وكلُّ صَقْرٍ أسْفَعُ. والسَّفْعَاء: الحمامة، وسُفعتُها في عنقِها، دُوَينَ الرّأس وفُوَيقَ الطّوق. والسُّفْعة: في آثار الدار: ما خالَفَ من رَمادها سائرَ لونِ الأرض. وكان الخليل يقول: لا تكون السُّفْعَةُ في اللَّوْن إلاّ سواداً مشْرَباً حُمْرَة.

وأمّا الأصل الآخر فقولهم: سَفَعْتُ الفرسَ، إذا أخذْتَ بمقدّم رأسه، وهي ناصيته، قال الله جلَّ ثناؤه: {لَنَسْفَعنْ بالنَّاصِيَةِ} [العلق 15]، وقال الشاعر:

* من بين مُلجِمِ مُهرِهِ أو سافِعِ([21]) *

ويقال سَفَعَ الطائرُ ضريبتَه، أي لَطَمَه. وسَفَعْتُ رأس فلان بالعصا، هذا محمولٌ على الأخْذ باليد. وفي كتاب الخليل: كان عُبيد الله بن الحسن قاضي البصرة مولعاً بأن يقول: "اسفَعا بيده فأقيماهُ"، أي خُذا بيده.

ــــــــــــــــ

([1]) يقال بالضم والكسر.

([2]) في اللسان: "يقال هو من السفلة ولا يقال هو سفلة، لأنها جمع".

([3]) الجمهرة (3: 39).

([4]) في الأصل: ("خفيفاً")، صوابه من المجمل واللسان. وفي اللسان: "وإنما جاء متلبداً على الأرض لئلا يراه الصيد فينفر منه". ورواية اللسان في عجزه الذي لم ينشد في المجمل: "لاصقاً كل ملصق".

([5]) ديوان الأعشى 19 والمجمل واللسان (سفن).

([6]) وكذا رواية المجمل. وفي الديوان 616 واللسان : "الرياح النواسم".

([7]) البيت بتمامه كما في الديوان 553 واللسان (سفه):

وأبيض موشيّ القميص نصبته *** على ظهر مقلات سفيه جديلها

وفي شرح الديوان :"أبيض، يعني السيف. وقميصه، يعني جفنه. موشى: منقوش".

([8]) البيت من قصيدة لمزرد بن ضرار في المفضليات (1: 76).

([9]) المتغايد: المتثني، من قولهم رجل أغيد وامرأة غيداء، إذا كانت أعناقهما تتثنى للنعمة. وفي الأصل: "المتفائد"، تحريف.

([10]) دوى اللبن والمرق تدوية: صار عليه دواية، أي قشرة.

([11]) كذا ضبط في الأصل والجمهرة (3: 40)، لكن في المجمل واللسان (19: 111 س 24): "سفوا" بضم السين والفاء وتشديد الواو.

([12]) في الأصل "الفتق"، صوابه من الديوان 105 واللسان (قيق).

([13])  البيت لكثير عزة كما في اللسان (سفا). وأنشده في المجمل مقدم العجز على الصدر. وفي اللسان: "غمر النقيبة".

([14]) هو السفاح بن خالد، واسمه سلمة. وكان جراراً للجيوش، وإنما سمي السفاح لأنه سفح المزاد، أي صبها يوم كاظمة، وقال لأصحابه: قاتلوا، فإنّكم إن هزمتم متم عطشاً. ذكره ابن دريد في الاشتقاق 203، وأنشد:

وأخوهما السفاح ظمأَ خيله *** حتى وردت جبا الكلاب نهالا

([15]) ديوان النابغة 20 واللسان (فأد).

([16]) الجمهرة (2: 333).

([17]) في اللسان: "وفي الحديث أنَّ عمر رضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو أمرت بهذا البيت فسفر".

([18]) البيت لذي الرمة في ديوانه 19 واللسان (سفر). والشهب، بالتحريك، والشهبة بالضم: لون بياض يصدعه سواد في خلاله.

([19]) في اللسان: "السفرة طعام يتخذه المسافر، وأكثر ما يحمل في جلد مستدير". وفي المجمل: "والسفرة طعام يتخذ للمسافر؛ وبه سميت الجلدة سفرة". في الأصل: "مسفرة"، تحريف.

([20]) لحميد الأرقط كما في اللسان (سفط). وأنشده في المجمل بدون نسبة. في الأصل: "ليس بيني" صوابه في المجمل واللسان.

([21]) البيت لعمرو بن معد يكرب، كما في تفسير أبي حيان (8: 491)، وصدره:  * قوم إذا كثر الصياح رأيتهم *

 

ـ (باب السين والقاف وما يثلثهما)

(سقل) السين والقاف واللام ليس بأصل، لأنَّ السين فيه مبدلة عن صاد.

(سقم) السين والقاف والميم أصلٌ واحد، وهو المرض: يقال سُقْمٌ وسَقَمٌ وسَقامٌ، ثلاثُ لغات.

(سقي) السين والقاف والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ، وهو إشراب الشيء الماء وما أشبَهَه. تقول: سقيته بيدي أَسقيهِ سَقيا، وأَسْقيته، إذا جعلتَ لـه سِقياً. والسُّقْي: المصدر، وكم سِقيُ أرضك، أي حظُّها من الشرب. ويقال: أسقيتُك هذا الجِلدَ، أي وهبتُهُ لك تتّخذه سِقاء. وسَقَيْتُ على فلان، أي قلتَ: سقاه الله. حكاه الأخفش. والسِّقاية: الموضع الذي يُتَّخذ فيه الشراب في الموسم. والسِّقاية: الصُّواع، وفي قوله جلَّ وعزَّ: {جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ}  [يوسف 70]، وهو الذي كان يَشرَب فيه الملك. وسَقَى بَطْنُ فلان، وذلك ماء أصفر يَقَع فيه. وسَقَى فلانٌ على فلانٍ بما يكره، إذا كرّره عليه. والسَّقِيُّ: البَرديّ في قول امرئ القيس:

* وساقٍ كأنبوبِ السَّقِيِّ المَذَلَّلِ([1]) *

والسَّقِيّ، على فعيل أيضاً: السَّحابة العظيمة القَطْر. والسِّقاء معروف، ويشتق من هذا أسقيت الرَّجل، إذا اغتبْتَه. قال ابن أحمر:

* ولا أيّ من عاديت أسقى سقائيا([2]) *

(سقب) السين والقاف والباء أصلان: أحدهما القرب، والآخر يدلُّ على شيء مُنْتَصِب. فالأوَّل السَّقَب، وهو القُرْب. ومنه الحديث: "الجار أحقُّ بسَقَبِه". يقال منه سقبتِ الدّارُ وأسْقبت. والساقب: القريب. وقال قوم: السّاقب القريب والبَعيد. فأمّا القريب فمشهور، وأما البعيد فاحتجُّوا فيه بقول القائل:

تَرَكْتَ أباكَ بأرضِ الحجاز *** ورُحتَ إلى بَلدٍ ساقبِ

وأما الأصل الآخر فالسقْب والصَّقْب، وهو عمود الخِباء، وشُبّه به السقب ولدُ الناقة. ويقال ناقة مِسقاب، إذا كان أكثر وضْعِها الذّكور، وهو قوله:

* غَرَّاءَ مِسقاباً لفحلٍ أَسْقَبا([3]) *

هذا فعلٌ لا نعت.

(سقر) السين والقاف والراء أصلٌ يدل على إحراق أو تلويح بنار. يقال سقَرتْه الشَّمسُ، إذا لوّحتْه. ولذلك سمِّيت سَقَر. وسَقَرات الشمس: حَرُورها. وقد يقال بالصَّاد، وقد ذكر في بابه.

(سقط) السين والقاف والطاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الوقوع، وهو مطّرد. من ذلك سَقط الشيءُ يسقُطُ سقوطاً. والسَّقَط: رديء المتاع. والسِّقاط والسَّقَط: الخطأ من القول والفعل. قال سويد:

*كيف يرجُونَ سِقاطي بعدما  *** جَلَّلَ الرأسَ مَشيبٌ وصَلَعْ([4])

قال بعضهم: السقاط في القول: جمع سَقْطة، يقال سِقاط كما يقال رَملة ورمال. والسّقط: الولد يسقُط قبل تمامه، وهو بالضم والفتح والكسر. وسَِـُـقْط النار: ما يسقط منها من الزَّند. والسَّقَّاط: السيف يسقُط من وراء الضريبة، يقطعها حتى يجوزَ إلى الأرض. والسّاقطة: الرجل اللئيم في حَسبه. والمرأة السَّقِيطة: الدَّنيئة. وحُدِّثنا عن الخليل بالإسناد الذي ذكرناه في أول الكتاب، قال: يقال سقطَ الولدُ من بطن أمه، ولا يقال وقَع. وسُقط الرمل وسِقطه وسَقطه: حيث ينتهي إليه طَرَفه، وهو مُنقَطَعه. وكذلك مَسقِط رأسِه، حيث وُلد. وهذا مَسقط السّوط حيث سقط. وأتانا في مَسقِط النَّجم، حيث سقط. وهذا الفعل مَسقَطة للرّجُل من عيون الناس. وهو أن يأتي ما لا ينبغي. والسِّقاط في الفَرَس: استرخاء العَدْو. ويقال أصبحت الأرض مُبْيضّة من السقيط، وهو الثّلج والجليد. ويقال إن سِقْط السحاب حيث يُرى طرَفُه كأنَّه ساقط على الأرض في ناحيةِ الأفقِ، وكذلك سِقْط الخِباء. وسِقْطا جناحَيِ الظليم: ما يُجَرُّ منهما على الأرض في قوله:

* سِقطانِ مِنْ كَنَفَيْ ظليمٍ نافِرِ([5]) *

قال بعض أهل العلم في قول القائل:

حتَّى إذا ما أضاءَ الصُّبح وانبعَثَتْ *** عنه نَعامةُ ذي سِقْطين مُعْتَكِرِ([6])

يقال إنَّ نعامة الليل سوادُهُ، وسِقْطاه: أوَّلُهُ وآخره. يعني أنّ الليل ذا السقطينِ مضَى وصَدَقَ الصُّبْحُ.

(سقع) السين والقاف والعين ليس بأصل؛ لأنّ السين فيه مبدلة من صاد. يقال صُقْع وسُقْع. وصَقَعْته وسَقَعته. وما أدري أين سَقَعَ أي ذهب.

(سقف) السين والقاف والفاء أصل يدلُّ على ارتفاعٍ في إطلال وانحناء. من ذلك السقف سقف البيت، لأنه عالٍ مُطلٌّ. والسقيفة: الصُّفّة. والسقيفة: كلُّ لوحٍ عريض في بناء إذا ظهر من حائط. والسَّماء سقفٌ، قال الله تعالى: {وجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً} [الأنبياء 32]. ومن الباب الأسْقَفُ من الرِّجال، وهو الطويل المنحني؛ يقال أسقَفُ بيِّنُ السقَف. والله أعلم بالصواب.

ــــــــــــــ

([1]) صدره كما في معلقته:         * وكشح لطيف كالجديل مخصر *.

([2]) صدره كما في اللسان:         * ولا علم لي ما نوطة مستكنة *

([3]) البيت لرؤبة في ديوانه 170 واللسان (سقب). يمدح أبوي رجل ممدوح، وقبله: * وكانت العرس التي تنخبا *

([4]) البيت في اللسان (سقط) وهو من قصيدة طويلة له في المفضليات (1: 188 ـ 200).

([5]) البيت لثعلبة بن صعير المازني في المفضليات (1: 127). وصدره:

* وكأنَّ عيبتها وفضل فتانها *.

([6]) البيت للراعي كما في اللسان (9: 192).

 


ـ (باب السين والكاف وما يثلثهما)

(سكم) السين والكاف والميم ليس بشيء. على أنَّ بعضهم ذكر أن السكم مقَارَبة الخطو.

(سكن) السين والكاف والنون أصلٌ واحد مطّرد، يدلُّ على خلاف الاضطراب والحركة. يقال سَكَن الشّيءُ يسكُن سكوناً فهو ساكن.

والسَّكْن: الأهل الذين يسكُنون الدّار. وفي الحديث: "حتَّى إنَّ الرُّمّانَة لَتُشْبِعُ السَّكْن". والسَّكَن: النار، في قول القائل:

* قد قُوِّمَتْ بسَكَنٍ وأَدْهانْ([1]) *

وإنّما سمّيت سَكَنا للمعنى الأوّل، وهو أنَّ النّاظر إليها يَسْكُن ويَسْكُن إليها وإلى أهلها. ولذلك قالوا: "آنَسُ من نار". ويقولون: "هو أحسن من النّار في عين المقرور". والسَّكَن: كلُّ ما سكنتَ إليه من محبوب. والسِّكِّين معروف، قال بعضُ أهل اللغة: هو فِعِّيل لأنّه يسكّن حركةَ المذبوح به. ومن الباب السّكينة، وهو الوقار، وسُكان السفينة سمِّي لأنَّه يُسكّنها عن الاضطراب، وهو عربيٌّ.

(سكب) السين والكاف والباء أصلٌ يدلُّ على صبّ الشيء. تقول: سكب الماء يسكبه. وفرسٌ سَكْبٌ، أي ذرِيعٌ، كأنّه يسكُبُ عدْوَه سكبا، وذلك كتسميتهم إيّاه بحراً.

(سكت) السين والكاف والتاء يدلُّ على خِلاف الكلام. تقول: سكت يَسْكُت سكوتاً، ورجلٌ سِكِّيت. ورماه بُسكاتَة، أي بما أسكته. وسَكَت الغضبُ، بمعنى سكن. والسُّكْتَةُ: ما أسكتَّ به *الصبيّ. فأمّا السُّكيت([2]) فإنه من الخيل العاشر عند جريها في السّباق. ويمكن أن يكون سمِّي سُكَيتاً لأنَّ صاحبَه يسكت عن الافتخار، كما يقال أجَرَّه كذا، إذا منعه من الافتخار، وكأنَّه جَرَّ لسانَه.

(سكر) السين والكاف والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حَيرة. من ذلك السُّكْر من الشراب. يقال سَكِر سُكْراً، ورجلٌ سِكِّير، أي كثير السُّكْر. والتَّسْكير: التَّحيير في قولـه عزَّ وجل: {لَقَالُوا إنَّما سُكِّرَتْ أَبْصَارُنا}  [الحجر 15]، وناس يقرؤونها {سُكِرَتْ} مخففة([3]). قالوا: ومعناه سُحِرت. والسِّكْر: ما يُسكَر فيه الماء من الأرض. والسَّكْر: حَبْس الماء، والماء إذا سُكِر تحيَّر. وأمّا قولهم ليلة ساكرة، فهي السَّاكنة التي [هي] طلقةٌ، التي ليس فيها ما يؤذِي. قال أوس:

تُزادُ ليالِيَّ في طُولِها *** فليست بطَلْقٍ ولا ساكِرهْ([4])

ويقال سَكَرت الرِّيح، أي سكَنت. والسَّكَر: الشَّراب. وحكى ناسٌ سكَره إذا خَنَقَه. فإنْ كان صحيحاً فهو من الباب. والبعير يُسَكِّر الآخر بذراعه حتى يكاد يقتلُه. قال:

* غَثَّ الرِّباعِ جَذَعاً يُسَكَّرُ *

(سكف) السين والكاف والفاء ليس أصلاً، وفيه كلمتان: أحدهما أُسْكُفَّة الباب: العَتَبة التي يُوطأ عليها. وأُسْكُفّ العين، مشبّه بأُسْكُفَّة الباب. وأمّا الإسكاف فيقال إن كلَّ صانعٍ إسكافٌ عند العرب. وينشد قول الشمّاخ:

* وشُعْبَتَا مَيْسٍ بَرَاها إسكافْ([5]) *

قالوا: أراد القَوَّاس.

ــــــــــــــ

([1]) البيت في وصف قناة ثقفها بالنار والدهن. اللسان (17: 75).

([2]) بضم السين وفتح الكاف مشددة ومخففة.

([3]) هي قراءة ابن كثير، انظر إتحاف فضلاء البشر 274.

([4]) ديوان أوس بن حجر 10 والمجمل واللسان (سكر).

([5]) ديوان الشَّماخ 103. وهو في اللسان (سكف 58) بدون نسبة.

 

ـ (باب السين واللام وما يثلثهما)

(سلم) السين واللام والميم معظم بابه من الصّحّة والعافية؛ ويكون فيه ما يشذُّ، والشاذُّ عنه قليل، فالسّلامة: أن يسلم الإنسان من العاهة والأذَى. قال أهلُ العلم: الله جلَّ ثناؤُه هو السلام؛ لسلامته مما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء. قال الله جلَّ جلاله: {واللهُ يَدْعُو إلى دَارِ  السَّلاَمِ} [يونس 25]، فالسلام الله جلَّ ثناؤه، ودارُهُ الجنَّة. ومن الباب أيضاً الإسلام، وهو الانقياد؛ لأنَّه يَسْلم من الإباء والامتناع. والسِّلام: المسالمة. وفِعالٌ تجيءُ في المفاعلة كثيراً نحو القتال والمقاتلة. ومن باب الإصحاب والانقياد: السَّلَم الذي يسمَّى السَّلف، كأنَّه مالٌ أسلم ولم يمتنع من إعطائه. وممكن أن تكون الحجارة سمِّيت سِلاماً لأنّها أبعدُ شيء  في الأرض من الفَناء والذَّهابِ؛ لشدّتها وصلابتها. فأمّا السَّليم وهو اللّديغ ففي تسميته قولان: أحدهما أنَّه أُسلم لما به. والقول الآخر أنّهم تفاءلوا بالسَّلامة. وقد يسمُّون الشيءَ بأسماء في التفاؤُل والتطيُّر. والسُّلَّم معروف، وهو من السلامة أيضاً؛ لأنَّ النازل عليه يُرْجَى لـه السَّلامة. والسَّلامة: شجر، وجمعها سَلاَم.

والذي شذَّ عن الباب السَّلْم: الدلو التي لها عروة واحدة. والسَّلَم: شجر، واحدته سَلَمة. والسَّلامانُ: شجرٌ([1]).

ومن الباب الأول السَِّلْم وهو الصُّلح، وقد يؤنَّث ويذكَّر. قال الله تعالى: {وإِنْ جَنَحُوا لِلْسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال 61]. والسَّلِمَة: الحجر، فيه يقول الشاعر:

ذاكَ خليلي وذو يعاتِبُني *** يَرمِي ورائيَ بالسهمِ والسَّلِمَهْ([2])

وبنو سلِمَة: بطنٌ من الأنصار ليس في العرب غيرهم. ومن الأسماء سَلْمَى: امرأةٌ. وسلمى: جبلٌ. وأبو سُلمى أبو زُهَير، بضم السين، ليس في العرب غيره.

(سلو/ي) السين واللام والحرف المعتلّ أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خفض وطيب عيش. ومن ذلك قولهم فلان في سَلْوَةٍ من العيشِ، أي في رَغدٍ يسلِّيهِ الهم. ويقول: سَلاَ المحب يَسْلوا سُلُوَّاً، وذلك إذا فارقه ما كان به من همٍّ وعشق. والسُّلْوانة: الخَرزة، وكانوا يقولون إنَّ من شرب عليها سَلاَ ممّا كان به، وعَمَّن كان يحبه. قال الشاعر:

شربت* على سُلْوانة ماءَ مُزنةٍ *** فلا وَجديدِ العيش يا مَيَّ ما أسلُو([3])

قال الأصمعيّ: يقول الرجل لصاحبه: سقيتَني منك سَلْوَةً وسُلواناً، أي طيَّبت نفسي وأذهلْتَها عنك. وسَلِيت بمعنى سلوت. قال الراجز:

* لو أشربُ السُّلوانَ ما سَليتُ([4]) *

ومن الباب السَّلا، الذي يكون فيه الولد، سمي بذلك لنَعمته ورقَّته ولينه. وأما السين واللام والهمزة فكلمة واحدة لا يقاس عليها. يقال سَلأَ السّمن يَسْلؤُه سلأ، إذا أذابه وصفّاه من اللَّبن، قال:

ونحن منعناكم تميماً وأنتم  *** موالِيَ إلاَّ تُحْسِنُوا السَّلْءَ تُضرَبوا

(سلب) السين واللام والباء أصلٌ واحدٌ، وهو أَخْذُ الشَيء بخفّة واختطاف. يقال سلبتُهُ ثوبَهُ سلْباً. والسَّلَب: المسلوب. وفي الحديث: "مَنْ قَتَل قتيلاً فله سَلَبُه". والسَّليب: المسلوب. والسَّلوب من النوق: التي يُسلَبُ ولدها والجمع سُلُب. وأسلبت الناقةُ، إذا كانت تلك حالَها. وأمّا السَّلَب وهو لِحاء الشجر فمن الباب أيضاً؛ لأنَّه تَقَشَّرَ عن الشَّجر، فكأنَّما قد سُلِبَته. وقول ابن مَحْكانَ:

فَنشنش الجلدَ عنها وهي باركةٌ *** كما تُنَشْنِشُ كَفَّا قاتِلٍ سَلَبا([5])

ففيه روايتان: رواه ابن الأعرابي "قاتل" بالقاف. ورواه الأصمعي بالفاء. وكان يقول: السَّلَب لحاء الشَّجَر، وبالمدينة سوقُ السَّلابين، فذهب إلى أنَّ الفاتل هو الذي يَفتِل السَّلَب. فسمعتُ عليّ بن إبراهيم القطان يقول: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلباً يقول: أخطأ ابنُ الأعرابيّ، والصحيح ما قاله الأصمعيّ.

ومن الباب تسلّبَت المرأة، مثل أَحَدَّتْ. قال قوم: هذا من السُّلُب، وهي الثياب السُّود. والذي يقرب هذا من الباب الأوّل [أنَّ] ثيابَها مشبّهة بالسَّلَب، الذي هو لِحاء الشّجر. قال لبيد:

* في السُّلُب السُّود وفي الأمساحِ([6])*

وقال بعضهم : الفرق بين الإحداد والتَّسلُّب، أنَّ الإحداد على الزّوج والتَّسَلُّب قد يكون على غير الزّوج.

فأمّا قولهم فرس سَلِيبٌ، فيقال إنَّه الطويل القوائم. وقال آخرون: هو الخفيف نَقل القوائم؛ يقال رجلٌ سليب اليدين بالطَّعن، وثورٌ سليب القرن بالطَّعن. وهذا أجود القولَين وأَقيسُهما؛ لأنَّه كأنَّه يسلب الطّعنَ استلابا.

(سلت) السين واللام والتاء أصلٌ واحدٌ، وهو جلْفُ الشيء عن الشيء وقَشره. يقال سلتت المرأةُ خضابَها عن يدها. ومنه سَلَتَ فلانٌ أنفَ فلانٍ بالسيف سَلْتاً، وذلك إذا أخذه كلَّه. والرَّجُل أسْلَتُ. ويقال إنَّ المرأة التي لا تتعهَّد الخضاب يقال لها السَّلْتاء. ومن الباب السُّلْت: ضربٌ من الشعير لا يكاد [يكون] له قشر، والعرب تسمّيه العُرْيان.

(سلج) السين واللام والجيم أصلٌ يدل على الابتلاع. يقال سلج الشيء يَسلَجُه، إذا ابتلعه سَلْجَاً وسَلَجَاناً. وفي كلامهم: "الأخْذُ سَلَجَانٌ والقَضَاءَ لَِيَّانٌ". ومن الباب: فلان يتسلَّج الشراب، أي يُلِحُّ في شُرْبه.

(سلح) السين واللام والحاء السلاح، وهو ما يُقَاتَل به، وكان أبو عبيدة يفرِقُ بين السّلاح والجُنة، فيقول: السلاح ما قُوتِلَ به، والجُنّة ما اتُّقي به، ويحتج بقوله:

حيثُ تَرى الخيلَ بالأبطال  عابسة *** يَنْهَضْنَ بالهندوانيّاتِ والجُنَنِ([7])

فجعل الجُنَن غَيْرَ السُّيوف([8]). والإسليح: شجرةٌ تغزُرُ عليها الإِبل. وقالت الأعرابية: "الإسليح([9])، رُغوَةٌ  وسَريح، وسَنامٌ وإطريح".

(سلخ) السين واللام والخاء أصلٌ واحد، وهو إخراج الشيء عن جلده. ثم يُحْمَل عليه. والأصل سلخْتُ جلدةَ الشاةِ سلخاً. والسِّلْخ: جلد الحية تنسلخ. ويقال أسود سالخ لأنَّه يسلخ جلده كلَّ عام فيما يقال. وحكى بعضُهم سلختِ المرأة دِرْعَها: نزعَتْهُ. ومن قياس الباب: سلخت الشَّهرَ، إذا صرتَ في آخر يومه. وهذا مجاز. وانسلخَ الشَّهرُ، وانسلخ النَّهارُ من الليل المقْبِل. ومن الباب نخلة مِسْلاخٌ، وهي التي تنثُر بُسرَها أخضر.

(سلس) السين واللام والسين يدلُّ على سهولة في الشيء. يقال هو سَهْلٌ سَلِسٌ. والسَّلْس: جنس من الخَرز، ولعلَّه سمِّي بذلك لسلاسته في نَظْمه. قال:

* وقلائدٌ مِنْ حُبْلَةٍ وسُلوسِ([10]) *

(سلط) السين واللام والطاء أصلٌ واحدٌ، وهو القوّة والقهر. من ذلك السَّلاطة، من  التسلط وهو القَهْر، ولذلك سمِّي السُّلْطان سلطاناً. والسلطان: الحُجَّة. والسَّليط من الرجال: الفصيح اللسان الذَّرِب. والسَّليطة: المرأة الصَّخَّابة.

ومما شذَّ عن الباب السَّلِيط: الزّيت بلغة أهل اليَمَن، وبلغة غيرهم دهن السِّمسِم.

(سلع) السين واللام والعين أصلٌ يدلُّ على انصداع الشيء وانفتاحه. من ذلك السَّلْع؛ وهو شقٌّ في الجبل كهيئة الصَّدْع، والجمع سُلوع. ويقال تَسَلّع عَقِبُه، إذا تشقّقَ وتَزَلَّع. ويقال سَلَعَ رأسه، إذا فَلَقَه. والسِّلعة: الشيء المبيع، وذلك أنَّها ليست بِقُِنْيَةٍ تُمْسك، فالأمر فيها واسعٌ. والسَّلَع: شجر.

(سلغ) السين واللام والغين ليس بأصلٍ، لكنه من باب الإبدال فسينُهُ مُبْدَلة من صاد. يقال سَلَغَت البقرةُ، إذا خرجَ نابُها، فهي سالغ. ويقولون لحمٌ أسلَغُ، إذا لم ينضج. ورجلٌ أسلَغُ: شديد الحمرة.

(سلف) السين واللام والفاء أصلٌ يدلُّ على تقدُّم وسبْق. من ذلك السَّلَف: الذين مضَوا. والقومُ السُّلاَّف: المتقدِّمون. والسُّلاَف: السائل من عصير العنب قبل أن يُعصَر. والسُّلْفَة: المعجَّل من الطَّعام قبل الغَدَاء. والسّلوف: الناقة تكون في أوائل الإبل إذا وَرَدَت. ومن الباب السَّلَف في البيع، وهو مالٌ يقدَّم لما يُشتَرى نَساءً([11]). وناس يسمُّون القَرضَ السَّلَف، وهو ذاك القياسُ لأنَّه شيءٌ يُقدَّم بعوض يتأخّر. ومن غير هذا القياس السِّلْف سِلْف الرِّجال، وهما اللذان يتزوّج هذا أُخْتاً وهذا أُخْتاً. وهذا قياس السَّالفتين، وهما صفحتا العنق، هذه بحذاء هذه.

ومما شذَّ عن البابين السَّلْف وهو الجراب. ويقال إنَّ القلفة تَسمَّى سَلْفاً([12]).

ومنه أسْلَفتُ الأرضَ للزَّرْع([13])، إذا سوَّيتها. وممكن أن يكون هذا من قياس الباب الأوّل: لأنه أمرٌ قد تقدّم في إصلاحه.

(سلق) السين واللام والقاف فيه كلماتٌ متباينة لا تكاد تُجمع منها كلمتانِ في قياسٍ واحد؛ وربُّك جلُّ ثناؤُهُ يفعل ما يشاء، ويُنْطِقُ خَلْقه كيف أراد.

فالسَّلَق: المطمئنّ من الأرض. والسِّلْقَة: الذِّئبة. وسَلَقَ: صاح. والسَّلِيقة: الطبيعة. والسَّليقة: أثر النِّسع في جنب البعير. وسَلُوق: بلدٌ. والتَّسلُّق على الحائط: التَّوَرُّد عليه إلى الدار. والسّلِيق: ما تَحَاتَّ من الشجر. قال الرَّاجز:

تَسْمَعُ منها في السَّليقِ الأشهبِ  *** مَعمعةً مثل الضِّرَام المُلْهَبِ([14])

والسُّلاَق: تقشُّر جِلد اللِّسان. وسَلَقْت المزَادةَ، إذا دهنْتَها. قال امرؤ القيس:

كأنّهما مزادتا متعجِّلٍ *** فَرِيّانِ لَمَّا يُسلَقَا بدِهانِ([15])

والسَّلْقُ:أن تُدخِل إحدى عُروتي الجُوالِق في الأخرى، ثم تثنيَها مرَّةً أخرى.

(سلك) السين واللام والكاف أصلٌ يدلُّ على نفوذ شيءٍ في شيء. يقال سلكت الطَّريقَ أَسلُكُه. وسَلكت الشيء في الشيء: أنفذْته. والطَّعْنَة السُّلْكَى، إذا طَعَنَه تِلقاءَ وجهِه. والمسلَكَة: طُرَّةٌ تُشَقُّ من ناحية الثوب([16]). وإنّما سمّيت بذلك لامتدادها. وهي كالسِّكَك.

ومما شذَّ عن الباب السُّلَكَة: الأنثى من ولد الحَجَل، والذكر سُلَك، *وجمعه سِلْكانٌ. والله أعلم.

ــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "شجرة"، صوابه في المجمل واللسان. وواحده "سلامانة".

([2])  البيت لبجير بن عنمة الطّائي، كما في اللسان (15: 189) والمشهور في روايته: "بامسهم وامسلمة" على لغة حمير في إبدال لام "أل" ميماً.

([3]) البيت في اللسان (سلا) بدون نسبة .

([4]) ديوان رؤبة 25 واللسان (سلا).

([5]) ديوان الحماسة (2: 255). واللسان (سلب).

([6]) ديوان لبيد 50 طبع 1881، واللسان (سلب).

([7]) سبق البيت في (1: 422).

([8]) في الأصل "عن السيوف".

([9]) في اللسان: "قالت أعرابية، وقيل لها: ما شجرة أبيك؟ فقالت: شجرة أبي الإسليح".

([10]) سبق البيت وتخريجه في (2: 132). وصدره:

* ويزينها في النحر حَليٌ واضحٌ *

([11]) النساء، بالفتح: اسم من نسأت الشيء: أخرته.

([12]) القلفة، بالضم والتحريك: غرلة الصبي. والسلف، كذا وردت في الأصل والمجمل. وفي اللسان (11 : 61) أنها "السلفة" بالضم.

([13]) في الأصل: "للذراع"، صوابه في المجمل واللسان.

([14]) الرجز بدون نسبة في اللسان (سلق).

([15]) ديوان امرئ القيس 124 واللسان (سلق).

([16]) في المجمل: "من ناحيتي الثوب". ونص المقاييس يطابق نص القاموس. وهذه الكلمة "المسلكة" مما فات صاحب اللسان.

 


ـ (باب السين والميم وما يثلثهما)

(سمن) السين والميم والنون أصلٌ يدل على خلاف الضُّمْر والهزال. من ذلك السِّمَن، يقال هو سمين. والسَّمْن من هذا.

ومما شذَّ عن هذا الأصل كلامٌ يقال إن أهل اليمن يقولونه دونَ العرب، يقولونَ: سَمّنْتُ الشّيءَ، إِذا بَرّدْتَه. والتَّسْمِين: التَّبْريد. ويقال إنَّ الحجّاج قُدِّمت إليه سمكة فقال للذي عمِلها: "سَمِّنْها" يريد بَرِّدْها([1]).

(سمه) السين والميم والهاء أصلٌ يدلُّ على حَيْرة وباطل. يقال سَمَه إذا دُهِشَ، وهو سَامِهٌ وقومٌ سمّهٌ. ويقولون: سَمَه البعيرُ، إذا لم يعرف الإعياء([2]). وذهبت إبلُهم السُّمَّهَى، إذا تفرَّقَت. والسُّمَّهَى([3]): الباطل والكذب. فأما قولُ رؤبة:

* جَرْيَ السُّمَّه([4]) *

(سمو) السين والميم والواو أصلٌ يدل على العُلُوِّ. يقال سَمَوْت، إذا علوت. وسَمَا بصرُه: عَلا. وسَمَا لي شخصٌ: ارتفع حتّى استثبتُّه([5]). وسما الفحلُ: سطا على شَوله سَماوَةً. وسَمَاوَةُ الهلال وكلِّ شيءٍ: شخصُهُ، والجمع سَماوٌ([6]). والعرب تُسمِّي السّحاب سماءً، والمطرَ سماءً، فإذا أريدَ به المطرُ جُمع على سُمِيّ. والسَّماءة: الشَّخص. والسماء: سقف البيت. وكلُّ عالٍ مطلٍّ سماء، حتَّى يقال لظهر الفرس سَماء. ويتَّسِعون حتَّى يسمُّوا النَّبات سماء. قال:

إذا نَزَلَ السَّماءُ بأرضِ قومٍ *** رَعَيْناهُ وإن كانوا غِضابا([7])

ويقولون: "ما زِلْنا نطأُ السَّماءَ حتَّى أتيناكم"، يريدون الكلأ والمطر. ويقال إن أصل "اسمٍ" سِمْو، وهو من العلوّ، لأنَّه تنويهٌ ودَلالةٌ على المعنى.

(سمت) السين والميم والتاء أصلٌ يدل على نَهجٍ وقصدٍ وطريقة. يقال سَمَتَ، إذا أخذ النَّهْج. وكان بعضُهم يقول: السَّمْت: السّير بالظنّ والحَدْس. وهو قول القائل:

* ليس بها ربعٌ لِسَمْتِ السَّامِت *

ويقال إنَّ فلاناً لحَسنُ السَّمْتِ، إذا كان مستقيمَ الطريقةِ متحرِّياً لفعل الخَير. والفعل منه سَمَت. ويقال سَمَت سَمْتَه، إذا قصد قصده.

(سمج) السين والميم والجيم أصلٌ يدلُّ على خِلاف الحُسن. يقال هو سَمِجٌ وسَمْجٌ([8])، والجمع سِمَاجٌ وسَمَاجَى. ومن الباب السَّمْج من الألبان، وهو الخبيث الطَّعْم.

(سمح) السين والميم والحاء أصلٌ يدلُّ على سَلاسةٍ وسُهولة. يقال سَمَح له بالشيء. ورجلٌ سَمْحٌ، أي جواد، وقومٌ سُمَحاء ومَسامِيح. ويقال سَمَّح في سيره، إذا أسرع. قال:

* سَمَّحَ واجتابَ فلاةً قِيّا([9]) *

ومن الباب: المُسامَحة في الطِّعان والضَّرب، إذا كان على مُساهَلة. ويقال رُمْحٌ مسَمَّحٌ: قد ثُقِّفَ حتَّى لانَ.

(سمخ) السين والميم والخاء ليس أصلاً؛ لأنَّه من باب الإبدال. والسين فيه مبدلة من صاد. والسِّمَاخ في الأذن: مَدْخَله. ويقال سَمَخْت فلاناً: ضربت سِمَاخَه. وقد سَمَخني بشدة صوتِهِ.

(سمد) السين والميم والدال أصلٌ يدلُّ على مضيٍّ قُدُماً من غير تعريج. يقال سمَدت الإبلُ في سيرها. إذا جَدّتْ([10]) ومَضَت على رؤوسها. وقال الرَّاجز:

* سَوَامِدُ الليلِ خفافُ الأزوادْ([11]) *

يقول: ليس في بطونها عَلَف. ومن الباب السُّمود الذي هو اللَّهو. والسَّامد هو اللاهي. ومنه قوله جلَّ وعلا: {وأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النجم 61]، أي لاهون. وهو قياس الباب؛ لأنَّ اللاهي يمضي في أمره غير معرِّج ولا مُتَمَكِّث. وينشدون:

قيل قُمْ فانظر إليهم *** ثمّ دَع عنكَ السُّمودا([12])

فأمَّا قولهم سَمَّد رأسه، إذا استأصل شَعره، فذلك من باب الإبدال؛ لأن أصله الباء، وقد ذكر.

(سمر) السين والميم والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خلاف البياض في اللون. من ذلك السُّمْرة من الألوان، وأصله قولهم: "لا آتيك السَّمَر والقَمَر"، فالقَمر: القمر. والسَّمَر: سواد الليل، ومن ذلك سمِّيت السُّمْرَة. فأمّا السَّامر فالقوم

*يَسْمُرُون. والسامر: المكان الذي يجتمعون فيه للسَّمَر. قال:

* وسامِرٍ طالَ لهم فيه السَّمَرْ([13]) *

والسَّمراء: الحِنطة، للَوْنها. والأسمر: الرُّمح. والأسمر: الماء. فأمَّا السَّمَار فاللّبن الرقيق، وسمِّي بذلك لأنَّه إذا كان [كذلك كان] متغيِّر اللون. والسَّمُر: ضربٌ من شجر الطَّلْحِ، واحدته سَمُرة، ويمكن أن يكون سمِّي بذلك للونه. والسَّمار: مكان في قوله:

لَئنْ وَردَ السَّمَارَ لنَقْتُلَنْه *** فلا وأبيكِ ما وَرَدَ السَّمَارا([14])

(سمط) السين والميم والطاء أصلٌ يدلُّ على ضمّ شيء إلى شيء وشدِّه به. فالسَّميط: الآجُرُّ القائم بعضُهُ فوقَ بعض. والسِّمْط: القِلادة، لأنَّها منظومةٌ مجموعٌ بعضُها إلى بعض. ويقال سَمَّط الشيء على مَعاليق السَّرْج. ويقال خُذْ حقَّك مُسَمَّطاً، أي خُذْهُ وعلِّقْه على مَعاليق رَحْلِكَ. فأما الشِّعْر المُسَمَّط، فالذي يكون في سطر البيت([15]) أبياتٌ مسموطةٌ تجمعها قافيةٌ مخالفةٌ مُسمَّطة ملازمة للقصيدة. وأما اللبن السَّامط، وهو الحامض، فليس من الباب؛ لأنَّه من باب الإبدال، والسين مبدلة من خاء.

(سمع) السين والميم والعين أصلٌ واحدٌ، وهو إيناسُ الشيء بالأُذُن، من النّاس وكلِّ ذي أُذُن. تقول: سَمِعْت الشيء سَمْعاً. والسَِّمع : الذِّكْر الجميل. يقال قد ذَهَب سَِمْعُهُ في الناس، أي صِيته. ويقال سَمَاعِ بمعنى استمِعْ. ويقال سَمَّعْتُ بالشيء، إذا  أشعتُهُ ليُتَكلَّم به. والمُسْمِعَة: المُغَنِّية. والمِسْمَع: كالأذن للغَرْبِ؛ وهي عُروةٌ تكون في وسط الغَرْبِ يُجْعَل فيها حبلٌ ليعدل الدّلو. قال الشاعر:

ونَعـدِل ذا المَيْل إن رامَنا  *** كما عُدِل الغَرْبُ بالمِسمعِ([16])

ومما شذّ عن الباب السِّمْع: ولد الذّئب من الضَّبُع.

(سمق) السين والميم والقاف فيه كلمة. ولعلَّ القاف أن تكون مبدلة من الكاف. سَمَق، إذا عَلاَ.

(سمك) السين والميم والكاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على العُلُوِّ. يقال سَمَك، إذا ارتفَعَ. والمسموكات: السماوات. ويقال سَمَكَ في الدَّرَج. واسمُكْ، أي اعْلُ. وسَنَامٌ سامك، أي عالٍ. والمِسْمَاك: ما سَمَكْتَ به البيتَ. قال ذو الرّمة:

كأنَّ رِجلَيْهِ مِسماكانِ مِنْ عشَرٍ  *** سَقْبَانِ لم يتقشَّرْ عنهما النَّجَبُ([17])

والسِّماك نجم. ومما شذَّ عن الباب وباين الأصل: السَّمَك.

(سمل) السين والميم واللام أصلٌ يدلُّ على ضعفٍ وقلّة. من ذلك  السَّمَل، وهو الثَّوْب الخَلَق. ومنه السَّمَل: الماء القليل يَبقى في الحوض، وجمعه أسمال. وسَمَّلت([18]) البئر: نقَّيتها. وأما الإسمال، وهو الإصلاح بين النَّاس. فمن هذه الكلمة الأخيرة، كأنَّه نَقَّى ما بينهم من العَداوةِ. والله تعالى أعلم.

ـــــــــــــ

([1]) في اللسان: "والتسمين: التبريد، طائفية. وفي حديث الحجاج أنّه أتى بسمكة مشوية فقال للذي حملها: سمنها. فلم يدرِ ما يريد، فقال عَنْبَسة بن سعيد: إنه يقول لك: بردها قليلاً".

([2]) الإعياء: التعب، وفي الأصل: "الأحياء"، صوابه في المجمل واللسان.

([3]) في الأصل "السهمى" في هذا الموضع وسابقه، صوابها من المجمل، ويقال أيضاً "السميهى" كخليطى.

([4]) في الكلام نقص. والبيت بتمامه، كما في ديوانه 165 واللسان:

*ياليتنا والدهر جري السمه*

([5]) وكذا في اللسان. لكن في المجمل "استبنته".

([6]) في الأصل "سمو"، تحريف. وفي اللسان: "والجمع من كل ذلك سماء وسماو".

([7]) البيت لمعود الحكماء معاوية بن مالك، كما في اللسان.

([8]) وسميج أيضاً.

([9]) في اللسان (3: 320): "بلادا قيا".

([10]) في الأصل "أخذت"، صوابه من المجمل واللسان.

([11]) البيت في المجمل مضبوطاً بهذا الضبط.

([12]) البيت في اللسان بدون نسبة.

([13]) وكذا وردت روايته في المجمل. وفي اللسان (6: 43):

* وسامر طالَ فيه اللهو والسمر *

([14]) لعمرو بن أحمر الباهلي، كما في اللسان (6: 46).

([15]) وكذا في المجمل. وفي اللسان: "صدر البيت".

([16]) البيت لعبد الله بن أوفى، كما في اللسان (سمع).

([17]) ديوان ذي الرمة 28 واللسان  (سقب، سمك).

([18]) يقال بالتخفيف والتشديد.

 

ـ (باب السين والنون وما يثلثهما)

(سنه) السين والنون والهاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على زمانٍ. فالسَّنَة معروفة، وقد سقطت منها هاء. ألا ترى أنّك تَقول سُنيْهَة. ويقال سَنَهَتِ النخلةُ، إذا أتت عليها الأعوام([1]). وقوله جل ذكره: { فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة 259]، أي لم يصر كالشيء الذي تأتي عليه السنُون فتغيِّره. والنَّخْلة السَّنْهاء([2]).

(سني) السين والنون والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ يدلُّ على سقْي، وفيه ما يدل على العلوّ والارتفاع. يقال سَنَتِ النَّاقَةُ، إذا سقت الأرض، تسنُو وهي السَّانِيَة. والسَّحابةُ تسنُو الأرضَ، والقوم يَسْتَنُون([3]) لأنفسهم إذا اسْتَقَوا.

ومن الباب سانيت الرَّجُلَ، إذا راضَيتَه، أُسانيه؛ كأنَّ الوُدَّ قد كان ذَوِي ويَبِس، كما جاء في الحديث: "بُلُّوا أرحامَكم ولو بالسَّلام".

وأمّا الذي يدلُّ على الرِّفعة فالسَّناء ممدود، وكذلك إذا قصرته دلَّ على الرفعة، إلاّ أنَّه لشيءٍ مخصوص، *وهو الضَّوْء. قال الله جلَّ ثناؤُه: { يَكَادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بالأَبْصَارِ}  [النور 43].

(سنب) السين والنون والباء كلمتان متباينتان فالسَّنْبَةُ: الطائفة من الدَّهْر. والكلمة الأخرى السَّنِب، وهو الفرس الواسع الجَري.

(سنت) السين والنون والتاء ليس أصلاً يتفرّع منه، لكنّهم يقولون السَّنُوت([4])، فقال قوم: هو العسل، وقال آخرون: هو الكَمُّون. قال الشاعر:

هم السَّمْن والسَّنُّوتُ لا أَلْسَ فيهمُ *** وهُمْ يمنَعون جارهُمْ أنْ يُقَرَّدا([5])

(سنج) السن والنون والجيم فيه كلمة. ويقولون: إن السِّناج أثرُ دُخَان السِّرَاج في الحائط.

(سنح) السين والنون والحاء أصلٌ واحدٌ يُحمَل على ظهور الشيء من  مكانٍ بعينهِ، وإن كان مختلَفَاً فيه. فالسّانح: ما أتاك عن يمينك من طائرٍ أو غيره، يقال سَنَحَ سُنُوحاً. والسانح والسَّنيح واحد. قال ذو الرمة:

ذكَرْتُكِ أنْ مَرت بنا أُمُّ شادنٍ *** أمام المطايا تشرئبُّ وَتسنَحُ([6])

ثم استُعير هذا فقيل: سنح لي رأيٌ في كذا، أي عَرَض.

(سنخ) السين والنون والخاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على أصل الشيء. فالسِّنْخ: الأصل. وأَسْنَاخُ([7]) الثنايا: أصولُها. ويقال سَنَخَ الرجل في العِلم سُنوخاً أي عَلِمَ أصولَه. فأمَّا قولهم سَنِخَ الدُّهْن، إذا تغيَّر، فليس بشيء.

(سند) السين والنون والداء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على انضمام الشيء إلى الشيء. يقال سَنَدتُ إلى الشيء أَسْنُدُ سنوداً، واستندت استناداً. وأسندتُ غيري إسناداً. والسِّناد: النّاقة القويّة، كأنها أُسنِدت من ظهرها إلى شيءٍ قويّ. والمُسْنَدُ: الدهرُ؛ لأن بعضَه متضامّ. وفَلان سَنَدٌ، أي معتمَدٌ. والسَّنَد: ما أقبل عليك من الجبل، وذلك إذا علا عن السَّفْح. والإسناد في الحديث: أن يُسْنَد إلى قائله، وهو ذلك القياس. فأمَّا السِّناد الذي في الشعر فيقال إنَّهُ اختلافُ حركتي الرِّدفين. قال أبو عبيدة: وذلك كقوله:

* كأنَّ عيونَهن عيونُ عِينِِ([8]) *

ثم قال:

* وأصبح رأسُهُ  مثلَ اللُّجَيْنِ([9]) *

وهذا مشتق من قولهم: خرج القوم متسانِدين، إذا كانوا على راياتٍ شتى. وهذا من الباب؛ لأنَّ كلَّ واحدةٍ من الجماعة قد ساندت رايةً.

(سنط) السين والنون والطاء ليس بشيء إلاّ السِّناط، وهو الذي لا لِحْيَة له.

(سنع) السين والنون والعين إن كان صحيحاً فهو يدلُّ على جَمَالٍ وخيرٍ ورِفعةٍ. يقال شرفٌ أسنعُ، أي عالٍ مرتفع. وامرأة سنيعة: أي جميلة.

(سنف) السين والنون والفاء أصلٌ يدلُّ على شدّ شيءٍ. أو تعليق شيء على شيء. فالسِّنَاف: خيط يُشدّ من حَِقْو البعير إلى تصديره ثم يشدُّ في عنقه. قال الخليل: السِّنَاف للبعير مثل اللَّبَبِ للدابّة. بعيرٌ مِسْناف، وذلك إذا أُخّر الرجل فجعل له سناف. يقال أسنفت [البعير([10])]، إذا شددتَه بالسِّناف. ويقال أسنَفُوا أمرَهم، أي أحكَموه. ويقال في المثل لمن يتحيّر في أمره: "قد عَيَّ بالأسناف". قال:

إذا مَا عَيَّ بالأسنافِ قومٌ *** من الأمر المشبَّه أن يكُونا([11])

وحكى بعضهم: سَنَفْتُ البعير، مثل أَسنفْت. وأبى الأصمعيُّ إلاّ أسنفت. وأما السِّنْف فهو وعاء ثَمَر المَرْخِ يشبه آذانَ الخيل. وهو من الباب؛ لأنَّهُ مُعلَّق على شجرة. وقال أبو عمرو: السِّنْف: الورقة. قال ابن مُقبل:

* تَقَلْقُلَ سِنْفِ المَرْخِ في جَعبةٍ صِفْرِ([12]) *

(سنق) السين والنون والقاف فيه كلمةٌ واحدة، وهي السَّنَق، وهو كالبَشَم. يقال شرِب الفَصيل حتى سَنِق. وكذلك الفرس، من العلَف. وهو كالتُّخَم في الناس.

(سنم) السين والنون والميم أصلٌ واحد، يدلُّ على العلوّ والارتفاع.فالسَّنَام معروف. وتسنَّمت: علَوت. وناقة سَنِمَةٌ: عظيمة السَّنام. وأسنمتُ النارَ : أعلَيْتُ لهبَها. وأَسْنُمَةُ: موضع.

ــــــــــــــــــ

([1]) وكذلك تسنهت.

([2]) لم يصرح بتفسيرها. والسنهاء: التي أصابتها السنة المجدبة.

([3]) في المجمل: "يسنون". وفي اللسان: "والقوم يسنون لأنفسهم، إذا استقوا. ويستنون، إذا سنوا لأنفسهم".

([4]) وفيه لغة أخرى: "سنوت" كسنور.

([5]) البيت للحصين بن القعقاع. كما في اللسان (سنت، قرد)، وروايته في (سنت، قرد، ألس): "هم السمن بالسنوت".

([6]) ديوان ذي الرمة 79 برواية : "إذ مرت".

([7]) في الأصل والمجمل: "سناخ"، صوابه من اللسان والجمهرة.

([8]) البيت لعبيد بن الأبرص في ديوانه 45 واللسان (سند). وصدره: * فقد ألج الخباء على جوار *

([9]) صواب إنشاد البيت بتمامه:

فإن يَكُ فاتني أسفاً شبابي *** وأضحى الرأس مني كاللجين

لكن كذا ورد إنشاده في المجمل والمقاييس والصحاح، ويروى: "كاللجين" بفتح اللام، وهو ورق الشجر يخبط، فهو لونان: رطب ويابس.

([10]) التكملة من المجمل.

([11]) لعمرو بن كلثوم في معلقته واللسان.

([12]) صدره كما في اللسان (سنف):  * تقلقل من ضغم اللجام لهاتها *.

 

ـ (باب السين والهاء وما يثلثهما)

(سهو) السين والهاء والواو معظم الباب [يدلّ] على الغفلة والسُّكون. فالسَّهْو: الغفلة، يقال سَهَوْتُ في الصلاة أسهو سَهْواً. ومن الباب المساهاة: حُسْن المُخَالَقَة، كأنَّ الإنسانَ يسهو عن زَلَّةٍ إن كانت من غيره. والسَّهْو: السُّكون. يقال جاء سَهْواً رَهْواً.

ومما شَذَّ عن هذا الباب [ السَّهْوَة([1])]، وهي كالصُّفَّة تكون أمامَ البيت.

وممّا يبعُد عن هذا وعن قياس الباب: قولهم حملت المرأةُ ولدَها سَهْواً، أي على حَيْضٍ. فأمًَّا السُّهَا فمحتمل أن يكون من الباب الأول: لأنَّه خفيٌّ جدّاً فيُسهَى عن رؤيته.

(سهب) السين والهاء والباء أصلٌ يدلُّ على الاتّساع في الشيء. والأصل السَّهْب، وهي الفَلاة الواسعة، ثم يسمَّى الفرس الواسعُ الجري سَهْباً.

ويقال بئر سَهْبَةٌ، أي بعيدة القعر. ويقال حفر القوم فأسهبوا، أي بلغوا الرَّمْل. وإذا كان كذا كان أكثر للماء وأوسَعَ لـه. ويقال للرّجُل الكثير الكلام مُسْهَب، بفتح الهاء. كذا جاء عن العرب أَسْهَبَ فهو مُسْهَبٌ، وهو نادر([2]).

(سهج) السين والهاء والجيم أصلٌ يدلُّ على دوامٍ في شيء. يقال سَهَجَ القوم لَيْلَتَهم، أي ساروا سيراً دائماً. ثمَّ يقال سَهَجَت الرِّيحُ، إذا دامت وهي سَيْهَجٌ، وسَيْهُوجٌ. ومَسْهَجُها: مَمرُّها.

(سهد) السين والهاء والدال كلمتانِ متباينتان تدلُّ إحداهما على خلاف النّوم، والأخرى على السكون.

فالأولى السُّهاد، وهو قِلَّة النوم. ورجل سُهُدٌ، إذا كان قليلَ النّوم. قال:

فأتَتْ به حُوشَ الفُؤادِ مبطَّناً *** سُهُداً إذا ما نام ليلُ الهَوْجَلِ([3])

وسَهَّدْتُ فلاناً، إذا أطرتَ نومَه.

والكلمة الأخرى  قولُهم شيءٌ سَهْدٌ مَهْد، أي ساكن([4]) لا يُعَنِّي. ويقال ما رأيت من فلان سَهْدَةً، أي أمراً أعتمد عليه من خبر أو كلام، أو أسكُن إليه.

(سهر) السين والهاء والراء معظم بابه الأرَق، وهو ذَهاب النوم. يقال سَهَرَ يَسْهَرُ سَهَراً. ويقال للأرض: السّاهرة، سمِّيت بذلك لأن عملها في النَّبت دائماً ليلاً ونهاراً. ولذلك يقال:"خَير المالِ عينٌ خَرّارة، في أرض خوَّارة، تَسْهَرُ إذا نِمتَ، وتشهَد إذا غِبْتَ". وقال أميّة بن أبي الصلت:

وفيها لَحْمُ ساهرةٍ وبحرٍ *** وما فاهُوا بِهِ لهمُ مقيم([5])

وقال آخر، وذكر حَميرَ وحْش:

يرتَدْنَ ساهرةً كأنَّ عميمَها *** وجَمِيمَها  أسدافُ ليلٍ مظلمِ([6])

ثم صارت السّاهرةُ اسماً لكلِّ أرض. قال الله جلَّ جلالُهُ: {فإنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ. فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات 13-14] والأسهران: عِرقان في الأنف من باطن، إذا اغتلم الحِمارُ سالا ماءً. قال الشَّمّاخ:

تُوائِلُ من مِصَكٍّ أنْصَبَتْهُ  *** حوالبُ أسهريهِ بالذَّنِينِ([7])

وكأنَّما سمِّيتا بذلك لأنّهما يسيلان ليلاً كما يسيلان نهاراً. ويروى "أسهرته". ويقال رجلٌ سُهَرَةٌ: قليل النّوم. وأمّا السَّاهور فقال قوم: هو غلاف القمر؛ ويقال هو القمر. وأيَّ ذلك كان فهو من الباب؛ لأنَّه يسبح في الفَلَك دائباً، ليلاً ونهاراً.

(سهف) السين والهاء والفاء تقلّ فروعه. ويقولون إنَّ السَّهَف([8]): تشحُّط القتيلِ في دمِهِ واضطرابُهُ. ويقال إن السُّهَاف: العطش.

(سهق) السين والهاء والقاف أصلٌ يدلُّ على طول وامتداد. وهو صحيح. فالسَّهْوَق: الرَّجُلُ الطويل. والسَّهْوق الكذَّابُ، وسُمِّيَ بذلك لأنَّه يغلو في الأمر ويزيدُ في الحديث. والسَّهْوقُ من الرياح: التي تَنْسِج العَجَاج. *والسَّهْوق: الرَّيَّان من سُوق الشَّجر؛ لأنّه إذا رَوِيَ طال.

(سهك) السين والهاء والكاف أصلان: أحدهما يدلُّ على قَشْر ودقٍّ، والآخر على الرَّائحة الكريهة.

فالأوّل قولُهم: سَهَكَت الرِّيحُ التّرابَ، وذلك إذا قَشَرتْه عن الأرض. والمَسْهَكَة: الذي يشتدّ مرُّ الرّيح عليه. ويقال سَهَكْتُ الشّيءَ، إذا قشرتَه، وهو دونَ السَّحْق. وسَهَكَت الدَّوابُّ، إذا جرت جرياً خفيفاً. وفَرَسٌ مِسْهَكٌ، أي سريع. وإنما قيلَ لأنَّه يسهَك الأرضَ بقوائمه.

والأصل الثاني السَّهَك، قال قوم: هو رائحة السمك من اليَد. ويقال بل السَّهَك: ريحٌ كريهة يجدُها الإنسان إذا عَرِقَ. ومن هذا الباب السَّهَك: صدأ الحديد. ومنه أيضاً قولهم: بِعينِه ساهكٌ، أي عائرٌ من الرَّمَد. قال الشاعر في السَّهَك:

سَهِكِينَ مِنْ صَدأ الحديدِ كأنّهم *** تحت السَّنَـوَّرِ جِنّةُ البَقَّارِ([9])

(سهل) السين والهاء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على لينٍ وخلاف حُزونة. والسَّهْل: خلاف الحَزْن. ويقال النّسبةُ إلى الأرض السَّهلة سُهْليٌّ. ويقال أسْهَلَ القومُ، إذا ركبوا السَّهل. ونهرٌ سَهِلٌ: فيه سِهْلَةٌ، وهو رملٌ ليس بالدُّقَاق. وسُهَيْلٌ: نجم.

(سهم) السين والهاء والميم أصلان: أحدهما يدلُّ على تغيُّرٍ في لون، والآخرُ على حظٍّ ونصيبٍ وشيءٍ من أشياء.

فالسُّهْمَة: النَّصيب. ويقال أسَهم الرَّجُلانِ، إذا اقْترعا، وذلك من السُّهْمَة والنّصيبِ، أن يفُوز([10]) كلُّ واحد منهما بما يصيبه. قال الله تعالى: { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ المُدْحَضِينَ}[الصافات 141]. ثمّ حمل على ذلك فسُمِّي السَّهمُ الواحد من السِّهَام، كأنّه نصيبٌ من أنصباء وحظٌّ من حظوظ. والسُّهْمَة: القرابة؛ وهو من ذاك؛ لأنّها حَظٌّ من اتّصال الرحم. وقولهم بُرْدٌ مسهَّم، أي مخطّط، وإنّما سمِّي بذلك لأنّ كلَّ خَطٍّ منه يشبّه بسهم.

وأمّا الأصلُ الآخَر فقولهم: سَهَُمَ وجْهُ الرّجلِ([11])، إذا تغيَّرَ  يَسْهَُم، وذلك مشتقٌّ  من السَُّهَام، وهو ما يصيب الإنسانَ من وَهَج الصّيف حتى يتغيَّرَ لونُه. يقال سهمَ الرَّجُل، إذا أصابَه السَُّهَام. والسَُّهَام أيضاً: داء يصيب الإبل، كالعُطَاش. ويقال إِبلٌ سَواهِمُ، إذا غيَّرها السّفَر([12]). والله أعلم.

 

ــــــــــــــــــــ

([1]) التكملة من المجمل.

([2]) يقال أيضاً:"مسهب" بكسر الهاء. وقيل بفتحها للإكثار من الخطأ، وبكسرها للإكثار من الصواب.

([3]) البيت لأبي كبير الهذلي، كما في اللسان (سهد)، وسيعيده في (هجل). وقصيدته في نسخة الشنقيطي من الهذليين  61.

([4]) في الأصل: "ساكت"، تحريف. وفي المجمل واللسان: "أي حسن".

([5]) البيت في اللسان (سهر) بدون نسبة.

([6]) البيت لأبي كبير الهذلي، كما في اللسان (سهر)، وقصيدته في نسخة الشنقيطي من الهذليين 66.

([7]) ديوان الشماخ 93، وقد سبق في (2: 348).

([8]) ضبط في الأصل والمجمل بفتح الهاء، وفي اللسان والقاموس بسكونها.

([9]) البيت للنابغة في ديوانه 35 واللسان (سهك)، وسبق تخريجه في مادة (بقر).

([10]) في الأصل: "يقول".

([11]) يقال سَهم من بابي فتح وظرف، وسهم بهيئة المبني للمفعول.

([12]) في الأصل: "غمرها"، صوابه من المجمل.

 

ـ (باب السين والواو وما يثلثهما)

(سوي) السين والواو والياء أصلٌ يدلُّ على استقامةٍ واعتدالٍ بين شيئين. يقال هذا لا يساوي كذا، أي لا يعادله. وفلانٌ وفلانٌ على سَوِيّةٍ من هذا الأمر، أي سواءٍ. ومكان سُوىً، أي مَعْلَمٌ قد عَلِمَ القومُ الدّخولَ فيه والخروج منه. ويقال أسْوَى الرّجلُ، إذا كان خَلَفُهُ وولدُهُ سَوِيّاً.

وحدَّثنا علي بن إبراهيم القَطّان، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عُبيد، عن الكسائيّ قال: يقال كيف أمسيتم؟ فيقال: مَستوُون صالحون. يريدون أولادُنا ماشيتُنا سَوِيَّةٌ صالحة.

ومن الباب السِّيُّ: الفضاء من الأرض، في قول القائل([1]):

* كأنَّ نَعَامَ السِّيِّ باضَ عليهمُ([2]) *

والسِّيّ: المِثْل. وقولهم سِيّانِ، أي مِثلان.

ومن ذلك قولهم:  لا سيّما، أي لا مثلَ ما. هُوَ من السِّين والواو والياء، كما يقال ولا سَواء. والدَّليل على أن السّيَّ المِثل قولُ الحطيئة:

فإيّاكم وحَيّةَ بطنِ وادٍ *** هَمُوزَ النّابِ لكم بسِيِّ([3])

ومن الباب السَّواء: وسَط الدَّارِ وغَيرِها، وسمِّي بذلك لاستوائه. قال الله جلَّ ثناؤه: {فاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ}  [الصافات 55].

وأمَّا قولُهم: هذا سِوَى ذلك، أي غيرُهُ، فهو من الباب؛  لأنَّه إذا كان سِواه فهما كلُّ واحدٍ منهما في حَيِّزِه على سواء. والدّليل على ذلك مدُّهم السِّواء بمعنى سِوى. *قال الأعشى:

* وما عدلَتْ  من أهلِها لِسوائكا([4]) *

ويقال قصدتُ سِوَى فلانٍ: كما يقال قصدت قصده. وأنشد الفراء:

فَلأَصْرِفَنّ سِوَى حُذيفة مِدْحتي *** لِفَتى العَشيِّ وفارسِ الأجرافِ([5])

(سوء) فأمّا السين والواو والهمزة فليست من ذلك، إنّما هي من باب القُبح. تقول رجلٌ أسوَأُ، أي قبيحٌ، وامرأةٌ سَوآء، أي قبيحة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سوْآءُ([6]) وَلودٌ خيرٌ مِنْ حَسناءَ عقيم". ولذلك سمّيت السَّيِّئة سيّئة. وسمِّيت النار سُوأَى، لقُبْح منظرها. قال الله تعالى : {ثُمَّ كاَنَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤوا السُّوأَى} [الروم 10]. وقال أبو زُبَيْد:

لم يَهَبْ حُرْمَةَ النَّدِيم وحُقَّتْ  *** يا لَقَومِي للسَّوأةِ السَّوآءِ([7])

(سوح) السين والواو والحاء كلمةٌ واحدةٌ. يقالُ ساحة الدار، وجمعها ساحات وسُوح. 

(سوخ) السين والواو والخاء كلمةٌ واحدة. يقال ساخت قوائمه في الأرض تسوخ. ويقال مُطِرْنا حتى صارت الأرض سُوَّاخَى، على فُعَّالَى، وذلك إذا كثرت رِزاغُ المطر. وإذا كانت كذا ساخت قوائمُ المارّة فيها.

(سود) السين والواو والدال أصلٌ واحد، وهو خلاف البياضِ في اللّونِ، ثم يحمل عليه ويشتقّ منه. فالسَّواد في اللّون معروف. وعند قومٍ أن كلَّ شيءٍ خالف البياضَ، أيَّ لونٍ كان، فهو في حيّز السواد.  يقال: اسودّ الشيء واسوادَّ. وسوادُ كلِّ شيء: شخصه. والسِّواد: السِّرار؛ يقالُ ساوده مساودةً وسِواداً، إذا سارّه. قال أبو عبيد: وهو من إدناء سَوادِكَ من سَواده، وهو الشَّخص. قال:

مَنْ يكنْ في السِّواد والدَّدِ والإغْـ *** ـرامِ زِيراً فإنّني غيرُ زيرِ([8])

والأساود: جمع الأسود، وهي الحيّات. فأمّا قول أبي ذَرّ رحمة الله عليه: "وهذه الأساودُ حولي"، فإنّما أراد شخص آلاتٍ كانت عنده؛ [وما حولَه([9])] إلا مِطْهرةٌ وإِجّانةٌ وجَفْنة. والسَّواد: العدد الكثير، وسمِّي بذلك لأن الأرض تسوادُّ له.

فأمَّا السِّيادة فقال قوم: السيِّد: الحليم. وأنكر ناسٌ أن يكونَ هذا من الحِلم، وقالوا: إنّما سمِّي سيِّداً لأنَّ الناس يلتجِئون إلى سَواده. وهذا أقيس من الأوَّل وأصحّ. ويقال فلانٌ أسوَد من فلانٍ، أي أَعْلَى سِيادةً منه. والأسودان: التَّمر والماء. وقالوا: سَوَاد القَلب وسُوَيداؤُه، وهي حَبّته. ويقال سَاوَدَني فلانٌ فسُدْته، من سَوَاد اللونِ والسّؤدُد جميعا. والقياسُ في الباب كلِّه واحد.

(سور) السين والواو والراء أصلٌ واحد يدلُّ على علوٍّ وارتفاع. من ذلك  سَار يَسُور إذا غضب وثار. وإنَّ لغضبِهِ لَسَورةً. والسُّور: جمع سُورة، وهي كلُّ منْزلةٍ من البناء. قال:

ورُبَّ ذِي سُرادقٍ محجورِ  *** سُرْتُ إليه في أعالي السُّورِ([10])

فأمّا قول الآخر([11]):

وشاربٍ مُرْبحٍ في الكأسِ نادَمَني *** لا بالحَصُور ولا فيها بسَوَّارِ

فإنّه يريد أنّه ليس بمتغضّب. وكان بعضهم يقول: هو الذي يَسُور الشَّرابُ في رأسِهِ سريعاً. وأما سِوار المرأة، والإسوار([12]) من أساورة الفُرس وهم القادة، فأُراهما غيرَ عربيَّين. وسَورة الخمر: حِدّتُها وغلَيانها.

(سوط) السين والواو والطاء أصلٌ يدلُّ على مخالطة الشَّيءِ الشيءَ. يقال سُطت الشّيءَ: خلطتُ بعضَهُ ببعض. وسَوَّط فلانٌ أمرَهُ تسويطاً، إذا خَلَطَه. قال الشَّاعر:

فَسُطْها ذَميمَ الرّأيِ غيرَ موفَّقٍ *** فلستَ على تسويطها بمُعان([13])

 

ومن الباب السَّوط، لأنّه يُخالِط الجِلدة؛ يقال سُطْتُهُ بالسَّوط: ضربتُهُ. وأمَّا قولهم في تسمية النَّصيب سَوطاً فهو من هذا. قال الله جلَّ ثناؤه: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ}  [الفجر 13]، أي نَصيباً من العذاب.

(سوع) السين والواو والعين يدلُّ على استمرار الشّيء ومُضيِّه. من ذلك  السَّاعة *سمِّيت بذلك. يقال جاءنا بعد سَوْعٍ من الليل وسُوَاعٍ، أي بعد هَدْءٍ منه. وذلك أنَّه شيءٌ يمضي ويستمرّ. ومن ذلك قولهم عاملته مُساوعةً، كما يقال مياومَة، وذلك من السَّاعة. ويقال أَسَعْتُ الإبلَ إساعةً، وذلك إذا أهملتَها حتَّى تمرَّ على وجهها. وساعت فهي تَسُوع. ومنه يقال هو ضائع سائع. وناقة مِسياعٌ، وهي التي تذهب في المرعى. والسِّياع: الطِّين فيه التِّبن.

(سوغ) السين والواو والغين أصلٌ يدلُّ على سهولة الشيء واستمراره في الحلق خاصّة، ثم يحمل على ذلك. يقال ساغ  الشَّرابُ في الحَلْق سَوغاً. وأساغَ الله جلَّ جلالُهُ. ومن المشتقّ منه قولُهم: أصاب فلانٌ كذا فسوَّغْتُهُ إياه. وأمَّا قولُهُم هذا سَوْغُ هذا، أي مثله، فيجوز أن يكونَ من هذا، أي إنه يَجري مجراه ويستمرُّ استمراره. ويجوز أن يكون السّين مُبدَلة من صادٍ، كأنَّه صِيغَ صياغَته. وقد ذُكِرَ في بابه.

(سوف) السين والواو والفاء ثلاثة أصول: أحدها الشَّمُّ . يقال سُفْت الشَّيءَ أَسُوفُه سَوْفاً، وأَسَفْتُهُ. وذهب بعضُ أهل العلم إلى أنّ قولهم: بيننا وبينهم مَسافةٌ، مِنْ هذا. قال: وكان الدَّليل يَسُوف التُّرَابَ ليعلمَ على قصدٍ هو أم  على جَور. وأنشدوا:

* إذا الدّليلُ استافَ أخلاقَ الطُّرُق([14]) *

أي شَمّها.

والأصل الثّاني: السُّوَاف: ذَهاب المال ومَرَضُه. يقال أساف الرّجُلُ، إذا وقع في مالِهِ السُّواف. قال حُميد بن ثور:

* أَسَافا من المال التِّلادِ وأَعْدَما([15]) *

وأمّا التأخير فالتسويف.  يقال سوَّفتُه، إذا أخّرتَه، إذا قلتَ سوف أفعلُ كذا.

(سوق) السين والواو والقاف أصل واحد، وهو حَدْوُ الشَّيء. يقال ساقه يسوقه سَوقاً. والسَّيِّقة: ما استيق من الدوابّ.  ويقال سقتُ إلى امرأتي صَدَاقها، وأَسَقْتُهُ. والسُّوق مشتقّةٌ من هذا، لما يُساق إليها من كلِّ شيء، والجمع أسواق. والساق للإنسان وغيره، والجمع سُوق، إنّما سمّيت بذلك لأنَّ الماشي ينْساق عليها. ويقال امرأة سَوْقاء، ورجلٌ أَسوَق، إذا كان عظيمَ السّاق. والمصدر السَّوَق. قال رؤبة:

* قُبٌّ من التَّعْداء حُقْبٌ في سَوَق([16]) *

وسُوق الحرب: حَومة القِتال، وهي مشتّقةٌ من الباب الأول.

(سوك) السين والواو والكاف أصلٌ واحد يدلُّ على حركةٍ واضطراب. يقال تساوَقَت الإبل: اضطرَبَتْ أعناقُها من الهُزال وسوء الحال. ويقال أيضاً: جاءت الإِبل ما تَسَاوَكُ هُزالاً، أي ما تحرِّك رؤوسَها. ومن هذا اشتق اسم السِّواك، وهو العُود نفسُه. والسِّواك استعماله أيضاً. قال ابن دريد:  سُكْتُ الشيءَ سَوكاً، إذا دَلكتَه. ومنه اشتقاق السِّواك، يقال ساك فاهُ، فإذا قلت استاك لم تذكر الفم.([17])

(سول) السين والواو واللام أصلٌ يدلُّ على استرخاءٍ في شيء يقال سَوِلَ يَسْوَل سَوَلا. قال الهذليّ([18]):

كالسُّحْلِ البيض جَلا لونَها  *** سَحُّ نِجَاءِ الحَمَل الأَسْوَلِ

فأَمّا قولهم سَوّلتُ له الشيءَ، إذا زيّنْتَه له، فممكن أن تكون أعطيته سُؤلَه، على أن تكون الهمزة مُليَّنَةً من السُّؤل.

(سوم) السين والواو والميم أصلٌ يدل على طلب الشيء. يقال سُمت الشيءَ، أَسُومُهُ سَوْمَاً. ومنه السَّوام في الشِّراء والبيع. ومن الباب سامت الرَّاعيةُ تسوم، وأَسَمْتُهَا أنا. قال الله تعالى: {فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل 10]، أي تُرعُون. ويقال سّوَّمْت فلاناً في مالي تسويماً، إذا حكَّمتَه في مالك. وسَوَّمْتُ غُلامي: خَلّيته وما يُريد. والخيل المُسَوَّمَة: المرسلة وعليها رُكبانُها. وأصل ذلك كلِّه واحد.

ومما شذَّ عن الباب السُّومَةُ، وهي العلامةُ تُجْعَل في الشيء. والسِّيما مقصور من ذلك *قال الله سبحانه: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح 29]. فإذا مدُّوه قالوا السيماء.

(سوس) السين والواو والسين أصلان: أحدهما فسادٌ في شيء، والآخر جِبلّة وخليقة. فالأوّل ساس الطّعامُ يَساسُ، وأساس يُسِيسُ، إذا فَسَدَ بشيء يقال لـه سُوس. وساست الشّاة تَسَاس، إذا كثر قَمْلها. ويقال إنَّ السَّوَسَ داءٌ يصيب الخيل في أعجازها.

وأمّا الكلمةُ الأخرى  فالسُّوس وهو الطّبع. ويقال: هذا من سُوس فلان، أي طبعه.

وأمَّا قولهم سُسْته أسُوسُه فهو محتملٌ أن يكون من هذا، كأنه يدلُّه على الطبع الكريم ويَحمِله عليه.

والسِّيساء([19]):  مُنتَظَم فَقَار الظهر. وماء مَسُوسٌ وكلأٌ مَسُوسٌ([20])، إذا كان نافعاً في المال([21])، وهي الإبل والغنم. والله أعلم بالصواب.

ــــــــــــــــــ

([1]) هو زيد الخيل كما في الحيوان (4: 339)، والشعر والشعراء في أثناء ترجمة الأعشى، ونقد الشعر

39. وروي أيضاً من قصيدة لمعقر البارقي في الأغاني (10: 44).

([2]) عجزه: * فأحداقهم تحت الحديد  خوازر *.

([3]) ديوان الحطيئة 69 واللسان (سوا).

([4]) ديوان الأعشى 66. وقد سبق تخريجه في (جنف). وصدره:

* تجانف عن جل اليمامة ناقتي *

([5]) في اللسان (19: 143) : "فارس الأحزاب"، تحريف. والبيت من أبيات فائية في الأغاني (14:

127) منسوبة إلى رجل من بني الحارث بن الخزرج، أو إلى حسان بن ثابت. وانظر تنبيه البكري على الأمالي 67.

([6]) ويروى أيضاً: "سوداء".

([7]) البيت في اللسان (سوأ).

([8]) سبق البيت في مادة (زير).

([9]) التكملة من اللسان. وفي المجمل "من" بدل "إلا".

([10]) البيت في اللسان (6: 55).

([11]) هو الأخطل. ديوانه 116. وقد سبق في (2: 73).

([12]) ضبط في الأصل والمجمل بكسر الهمزة، ويقال أيضاً بضمها.

([13]) البيت في المجمل واللسان (سوط).

([14]) البيت لرؤبة في ديوانه 104 واللسان (سوف).

([15]) صدره كما في اللسان (سوف):

* فيا لهما من مرسلين لحاجة *

([16]) ديوان رؤبة 106.

([17]) الجمهرة (3: 48).

([18]) هو المتنخل الهذلي، كما في اللسان (سول) من قصيدة في القسم الثاني من مجموعة أشعار الهذليين 81، ونسخة الشنقيطي 44.

([19]) حقه أن يكون في مادة (سيس).

([20]) وصواب هاتين أن يكونا في مادة (مسس).

([21]) النافع الذي يشفي غلة العطش. وفي الأصل : "ذفعا" تحريف.

 

ـ (باب السين والياء وما يثلثهما)

(سيب) السين والياء والباء أصلٌ يدلُّ على استمرارِ شيءٍ وذهابِهِ. من ذلك سَيْبُ الماء: مجراه. وانْسَابت الحَيَّة انسياباً. ويقال سيَّبت الدّابّة: تركته حيث شاء. والسائبة: العبد يُسَيَّب من غير وَلاءٍ، يَضَعُ مالَهُ حيث شاء.

ومن الباب [السَّيْب([1])]، وهو العَطاء، كأنَّه شيءٌ أُجْرِيَ لـه. والسُّيُوب: الرِّكاز، كأنَّه عطاءٌ أجراه الله تعالى لمن وَجَده.

وممّا شذّ عن هذا الأصل السَّيَابُ، وهو البلح، الواحدة سَيَابةٌ.

(سيح) السين والياء والحاء أصلٌ صحيح، وقياسه قياسُ ما قبلَه. يقال ساح في الأرض. قال  الله جلّ ثناؤه: { فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}  [التوبة 2]، والسَّيْح: الماء الجاري، والمساييح في حديث علي كرَّم الله وجهه في قولـه: "أولئك مصابيح الدُّجَى، ليسوا بالمَذَاييع ولا المساييح البُذُر([2])"، فإنَّ المذاييع جمع مِذْيَاع، وهو الذي يُذيع السرّ لا يكتُمهُ. والمساييح، هم الذين يَسِيحون في الأرض بالنَّميمة والشّرّ والإفساد بين الناس.

ومما يدلُّ على صحّة هذا القياس قولُهم ساح الظّلُّ، إذا فاء. والسَّيْح:  العَباءة المخطَّطة. وسمِّي بذلك تشبيهاً لخطوطها بالشَّيء الجاري.

(سيد) السين والياء والدال كلمةٌ واحدةٌ، وهي السِّيد. قال قومٌ: السِّيد الذئب. وقال آخرون: وقد يسمَّى الأسَد سِيداً. وينشدون:

* كالسِّيد ذي اللِّبْدة المستأسِدِ الضّاري([3]) *

(سير) السين والياء والراء أصلٌ يدلُّ على مضيٍّ وجَرَيان، يقال سار يسير سيراً، وذلك يكونُ ليلاً ونهاراً. والسِّيرة: الطَّريقة في الشيء والسُّنّة، لأنَّها تسير وتجري. يقال سارت، وسِرْتُها أنا. قال:

فلا تجزَعَنْ مِنْ سُنّة أنْتَ سِرتَها *** فأوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يسيرُها([4])

والسَّيْر:الجِلْد، معروف، وهو من هذا سمِّي بذلك لامتداده؛ كأنَّه يجري. وسَيَّرتُ الجُلَّ عن الدَّابَّة، إذا ألقيتَهُ عنه. والمُسَيَّر مِنَ الثِّيَاب: الذي فيه خطوط كأنَّه سيور.

(سيع) السين والياء والعين أصلٌ يدلُّ على جريانِ الشيء. فالسَّيْع: الماء الجاري على وجْه الأرض، يقال ساع وانساع. وانساع الجَمَد: ذاب. والسَّيَاع: ما يُطيَّن به الحائط. ويقال إنَّ السَّياع الشحمة تُطلَى بها المزادة. وقد سَيَّعَت المرأةُ مَزادتَها.

(سيف) السين والياء والفاء أصلٌ يدلُّ على امتدادٍ في شيء وطول. من ذلك السَّيف، سمِّيَ بذلك لامتداده. ويقال منه امرأةٌ سَيفانةٌ، إذا كانت شَطْبة وكأنَّها نَصْلُ سَيف. قال الخليل بن أحمد: لا يُوصَف به الرَّجُل.

وحدَّثني عليُّ بن إبراهيم* عن عليّ بن عبد العزيز، عن أبي عبيد، عن  الكسائيّ: رجلٌ سيفانٌ وامرأةٌ سيفانة.

ومما يدلُّ على صحَّة هذا الاشتقاق، قولُهم سِيف البحر، وهو ما امتدَّ معه من ساحله ومنه السِّيف، ما كان ملتصقاً بأصول السَّعَف من الليف، وهو أردؤُه. قال:

* والسِّيفُ واللِّيف على هُدَّابِها([5]) *

فأمَّا السَّائفة من الأرض فمن هذه أيضاً، لأنَّه الرَّمل الذي يميل في الجَلَد ويمتدُّ معها. قالوا: وهو الذي يقال لـه العَدَاب([6]). قال أبو زِياد: السَّائفة([7])من الرَّمل ألينُ ما يكون منه. والأوَّل أصحّ. وهو قول النّضر؛ لأنّه أقيس وأشْبَه بالأصل الذي ذكرناه. وكلُّ ما كان من اللُّغة أقيَسَ فهو أصحُّ. وجمع السائفة سوائف. قال ذو الرمة:

تَبَسَّمُ عن أَلْمَى اللِّثاتِ كأنَّه *** ذُرَى أُقْحُوانٍ من أقاحِي السوائفِ([8])

وقال أيضاً:

..................... كأنَّها *** بسائفةٍ قفرٍ ظهورُ الأراقمِ([9])

فأمَّا قولهم أَسَفْتُ الخَرْزَ، إذا خَرمْتَه، فقد يجوزُ أن يكون شاذاً عن هذا الأصل، ويجوز أن يكونَ من ذوات الواو وتكون من السُّواف، وقد مضى ذِكره. يقال هو مُسيفٌ، إذا خَرَمَ الخرْز. قال الرَّاعي:

مَزَائدُ خَرقاءِ اليدينِ مُسيفةٍ ***  أخَبَّ بهنَّ المَخْلِفان وأحفَدَا([10])

(سيل) السين والياء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على جريانٍ وامتدادٍ. يقال سال الماء وغيرُهُ يسيل سَيْلاً وسَيلاناً. ومَسيل الماء. إذا جعلت الميم زائدة فمن هذا، وإذا جعلت الميم أصليّةً فمن بابٍ آخر، وقد ذكر.

فأمَّا السِّيلان من السَّيف والسِّكِّين، فهي الحديدةُ التي تُدخَل في النصال.

وسمعت عليّ بن إبراهيم القطّان يقول: سمعت عليَّ بن عبد العزيز يقول: سمعت أبا عُبيدٍ يقول: السِّيلان قد سمعتُه، ولم أسمَعْهُ من عالم.

وأمّا سِيَةُ القَوس([11])، وهي طرفها، فيقال إنَّ النسبة إليها سِيَويٌّ. والله أعلم.

ــــــــــــــــــ

([1]) التكملة من المجمل.

([2]) البذر: جمع بذور، كصبر وصبور، وهو الذي يذيع الأسرار.

([3]) الشطر في المجمل واللسان (سيد).

([4]) هو خالد بن زهير، أو خالد بن أخت أبي ذؤيب. انظر قصة الشعر في اللسان  (سير).

([5]) البيت من أبيات في اللسان (سيف).

([6]) العداب، بالدال المهملة. وفي الأصل: "العذاب"، تحريف.

([7]) أوردها اللسان في مادة (سوف).

([8]) ديوان ذي الرمة 279 واللسان (سوف) برواية: "تبسم عن".

([9]) البيت بتمامه كما في ديوان ذي الرمة 613:

وهل يرجع التسليم ربع كأنه *** بسائفة قفر ظهور الأراقم.

([10]) البيت في اللسان (سوف 67).

([11]) لم يعقد لهذه الكلمة مادة، ومادتها (سيو). وعقد لها في المجمل مادة (سيه) وزاد على ما هنا:"وكان رؤبة ربما همزها".

 

ـ (باب السين والهمزة وما يثلثهما)

(سأب) السين والهمزة والباء ليس أصلاً يتفرّع، لكنّهم يقولون سأبَهُ سأْبا، إذاخَنَقَه. والسأب: السِّقاء، وكذلك المِسْأَبُ.

فأمَّا التاء([1]) فيقولون أيضاً سأتَهُ إذا خَنَقه. وفي جميع ذلك نظر.

(سأد) السين والهمزة والدال كلمتان لا ينقاسان. فالإسْآد: دأَب السَّير بالليل.

والكلمة الأخرى السَّأَد: انتقاض الجُرح. وأنشد:

فبتُّ مِن ذاك ساهراً أرِقاً *** ألقى لِقاءَ اللاقي من السَّأَدِ([2])

وربما قالوا: سأدتِ الإِبلُ الماءَ: عافَتْه.

(سأل) السين والهمزة واللام كلمةٌ واحدةٌ. يقال سأل يسأل سؤالاً ومَسْأَلةً. ورجل سُؤَلةٌ: كثير السؤال.

(سأو) السين والهمزة والواو كلمةٌ مختلَفٌ في معناها. قال قوم: السّأو: الوطن. وقال قوم: السَّأو: الهمّة. قال:

كأنّني من هَوَى خَرْقاءَ مُطَّرَفٌ *** دامِي الأَظَلِّ بعيدُ السَّأوِ مَهيُومُ([3])

والله أعلم بالصواب.

ـــــــــــــــــ

([1])ولم يعقد لهذه الكلمة مادة، وهي (سأت).

([2]) البيت في المجمل واللسان (سأد).

([3]) المهيوم: الذي أصابه الهيام، وهو داء يصيب الإبل من ماء تشربه. وفي الأصل: "مهموم"، صوابه من ديوان ذي الرّمة 569 واللسان (سأى).

 

ـ (باب السين والباء وما يثلثهما)

(سبت) السين والباء والتاء أصلٌ واحد يدلُّ على راحةٍ وسكون. يقال للسَّير السهل اللّين. سَبْتٌ. قال:

ومطوِيّة الأقرابِ أمّا نَهارُها *** فسَبْتٌ وأما ليلُها فَذَمِيل([1])

ثمّ حُمل على ذلك السَّبْت: حلق الرّأس. ويُنشَد في ذلك ما يصحح هذا القياسَ، وهو قولُه:

* يُصبح سكرانَ ويُمسِي سَبْتَا([2]) *

لأنَّه يكون في آخر النهار مُخْثِراً([3]) قليلَ الحركة فلذلك يقال للمتحيِّر مَسْبُوت. وأمَّا السَّبْت بعد الجمعة، فيقال إنَّه سمِّيَ بذلك لأنَّ الخلْق فُرغ منه يومَ الجمعة وأكمل، فلم يكن اليومُ الذي بعد الجمعة يوماً خُلِق فيه شيء. والله أعلم بذلك. هذا بالفتح. فأمَّا السِّبْت فالجلود *المدبوغة بالقَرَظِ، وكأنَّ ذلك سمِّي سِبْتاً لأنّه قد تناهى إصلاحُه، كما يقال للرُّطَبَة إذا جرى الإرطابُ فيها: مُنْسَبِتة.

(سبج) السين والباء والجيم ليس بشيء ولا لـه في اللغة العربيَّة أصلٌ.  يقولون السُّبْجة: قميصٌ لـه جَيب. قالوا: وهو بالفارسية "شَبِي([4])". والسَّبج: أيضاً ليس بشيء. وكذلك قولهم إنَّ السَّبَج حجارةُ الفضّة. وفي كل ذلك نظر.

(سبح) السين والباء والحاء أصلان: أحدهما جنسٌ من العبادة، والآخر جنسٌ من السَّعي. فَالأوَّل السُّبْحة، وهي الصَّلاة، ويختصّ بذلك ما كان نفلاً غير فَرض. يقول الفقهاء: يجمع المسافرُ بينَ الصَّلاتين ولا يُسبِّح بينهما، أي لا يتنفَّل بينهما بصلاةٍ. ومن الباب التَّسبيح، وهو تنْزيهُ الله جلَّ ثناؤه من كلِّ سوء. والتَّنْزيه: التبعيد. والعرب تقول: سبحان مِن كذا، أي ما أبعدَه. قال الأعشى:

أقولُ لمّا جاءني فخرُهُ  *** سُبحانَ مِنْ علقمةَ الفاخِر([5])

وقال قوم : تأويلُهُ عجباً لـه إِذَا  يَفْخَر. وهذا قريبٌ من ذاك لأنَّه تبعيدٌ له من الفَخْر. وفي صفات الله جلَّ وعز: سُبَّوح. واشتقاقه من الذي ذكرناه أنّه تنَزَّه من كل شيء لا ينبغي لـه. والسُّبُحات الذي جاء في الحديث([6]): جلال اللّه جلَّ ثناؤه وعظمته.

والأصل الآخر السَّبْح والسِّباحة: العَوم في الماء. والسّابح من الخيل: الحَسَنُ مدِّ اليدين في الجَرْي. قال:

فولَّيْتَ عنه يرتَمِي بِكَ سابحٌ  *** وقد قابَلَتْ أذْنَيه  منك الأخادعُ([7])

يقول : إنّك كنتَ تلتفتُ تخافُ الطّعنَ، فصار أخْدَعُك بحذاء أذُن فرسِك.

(سبخ) السين والباء والخاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خفّة في الشَّيء. يقال للذي يسقط مِنْ ريش الطّائرِ السَّبِيخ. ومنه الحديث: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمِع عائشة تدعو على سارقٍ سَرَقَها، فقال: "لا تُسبِّخي عنه بدعائك عليه"، أي لا تخفِّفي. ويقال في الدّعاء: "اللهمَّ سَبِّخْ عنه الحُمَّى"، أي سُلَّها وخَفِّفْها. ويقال لما يتطاير من القُطن عند النَّدْف: السَّبِيخ. قال الشاعر يصف كِلاباً:

فأرسلوهُنَّ يُذْرِينَ التُّرَابَ كما  *** يُذْرِي سَبائخَ قُطْنٍ نَدْفُ أوتَارِ([8])

وقد رُوِيَ  عن بعضهم([9]) أنَّه قرأ: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْخَاً طَوِيلاً} [المزمل 7]، قال: وهو معنى السَّبْخ، وهو الفَراغ؛ لأنَّ الفارغ خفيف الأمر.

(سبد) السين والباء والدال عُظْمُ بابِهِ  نبات شعرٍ أو ما أشبهه. وقد يشذُّ الشيء اليسير. فالأصلُ قولُهم: "ماله سَبَدٌ ولا لَبَدٌ". فالسَّبَد: الشعر. واللَّبَد: الصوف. ويقولون: سَبَّدَ الفَرْخُ، إذا بدا رِيشُهُ وشَوَّكَ. ويقال إنَّ السُّبدَة العانة. والسُّبَد: طائر، وسمِّيَ بذلك لكثرة ريشه. فأمَّا التَّسبيد فيقال إنَّه استئصال شَعر الرأس، وهو من الباب لأنَّه كأنّه جاء إلى سَبَدِهِ فحلَقَه واستأصَله. ويقال إنَّ التسبيد كثرةُ غَسْل الرأس والتدهُّن.

والذي شذَّ عن هذا قولُهم: هو سِبْدُ أسبادٍ، أي داهٍ مُنْكَر. وقال:

* يعارض سِبْدا في العِنانِ عَمَرَّدا([10]) *

(سبر) السين والباء والراء، فيه ثلاث كلماتٍ متباينةُ القياس، لا يشبهُ بعضُها بعضاً.

فالأوَّلُ السَّبْر،  وهو رَوْزُ الأمْرِ وتعرُّف قدْرهِ. يقال خَبَرْتُ ما عند فلان وسَبَرْتُهُ. ويقال للحديدة التي يُعرف بها قدرُ الجِراحة مِسْبار.

والكلمة الثانية: السِّبْر، وهو الجمال والبهاء. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يخرج من النار رجلٌ قد ذهَبَ حِبره وسِبْرُهُ"، أي ذهب جمالُهُ وبهاؤُه. وقال أبو عمرو: أتيتُ حيّاً من العرب فلمَّا تكلّمتُ قال بعضُ مَنْ حضر: "أما اللسانُ فبدويٌّ، وأما السِّبْر فحضريّ". وقال ابنُ أحمر:

لبِسنا حِبْرهُ حتى اقتُضِينا  *** لأعمالٍ وآجالٍ قُضِينا([11])

وأما الكلمة الثالثة فالسَّبْرَة، وهي الغَدَاة الباردة. وذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فَضْلَ إسباغ الوُضوء في السَّبَرَات([12]).

(سبط) السين والباء والطاء أصلٌ يدلُّ على امتداد شيء، وكأنه مقاربٌ لباب الباء والسين والطاء، يقال شعر سَبْط وسَبَِطٌ، إذا لم يكن جَعداً. ويقال أَسْبَطَ الرَّجلُ إِسباطاً، إذا امتدَّ وانبسط بعدما يُضرَب. والسُّباطة: الكُناسة، وسمِّيت بذلك لأنَّها لا يُحتَفَظُ بها ولا تحْتَجن. ومنه الحديث: "أتى سُبَاطَةَ قومٍ فبال قائماً؛ لوجعٍ كان بمأبِضه"([13]). والسَّبَط: نباتٌ في الرمل، ويقال إنَّه رَطب الحَلِيِّ؛ ولعلَّ فيه امتداداً.

(سبع) السين والباء والعين أصلان مطردان صحيحان: أحدهما في العَدَد، والآخر شيءٌ من الوحوش.

فالأوّل السَّبْعة. والسُّبْع: جزءٌ من سبعة. ويقال سَبَعْت القومَ أسْبَعُهم إذا أخذت سُبْع أموالهم  أو كنتَ لهم سابعاً. ومن ذلك قولهم: هو سُباعيُّ البدَن، إذا كان تامَّ البدن. والسِّبع: ظمءٌ من أظماء الإبل، وهو لعددٍ معلوم عندهم. وأما الآخر فالسَّبُع واحدٌ من السّباع. وأرض مَسْبَعَةٌ، إذا كثُر سِباعُها.

ومن الباب سَبعْتُهُ، إذا وقَعتَ فيه، كأنه شبّه نفسه بسبُع في ضرره وعَضّه. وأسبعته: أطعمته السَّبع. وسَبعتِ الذّئابُ الغنَم، إذا فرستْها وأكلَتْها.

فأمّا قول أبي ذؤيب:

صَخِبُ الشَّواربِ لا يزالُ كأنَّهُ  *** عبدٌ لآلِ أبي ربيعةَ مُسْبَعُ([14])

ففيه أقاويل: أحدهما المُتْرَف، كأنَّه عبد مترف، له ما يتمتَّعُ به، فهو دائم النَّشاط. ويقال إنَّه الرَّاعي، ويقال هو الذي تموت أمُّه فيتولى إرضاعَهُ غيرُها. ويقال المُسبَع مَنْ لم يكن لِرشْدة. ويقال هو الراعي الذي أغارت السباع على غنمه فهو يصيحُ بالكلاب والسِّباع. ويقال هو الذي هو عبدٌ إلى سبعة آباء. ويقال هو الذي وُلد لسبعة أشهر. ويقال المُسبَع: المُهمَل. وتقول العرب: لأفعلنَّ به فِعْل سَبْعة؛ يريدون به المبالغة في الشر. ويقال أراد بالسَّبعة اللَّبُؤة، أراد سَبعةٍ فَخَفّف.

(سبغ) السين والباء والغين أصلٌ واحد يدلُّ على تمامِ الشيء وكماله. يقال أَسْبَغْتُ الأمر، وأسْبَغَ فلان وضوءَه. ويقال أسبغ الله عليه نِعَمَه. ورجل مُسْبِغ، أي عليه درعٌ سابغة. وفحل سابغٌ: طويل الجُرْدَان([15])، وضدُّه الكَمْش. ويقال سَبَّغَت الناقةُ، إذا ألقت ولدَها وقد أَشْعَرَ.

(سبق) السين والباء والقاف أصل واحد صحيح يدل على التقديم. يقال سَبَقَ يَسْبِق سَبْقاً. فأما السَّبَق فهو الخَطَر الذي يأخذه السَّابق.

(سبك) السين والباء والكاف أُصَيلٍ يدل على التناهي في إمهاء الشيء([16]). من ذلك: سَبَكْتُ الفضة وغيرَها أَسْبِكُها سَبْكَاً. وهذا يستعار في غير الإذابة أيضاً. [والسُّنبُك: طرف الحافر([17])]. فأما السُّنْبُك من الأرض فاستعارةٌ، طَرفٌ غليظٌ قليل الخير.

(سبل) السين والباء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على إرسال شيءٍ من عُلو إلى سُفل، وعلى امتداد شيء.

فالأوّل من قِيلِكَ: أسبلتُ السِّتْرَ، وأسبلَتِ السَّحابةُ ماءَها وبمائِها. والسَّبَل: المطر الجَوْد. وسِبال الإنسان من هذا، لأنّه شعر منسدل. وقولهم لأعالي الدَّلو أسبْال، من هذا، كأنَّها شُبِّهَت بالذي ذكرناه من الإنسان. قال:

إِذْ أرسَلوني ماتحاً بدلائهمْ *** فملأْتُها عَلَقَاً إلى أسبالِها([18])

والممتدُّ طولاً: السّبيل، وهو الطَّريق، سمِّي بذلك لامتداده. والسَّابلة: المختلِفَةُ في السُّبُل جائيةً وذاهبة. وسمِّي السُّنْبُل سُنْبُلا لامتداده. يقال أَسبَلَ الزّرعُ، إذا خَرَج سُنبله. قال أبو عبيد: سَبَلُ الزَّرعِ وسُنْبُلُه سواء. وقد سَبَلَ([19]) وأَسْبَلَ.

(سبه) السين والباء والهاء كلمةٌ، وهي تدلُّ على ضعف العقل أو ذَهابه. فالسبَه: ذهاب العقل من هَرَم، يقال رجل مَسْبُوهٌ ومُسَبَّه، وهو قريب من  المسبوت، والقياس* فيهما واحد.

(سبي) السين والباء والياء أصلٌ واحد يدلُّ على أخذِ شي من بلد إلى بلد آخر كرْهَاً([20]). من ذلك السَّبْيُ، يقال سَبَى الجاريَةَ يَسبيها سبْياً فهو سابٍ، والمأخوذة سَبِيَّة. وكذلك الخمرُ  تُحمَل من أرضٍ إلى أرض. يَفْرِقُونَ بين سَبَاهَا وسَبَأها. فأما سِباؤها فاشتراؤُها. يقال سَبَأْتها، ولا يقال ذلك إلاَّ في الخمر. ويسمون الخَمَّار السَّبَّاء. والقياس في ذلك واحد.

ومما شذَّ عن هذا الأصل السَّابياء، وهي الجِلْدة التي يكون فيها الولد. والسَّابِيَاء: النِّتَاج([21]). يقال إنَّ بني فلان ترُوح عليهم من مالهم سَابِياء. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تسعة أعشارِ الرِّزق في التجارة. والجزء الباقي في السَّابياء".

ومما يقرب من الباب الأوّل الأسابيّ، وهي الطرائق. ويقال أسابيُّ الدِّماء، وهي طرائقها، قال سلامة:

والعادِيَاتُ أسابيُّ الدِّماء بها *** كأنَّ أعناقَها أنصابُ ترجيبِ([22])

وإذا كان ما بعدَ الباء من هذه الكلمة مهموزاً خالف المعنى الأوَّل، وكان على أربعةِ معانٍ مختلفة: فالأول سبأت الجِلد، إذا محَشْته حتى أُحرِق شيئاً من أعاليه. والثّاني سبأت جلده: سلختُهُ. [والثالث سَبَأَ فلانٌ([23])]  على يمين كاذبةٍ، إذا مرَّ عليها غير مكترث.

ومما يشتق من هذا قولهم : انْسبَأ اللّبن، إذا خَرج من الضَّرع. والمَسبْأ: الطَّريق في الجبل.

والمعنى الرابع قولهم: ذهبوا أيادي سبأ، أي متفرِّقين. وهذا من تفرُّقِ أهل اليمن. وسبأ: رجل يجمع([24]) عامّة قبائل اليمن، ويسمَّى أيضاً بلدُهم بهذا الاسم. والله أعلم بالصواب.

ـــــــــــــــ

([1]) كلمة "ليلها" ساقطة من الأصل، وإثباتها من اللسان (سبت)، حيث نسب البيت إلى حميد بن ثور.

([2]) في اللسان: "يصبح مخمورا".

([3]) المخثر: الذي يجد الشيء القليل من الوجع والفترة.

([4]) فسرت هذه الكلمة  في معجم استينجاس 732 بأنها قميص يلبس في المساء.

([5]) ديوان الأعشى 106 واللسان (سبح).

([6]) هو حديث : "إن لله دون العرش سبعين حجاباً لو دنونا من أحدها لأحرقتنا سبحات وجه ربنا".

([7]) أنشده في المجمل أيضاً.

([8]) البيت للأخطل في ديوانه 115 واللسان والتاج (سبخ).

([9]) هي قراءة يحيى بن يعمر، كما في اللسان.

([10]) للمعذل بن عبد الله. وصدره كما في اللسان (سبد):

* من السح جوالا كأن غلامه *

([11]) في الأصل: "وآل قضينا".

([12]) في الأصل: "فضل له سباغ الوضوء في السبرات"، تحريف. وفي اللسان: "وفي الحديث: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ فسكت. ثم وضع الرب تعالى يده بين كتفيه فألهمه. إلى أن قال: في المضي إلى الجمعات، وإسباغ الوضوء في السبرات".

([13]) المأبض: بكسر الباء: باطن الركبة والمرفق.

([14]) ديوان أبي ذؤيب: 4 واللسان (سبع).

([15]) الجرادن بضم الجيم وبعد الراء دال مهملة: قضيبه. في الأصل: "الجرذان"، تحريف.

([16]) الإمهاء: الإسالة. وفي الأصل: "إنهاء الشيء".

([17]) التكملة من المجمل.

([18]) البيت لباعث بن صريم اليشكري، كما في اللسان (سبل).

([19]) وكذا في المجمل، والمعروف بدلها "سنبل".

([20]) بعدها في الأصل: من "المأخوذة" مقحمتان.

([21]) في الأصل: "السباج"، صوابه ما أثبت من اللسان.

([22]) ديوان سلامة  8 واللسان (سبي).

([23]) تكملة استضأت بالمجمل في إثباتها.

([24]) في الأصل: "بجميع"، صوابه في المجمل.

 

ـ (باب السين والتاء وما يثلثهما)

(ستر) السين والتاء والراء كلمةٌ تدلُّ على الغِطاءِ. تقول: سترت الشيء ستراً. والسُّتْرَة: ما استترت به، كائناً ما كان. وكذلك السِّتَار([1]). فأمَّا الإستار، وقولهم إستار الكعبة، فالأغلبُ أنه من السِّتْر، وكأنَّه أراد به ما تُستَر به الكعبة من لباسٍ. إلاَّ أنَّ قوماً زعموا أنْ ليس ذلك من اللِّباس، وإنما هو من العَدَد. قالوا: والعرب تسمِّي الأربعة الإستار([2])، ويحتجُّون بقول الأخطل:

لعمرك إنَّني وابنَيْ جُعَيْلٍ *** وأُمَّهُمَا لَإِسْتَارٌ لئيمُ([3])

ويقول جرير:

قُرِنَ الفرزدقُ والبَعيثُ وأمُّه *** وأبُو الفرزدق قُبِّحَ الإستارُ([4])

قالوا: فأستار الكعبة: جُدرانها وجوانبها، وهي أربعة، وهذا شيءٌ قد قيل، والله أعلم بصحته.

(ستن) السين والتاء والنون ليس بأصل يتفرَّع، لأنَّه نبت، ويقال لـه الأسْتَنُ. وفيه يقول النابغة:

تَنِفرُ مِن أَسْتَنٍ سُودٍ أسافلُهُ *** مثل الإماءِ اللّواتي تَحمِل الحُزَما([5])

(سجح) السين والجيم والحاء أصل منقاس، يدلُّ على استقامةٍ وحسن. والسُّجُح: الشّيء المستقيم. ويقال: "مَلَكْتَ فأَسْجِحْ"، أي أَحْسِن العَفْو. ووجهٌ أَسْجَحُ، أي مستقيم الصُّورة. قال ذو الرمَّة:

* ووجهٌ كمرآةِ الغريبة أسجحُ([6]) *

وهذا كلُّه من قولهم: تنَحَّ عن سُجُْح الطَّريقِ([7])، أي عن جادّته ومستقيمه.

(سجد) السين والجيم والدال أصلٌ واحدٌ مطّرد يدلّ على تطامُن وذلّ. يقال سجد، إذا تطَامَنَ. وكلُّ ما ذلَّ فقد سجد. قال أبو عمرو: أسْجَدَ الرَّجُل، إذا طأطأَ رأسَهُ وانحنى. قال حُميد:

فُضُولَ أزِمّتِها أسْجَدَتْ *** سُجودَ النَّصارى لأربابِها([8])

وقال أبو عبيدة مثلَه، وقال: أنشدَني أعرابيٌّ أسديّ:

* وقُلنَ له أَسْجِدْ لليلَى فأسْجَدَا([9]) *

يعني البعيرَ إذا طأطأَ رأسه. وأما قولهم: أسجَدَ إِسجاداً، إذا أدام النَّظر، فهذا صحيحٌ، إلاَّ أن القياسَ يقتضي ذلك في خَفض، ولا يكون *النّظرَ الشّاخصَ ولا الشزْر. يدلُّ على ذلك قولُهُ:

أَغَرَّكِ مِنِّي أنَّ دَلَّكِ عندنا *** وإِسجادَ عينيكِ الصَّيُودَينِ رابحُ([10])

ودراهم الإسجاد: درَاهمُ كانت عليها صورٌ، فيها صورُ ملوكهم، وكانوا إذا رأوها سَجَدُوا لها. وهذا في الفُرس. وهو الذي يقول فيه الأسود:

مِنْ خَمرِ ذِي نُطَفٍ أغَنَّ مُنَطّقٍ *** وافَى بها لِدراهم الإِسجادِ([11])

(سجر) السين والجيم والراء أصولٌ ثلاثة: المَلء، والمخالطة، والإيقاد.

فأمّا الملء، فمنه البحر المسجور، أي المملوء. ويقال للموضع الذي يأتي عليه السّيلُ فيملؤه: ساجر. قال الشّمّاخ:

* كُلَّ حِسْيٍ وسَاجِرِ([12]) *

ومن هذا الباب، الشَّعر المنْسجِرُ، وهو الذي يَفِرُ([13])حتى يَسترسلَ من كثرته. قال:

* إذا ما انثَنَى شَعْرُها المنْسجِرْ([14]) *

وأمَّا المخالَطة فالسّجير: الصاحب والخليط، وهو خلاف الشَّجير. ومنه عينٌ سَجْراءُ، إذا خالط بياضَها حمرة.

وأمَّا الإيقاد فقولهم : سجرت التّنُّور، إذا أوقدتَه، والسَّجُور: ما يُسجَرُ به التّنُّور. قال:

ويوم كتَنُّور الإماءِ سَجَرْنَهُ *** وألَقْيَنَ فيه الجَزْلَ حَتَّى تأجَّمَا([15])

ويقال للسَّجُور السجار([16]).

ومما يقارب هذا استَجَرَت([17])الإِبل على نَجَائِها، إذا جدّت، كأنَّها تتَّقد في سيرها اتّقاداً. ومنه سَجَرَت النّاقةُ، إذا حَنَّتْ حنيناً شديداً.

(سجع) السين والجيم والعين أصلٌ يدلُّ على صوت متوازن. من ذلك السَّجع في الكلام، وهو أن يُؤتَى به وله فواصلُ كقوافِي الشِّعر، كقولهم: "مَنْ قَلَّ ذَلّ، ومن أَمِِرَ فَلّ"، وكقولهم: "لا ماءَكِ أَبقيْتِ، ولا دَرَنَكِ أنْقَيْت". ويقال سجَعت الحمامةُ، إذا هَدَرَتْ.

(سجف) السين والجيم والفاء أصلٌ واحد، وهو إسبال شيءٍ ساتر. يقال أسجفت السِّتر: أرسلتُهُ. والسَّجْف والسِّجف([18]): سِتر الحَجَلة. ويقال أسجَفَ اللّيلُ، مثل أسدَفَ.

(سجل) السين والجيم واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على انصبابِ شيءٍ بعد امتلائِهِ. من ذلك السَّجْل، وهو الدَّلو العظيمة. ويقال سَجَلت الماءَ فانسجَلَ، وذلك إذا صَبْبَته. ويقال للضَّرْع الممتلئ سَجْل([19]). والمساجلة: المفاخرة، والأصل في الدِّلاء، إذا تساجَلَ الرجلان، وذلك تنازعُهما، يريد كلُّ واحدٍ منهما غلبةَ صاحبه. ومن ذلك الشّيء المُسْجَل، وهو المبذول لكلِّ أحد، كأنَّه قد صُبَّ صبّاً.  قال محمّد بن علي في قوله تعالى: {هل جَزَاءُ الإحْسَانِ إلاَّ الإحْسَانُ}  [الرحمن 60]: هي مُسْجَلَة للبَرِّ والفاجر. وقال الشاعر في المُسْجَل:

* وأصَبَحَ معروفي لقومِيَ مُسْجَلا *

فأما السِّجِلّ فمن السَّجْل والمساجلة، وذلك أنَّه كتَابٌ يجمَع كتباً ومعانيَ. وفيه أيضاً كالمساجلة، لأنّه عن منازعةٍ ومُداعاة. ومن ذلك قولهم: الحرب سِجَالٌ، أي مباراةٌ مرَّة كذا ومرةً كذا. وفي كتاب الخليل: السَّجْل: ملء الدلو. وأما السِّجِّيل فمن السِّجِلّ، وقد يحتمل أن يكون مشتقاً من بعض ما ذكرناه. وقالوا: السِّجِّيل: الشديد.

(سجم) السين والجيم والميم أصلٌ واحدٌ، وهو صبُّ الشّيء من الماء والدَّمعِ. يقال سَجَمَت العينُ دَمعَها. وعينٌ سَجوم، ودمعٌ مسجوم. ويقال أرض مسجومة: ممطورة.

(سجن) السين والجيم والنون أصلٌ واحد، وهو الحَبْس. يقال سجنته سَجناً. والسِّجن: المكان يُسجَن فيه الإنسان. قال الله جلَّ ثناؤه في قصّة يوسف عليه السلام: {قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف 33]. فيقرأ فتحاً على المصدر، وكسراً على الموضع([20])، وأما قولُ ابنِ مُقْبل:

* ضرباً تَوَاصَى به الأبطالُ سِجِّينا([21]) *

فقيل إنَّهُ أراد سِجِّيلاً. أي شديداً. وقد مضى ذِكرُهُ. وإِنَّما أبدل اللام نوناً. والوجه في هذا أنَّهُ قياس الأوَّل من السَّجن، وهو الحبس؛ لأنَّه إذا كان ضرباً شديداً ثبت المضروب، كأنَّه قد حبسه.

(سجو) السين والجيم والواو أصلٌ يدلُّ على سكونٍ وإطباق. يقال* سَجَا اللّيلُ، إذا ادلهمَّ وسكَن. وقال:

يا حبَّذَا القَمراءُ واللَّيْلُ السَّاجْ *** وطُرقٌ مثلُ مُلاءِ النُّسَّاجْ([22])

وطرف ساجٍ، أي ساكن.

ــــــــــــــــ

([1]) والستارة ، بالهاء أيضاً.

([2]) ذكر في اللسان والمعرب 42 أنه معرب "جهار" الفارسية، بمعنى أربعة. على أن اللفظ "استار" في الفارسية يظن أنَّه مأخوذ من اليونانية. انظر استينجاس 49.

([3]) ديوان الأخطل 297 واللسان (ستر) . وابنا جعيل، هما كعب وعمير.

([4]) كذا وردت الرواية في الأصل والمجمل والديوان 208. ورواية اللسان:

إن الفرزدق والبعيث وأمه *** وأبا البعيث لشر ما إستار

([5]) ديوان النابغة 68 واللسان (ستن).

([6]) صدره كما في الديوان 88 واللسان (حشر): * لها أذنٌ حشرٌ وذِفْرَى أسيلة *

([7]) سجح الطريق، بالضم وبضمتين.

([8]) ذكر ابن بري أن صواب إنشاده: "لأحبارها". وقبله:

فلما لوين على معصم  *** وكف خضيب وأسوارها

([9]) الشطر في المجمل واللسان (سجد).

([10]) البيت لكثير عزة كما في اللسان (سجد).

([11]) البيت في اللسان (سجد). وقصيدة الأسود بن يعفر في المفضليات (2: 16-20).

([12]) البيت لم يرد في الديوان. وهو بتمامه كما في اللسان (سجر):

وأحمى عليها ابنا يزيد بن مسهر *** ببطن المراض كل حسي وساجر

([13]) وفر يفر، كوعد يعد، ويقال أيضاً وفر يوفر من باب كرم، أي كثر.

([14]) وكذا روايته في المجمل. وفي اللسان (6: 9): "شعره المنسجر". لكن في اللسان (6: 10):  * إذا ثنى فرعها المسجر *.

بعد أن ذكر قبله:" المسجر: الشعر المسترسل". على أنه يقال المسجّر، بتشديد الجيم، والمنسجر، والمسوجر أيضاً.

([15]) البيت لعبيد بن أيوب العنبري، "كما في اللسان (أجم)". وتأجم، مثل تأجج، وزناً ومعنى. وبعده:

رميت بنفسي في أجيج سمومه *** وبالعنس حتى جاش منسمها دما

([16]) لم أجد هذه الكلمة في غير المقاييس. ولا أدري ضبطها.

([17]) في اللسان والمجمل: "انسجرت".

([18]) في الأصل: "السجيف"، محرف.

([19]) وكذا في المجمل. وفي اللسان: "السجيل"، و"الأسجل".

([20]) قرأ بالفتح عثمان ومولاه طارق، وزيد بن علي، والزهري، وابن أبي إسحاق، وابن هرمز، ويعقوب. تفسير ابن حيان (5: 306).

([21]) في اللسان "تواصت به". وصدره: *ورجلة يضربون الهام عن عرض*.

([22]) الرجز لأحد الحارثيين، كما في اللسان (سجا).

 

ـ (باب السين والحاء وما يثلثهما)

(سحر) السين والحاء والراء أصولٌ ثلاثة متباينة: أحدها عضْوٌ من الأعضاء، والآخر خَدْعٌ وشِبههُ، والثالث وقتٌ من الأوقات.

فالعُضْو السَّحْر، وهو ما لَصِقَ بالحُلقوم والمَرِيء من أعلى البطن. ويقال بل هي الرِّئة. ويقال منه للجبان: انتفَخَ سَحْرُه. ويقال له السُّحْر والسَّحْر والسَّحَر.

وأمّا الثّاني فالسِّحْر، قال قوم: هو إخراج الباطل في صورة الحقِّ، ويقال هو الخديعة. واحتجُّوا بقول القائل:

فإِنْ تسألِينا فيمَ نحنُ فإننا  *** عصافيرُ من هذا الأنام المسحَّرِ([1])

كأنَّه أراد المخدوع، الذي خدعَتْه الدُّنيا وغرَّتْه. ويقال المُسَحَّر الذي جُعِلَ لـه سَحْر، ومن كان ذا سَحْر لم يجد بُدَّاً  من مَطعَم ومشرب.

وأمَّا الوقت فالسَّحَر، والسُّحْرة، وهو قَبْل الصُّبْح([2]). وجمع السَّحَر أسحار. ويقولون: أتيتُك سَحَرَ، إذا كان ليومٍ بعينه. فإن أراد بكرةً وسَحَراً من الأسحار قال: أتيتك سَحَراً.

(سحط) السين والحاء والطاء كلمة. يقولون: السَّحط: الذَّبْح الوَحِيّ.([3])

(سحف) السين والحاء والفاء أصلٌ واحدٌ صحيح، وهو تنحِيَة الشّيء عن الشيء، وكشفُه. من ذلك سَحفْت الشَّعرَ عن الجلدِ، إذا كشطْتَه حتّى لا يبقى منه شيء. وهو في شعر زهير:

* وما سُحِفَتْ فيه المقاديمُ والقَمْلُ([4]) *

والسَّيْحَفُ: نصالٌ عِراض، في قول الشّنفَرَى:

لها وفْضَةٌ فيها ثلاثونَ سَيْحَفاً *** إِذا آنَسَتْ أُولَى العديِّ اقشعرَّتِ([5])

والسَّحيفة([6]): واحدة السحائف، وهي طرائق الشَّحم الملتزقة بالجلد، وناقةٌ سَحْوفٌ من ذلك. وسمِّيت بذلك لأنّها تُسحَفُ أي يمكن كشْطها. والسَّحِيفة: المَطْرة تجرُف ما مَرَّت به.

(سحق) السين والحاء والقاف أصلان: أحدهما البعد، والآخر إنهاك الشَيء حتى يُبلغ به إلى حال البِلَى.

فالأوّل السُّحْق، وهو البُعد، قال الله جلَّ ثناؤه: {فَسُحْقاً لأَصْحابِ

السَّعِيرِ}  [الملك 11]. والسَّحُوق: النَّخلة الطويلة، وسمِّيت بذلك لبعد أعلاها عن الأرض.

والأصل الثاني: سَحَقت الشيء أسحَقُهُ سَحقاً. والسَّحْق: الثوب البالي. ويقال سَحَقه البِلى فانسحق. ويستعار هذا حتَّى يقال إنَّ العين تسحق الدَّمع سحقاً. وأسحق الشَّيءُ، إذا انضمر وانضمّ. وأسحَقَ الضَّرعُ، إذا ذهب لبنُهُ وبَلِيَ.

(سحل) السين والحاء واللام ثلاثة أصول: أحدها كَشْط شيءٍ عن شيء، والآخَر من الصَّوت، والآخر تسهيلُ شيءٍ وتعجيلُه.

فالأوَّل قولهم: سَحَلت الرِّياحُ الأرضَ، إذا كشطت عنها أَدَمتَها. قال ابن دريدٍ وغيره: ساحل البحر مقلوب في اللفظ، وهو في المعنى مَسحُولٌ، لأنَّ الماءَ سَحله. وأصلُ ذلك قولهم سَحلت الحديدةَ أسحَلُها. وذلك إذا بَرَدْتَها. ويقال للبُرادة السُّحالة. والسحْل: الثّوب الأبيض، كأنّه قد سُحِل من وسَخِه ودَرَنِهِ سَحْلا. وجمعه السُّحُل. قال:

كالسُّحُلِ البِيضِ جَلا لونَها *** سَحُّ نِجَاءِ الحَمَل الأَسْوَلِ([7])

والأصل الثاني: السَّحيل: نُهاق الحمار، وكذلك السُّحال. ولذلك يسمَّى الحِمارُ مِسْحَلاً.

ومن الباب المِسحَل لِلسانِ الخطيب، والرَّجُلِ الخطيب.

والأصل الثالث: قولهم سَحَلَهُ مائةً، إذا عَجّل له نَقْدَها. ويستعار هذا فيقال سحله مائةً، إذا ضربه مائةً عاجلاً.([8])

ومن الباب السَّحِيل: الخيط الذي فُتِلَ  فَتْلاً رِخْوا. وخِلافُهُ المبرَمِ والبريم، وهو في شعر زهير:

* مِن سَحِيلٍ ومُبْرَمِ([9]) *

ومما شَذَّ عن هذه الأصول المِسْحلان، وهما حَلْقتان على طرفَيْ شَكِيمِ اللِّجام. والإِسْحِلُ: شجر.

(سحم) السين والحاء والميم* أصلٌ واحدٌ يدلُّ على سواد. فالأسحم: [ذو] السواد، وسوادُهُ السُّحْمَة. ويقال للَّيل أسحم. قال الشاعر:

رضيعَيْ لِبَانٍ ثَدْي أمٍّ تقاسما *** بأسحَمَ داجٍ عَوضُ لا نتفرّق([10])

والأَسحم: السحاب الأسود. قال النابغة:

* بأَسْحَمَ دانٍ مُزْنُهُ متصوّبُ([11]) *

والأَسحم: القرن الأسود، في قول زهير:

*وتَذْبيبُها عنها بأَسحَمَ مِذْوَدِ([12]) *

(سحن) السين والحاء والنون ثلاثة أصول: أحدها الكسر، والآخَر اللَّون والهيئة، والثالث المخالطة.

فالأوَّل قولهم: سَحَنْت الحجر، إذا كَسَرتَه. والمِسْحَنة، هي التي تُكسَر بها الحِجارة، والجمع مَساحن. قال الهذليّ([13]):

* كما صَرَفَتْ فوق الجُذَاذ المساحنُ([14]) *

والأصل الثاني: السَّحنة: لِينُ البَشَرة. والسَّحناء: الهيئة. وفرسٌ مُسْحَنَة([15]) أي حسنة المنظر. وناسٌ يقولون: السَّحَناء على فَعَلاء بفتح العين، كما يقولون في ثَأْداء ثَأَداء([16]). وهذا ليس بشيء، ولا له قياس، إنّما هو ثأْدَاء وسَحْناء على فعلاء. وأما الأصل الثالث فقولهم: ساحَنتُك مساحنةً، أي خالطتُكَ وفاوضتُك.

(سحو) السين والحاء والحرف المعتل أصلٌ يدلُّ على قشر شيء عن شيء، أو أخذِ شيءٍ يسير. من ذلك سَحَوت القِرطاسَ أسحوه. وتلك السِّحاءَة.([17]) وفي السماء سِحَاءَة من سحاب. فإذا شددته بالسِّحاءَة قلتَ سَحَيْتُه، ولو قلت سحوتُهُ ما كان به بأس. ويقال سَحَوت الطِّينَ عن وجه الأرض بالمسْحاة أسحوه سَحواً وسَحياً، وأسحاه أيضاً، وأَسحِيه: ثلاث لغات. ورجلٌ أُسْحُوانٌ: كثير الأكل كأنَّه يسحو الطّعامَ عن وجه المائدة أكلاً، حتَّى تبدُوَ المائدة. ومَطْرةٌ ساحية: تقشِر وجه الأرض.

(سحب) السين والحاء والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على جرِّ شيء مبسوطٍ ومَدِّه. تقول: سحبتُ ذيِلي بالأرضِ سحبا. وسمِّي السَّحابُ سحاباً تشبيهاً له بذلك، كأنه ينسحب في الهواء انسحاباً. ويستعيرون هذا فيقولون: تسحّب فلانٌ على فلانٍ، إذا اجتَرَأَ عليه، كأنَّه امتدَّ عليه امتداداً. هذا هو القياس الصحيح. وناسٌ يقولون: السَّحْب: شدّة الأكل. وأظنُّهُ تصحيفاً؛ لأنّه لا قياس له، وإِنّما هو السَّحْت.

(سحت) السين والحاء والتاء أصلٌ صحيح منقاس. يقال سُحِت الشيء، إذا استُؤصل، وأُسْحِت. يقال سحت الله الكافر بعذابٍ، إذا استأصله. ومال مسحوتٌ ومُسْحَت في قول الفرزدق:

وعَضُّ زمانٍ يا بنَ مروانَ لم يَدَعْ *** من المال إلاّ مُسْحَتاً أو مُجَلَّفُ([18])

 

ومن الباب: رجلٌ مسحوت الجوف، إذا كان لا يشبَع، كأنَّ الذي يبلعه يُستأصل من جوفِه، فلا يبقى. المال السُّحْـت: كلُّ حرامٍ يلزمُ آكلَه العارُ؛ وسمِّي سُحتاً لأنّه لا بقاء لـه. ويقال أَسْحَت في تجارته، إذا كَسَبَ السُّحت. وأسْحَت مالَهُ: أفسده.

(سحج) السين والحاء والجيم أصلٌ صحيح يدلُّ على قشر الشيء. يقال انْسَحج القِشر عن الشيء. وحمار مُسَحَّج، أي مكدَّم، كأنه يكدّم حتى يُسحجَ جلدُه. ويقال بعيرٌ سَحَّاج، إذا كان يَسحَج الأرضَ بخفّه، كأنّه يريد قشر وجهها بخفّه، وإذا فعل ذلك لم يلبث أن يَحْفَى. وناقة مِسْحاجٌ، إذا كانت تفعل ذلك.

ـــــــــــــ

([1]) البيت للبيد بن ربيعة كما في ديوانه 81 طبع 1880 والبيان (1: 179 مكتبة الجاحظ)، والحيوان: (5: 229/ 7: 63) واللسان (سحر).

([2]) في المجمل: "والسحر قبيل الصبح".

([3]) الوحي: العاجل السريع.

([4]) في الأصل: "المقالم"، تحريف، صوابه من الديوان 99، واللسان (سحف)، وصدره:

* فأقسمت جهداً بالمنازل من منى *

([5]) البيت في اللسان (سحف). وقصيدته في المفضليات: (1: 106).

([6]) في الأصل: "والسحف"، صوابه من المجمل.

([7]) البيت للمتنخل الهذلي، وقد سبق إنشاده في (سول).

([8]) جعله في اللسان من القشر، قال: "سحله مائة سوط سحلا: ضربه فقشر جلده".

([9]) من بيت في معلقته. وهو بتمامه:

يميناً لنعم السيدان وجدتما *** على كل حال من سحيل ومبرم.

([10]) للأعشى في ديوانه 150 واللسان (سحم) وسيأتي منسوباً في (عوض).

([11]) ليس في ديوانه. وصدره كما في اللسان (سحم):

* عفا آيه صوب الجنوب مع الصبا *.

([12]) في الأصل: "وتذيبها"، صوابه في الديوان 229 واللسان (سحم). وصدره * نجاء مجد ليس فيه وتيرة *. عنها، أي عن نفسها. وفي اللسان: "عنه"، تحريف.

([13]) هو المعطل الهذلي. وقد سبق إنشاد البيت في (جذ).

([14]) صدره:                    * وفهم بن عمرو يعلكون ضريسهم *.

([15]) ضبطت بفتح الحاء في الأصل والمجمل. وفي اللسان بالكسر ضبط قلم، وقيد في القاموس "كمحسن". ثم قال: "وهي بهاء".

([16]) نسب القول إلى الفراء في اللسان، وقال: "قال أبو عبيد: ولم أسمع أحداً يقولهما بالتحريك غيره".

([17]) السحاءة والسحاية: ما انقشر من الشيء.

([18]) ديوان الفرزدق 556 واللسان (سحت، جلف)، والخزانة (2: 347) وقبله:

إليك أمير المؤمنين رمت بنا  *** هموم المنى والهوجل المتعسف

 

 

ـ (باب السين والخاء وما يثلثهما )

(سخد) السين والخاء والدال أصلٌ. فيه السَّخْد، وهو الماء الذي يخرج مع الولد. ولذلك يقال: أصبح فلان مُسْخَداً، إذا أصبح خاثِر النفس ثقيلاً. وربَّما قالوا للذي يخرج من بطن المولود قبل أن يأكل: السُّخْد. وهذا مُختلَف فيه، فمنهم من يقول سُخْد، ومنهم من يقول بالتاء سُخْت. وكذلك حُدِّثنا به عن ثَعْلب في آخر كتابه الذي أسماه الفصيح([1]). وقال بعض أهل اللُّغة: إنَّ السُّخْد الورَم، وهو ذلك القياس.

(سخر) السين* والخاء والراء أصلٌ مطّرد مستقيم يدلُّ على احتقار  واستذلال. من ذلك قولنا سَخَّر الله عزَّ وجَلَّ الشيء، وذلك إذا ذَلَّلَه لأمره وإرادته. قال الله جلّ ثناؤه: { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّموَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [الجاثية 13]. ويقال رجل سُخْرةُ: يُسَخَّر في العمل، وسُخْرةٌ أيضاً، إذا كان يُسْخَر منه. فإن كان هو يفعل ذلك قلت سُخَرَة، بفتح الخاء والراء. ويقال سُفُنٌ سواخِرُ مَوَاخِرُ. فالسَّواخر: المُطِيعة الطيِّبة الرِّيح. والمواخر: التي تمخَر الماءَ تشُقّه. ومن الباب: سَخِرت منه، إذا هزئت به. ولا يزالون يقولون: سخِرت به، وفي كتاب الله تعالى: {فإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُون}  [هود 38].

(سخف) السين والخاء والفاء أصلٌ مطَّرد يدلُّ على خفّة. قالوا: السُّخْفُ: الخفّة في كلِّ شيء، حتّى في السَّحاب. قال الخليل: السُّخْف في العقل خاصة، والسَّخافة عامّةٌ في كلِّ شيء. ويقال وجدت سَخْفَة من جوع، وهي خِفّـةٌ تعتري الإنسانَ إذا جاعَ.

(سخل) السين والخاء واللام أصلٌ مطرد صحيح ينقاس، يدلُّ على حَقَارة وضَعف. من ذلك السَّخْل من ولد الضّأن، وهو الصّغير الضَّعيف، والأنثى سَخلة. ومنه سَخّلتِ النَّخلة([2])، إذا كانت ذاتَ شِيص، وهو التَّمر الذي لا يشتدُّ نواه. والسُّخَّل: الرّجال الأراذل، لا واحد لـه من لفظه. ويقال كواكبُ مَسخُولة، إذا كانت مجهولة. وهو قول القائل:

ونحنُ الثُّرَيَّا وجَوزاؤُها *** ونحنُ الذّراعانِ والمِرْزمُ

وأنتم كواكبُ مسْخُولةٌ *** تُرَى في السماءِ ولا تعلمُ([3])

وذكر بعضُهم أنَّ هذيلاً تقول: سخَلْت الرجلَ، إذا عبتَه.

(سخم) السين والخاء والميم أصلٌ مطَّرد مستقيم، يدلُّ على اللِّين والسواد. يقال شَعرٌ سُخَاميّ: أسود لَيِّن. كذا حُدِّثنا به عن الخليل. وحدّثني عليّ بن إبراهيم القطَّان، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عُبيد، قال: قال الأصمعي: وأما الشَّعر السُّخام، فهو الليِّن الحَسن، وليس هو من السَّواد. ويقال للخمر سُخامِيَّة إذا كانت ليِّنة سَلِسَة. قال ابن السكِّيت: ثوب سُخَامٌ: ليِّن. وقطنٌ سُخامٌ([4]). قال:

* قطنٌ سُخامِيٌّ بأَيْدِي غُزَّلِ([5]) *

ومما شذَّ عن هذا الأصل السَّخيمة، وهي الموجدة في النَّفس. ويقال سَخَّم الله وجهه، وهو من السُّخام، وهو سواد القِدْر.

(سخن) السين والخاء والنون أصل صحيح مطَّرد منقاس، يدل على حرارةٍ في الشيء. من ذلك سخّنت الماء. وماءٌ سُخْن وسَخِينٌ. وتقول: يوم سُخْنٌ وساخن وسَُخْنانٌ، وليلة سُخْنة وسَُخْنَانة. وقد سَخُن يومُنا. وسخِنَتْ عينهُ بالكسر تَسخَن. وأسخن الله عينَه. ويقولون إنَّ دَمعة الغَمِّ تكون حارّة. واحتُجَّ بقولهم: أقرّ الله عينَه. وهذا كلامٌ لا بأس به. والمِسْخَنة: قُدَيرةٌ كأنَّهَا تَوْر. والسَّخينة: حَسَاءٌ يُتّخَذُ من دقيق. وقال: قريشٌ([6]) يعيَّرُون بأكل السَّخينة، ويُسَمَّون بذلك، وهو قولهم:

يا شَدَّةً ما شَدَدْنا  غيرَ كاذبةٍ  *** على سَخِينةَ لولا اللَّيْلُ والحَرَمُ([7])

والتَّساخين: الخِفَاف([8]). وممكنٌ أن تكون سمِّيَت  بذلك لأنها تُسَخِّن على لُبسها القَدَم. وليس ببعيد.

(سخي) السين والخاء والحرف المعتلّ أصلٌ واحد، يدلُّ على اتّساعٍ في شيءٍ وانفراج. الأصل فيه قولهم: سَخَيْتُ القِدر وسَخَوتُها، إذا جعلتَ لِلنارِ تحتها مَذْهباً.

ومن الباب: سَخَاوِيُّ الأرض، قال قوم: السَّخاويّ: سعة المفازة. وقول بعضهم "سَخَاوَِى الفلا"([9])، قال ابن الأعرابيّ: واحدةُ السخاوَِى سَخْواةٌ. وقال أيضاً: السَّخْواءُ([10]) الأرض السَّهلة. قال أهل اللغة: ومن هذا القياس: السّخاء:  الجُود؛ يقال سخا يسخُو سَخَاوةً وسَخَاء، يمدّ ويقصر. * والسَّخِيّ: الجواد.

ومما شذَّ عن الباب: السَّخا، مقصورٌ: ظَلْع يكون من أن يثِبَ البعيرُ بالحِمْل فتعترض ريحٌ بين جِلْدِهِ وكَتِفه، فيقال بعيرٌ سَخٍ.

(سخب) السين والخاء والباء كلمةٌ لا يقاس عليها. يقولون: السِّخاب: قِلاَدَةٌ من قَرنفُلٍ أو غيره، وليس فيها من الجواهر شيء، والجمع سُخُب.

(سخت) السين والخاء والتاء ليس أصلاً، وما أحسَِب الكلام الذي فيه من محض اللغة. يقولون للشيء الصُّلب سَخْتٌ وسِخْتيتٌ. ثم يقولون أمرٌ مِسخاتٌ([11]) إذا ضعُف وذهب. وهذان مختلفانِ، ولذلك قُلْنا إنَّ البابَ في نفسه ليس بأصل. على أنَّهم حكوا عن أبي زيد: اسْخَاتّ الجُرح: ذهب ورَمُه. فأمّا السُّخْت الذي ذكرناه عن ثعلب في آخر كتابه، فقد قيل إنَّه السُّخْد([12]). وهو على ذلك من المشكوك فيه.

ـــــــــــــــــ

([1]) نص ثعلب في آخر كتاب الفصيح 98: "ويقال له من ذوات الخف السخت والسخد".

([2]) في  الأصل: "الناقة"، صوابه من المجمل واللسان.

([3]) في الأصل: "الراكب"، صوابه من المجمل واللسان وما يقتضيه السياق.

([4]) البيتان سبق إنشادهما في (2: 182) في مادة (خسل) على أنه يقال: "كواكب مخسولة".

([5]) كذا ورد إنشاده، وفي اللسان (سخم) مع نسبته إلى جندل بن المثنى الطهوي:

* قطن سخام بأيادي غزل *

([6])  في الأصل: "قوم".

([7]) البيت لخداش بن زهير العامري كما في العمدة : (1: 46)، وحماسة ابن الشجري 31. وهو أول من لقب قريشاً "سخينة".

([8]) ذكر في اللسان أن مفردها "التسخان" بالفتح، وأنه معرب من "تَشْكَنْ" الفارسية. وهو اسم غطاء من أغطية الرأس كان العلماء والموابذة  يأخذونه على رؤوسهم خاصة دون غيرهم، وأنَّ اللغويين من العرب أخطؤوا  في تفسيره بالخف.

([9]) في المجمل: "الفلاة".

([10]) في الأصل: "السخوة"، صوابه من المجمل.

([11]) هذه الكلمة لم أجدها في غير المقاييس.

([12]) السخت، بالضم، والسخد كذلك: الماء الذي يكون على رأس الولد.

 

ـ (باب السين والدال وما يثلثهما)

(سدر) السين والدال والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على شِبه الحَيْرة واضطراب الرأي. يقولون: السادر المتحيِّر. ويقولون سَدِرَ بصرُهُ يَسْدَر، وذلك إذا اسمدَّ وتحيَّرَ. ويقولون: السَّادر هو الذي لا يبالي ما صَنَعَ، ولا يهتمُّ بشيء. قال طرفة:

سادراً أحْسَِب غَيِّي رَشَداً *** فتناهَيتُ وقد صَابَتْ بقُرّْ([1])

فأمَّا قولهم: سَدَرت المرأة شعرها، فهو من باب الإبدال، مثل سدلتُ، وذلك إذا أرسلَتْه. وكذلك قولهم: "جاء يضربُ أسدرَيْه"، وهو من الإبدال، والأصل فيه الصاد، وقد ذُكر.

(سدع) السين والدال والعين ليس بأصلٍ يُعوَّل عليه ولا يقاس عليه، لكنَّ الخليل ذكر الرجل المِسْدَع، قال: وهو الماضي لوجهه. فإن كان كذا فهو من الإبْدال؛ لأنَّه من صَدَعت، كأَنَّه يصدع الفلاةَ صدعاً. وحكى أنَّ قائلاً قال: "سَلامَةً لك من كلِّ نكبة وسَدْعَةٍ([2])"، وقال: هي شبه النَّكبة. هذا شيء لا أصل [له].

(سدف) السين والدال والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على إرسال شيءٍ على شيء غِطَاءً لـه. يقال أَسْدَفَت القناعَ: أرسلتْه. والسُّدْفَة: اختلاط الظَّلام. والسَّديف: شحمُ السَّنام، كأنَّه مُغَطٍّ لما تحته؛ وجمع السُّدْفة سُدَف. قال:

نحن بغَرس الوَدِيِّ  أعلمُنا  *** مِنَّا بركض الجيادِ في السُّدَفِ([3])

وحكى ناسٌ: أسْدَف الفجر: أضاء، في لغةِ هَوَازنَ، دونَ العرب. وهذا ليس بشيء، وهو مخالفٌ القياس.

(سدك) السين والدال والكاف كلمةٌ واحدة لا يقاس عليها. تقول: سَدِك به، إِذَا لزِمَه.

(سدس) السين والدال والسين أصلٌ في العدد، وهو قولهم السُّـدُْس: جزءٌ من ستَّة أجزاء. وإزارٌ سَدِيس، أي سُداسيّ. والسِّدْس من الوِرد في أظماء الإِبل: أن تنقطع الإبل عن الوِرد خمسةَ أيام وتَرِدَ السّادس. وأسدَسَ البعير، إذا ألَقى السّنّ بعد الرُّباعِيَة، وذلك في السنة الثامنة. فأمّا الستة فمن هذا أيضاً غير أنَّها مُدْغمة، كأنَّها سِدْسَة.

ومما شذَّ عن هذا السُّدُوس: الطَّيلَسان. واسم الرّجل سَدُوس. قال ابن الكلبيّ: سَدوس في شيبان بالفتح، والذي في طيٍّ بالضمّ.

(سدل) السين والدال واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على نزول الشيء من عُلْوٍ  إلى سُفْلٍ ساتراً لـه. يقال منه([4]) أرخى اللَّيل سُدُولَه، وهي سُتُرُه. والسَّدْل: إرخاؤك الثّوب في الأرض. وشَعْر مُنْسَدلٌ على الظَّهْر. والسِـُّدْل: السِّتْر. والسِّدْل: السِّمط من الجواهر، والجمع سُدُول.  والقياس في ذلك كلِّه واحد.

(سدم) السين والدال والميم أصلٌ في شيءٍ لا يُهتدَى لوجهه. يقال رَكِيَّةٌ سُدُم، إذا ادَّفَنَتْ. ومن ذلك البعير الهائج يسمَّى سَدِماً، أنَّه إذا هاجَ لم يَدرِ من حاله * شيئاً، كالسَّكران الذي لا يَهتدي  لوجهٍ. ومن ذلك قول القائل:

يا أيُّها السّدِم المَلَوِّي رأسَه *** ليقودَ مِنْ أهل الحجازِ بَريمَا([5])

(سدن) السين والدال والنون أصلٌ واحد لشيء مخصوص. يقال إنَّ  الـِسَّدانة الحِجابة. وسَدَنة البيت: حَجبَتُه. ويقولون: السَّدَن([6]) السِّتر. فإنْ كان صحيحاً فهو من باب الإِبدال، والأصل السُِّدْل.

(سدو) السين والدال والواو أصلٌ واحد يدلُّ على إِهمال وذَهابٍ على وجه. من ذلك السَّدْو، وهو ركوبُ الرأس في السَّير. ومنه قولُهُ جلَّ ثناؤه:{أيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدَىً} [القيامة 36]، أي مُهْمَلاً لا يؤمر ولا يُنْهَى. قال الخليل:  زَدْوُ الصِّبيان بالجوز إنَّما هو السَّدو. فإن كان هذا صحيحاً فهو من الباب؛ لأنَّه يخلّيه من يده. ومن الباب: أسْدَى النّخلُ، إذا استرخت ثَفاريقُه([7])، وذلك يكون كالشَّيء المخلَّى من اليَدِ، والواحدة من ذلك السَّـدِية. وكان أبو عمرو يقول: هو السَّداء ممدود، الواحدة سَداءة. قال أبو عبيد: لا أحفظ الممدود. والسَّدَى: النَّدَى؛ يقال سَدِيَتْ ليلتُنا، إذا كثُر نَداها. وهو من ذاك، لأن السحاب يُهمِله ويُهمَل به.

ومن الباب السَّدَى، وهو ما يُصطنع من عُرْف؛ يقال أسدى فلانٌ إلى فلان معروفاً. ومن الباب: تسدَّى فلانٌ أَمَتَه، إذا أخذها من فَوقها؛ كأنه رمى بنفسه عليها. قال:

فَلَمَّا دَنَوْتُ تسدَّيتُها *** فثوباً نسيتُ وثوباً أجُرّْ([8])

وقال آخر:([9])

تَسَدَّى مع النَّوم تِمثالُها  ***  دُنُوَّ الضَّبَابِ بطلٍّ زُلالِ([10])

(سدج) السين والدال والجيم، يقولون إنَّ المستعمَل منه حرفٌ واحد، وهو التسدُّج، يقال [رجلٌ] سدّاجٌ، إذا قال الأباطيل وألّفها.

(سدح) السين والدال والحاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على بسطٍ على الأرض، وذلك كَسَدْح القِربة المملوءة، إذا طَرَحَها بالأرض. وبها يشبَّه القتيل. قال أبو النَّجم يصف قتيلاً:

* مُشَدّخَ الهامةِ أو مسدُوحا([11]) *

فأما رواية المفضَّل:

بينَ الأراكِ وبين النّخل تَشدخُهم *** زُرق الأسنّة في أطرافِها شَبَمُ([12])

فيقال إنَّه تصحيف، وإنَّما هو "تسدحُهم". والسَّدحُ: الصَّرْع بَطْحاً على الوجه وعلى الظهرِ، لا يقع قاعداً ولا متكوِّراً.

وأمَّا قولُهم فلانٌ سادحٌ، أي مُخصِب، فهو من هذا أيضاً؛ لأنَّه إذا أخصب انسدحَ مستلقياً. وهو مَثَلٌ.

(سدخ) السين والدال والخاء لا أصلَ لـه في كلام العرب. ولا معنى لقول من قال: انسدخَ مثل انسدح، إذا استلقى عند الضرب أو انبطح. والله أعلم.

ـــــــــــــــــــ

([1]) البيت في اللسان (سدر) بدون نسبة. وهو في ديوان طرفة 75.

([2]) في اللسان: "نقذاً لك من كل سدعة" أي سلامة لك من كل نكبة.

([3]) لسعد القرقرة، كما في اللسان (سدف)، وهو من شواهد النحو في الجمع بين إضافة أفعل وبين من. انظر العيني (4: 55).

([4]) في الأصل: "له".

([5]) البيت لليلى الأخيلية، كما سبق في (1: 232). وانظر التحقيق هناك.

([6]) ضبط في المجمل بسكون الدال، وفي اللسان والقاموس بفتحها.

([7]) الثفاريق: جمع ثفروق، كعصفور، وهو قمع البسرة. في الأصل: "تفاريقه"، صوابه بالثاء المثلثة.

([8]) البيت في اللسان (سدا) بدون نسبة أيضاً. وهو لامرئ القيس في ديوانه 9. ويروى: "فثوب نسيت وثوب". وللنحاة في الرواية الأخيرة كلام.

([9]) لم يرو في اللسان. وهو لأمية بن أبي عائذ الهذلي، من قصيدة لـه في شرح السكري للهذليين180 ونسخة الشنقيطي 79.

([10]) الزلال: البارد الصافي. والرواية في المصدرين السابقين: "مع الليل".

([11]) قبله، كما في اللسان (سدح):

* ثم يبيت عنده مذبوحا *.

([12]) البيت لخداش بن زهير، كما في اللسان (سدح).

 

ـ (باب السين والراء وما يثلثهما)

(سرط) السين والراء والطاء أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على غَيبة في مَرٍّ وذَهاب. من ذلك: سَرَطْتُ الطّعام، إذا بَـلعْته؛ لأنَّه إذا سُرِطَ غاب. وبعضُ أهل العلم يقول: السِّراط مشتقٌّ من ذلك، لأنَّ الذاهبَ فيه يغيب غيبةَ الطعام المُستَرَط. والسِّرِطْراط على فِعِلاّل([1]): الفالوذُ؛ لأنَّه يُستَرط. والسُّراطُ: السّيف القاطع الماضِي في الضَّريبة. قال الهذليّ([2]) يصف سيفاً:

كلون المِلح ضربتُه هَبِيرٌ *** يُتِرُّ اللَّحمَ سَقّاطٌ سُراطِي([3])

(سرع) السين والراء والعين أصل صحيح يدلُّ على خلاف البطء. فالسَّريع: خلاف البطيء. وسَرْعَان([4]) النَّاس:  أوائِلهم الذين يتقدمون سِراعاً. وتقول العرب: لَسَرْعان([5]) ما صنعتَ كذا، أي ما أسرع ما صَنَعتَه. وأما السَِّرْع من قُضبان الكرْم، [فهو]  أسرعُ ما يطلُعُ  منه. ومثله السَّرَعْرَع، ثم يشبَّه به الإنسان الرَّطِيب الناعم.

(سرف) السين والراء والفاء * أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تعدِّي الحدّ والإِغفالِ  أيضاً للشيء. تقول: في الأمر سرَفٌ، أي مجاوزَةُ القدر. وجاء في الحديث: "الثالثة في الوضوء شَرف، والرَّابعة سَرف". وأمّا الإِغفال فقول القائل: "مررتُ بكم فَسرِفتكم"، أي أغفلتكم. وقال جرير:

أعطَوْا هُنيدَةَ يحدُوها ثمانيةٌ *** ما في عطائِهم مَنٌّ ولا سَرَفُ([6])

ويقولون إنَّ السَّرَف: الجهل. والسَّرِف: الجاهل. ويحتجُّون بقول طرفة:

إنّ امرأً سرِف الفؤادِ يَرَى *** عسلاً بماء سحابةٍ شَتْمِي([7])

وهذا يرجع إلى بعض ما تقدَّم. والقياس واحد. ويقولون: إنَّ السَّرفَ أيضاً الضَّرَاوة. وفي الحديث: "إنَّ للحم سَرَفَاً كسَرف الخَمْر"، أي ضَرَاوة. وليس هذا بالبعيد من الكلمة الأولى.

ومما شذَّ عن الباب: السُّرْفة: دويْبَّة تأكل الخشَب. ويقال سَرَفت السُّرْفةُ الشَّجرَة سَرْفاً، إذا أكلَتْ ورقها، والشجرةُ مسروفة. يقال إنَّها تبني لنفسها بيتاً حسناً. ويقولون في المثل: "أصنَعُ من سُرْفة([8]) ".

(سرق) السين والراء والقاف أصلٌ يدلُّ على أخْذ شيء في خفاء وسِتر. يقال سَرَقَ يَسْرق سَرِقَةً. والمسروق سَرَقٌ. واستَرَقَ السَّمع، إذا تسمَّع مختفياً. ومما شذَّ عن هذا الباب السَّرَق: جمعَ سَرَقة،  وهي القطعة من الحرير.

(سرو) السين والراء والحرف المعتل بابٌ متفاوت جداً، لا تكاد كلمتان منه تجتمعان في قياسٍ واحد. فالسَّرو: سخاءٌ في مروءَة؛ يقال سَرِي وقد سَرُو. والسَّرْو: محلّة حمير. قال ابن مقبل:

بِسَرْوِ حِميرَ أبوالُ البِغَال به *** أنّى تسدّيتِ وهناً ذلك البِينَا([9])

والسَّرْو: كشْف الشّيءِ عن الشيء. سَرَوت عنّي الثوبَ أي كَشفتُهُ. وفي الحديث في الحَسَاء([10]): "يَسْرُو عن فؤاد السَّقِيم([11])" أي يكشف. وقال ابن هَرْمة:

سَرَى ثَوبَه عنك الصِّبا المتخايلُ  *** وقَرَّبَ للبَينِ  الحبيبُ المزايلُ([12])

ولذلك يقال سُرِّيَ عنه. والسِّروة: دويْبَّة([13])، يقال أرض مسرُوّة، من السِّروة إذا كثُرت بالأرض. والسَّاريَة: الأسطُوانة. والسُّرَى: سير اللَّيل، يقال سَرَيْت وأسريت. قال:

* أَسْرَتْ إِليكَ ولم تكن تَسْرِي([14]) *

والسَّراء: شجرٌ. وسَرَاة الشيء: ظَهْره. وَسَراة النَّهار: ارتفاعُهُ. وهذا الذي ذكرناه بعيدٌ بعضُهُ من بعض، فلذلك لم نحمله على القياس.

وإذا همز كان أبعد، يقال سرأت الجرادة: ألقَتْ بيضَها. فإذا حان ذلك منها قيل: أسرأتْ.

(سرب) السين والراء والباء أصلٌ مطرد، وهو يدلُّ على الاتّساع والذهاب في الأرض. من ذلك السِّرْب والسُّرْبة، وهي القطيع من الظِّباء والشاء. لأنَّه ينسرب في الأرض راعياً. ثمَّ حُمل عليه السِّرب من النِّساء. قالوا: والسرْب بفتح السين، أصله في الإبل. ومنه تقول العرب للمطلَّقة: "اذهبي فلا أنْدَهُ سَرْبَك"،  أي لا أردُّ إبلَك، لتذهب حيث شاءت. فالسِّرب  في هذا الموضع: المال الرّاعي. وقال أبو زيد: يقال خلِّ سرْبه، أي طريقه يذهب حيث شاء. وقالوا: يقال أيضاً سِرْب بكسر السين. ويُنشَد بيت ذي الرّمّة:

* خَلَّى لها سرْبَ أُولاَهَا([15]) *

وقال: يعني الطريق. ويقال انسرَبَ([16])  الوحشيُّ في سربه. ومن هذا الباب: السَّرَب والسَّرِب، وهو الماء السائل من المزادة، وقد سَرِبَ سَرَباً. قال ذو الرّمة:

ما بال عَينِكَ منها الماءُ ينسكبُ *** كأنّه من كُلَى مَفْرِيّةٍ سَرَبُ([17])

بفتح الراء وكسرها. ويقال : سَرَّبت القربةَ، إذا جعلتَ فيها ماءً حتى ينسدّ الخَرْز. والسَّرْب: الخَرْز؛ لأن الماء ينسرب منه، أي يخرج. والسارب: الذَّاهب في الأرض. وقد سَرَب سروباً. قال الله جلَّ ثناؤه:  {وَسَارِبٌ بِالنَّهار}[الرعد 10]. قال الشاعر: 

أنّى سَرَبْتِ وكنتِ غيرَ سروبِ *** و*تُقَرِّبُ الأحلامُ غيرَ قريبِ([18])

والمَسْرَبة: الشّعر النابت وسط الصدر،  وإنما سمِّي بذلك لأنَّه  كأنه سائل على الصدر جارٍ فيه. فأمّا قولهم:آمِنٌ في سِرْبِه، فهو بالكسر، قالوا: معناه آمنٌ في نفسه. وهذا صحيح ولكن في الكلام إضماراً، كأنه يقول: آمِنَة نفسه حيث سَرِب، أي سعى. وكذلك هو واسع السِّرب؛ أي الصدر. وهذا أيضاً بالكسر. قالوا: ويراد به أنّه بطيء الغضب. وهذا يرجع إلى الأصل الذي ذكرناه. يقولون: إنَّ الغضب لا يأخذ فيَقْلَق؛ وينسدّ عليه المذاهب.

(سرج) السين والراء والجيم أصلٌ صحيح يدلُّ على الحسن والزّينة والجمال. من ذلك السِّراج، سمِّي لضيائه وحُسْنه. ومنه السرج للدّابّة. هو زينته. ويقال سَرَّج وجهَه، أي حَسَّنه، كأنه جعله له كالسِّراج. قال:

* وفاحِماً ومَِـرْسَِـنَاً مُسَرَّجا([19]) *

ومما يشذُّ عن هذا قولُهم للطَّريقة: سُرْجُوجَة.

(سرح) السين والراء والحاء أصلٌ مطّرد واحد، وهو يدلُّ على الانطلاق. يقال منه أمر سريح، إذا لم يكن فيه تعويق ولا مَطْل. ثمَّ يحمل على هذا السَّراح وهو الطَّلاق؛ يقال سَرَّحت المرأةَ. وفي كتاب الله تعالى: {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة 231]. والسُّرُح: النّاقة السريعة. ومن الباب المنْسرح، وهو العريانُ الخارج من ثيابه. والسَّرْح:  المال السَّائم. والسارح: الرَّاعي. ويقال السَّارح: الرجل الذي لـه السَّرْح. وأمَّا الشجرة العظيمة فهي السَّرْحة، ولعلَّه أن يكون شاذاً عن هذا الأصل. ويمكن أن تسمَّى سَرْحة لانسراح أغصانها وذَهابها في الجهات. قال عنترة:

بَطلٍ كأنّ ثيابَه في سرحَةٍ *** يُحذَى نِعالَ السِّبتِ ليس بتَوأَمِ([20])

ومن الباب السِّرحانُ: الذِّئب، سمِّي به لأنَّه ينسرح في مَطالبه. وكذلك الأسدُ إذا سُمِّي سِرحانا.

وأما السَّريحة فقطعةٌ من الثِّياب.

(سرد) السين والراء والدال أصلٌ مطّرد منقاس، وهو يدلُّ على تَوالِي أشياء كثيرةٍ يتّصل بعضُها ببعض. من ذلك السَّرْد؛ اسمٌ جامعٌ للدروع وما أشبهها من عمل الحَِـلَق. قال الله جلَّ جلالُه، في شأن داود عليه السلام: {وَقَدِّرْ  فِي السَّرْدِ} [سبأ 11]، قالوا: معناه ليكنْ ذلك مقدَّراً، لا يكونُ الثَّقْب ضيّقاً والمِسمارُ غليظاً، ولا يكون المسمار دقيقاً والثقب واسعاً، بل يكون على تقدير. قالوا: والزّرَّاد إنّما هو السّرّاد. وقيل ذلك لقُرب الراء من السين. والمِسْرَد: المِخْرز: قياسُه صحيح.

ـــــــــــــــــ

([1]) كذا. وصواب وزنه "فعلعال".

([2]) وهو المتنخل الهذلي كما في اللسان (سرط). وقصيدته في القسم الثاني من مجموعة أشعار الهذليين 89 ونسخة الشنقيطي 47.

([3]) جاء "سراطي" على لفظ النسب وليس بنسب، يقال سيف سراط وسراطي، كما يقال أحمر وأحمري.

([4]) يقال بفتح السين، وبالتحريك أيضاً.

([5]) يقال هذا بالفتح وبفتح فضم، وبالكسر.

([6]) ديوان جرير 389 واللسان (سرف).

([7]) ديوان طرفة 61 واللسان (سرف).

([8]) انظر الحيوان (1: 220/ 2 : 147/ 6: 385/ 7: 10).

([9]) سبق البيت في مادة (بول، بين).

([10]) في الأصل: "الحياء"، صوابه من اللسان (19: 105).

([11]) في اللسان: "إنّه يرتو فؤاد الحزين، ويسرو عن فؤاد السقيم".

([12]) البيت في اللسان (سرا). قرب، أي قرب الرواحل. اللسان: "ووَدَّعَ".

([13]) هي الجرادة أول ما تكون وهي دودة.

([14]) لحسان بن ثابت في ديوانه 168 واللسان (19: 103). وصدره: * حي النضيرة ربة الخدر *

([15]) البيت بتمامه كما في الديوان 586 واللسان (سرب، همم):

خلّى لها سرب أولاها وهيجها  *** من خلفها لاحق الآطال همهيم

([16]) في الأصل: "السرب" صوابه من المجمل واللسان.

([17]) ديوان ذي الرمة ص 1 ـ وهو أول بيت في ديوانه ـ واللسان (سرب). وفي الأصل: "عينيك".

([18]) البيت لقيس بن الخطيم في ديوانه 5 واللسان (سرب).

([19]) للعجاج في ديوانه 8  واللسان (رسن، سرج). والمرسن، كمجلس ومنبر، أصله موضع الرسن من أنف الفرس، ثم كثر حتى قيل مرسن الإنسان، أي أنفه.

([20]) البيت من معلقته المشهورة.

 

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله سين)

من ذلك (المُسْمَقِرُّ([1])):  اليوم الشديد الحرّ، فهذا من باب السَّقَرات سَقَراتِ الشَّمسِ، وقد مضى ذكره، فالميم الأخيرة فيه زائدة.

ومن ذلك (السَّحْبل): الوادي الواسع، وكذلك القِرْبة الواسعة: سَحْبلة. فهذا منحوت من سحل إذا صبَّ، ومن سَبَل، ومن سَحَبَ إذا جرى وامتدّ. وهي منحوتةٌ من ثلاث كلمات، تكون الحاء زائدة مرَّة، وتكون الباء زائدة، وتكون اللام زائدة.

ومن ذلك (السَّمادِيرُ): ضَعف البَصَر، وقد اسمدَرَّ. ويقال هو الشيء يتراءَى  للإنسان من ضَعف بصره عند السُّكر من الشراب وغيره. وهذا ممّا زِيدت فيه الميم، وهو من السَّدَرِ وهو تحيُّر البَصر، وقد مضى ذِكْره بقياسه.

ومن ذلك فرسٌ (سُرْحُوب)، وهي الجَوادُ، وهي منحوتةٌ من كلمتين: من سرح وسرب، وقد مضى ذكرُهما.

ومن ذلك ناقة (سِرْداحٌ): سريعة كريمة، فالدّال زائدة، وإنّما هي من سَرَحَت.

ومن ذلك (اسْلَنْطح) الشَّيء، إذا انبسط وعَرُض([2])، وإنما أصلُه سطح، وزيدت فيه * اللام والنون تعظيماً ومبالغَة.

ومن ذلك (اسمَهَدَّ) السَّنام، إذا حسُن وامتلأ. وهذا منحوتٌ من مهد، ومن مهدت الشَّيءَ إذا وثَّرْته([3])، قال أبو النَّجْم:

* وامتَهَدَ الغاربُ فِعْلَ الدُّمْلِ([4]) *

ومن قولهم هو سَهْد مَهْد. وقد فسَّرناه.

ومن ذلك (السَّمْهريَّة): الرِّماح الصِّلاب، والهاء فيه زائدة، وإنّما هي من السُّمْرَة([5]).

ومن ذلك (المُسْلَهِبُّ): الطويل، والهاء فيه زائدة، والأصل السَّلب، وقد مضى.

ومن ذلك قولهم (اسْلَهَمَّ)، إذا تغيَّرَ لونُه. فاللام فيه زائدة، وإنّما هو سَهُمَ وجهه يسْهُم، إذا تغيَّرَ. والأصل السُّهام.

ومن ذلك العجوز (السَّمْلَق): السَّيئة الخُلُق، والميم فيه زائدةٌ، وإنّما هي من السِّلْقَة.

ومن ذلك (السَِّرطَِم): الواسع الحَلْقِ، والميم فيه زائدة، وإنّما هو من سَرَِطَ، إذا بَلِع.

ومن ذلك (السَّرمَد): الدائم، والميم فيه زائدة، وهو من سَرَدَ، إذا وَصَل، فكأنَّه زمان متّصل بعضُه ببعض.

ومن ذلك (اسْبَغَلَّ) الشّيءُ اسْبِغلالاً، إذا ابتلَّ بالماء. واللام فيه زائدة، وإنما ذلك من السُّبوغ، وذلك أنَّ الماءَ كثُر عليه حتَّى ابتلَّ.

ومما وُضِع وضعاً وليس قياسُه ظاهراً: (السِّنَّوْرُ)، معروف. و(السَّنَوَّر): السِّلاح الذي يُلبس. و(السَّلْقَع) بالقاف([6]): المكان الحزْن. و(السَّلْفَع)  بالفاء([7]):  المرأة الصَّخَّابة. و(السَّلْفَع) من الرِّجال: الشجاع الجَسور. قال الشاعر:

بَينا يُعانِقُهُ  الكماةُ ورَوْغِهِ *** يوماً أُتِيحَ لـه جرِيءٌ سَلْفَعُ([8])

وقال في المرأة:

فما خَلَفٌ عن أُمِّ عِمران  سلفع *** من السُّود وَرهاء العِنان عَروبُ([9])

 (والسِّمْحاق) : جِلْدةٌ رقيقةٌ في الرأس، إذا انتهت الشّجَّة إليها سمِّيت سِمْحاقاً. وكذلك سَمَاحيق السَّلَى، وسماحيق السَّحاب: القطع الرّقاق منه.

ومن ذلك (اسْحَنكَك) الظّلام. و(اسحَنْفَرَ) الشّيء: طال وعَرُض. وسَنامٌ (مُسرْهَدٌ): مقطوع قِطعاً. و(اسمَهَرَّ) الشوك: يَبِس. ويقال للظلام إذا اشتدَّ: اسمَهَرَّ. و(السَّرْهَفَة). و(السَّرعَفَة): حسن الغِذاء.

و(السَّخْبَر([10])): شجر. و(السَّماليخ): أماسيخ النَّصِيّ([11])،  الواحدة سُملوخ. و(السَّمْسَق): الياسَمِين. و(السَّفَنَّجُ): الظّليم. و(السَّلْجَم): الطويل. و(السَّرَوْمط): الطويل. و(السِّلْتِم): الغُول. و(السِّلْتِم): السّنة الصّعبة.

قال الشاعر:

وجاءت سِلتمٌ لا رَجْعَ فيها *** ولا صَدْعٌ فينجر الرِّعَاءُ([12])

و(السِّلْتِم) الداهية. و(السَّبَنْتَى): النَّمِر، وكذلك (السَّبَنْداةُ). قال في السَّبَنْتَى: 

وما كنتُ أخشى أن تكون وفاتُهُ *** بكفَّيْ سَبَنْتَى أزرقِ العينِ مُطرِقِ([13])

و(السِّربال): القميص. و(اسْرَنْدَانِي) الشَّيءُ: غلَبني. و(السِّفْسِير): الفَيْج والتابع. و(السَّـُوْذَق) و(السَّوْذَنِيق([14])) و(السُّوذَانِق): الصّقر.

و(السَّبَاريت): الأرض القَفر. و(السُّبْروت): الرَّجل القصير. و(السَّرْبَخُ): الأرض الواسعة. و(السِّنْدَأْوة): الرَّجل الخفيف. و(السَّجَنْجَل): المرآة. وغلام (سَمَهْدَرٌ): كثير اللَّحم. و(المُسْمَهِرُّ): المعتدل. و(المُسْجَهِرُّ): الأبيض. و(المُسْمغِدّ): الوارم. و(المُسْلَحِبّ): المستقيم. و(السُّرادِق): الغبار. و(السَّمْحَج): الأتَانُ الطَّويلة الظهر. و(السِّجِلاَّط): نَمَط الهَوْدج، ويقال إنَّه ليس بعربيّ([15]). و(السَّمَهْدَر):  البعيد، في قول الراجز:

* ودُونَ ليلَى بَلدٌ سَمَهْدَرُ([16]) *

ويقال (سَرْدَجْته) فهو مُسردَج([17])، أي أهملتُهُ، فهو مُهمل. قال أبو النجم:

قد قَتَلَتْ هِنْدُ ولمَ تَحَرَّجِ *** وتركَتْكَ اليومَ كالمُسَرْدَجِ

و(اسبَكَرَّ) الشَّيء: امتدَّ. والله أعلم.

(تم كتاب السين)

ـــــــــــــــ

([1]) لم يعقد لـه صاحب اللسان مادة خاصة، بل ذكره في مادة (سقر). وأما صاحب القاموس فقد عقد له، والوجه ما صنع صاحب اللسان فإن الميم فيه زائدة.

([2]) عرض يعرض عرضاً، مثل صغر يصغر صغراً.

([3]) وثرت الشيء: وطأته وسهلته. وفي الأصل "وترته"،  تحريف.

([4]) سبق إنشاد البيت في (دمل) وسيأتي في (مهد).

([5]) تذكر المعاجم أن السمهرية من الرماح منسوبة إلى "سمهر": رجل كان يصنع الرماح بالخط، وامرأته "ردينة"  التي تنسب إليها الرماح الردينية.

([6]) في المجمل: "بنقطتين".

([7]) في المجمل: "بنقطة".

([8]) رواية الديوان 18 والمفضليات (2: 228) "بينا تعنقه"، مصدر تعنقه تعنقاً. وفي رواية المقاييس  عطف الاسم على الفعل، وهو مسموع. انظر همع الهوامع (2: 140).

([9]) في اللسان (سلفع): "وما بدل من أم عثمان".

([10]) في الأصل: "السنجر"، صوابه من المجمل واللسان.

([11]) في اللسان: "وسماليخ النصي: أماصيخه، وهو ما تنزعه منه مثل القضيب".  والأماسيح وردت بالسين في كل من المقاييس والمجمل، فلعلها مما جاء بالإبدال من الصاد.

([12]) سبق البيت في مادة (رجع)، ولست أحق كلمة "فينجر"، ورواية اللسان (فتحتلب)، ولعلها هنا "فيتجر الرعاء"، من الوجور.

([13]) البيت للشماخ من مقطوعة في الحماسة (1: 454). وأنشده في اللسان (سبت) والمخصص  (1: 124/ 16: 8). ولم يرو في ديوان الشماخ.

([14]) ويقال أيضاً "سيذنوق". واللفظ  معرب من الفارسية. انظر المعرب للجواليقي 186-187.  والسان (سذق)، وأدّي شير.

([15]) في اللسان أنه معرب عن الرومية: "سجلاطس".

([16]) البيت لأبي الزحف الكليبي الراجز، ابن عم جرير. انظر اللسان (سمهدر). وفي اللسان "الكليني" وهو تحريف أوقع  مصحح اللسان في خطأ.

([17])  لم تذكر مادة (سردج) بالجيم في اللسان، وذكرها صاحب القاموس.

 

كتاب الشين:

ـ (باب ما جاء من كلام العرب أوله شين في المضاعف والمطابق)

(شص) الشين والصاد أصلٌ واحدٌ مطّرد. يدلُّ على شدّة وَرَهق. من ذلك قولهم: شَصَّتْ مَعِيشتُهم * وإنَّهم لفي شَصَاصَاء، أي في شِدّة. وأصله من قولهم شَصَّ الإنسان، إذا عَضَّ بنواجذه على الشيء عَضّاً. ويقال في الدعاء: نَفَى الله عنك الشَّصائص، وهي الشّدائد.

ومن الباب الشَّصّ:  شيء لا يُصاد به السّمك. ويقال للِّصِّ الذي لا يَرَى شيئاً إلاَّ أتى عليه: شِصّ. قال الكسائيّ: يقال إنَّ فلاناً على شَصَاصاء، أي على عَجَلة. قال:

نحنُ نَتَجْنا ناقةَ الحَجّاجِ *** على شَصَاصاء من النِّتاجِ([1])

(شط) الشين والطاء أصلان صحيحان: أحدهما البُعد. والآخر يدلُّ على المَيل.

فأما البُعد فقولهم: شطّت الدارُ، إذا بعُدت تَشُطّ  شُطوطا. والشَّطَاط: البُعد. والشَِّطاط: الطُّول؛ وهو قياسُ البُعد؛ لأنَّ أعلاه يبعُد عن الأرض.

ويقال أَشَطَّ فلانٌ في السَّوْم، إذا أَبْعَدَ وأتَى الشَّطَط، وهو مجاوزة القَدْر. قال جلَّ ثناؤه: {وَلا تُشْطِطْ}  [ص 22]. ويقال أشطَّ القومُ في طلبِ فلانٍ، إذا أمعَنُوا و أَبعَدوا.

وأمَّا الميل فالميل في الحُكم. ويجوز أن يُنقل إلى هذا الباب الاحتجاجُ بقوله تعالى: {وَلاتُشْطِطْ} [ص 22]. أي لا تَمِلْ. يقال [شَطَّ، و([2])] أَشَطّ،  وهو الجور والميل في الحكم. وفي حديث تميمٍ الداريّ: "إنّك لشاطِّي حتَّى أحملَ قوّتَك على ضعفي"([3])، شاطِّي، أي جائر في الحكم عليَّ. والشَّطُّ: شَطّ السَّنام، وهو شِقُّه، ولكلِّ سَنامٍ شَطَّانِ. وإنّما سمِّيَ شطّاً لأنَّه مائل في أحد الجانبين. قال الشاعر([4]):

كأنَّ تحتَ دِرعِها المُنْعَطِّ ***  شطّاً رميتَ فوقَه بشَطِّ

وناقة شَطَوْطَى من هذا. وشَطُّ النَّهر يسمى شَطّاً لذلك، لأنَّه في الجانبين.

(شظ) الشين والظاء أصلٌ يدلُّ على امتدادٍ في شيء. من ذلك الشِّظَاظانِ: العُودان اللذان يُجعَلان في عُرَى الجُوالِق. قال:

أين الشِّظاظانِ وأين المِرْبَعهْ *** وأين وَسَقُ الناقةِ المُطَبَّعهْ([5])

 

ويقولون: أَشَظَّ الرجُل، إذا تحرَّك ما عنده. ويقولون: أشَظَّ البعيرُ، إذا مدَّ بذنَبه.

(شع) الشين والعين في المضاعف أصلٌ واحد يدلُّ على التفرُّق والانتشار. من ذلك الشعاع شُعاع الشّمس، سمِّي بذلك لانبثاثه([6]) وانتشاره، يقال أَشَعّت الشّمسُ تُشِعُّ، إذا طرحَتْ شُعَاعَها. والشَّعَاع بالفتح: الدّم المتفرِّق. قال قيس بن الخطيم:

طعنتُ ابنَ عبدِ القَيسِ  طعنةَ  ثائرٍ *** لها نَفَذٌ لولا الشُّعَاعُ  أضاءَها([7])

وشعاع([8]) السُّنْبُل: سَفَاه إذا يَبِس. قال أبو النَّجم: 

* لِمَّةَ فَقْرٍ كشعاع السُّنبلِ([9]) *

ويقال نَفْسٌ شَعاعٌ، إذا تَفرَّقَ هِمَمُها، قال:

فَقدتُكِ من نَفْسٍ شَعاعٍ ألم أكنْ *** نَهيتُكِ عن هذا وأنتِ جميعُ([10])

والشَّعُّ: رمي الناقة بولَها على فَخذِها. يقال شَعَّتْ تَشُعُّ شَعّاً. ويقال ظلٌّ شَعْشَعٌ، إذا لم يكن كثيفاً. وقال الراجز في التفرُّق:

* صَدْقُ اللِّقاءِ غيرُ شَعْشاع الغَدَرْ([11]) *

يقول: هو جميع الهِمَّة غيرُ متفرِّقِها.

ومن هذا الباب الشَّعشاع والشَّعشَعان من النّاس والدوابّ: الطويل. يقال بَعيرٌ شعشاعٌ وناقةٌ شَعْشَاعةٌ وشَعْشَعَانةٌ. قال ذو الرّمة:

هيهاتَ خَرقاءُ إلاَّ أنْ يقرِّبَها *** ذُو العرش والشّعشعاناتُ العَياهيمُ([12])

ومن الباب: شَعْشَعْتُ الشّرابَ، إذا مزجتَه؛ وذلك أن المِزاج ينبثُّ وينتشر فيه. قال:

مشعشعةً كأنَّ الحُصَّ فيها *** إذا ما الماءُ خالَطَها سَخِينَا([13])

(شغ) الشين والغاء أصلٌ يدل على القلّة. قال أهل اللُّغة: الشّغشغة في الشرب: التّصريد، وهو التقليل. قال رؤبة:

لو كنتُ أَسْطِيعُك لم يُشَغْشَغِ  *** شُرْبي وما المشغولُ مِثْلُ  الأَفْرغِ([14])

هذا هو الأصل. وفيه كلمةٌ طريقتُها طريق الحكاية، وذلك ربَّما حُمل على القياس وربما لا يُحمَل. يقولون إنَّ الشَغشغة صَوت الطَّعْن، في قول الهذليّ([15]):

فالطعن شَغْشغةٌ والضَّرب هَيْقعةٌ *** ضربَ المُعَوِّل تحت الدِّيمة* العَضَدا

والشغشغة: ضربٌ من هدير الإبل.

(شف) الشين والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على رقّة وقلّة، لا يشذ منه شيءٌ عن هذا الباب. من ذلك الشَِّفّ: السِّتْر الرّقيق. يقولون: سُمِّي بذلك لأنَّه يُستَشفُّ ما وراءه. والأصل أن السِّتر في نفسه يشفُّ([16]) لرقّته إِذْ كان كذا. وإن كان ما قاله القومُ صحيحاً فهو قياسٌ أيضاً؛ لأنَّ الذي يُرى من ورائه هو القليل المتفرِّق في رأي العين والبصر. ومن ذلك الشَِّفّ الزيادة؛ يقال لهذا على هذا شَِفٌّ، أي فضْل. ويقال: أَشففتَ بعضَ ولدك على بعضٍ، أي فضّلت. وإنما قيل ذلك لأنَّ تلك الزيادة لا تكاد تكثُر، فإنْ أَعطَى أحدَهما مائةً والآخرَ مائتين لم يُقَل أَشففتَ، لكن يقال أَفْضَلْتَ وأَضْعَفت وضعَّفت، وما أشبَهَ ذلك.

وقولُ مَنْ قال: الشَِّف: النُّقصان أيضاً محتمل، كأنَّه ينقُص الشيءَ حتى يصيِّرَه شُفافَة([17]). والشُّفُوف: نُحول الجِسم، يقال شفَّه المرضُ يشُفُّه شَفّاً. فأما الشَّفيف فلا يكون إلا بَرْدَ ريح في نُدُوّة قليلة، فسمِّي شفيفاً لتلك النُّدُوّة وإن قَلَّتْ. ويقال لذلك الشَّفَّانُ أيضاً، قال:

* ألجاهُ شَفَّانٌ لها شَفِيفُ([18]) *

والاستشفاف في الشَّراب: أن يستقصِيَ ما في الإِناء لا يُسْئِرُ([19]) فيه شيئاً، كأنَّ تلك البقيَّة شُفافة، فإذا شربَها الإنسان قيل اشتفَّها  وتَشَافَّها. وفي حديث أمّ زرع: "إنْ أكلَ لَفَّ، وإِنْ شرِبَ اشتَفَّ". وكلُّ شيءٍ استوعَبَ شيئاً فقد اشتفَّه. قال الشَّاعِر:([20])

له عنق تُلْوِي بما وُصِلَتْ به *** ودَفَّانِ  يشتَفّان كلَّ ظِعانِ

الظِّعَان: الحبل. يقول: جَنْباه عريضانِ، فما يأخُذان الظِّعانَ كلَّه. وأما قول الفرزدق:

* ويُخْلِفْن ما ظَنَّ الغَيورُ المشَفْشَفُ([21]) *

فيقال: الرَّجل الشديد الغَيرة. وهذا صحيح، إلاَّ أنّه الذي شفّتْه الغَيرة حتّى نَحَلَ جسمُه.

(شق) الشين والقاف أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على انصداعٍ في الشيء، ثم يحمل عليه ويشتقُّ منه على معنى الاستعارة. تقول شقَقت الشيء أَشُقه شقَّا، إذا صدعتَه. وبيده شُقوق، وبالدابّة شُقاق. والأصل واحد. والشِّقَّة: شَظِيَّةٌ تُشَظَّى من لوحٍ أو خشبة.

ومن الباب: الشِّقَاق، وهو الخِلاف، وذلك إذا انصدعت الجماعةُ وتفرَّقتْ يقال: شَقُّوا عصا المسلمين، وقد انشقّت عصا القومِ بعد التئامها، إذا تفرَّقَ أمرُهم. ويقال لنِصف الشيء الشِّقّ. ويقال أصابَ فلاناً شِقٌّ ومَشقّة، وذلك الأمر الشديد كَأنَّه من شدّته يشقُّ الإنسان شقّا.  قال الله جل ثناؤه { وتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُس}  [النحل 7]. والشِّقّ أيضاً: الناحية من الجبل. وفي الحديث: "وَجَدني في أهل غُنَيْمَةٍ بِشَقّ". والشِّقّ: الشقيق، يقال هذا أخي وشقيقي وشِقُّ نفسي. والمعنى أنه مشبَّه بخشبةٍ جعلت شِقّيْنِ. ويقولون في الغضبان: احتدَّ فطارت منه شِقَّةٌ، كَأنه انشقّ من شدة الغضب. وكلُّ هذه أمثال.

والشُّقَّة: مسيرٌ بعيدٌ إلى أرض نطيَّة. تقول: هذه شُقّةٌ شاقّة. قال الله سبحانه: {ولَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّة}  [التوبة 42]. والشُّقة من الثياب، معروفة. ويقال اشتقَّ في الكلام في الخصومات يميناً وشِمالاً مع ترك القَصْد، كأنَّه يكون مرةً في هذا الشِّق، ومرَّة في هذا. وفرسٌ أَشَقُّ، إذا مالَ في أحد شِقَّيه عند عَدْوِهِ. والقياس في ذلك كلِّه واحد.

والشّقِيقة: فُرْجَةٌ بين الرمال تُنْبِتُ. قال أبوخَيْرَة: الشَّقيقة: لَيِّن من غلظ الأرض، يطول ما طال الحَبْل. وقال الأصمَعيّ: هي أرضٌ غليظةٌ بين حَبْلَينِ من الرَّمل. وقال أبو هشامٍ الأعرابيّ: هي ما بين *الأمِيلَين. والأمِيل والحَبْل سواء. وقال  لبيد:

خَنْسَاء ضيَّعتِ الفريرَ فلم يَرِمْ *** عُرْضَ الشقائقِ طَوْفُها وبُغَامُها([22])

وقال الأصمعيُّ: قِطعٌ غِلاظٌ بين كلّ حَبْلَيْ رمْل. وفي رواية النَّضْر: الشقيقة الأرض بين الجبلَين على طَوَارهما، تنقاد ما انقاد الأرض، صلبة يَسْتَنْقِعُ الماء فيها، سَعَتُها الغَلْوَةُ والغَلْوتان. قلنا: ولولا تطويلُ أهل اللُّغَةِ في ذكر هذه الشَّقائق، وسلوكُنا طريقَهم في ذلك، لكان الشّغل بغيره مما هو أنفع منه أولى، وأيُّ منفعةٍ في علم ما هي حتى تكون المنفعة في علم اختلاف الناس فيها. وكثيرٌ  مما ذكرناه في كتابنا هذا جارٍ هذا المجرى، ولاسيما فيما زاد على الثلاثيّ، ولكنَّه([23]) نَهج القوم وطريقَتُهم.

ومن الباب الشِّقْشِقَة: لَهَاة البعير، وهي تسمَّى بذلك لأنّها كأنَّها منشقَّة. ولذا قالوا للخطيب هو شقشقة، فإنما يشبّهونه بالفحل. قال الأعشى:

فاقْنَ فإني طَبِنٌ عالمٌ *** أقطعُ من شِقشقة الهادِرِ([24])

وفي الحديث: "إنَّ كثيراً من الخطب شقاشقُ الشَّيْطان"([25]).

ومما شذَّ عن هذا الباب: الشَّقيق، قالوا: هو الفَحْلُ إذا استَحْكَم وقوِيَ. قال الشاعر:

* أبوكَ شَقِيقٌ ذو صَياص مذَرَّبُ *

(شك) الشين والكاف أصل واحدٌ مشتقٌّ بعضُه من بعض، وهو يدلُّ على التَّداخُل. من ذلك قولهم شكَكْتُه بالرُّمح، وذلك إذا طَعنتُه فداخَل السِّنانُ جسمَه. قال:

فشككت بالرُّمح الأصَمِّ ثيابَه *** ليس الكريمُ على القنا بمحرَّمِ([26])

ويكون هذا من النَّظْم بين الشيئين إذا شُكّا.

ومن هذا الباب الشكُّ، الذي هو خلاف اليقين، إنما سمِّي بذلك لأنَّ الشَّاكَّ كأنه شُكَّ له الأمرانِ في مَشَكٍّ واحد، وهو لا يتيقن واحداً منهما، فمن ذلك اشتقاق الشك. تقول: شككت بين ورقتين، إذا أنت غَرَزْتَ العُود فيهما فجمعتَهما.

ومن الباب الشِّكَّةُ، وهو ما يلبسه الإنسان من السّلاح، يقال هو شاكٌّ في السّلاح. وإنما سمِّي السّلاحُ شِكَّة لأنه يُشَكُّ به، أوْ لأنه كأنه شُكَّ بعضُه في بعض. فأمّا قول ذي الرُّمَّة:

وَثْبَ المُسَحَّج مِن عاناتِ مَعْقُلةٍ  *** كأنّه مُستَبانُ الشَّكِّ أو جَنِبُ([27])

فالشك يقال إنّه ظلْع خفيف؛  يقال بعيرٌ شاكٌّ، وقد شَكّ شَكّاً. وهذا قياس صحيح؛ لأنّ ذلك وَجَع([28]) يداخِله. ويقال بل الشَّكّ: لُصوق العَضد بالجنْب. فإن صحَّ هذا فهو أظهر في القياس. والشكائك: الفِرَق من الناس، الواحدة شَكِيكة، وإنما سمِّيت بذلك لأنها إذا افترقت فكلُّ فِرقةٍ منها يداخل بعضُهم بعضاً.

(شل) الشين واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تباعُد، ثم يكون ذلك في المسافة، وفي نسج الثَّوب وخياطته وما قارب ذلك. فالشلُّ: الطرْد، يقال شَلَّهم شَلاًّ، إذا طَرَدهم. ويقال أصبح القوم شِلاَلاً، أي متفرِّقين. قال الشاعر:

أما والذي حَجَّت قريشٌ قَطينةً *** شِلالاً ومولَى كلِّ باقٍ وهالكِ([29])

والشَّلل: الذي قد شُلّ، أي طُرِد. ومنه قوله:

* لا يَهُمُّون: بإِدْعاق الشَّلَلْ ([30]) *

ويقال شَللت الثوب أشُلُّه، إذا خِطته خياطةً خفيفة متباعدة.

ومن الباب الشلل: فساد اليد، يقال: لا تشْلل ولا تَكْللْ، ورجلٌ أَشَلُّ وقد شَلَّ يَشَلّ. والشلل: لَطْخ يُصيب الثوبَ فيبقى فيه أثر. والشلشَلة: قَطَرَانُ([31]) الماء متقطعاً. والشُّلة([32]): النَوَى نوى الفِراق. وهو من الباب، وذلك حيثُ ينتوي القومُ. قال أبو ذؤيب:

وقلتُ تجنَّبَنْ سُخْطَ ابنِ عمٍّ  *** ومَطلبَ شُلَّةٍ وهي الطَّروحُ([33])

فأما الشَّليل فقال قوم: هو الحِلْس، وهو لا يكون محقق النَّسْج. وأمَّا الجُنَنُ([34]) ففيها الشَّليل، فقال قوم: هو ثوبٌ يُلبَس تحت الدِّرع *ولا يكون ضعيفاً، وقال آخرون: هي الدِّرع القصيرة، وتُجمع أشِلّة. قال أوس:

وجاؤُوا بها شَهباءَ ذاتَ أَشِلَّةٍ  *** لها عارضٌ  فيه المنيَّةُ تلمعُ([35])

وأيّ ذلك كان فإنما هو تشبيهٌ واستعارة.

(شم) الشين والميم أصلٌ واحد يدلُّ على المُقارَبة والمداناة. تقول شَمَمت الشيءَ فأنا أشمُّهُ([36]). والمشامَّة: المفاعلة من شاممته، إذا قاربتَهَ ودنوتَ منه. وأشمَمْتُ فلاناً الطيبَ. قال الخليل: تقول للوالي أشمِمني يدك، وهو أحسنُ من قولك: ناوِلْني يدَك. وأمّا الشمم فارتفاعٌ في الأنف، والنعت منه الأشمُّ؛ في الظاهر كأنه بعيدٌ من الأصل الذي أصَّلناه، وهو في المعنى قريبٌ، وذلك أنه إذا كان مرتفعَ قصبة الأنف كان أدنى إلى ما يريد شَمَّهُ. ألا تراهم يقولون: [آنفُهُمْ([37])] تنال الماء قبل شفاههم. وإذا كان هذا كذا كان منه أيضاً ما حُكي عن أبي عمرو: أشمَّ فلانٌ، إذا مرَّ رفعاً رأسه. وعرضت عليه كذا فإذا هو مُشِمٌّ([38]). وبينا هُمْ في وجهٍ أشَمُّوا، أي عدَلوا؛ لأنه إذا باعدَ شيئاً قاربَ غيره. وإذا أشمَّ عن شيءٍ قارَبَ غيره، فالقياسُ فيه غير بعيد.

(شن) الشين والنون أصلٌ واحد يدلُّ على إخلاقٍ ويُبْس. من ذلك الشَّنُّ، وهو الجِلد اليابس الخَلَق البالي، والجمع شِنانٌ. وفي الحديث في ذكر القرآن: "لا يَتفه ولا يتشَانُّ([39])"، أي لا يَقِلُّ ولا يُخْلِق. والشنين: قَطَرانُ الماء من الشَـنّة. قال الشاعر:

* يا مَن لِدمعٍ دائم الشَّـنينِ([40]) *

ومن الباب: الشِّنْشِنَة، وهي غريزة الرَّجُل. وفي أمثالهم: "شِنْشِنة أعرفُها من أخزم"، وهي مشتقة مما ذكرناه، أي هي طبيعتُه التي وُلِدَت معه وقَدُمَت، فهي كأنها شَنّة. والشَّنُون، مختلف فيه، فقال قوم: هو المهزول، واحتجُّوا بقول الطرِمَّاح في وصف الذئب الجائع:

* كالذّئب الشّنونِ([41]) *

وقال آخرون: هو السَّمين. ويقال إنّه الذي ليس بسمينٍ ولا مهزُول. وإذا اختلفت الأقاويل نُظِرَ إلى أقربها من قياس الباب فأُخِذَ به. وقد قال الخليل: إن الشَّنُون الذي ذهب بعضُ سِمَنه، [شُبّهَ([42])] بالشَّنّ. وقال: يقال للرّجُل إذا هُزِلَ: قد استَشَنّ. وأمّا إِشْنانُ([43]) الغارةِ فإنما هو مشتقٌّ من الشَّنين، وهو قَطَران الماء من الشَّنَّة، كأنهم تفرَّقوا عليهم فأتَوْهم من كلِّ وجه. ويقال شننت الماءَ، إذا صَبَبْته متفرِّقاً. وهو خلافُ سَنَنْت.

(شب) الشين والباء أصلٌ واحد يدلُّ على نَمَاء الشيء، وقوّته في حرارةٍ تعتريه. من ذلك شَبَبْتُ النّارَ أَشُبُّها شَبّاً وشُبُوباً. وهو مصدر شُبَّت. وكذلك شَبَبْتُ الحرب، إذا أوقدتَها. فالأصل هذا. ثم اشتقَّ منه الشَّباب، الذي هو خلاف الشَّيْب. يقال: شَبَّ الغلامُ شَبِيباً وشَباباً([44])، وأَشَبَّ الله قَرْنَهُ([45]) والشَّبَاب أيضاً: جمع شابّ، وذلك هو النَّماء والزيادةُ بقوّة جسمِه وحرارته. ثم يقال فَرقاً: شَبَّ الفرسُ شِباباً، بكسر الشين، وذلك إذا نَشط ورفَع يديه جميعاً. ويقولون: بَرِئْت إليكَ من شِبابه وعِضَاضِه([46]). والشَّبيبة: الشَّباب([47]). ومن الباب: الشَّبَبُ: الفتيُّ من بقر الوحش. قال ذو الرّمة:

* ناشِطٌ شَبَبُ([48]) *

ومن هذا القياس: أُشِبّ له الشيءُ، إذا قُدِّرَ وأُتيح؛ وكأنّه رُفع وأُسْمِيَ له([49]).

(شت) الشين والتاء أصلٌ يدلُّ على تفرُّق وتزيُّل، من ذلك تشتيت الشيء المتفرّق، تقول: شَتّ شَعْبُهم شَتَاتاً وشَتّاً، أي تفرَّقَ جَمْعُهم. قال الطرِمّاح:

شَتَّ شَعْبُ الحيِّ بعد التِئامْ *** وشَجَاكَ الرّبعُ رَبعُ المُقامْ([50])

ويقال: جاء القوم أشتاتاً. وثَغْر شَتِيتٌ: مفلَّجٌ حَسَن. وهو من هذا، كأنَّه يقال إنَّ الأسنانَ ليست بمتراكِبة. وشتّانَ ما هما، يقولون إنّه الأفصح، وينشدون:

وشَتّانَ ما يومِي على كُورِها *** ويومُ حَيَّانَ أخِي جابرِ([51])

و* رّبما قالوا: شَتَّانَ ما بينهما، والأوّل أفصح.

(شث) الشين والثاء ليس بأصل، إنما هو الشّثُّ: شَجر.

(شج) الشين والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على صَدْع الشيء. يقال شَجَجْتُ  رأسَهُ أَشُجُّه شَجّاً. وكان بين القوم شِجاجٌ ومشاجّة، إذا شجَّ بعضُهم بعضاً. والشَّجَجُ: أثر الشَّجّة في الجبينِ؛ والنّعت منه أَشَجّ. وشجَجت المفازةَ شَجّاً، إذا صَدَعْتَها بالسَّير. وشَجَجْتُ الشَّرابَ بالمِزَاج([52]). وشَجَّت السفينةُ  البحر. والشَّجِيج: المشجوج. والوَتِد شجيج.

(شح) الشين والحاء، الأصل فيه المنع، ثم يكون منعاً مَعَ حِرص. من ذلك الشُّحُّ، وهو البُخل مع حِرص. ويقال تَشَاحَّ الرّجلانِ على الأمر، إذا أراد كلُّ واحدٍ منهما الفوزَ به ومنْعَه من صاحبه. قال الله جلَّ ثناؤه: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}  [الحشر 9، التغابن 16]. والزّنْد الشَّحَاحُ: الذي لا يُورِي.

قال ابن هَرْمَة:

وإِنِّيَ وتركي نَدى الأكرمينَ  *** وَقَدْحِي بكفَّيَّ زَنْداً شَحَاحا([53])

هذا هو الأصل في المضاعف.

فأمَّا المطابَقُ فقريبٌ من هذا. يقولون للمواظِب على الشيء: شَحْشَحٌ. ولا يكون مواظبتُه عليه إلاَّ شُحّاً به. ويقولون للغَيور: شَحْشَح، وهو ذاك القياس؛ لأنّه إذا غار مَنَع. وكذلك الشُّجَاع، وهو المانع ما وراءَ ظهرِه. وأمَّا الماضي في خطبته فيقال له شَحشح؛ كأنّه محمولٌ على الشُّجاع مشبَّه به.

(شخ) الشين والخاء ليس بأصل، إنما يقولون شَخَّ الصبيُّ ببوله، إذا بال وكان له صوت. وشَخَّتْ رجلُه دماً، أي سالت.

(شد) الشين والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على قوةٍ في الشيءِ، وفُروعُه ترجِع إليه. من ذلك شَدَدْتُ العقد شَدّاً أشُدُّه. والشَّدّة: المرّة الواحدة. وهذا القياسُ في الحرْب أيضاً. يَشُدُّ شَدّاً. قال:

يا شَدَّةً ما شددنا غيرَ كاذبةٍ  *** على سَخِينَةَ لولا اللّيلُ والحرَمُ([54])

ومن الباب: الشّديد والمتشدّد: [البَخِيل([55])]. قال الله سبحانه: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ}  [العاديات 8]. [و] قال طرَفة في المتشدّد:

أَرَى الموتَ يعتامُ الكِرامَ ويَصْطَفي *** عَقيلةَ مالِ البَاخِلِ المتشدِّدِ([56])

وحُكِي عن أبي زيد: أصابتني شُدَّى، أي شِدَّة. ويقال: أَشَدَّ القومُ، إذا كانت دوابُّهم شِداداً([57]). وشَدُّ النّهارِ: ارتفاعه([58]). والأَشُدُّ: العشرون، ويقال أربعون سنة. وبعضهم يقولون لا واحدَ لها، ويقال بل واحدها شَدٌّ.

(شذ) الشين والذال يدلُّ على الانفراد والمفارَقة. شَذّ الشيء يَشِذُّ شذوذاً. وشُذَّاذُ الناس:  الذين يكونون في القوم وليسوا من قبائلهم ولا مَنَازِلهم([59]). وَشُذَّانِ الحصى([60]): المتفرِّق منه. قال امرؤ القيس:

تُطَايِرُ شُذّانَ الحصى بمَنَاسمٍ *** صلابِ العُجى ملثومُها غَيرُ أَمْعَرا([61])

(شر) الشين والراء أصلٌ واحد يدلُّ على الانتشار والتّطايُر. مِن ذلك الشرّ خلاف الخير. ورجلٌ شِرِّير، وهو الأصل؛ لانتشاره وكثرته. والشَّرُّ: بسْطُك الشيءَ في الشمس. والشّرارة، والجمع الشّرَارُ. والشّرَر: ما تطاير من النّار، الواحدة شَرَرَة. قال الله جلَّ وعلا: {إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كالقَصْرِ}  [المرسلات 32]. ويقال: شرشَرَ الشيءَ، إذا قطّعه. والإِشرارة: ما يُبْسَط عليه الشيء. والشِّواء الشّرْشار([62]): الذي يتقاطر دَسَمُه. والشَّرشرة: أن تنفُض الشَّيء من فيك بعد عضِّك إِيَّاه. وشراشر الأذناب: ذَباذِبُها. وأنشد:

فعوين يَستعجِلْنه ولَقِينَه *** يَضْرِبْنَه بِشراشر الأَذْنابِ([63])

فإن قال قائل: فعلى أيِّ قياسٍ من هذا البابُ يُحمل الشَّراشر، وهي النَّفْس، يقال ألقى عليه شراشِرَه، إذا ألقى عليه نفسه حرصاً ومحبّة. وهو قوله:

* ومِنْ غَيَّةٍ تُلقَى عليها الشَّراشرُ([64]) *

فالجوابُ أنَّ القياس في ذلك صحيح، وليس يُعنَى بالشّراشر الجسمُ والبدَن، إنّما يراد به النَّفْس. وذلك عبارةٌ عن الهِمم والمَطَالب * التي في النَّفْس. يقال ألقى عليه شراشِرَه، أي جَمَع ما انتشر من هِمَمه لهذا الشيء، وشَغَلَ همومَه كلَّها به. فهذا قياس.

ويقال أشررتُ فلاناً، إذا نسبتَه إلى الشرّ. قال طرفة:

وما زال شُربِي الرّاحَ حتّى أَشَرّنِي *** صديقي وحَتَّى ساءني بعضُ ذلِكِ([65])

ويقال أشررت الشّيءَ، إذا أبرزْتَه وأظهرتَه. قال:

* وَحَتَّى أُشِرّتْ بالأكفِّ المصاحفُ([66]) *

وقال:

إِذا قِيلَ أيُّ النّاسِ شرٌّ قبيلةً *** أَشَرَّت كليباً بالأكفّ الأصابع([67])

وقال امرؤ القيس:

تجاوزتُ أحراساً عليها ومَعْشَراً *** عليَّ حِراصاً لو يُشِرُّون مَقتَلي

(شز) الشين والزاء أصلٌ واحد ضعيف. يقولون: إنّ الشَّزازة: اليُبْس الشَّديد.

(شس) الشين والسين قريب من الذي قبله. فالشَّسُّ: الأرض الصُّلْبة، والجمع شِسَاس وشُسوس.

ـــــــــــــــــ

([1]) الرجز في اللسان (شصص).

([2]) التكملة يقتضيها الاستشهاد التالي، وكذا جاء في المجمل: "قال أبو عبيد: شططت فلان وأشططت، وهو الجور في الحكم". ثم استشهد بحديث تميم الداري.

([3]) في اللسان: "وفي حديث تميم الداري أن رجلاً كلمه في كثرة العبادة فقال: أرأيت إن كنت أناً مؤمناً ضعيفاً وأنت مؤمن قوي إنك لشاطّي حتى أحمل قوتك على ضعفي فلا أستطيع فأنبت". يقول: إذا كلفتني مثل عملك وأنت قوي وأنا ضعيف فهو جور منك.

([4]) هو الراجز أبو النجم العجلي. اللسان (شطط، عطط).

([5]) سبق البيتان في مادة (ربع).

([6]) في الأصل: "لابتشائه"، تحريف.

([7]) ديوان قيس بن الخطيم 3 واللسان (شعع).

([8]) شعاع السنبل بتثليث حركات الشين. في الأصل: "شعا"، تحريف.

([9]) البيت في أرجوزته المنشورة بمجلة المجمع العلمي العربي، السنة الثامنة ص 475. وقبله:

* تفرى له الريح ولما يقمل *.

([10]) البيت في المجمل، وهو لقيس بن ذريح، كما في اللسان (شمع).

([11]) البيت في المجمل واللسان (شعع).

([12]) ديوان ذي الرّمة 579 واللسان (شعع). وسيعيده في (عهم).

([13]) البيت لعمرو بن كلثوم في معلقته.

([14]) ديوان رؤبة 97 واللسان (شغغ).

([15]) هو عبد بن مناف بن ربع الهذلي، كما في اللسان (شغغ). وقصيدته في بقية أشعار الهذليين

3 ونسخة الشنقيطي 51، وانظر ما سيأتي في (عضد).

([16]) في الأصل: "شفّ".

([17]) الشفافة، بالضم: البقية من الشيء.

([18]) البيت في المجمل (شف).

([19]) في الأصل: "لا تسار"، صوابه من المجمل.

([20]) هو كعب بن زهير. والبيت سبق إنشاده في (دف).

([21])  أنشد هذا الصدر في اللسان (شفف). وصدره في الديوان 552:

* موانع للأسرار إلا لأهلها *.

([22]) البيت من معلقة لبيد.

([23]) في الأصل: "ولكن".

([24]) ديوان الأعشى: 107 واللسان (شقق). وفي الديوان: "واسمع فإنّي".

([25]) في اللسان: "من شقاشق الشيطان".

([26]) البيت من معلقة عنترة العبسي.

([27]) البيت في ديوان ذي الرمة 10 واللسان (جنب، شكك). وقد سبق في (جنب).

([28]) في الأصل: "رجع".

([29]) البيت لابن الدمينة في اللسان (شلل).

([30]) عجز بيت للبيد، سبق إنشاده في (دعق). وسيأتي في (عور) وصدره:

* في جميع حافظي عوراتهم *.

([31]) القطران، بفتح الطاء: مصدر قطر. وفي الأصل: "قطرات"، تحريف.

([32]) ويقال أيضاً "الشُّلَّى" بالقصر.

([33]) ديوان أبي ذؤيب 69 واللسان (شلل).

([34]) الجنن: جمع جنة، وهو ما استترت به من السلاح. وفي الأصل: "الحسن"، تحريف، صوابه من المجمل.

([35]) ديوان أوس بن حجر 11  واللسان (شلل).

([36]) يقال من بابي علم ونصر.

([37]) تكملة يفتقر إليها الكلام.

([38]) في الأصل: "متشم"، صوابه في المجمل واللسان.

([39]) سبق الاستشهاد بالحديث في (تفه) برواية أخرى حيث فسر التافه بالقليل.

([40]) البيت في اللسان (شنن 108).

([41]) وكذا ورد إنشاد هذه القطعة في المجمل. والبيت بتمامه في الديوان 178 واللسان (شنن):

يظل غرابها ضرما شذاه *** شج بخصومة الذئب الشنون

([42]) التكملة من المجمل.

([43]) في الأصل: "شنان"، تحريف، وإنما هو "إشنان" مصدر "أشن".

([44]) وشبوبا أيضاً.

([45]) في اللسان: "وأشبّه الله وأشبّ الله قرنه. والقرن زيادة في الكلام".

([46]) ويقال أيضاً: "من شبيبه وعضيضه".

([47]) في الأصل: "الشاب"، صوابه في المجمل واللسان.

([48]) البيت بتمامه كما في الديوان 17 واللسان (نمش، نشط)، وما سيأتي في (نشط):

أذاك أم نمش بالوشي أكرعُهُ *** مسفع الخد هاد ناشط شبب

([49]) أسماه له: رفعه. وفي الأصل: "سمى به له".

([50]) ديوان الطرماح 95 واللسان (شتت).

([51]) للأعشى في ديوانه 108 واللسان (شتت).

([52]) في الأصل: "بالمزج" مع ضبط الميم بالكسر، صوابه من المجمل.

([53]) اللسان (شحح) والحيوان (1: 199) ، والموشح: 237، وثمار القلوب 353.

([54]) لخداش بن زهير، كما سبق في حواشي مادة (سخن).

([55]) التكملة من المجمل واللسان.

([56]) البيت من معلقته المعروفة.

([57]) منه الحديث: "يرد مشدهم على مضعفهم".

([58]) منه قول عنترة في معلقته:

عهدي به شد النهار كأنما  *** خضب البنان ورأسه بالعظلم.

([59]) في الأصل: "مساولهم"، صوابه في المجمل واللسان.

([60]) شذان، بالضم: جمع شاذ، كشاب وشبان. وبالفتح: صفة على فعلان.

([61]) ديوان امرئ القيس 98 واللسان (شذذ).

([62]) وكذا في المجمل. وفي اللسان والقاموس: " الشرشر" .

([63]) في المجمل: "يعوين".

([64]) لذي الرمة. وصدره في ديوانه 251 واللسان (شرر): * وكائن ترى من رشدة في كريهة *.

([65]) ديوان طرفة 55 واللسان (شرر). وفي الأصل: "شرب الراح"، وصوابه في الديوان واللسان. وفي اللسان: "بعض ذلكا"، تحريف. ومطلع القصيدة:

ففي قبل وشك البين يا ابنة مالك *** وعوجي علينا من صدور جمالكِ

([66]) لكعب بن جعيل كما في وقعة صفين 336 واللسان (شرر). ونسب في وقعة صفين 411 إلى أبي جهمة الأسدي. وذكر في اللسان نسبته إلى الحصين بن الحمام المري.

([67]) للفرزدق في ديوانه 520 والخزانة (3: 669). ويروى: "أشارت كليب" بنَزع "إلى" وإبقاء عملها. و"أشارت كليباً " بالنصب بعد نزع الخافض.

 

ـ (باب الشين والصاد وما يثلثهما)

(شصب) الشين والصاد والباء أصلٌ يدلُّ على شِدَّة في عيشٍ وغيره. يقال: الشَّصائب: الشَّدائد. ويقال عيشٌ شاصبٌ، أي شديد. وقد شَصَب شُصوباً. ويقال أَشْصَب اللهُ عيشَهُ.‏

ومن هذا الباب، إن كان صحيحاً: شَصَبت النّاقةُ على الفَحل(1)، وذلك إذا أَكْثَرَ ضرابَها فلم تَلْقَحَ له.‏

وما بعد ذلك من قولهم أنَّ الشِّصْبَ(2): النَّصِيب، وأنَّ المَشْصوبَةَ(3) المسلُوخة، فكلُّ ذلك مشكوكٌ فيه، غيرُ معوَّل عليه.‏

(شصر) الشين والصاد والراء أصلٌ إن صحَّ يدلُّ على وصلِ شيء بشيء. من ذلك الشِّصَار: خشبة تشدُّ مِن مَنْخِرَي الناقة. تقول: شَصَّرتها أُشصِّرها تشصيراً. وقريبٌ من هذا: الشَّصْر: الخياطة ويكون فيها بعض التّباعُد. وأمّا قولهم شَصَرَ بصرُ فلان، فهو من باب الإِبدال، وإِنّما الصاد [مبدلة] من الطاء، وقد ذُكَر في بابه.‏

ومما شذّ عن ذلك: الشَّصَر، يقال إنَّه الظَّبْي الشّادن. وربما سمَّوه الشَّاصِر. وقد ذكره جرير(4).‏

ــــــــــــــــــ

(1) هذه الكلمة مما فات صاحب اللسان، وذكرت في المجمل والقاموس.‏

(2) وهذه أيضاً مما فات صاحب اللسان، وذكرت في القاموس، وقال: "كالشصيب".‏

(3) ذكرت في اللسان عن ثعلب. وقد ذكر في المجمل بدلها "الشصب" بضمتين. وفي القاموس: "وكعنق: الشاة المسلوخة".‏

(4) في المجمل: "وهو في شعر جرير". وقد عثرت على الشاهد الذي أشار إليه في ديوان جرير 306 وهو:‏

عرقت وجوه مجاشع وكأنها *** عقل تدلع دون مدرى الشاصر‏

 

ـ (باب الشين والطاء وما يثلثهما)

(شطن) الشين والطاء والنون أصلٌ مطّرد صحيح يدلُّ على البُعد. يقال شَطَنت الدار تَشْطُن شطوناً إذا غَرَبَت. ونوىً شَطونٌ، أي بعيدة. قال النابغة:

نَأَتْ بسعادَ عنك نوىً شَطونُ    *** فبانتْ والفؤادُ بها رهينُ([1])

ويقال بئرٌ شَطون، أي بعيدة القَعر، والشَّطَن: الحَبْل. وهو القياس، لأنَّه بعيدُ ما بينَ الطَّرَفين. ووصَفَ أعرابيٌّ فرساً فقال: "كأنّه شيطانٌ في أشطان". قال الخليل: الشَّطَن: الحبل الطويل. ويقال للفرس إذا استعصى على صاحبه: إنه لَينْزُو([2]) بين شَطَنين. وذلك أنّه يشده موثقاً بين حَبْلَين([3]).

وَأمَّا الشَّيطان فقال قوم: هو من هذا الباب، والنون فيه أصليّة، فسُمِّي بذلك لبُعده عن الحقّ وتمرُّده. وذلك أنّ كلَّ عاتٍ متمرّدٍ من الجنّ والإنس والدوابّ شيطان. قال جرير:

أيَّامَ يَدْعُونَني الشّيطانَ مِنْ غَزَلي *** وهنّ يَهوَيْنَني إِذْ كُنتُ شيطانا([4])

وعلى ذلك فُسِّرَ قولُهُ تعالى: {طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِين}  [الصافات 65]. وقيل إنّه أرادَ الحيّات: وذلك أنَّ الحيَّة تسمَّى شيطاناً. قال:

تُلاعِبُ مَثْنَى حَضْرَميٍّ كأنّه  *** تَعَمُّجُ شيطانٍ بذي خِرْوعٍ قَفْرِ([5])

ويشبه أن يكون مِنْ حُجّة من قال بهذا القول، وأنَّ النون في الشيطان أصليةٌ قولُ أميَّة:

أيُّما شاطنٍ عَصَاهُ عَكاهُ *** ورماهُ  في القَيد والأغلالِ([6])

أفلا تراه بناه على فاعلٍ وجعل النّونَ فيه أصلية؟! فيكون الشيطان على هذا القول بوزن فَيْعال. ويقال إنَّ النون *فيه زائدة، [على([7])] فعلان، وأنَّه من شاط، وقد ذكر في بابه.

(شطأ) الشين والطاء والهمزة فيه كلمتان: إحداهما الشَّطْء شَطءُ النَّبات، وهو ما خرج من حول الأصل، والجمع أشطاء. وقد شَطَأت الشَّجرة. قال الله  جلَّ ثناؤه: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ}  [الفتح 29]. والأصل شاطئ الوادي: جانبه. وشاطأتُ([8]) الرّجُل: مشيت على شاطئٍ ومشى هو على الشاطئِ الآخر. وهما متبايِنَتَان.

(شطب) الشين والطاء والباء أصلٌ مطَّرد واحد، يدلُّ على امتدادٍ في شيءٍ رَخص، ثم يقال في غير ذلك. فالشَّطْبة: سَعَفَة النَّخل الخضراء، والجمع شَطْبٌ([9]). وفي حديث أمِّ زرع: "كَمَسَلّ شَطْبة([10])". ويقال للجارية الغَضَّة شَطْبة. وفرسٌ أيضاً شَطْبة. وعلى ذلك الذي ذكرناه من سَعَف النّخْل يُحمَل الشّطبة من شُطب السّيف؛ والشّطبة([11]): طريقة في متنه، والجمع شُطُب. ويقال سيف مُشَطَّب. ويقال إنَّ الشُّطبة أو الشِّطبة القطعة من السَّنام تُقطَع طولاً، يقال شَطبت السَّنام. والشَّواطب من النساء: اللواتي يَقْدُدن الأديمَ طويلاً. والشواطب: اللاتي يشقّقن السَّعَف للحُصْر، في قوله:

* نَشْطَ الشَّواطِبِ بينهنَّ حَصيرَا([12]) *

وقال آخر:

تَرَى قِصَدَ المُرَّان تُلقَى كأنَّها *** تَذَْرُّع خرصانٍ بأيدي الشَّواطِب([13])

والواحدة شاطبة. ويقال للفرس السَّمين الذي انبتر مَتْناه وتباينَتْ غُرورُه([14]): هو مشطوب المَتْن والكَفَل، وذلك أنَّه يكون على ظهوره كالطَّرائق، فكلُّ طريقةٍ منها كأنَّها شَطْبة. ويقال أرضٌ مشطّبة، إِذا خَطّ فيها السّيلُ خَطّاً([15]).

(شطر) الشين والطاء والراء أصلان، يدلُّ أحدهما على نِصف الشيء، والآخر على البُعد والمواجهة.

فالأوَّل قولُهم شَطَر الشيء، لِنصفه، وشاطرت فلاناً الشيءَ، إذا أخذتَ منه نصفه وأخذ هو النِّصف. ويقال شاةٌ شَطور، وهي التي أَحَدُ طبييها أطولُ من الآخر.

ومن هذا الباب قولهم: شَطَر بصرُهُ شُطوراً وشَطْراً، وهو الذي ينظُر إليك وإلى آخَر. وإنّما جُعِلَ هذا من الباب لأنَّه إذا كان كذا فقد جَعل لكلِّ واحدٍ منهما شَطرَ نظرِه. وفي قول العرب: "حلَب فلانٌ الدّهرَ أشطُرَه"، فمعناه أنّه مرّت عليه ضروبٌ من خيرِهِ وشرِّه. وأصله في أخلاف الناقة: خِلْفان قادمان، وخِلفان آخِران، وكلُّ خِلفَين شَطر؛ لأنّه إذا كانت الأخلاف أربعة فالاثنان شطر الأربعة، وهو النصف. وإذا يبس أحدُ خِلفَي الشّاة فهي شَطور، وهي من الإبل التي يَبِس خِلْفان من أخلافها؛ وذلك أنّ لها أربعةَ أخلافٍ، على ما ذكرناه.

وأما الأصل الآخر: فالشَّطير: البعيد. ويقولون: شَطَرت الدّارُ، ويقول الرّاجز:

* لا تتركَنِّي فيهمُ شطيرا([16]) *

ومنه قولهم: شَطَرَ فلانٌ على أهله([17])، إذا تركهم مُراغما مخالِفا. والشَّاطر: الذي أعيا أهلَه خُبْثا. وهذا هو القياس؛ لأنَّه إذا فَعل ذلك بعُد عن جَماعَتِهم ومُعظَم أمرِهم.

ومن هذا الباب الشَّطْر الذي يقال في قَصْد الشّيءَ وجِهَتِهِ. قال الله تعالى في شأن القِبْلة: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة 144 و150] أي قَصْدَه. قال الشّاعر:

أقولُ لأمِّ زِنباعٍ أقيمي  *** صُدورِ العِيسِ شَطْرَ بني تميم([18])

وقال آخر([19]):

وقد أظلَّكُم من شَطْرِ ثَغْرِكُم *** هَولٌ لـه ظُلَمٌ تغشاكُم قِطَعا

ولا يكون شطر ثغركم([20]) تلقاءه، إلاّ وهو بعيدٌ عنه، مباينٌ له، والله أعلم بالصواب.

ــــــــــــــــ

([1]) البيت بهذه النسبة في اللسان (شطن)، وليس في ديوان النابغة.

([2]) ينْزو: يثب. وفي الأصل: "ينْز"، صوابه من اللسان (شطن : 103).

([3]) في اللسان: "يقال للفرس العزيز النفس: إنه لينْزو بين شطنين. يضرب مثلاً للإنسان الأشر القويّ".

([4]) ديوان جرير 597 واللسان (شطن).

([5]) لطرفة بن العبد، كما في الحيوان (4: 133). وأنشده في الحيوان (1: 153/ 6: 192)، بدون نسبة، وكذا في اللسان (3: 153 / 17: 105). وليس في ديوانه. وسيعيده في (عمج) بدون نسبة.

([6]) أنشده في اللسان (شطن، عكا)، وذكر أنه في صفة سليمان.

([7]) التكملة من المجمل.

([8]) في الأصل: "وشطأت"، صوابه في المجمل واللسان.

([9]) في الأصل: "أشطب"، صوابه في المجمل واللسان.

([10]) المسل: مصدر ميمي أريد به اسم المفعول، أي المسلول. وفي الأصل: "كمثل"، صوابه في المجمل واللسان. وانظر حديث أم زرع في المزهر (2: 532 ـ 536).

([11]) الشطبة، بالضم، وبالكسر وبضم ففتح. وجمعها شطب بضم ففتح وبضمتين.

([12]) في المجمل: "بسط الشواطب".

([13]) لقيس بن الخطيم كما سبق في حواشي (ذرع)، حيث أنشد عجز البيت. وفي الأصل: "كأنَّه"، تحريف.

([14]) الغرور: جمع غر، بالفتح، وهو الكسر في الجلد من السمن. وفي الأصل: "عروقه". صوابه من اللسان (شطب).

([15]) في المجمل: "خطاء ليس...." مع تآكل الكلمة الأخيرة. والكلمة وردت في القاموس وفسرها بقوله: "مشطبة كمعظمة: خط فيها السيل قليلاً". ولم تذكر في اللسان.

([16]) أنشده في اللسان (شطر) وذكره العيني في شرح شواهد شروح الألفية (3: 383). ولم يعرف نسبته.

([17]) وكذا في المجمل. وفي اللسان والقاموس: "عن أهله".

([18]) البيت لأبي زنباع الجذامي، كما في اللسان (شطر).

([19]) هو لقيط بن يعمر الإيادي، وقصيدة البيت هي أولى مختارات ابن الشجري.

([20]) في الأصل: "شطركم".

 

ـ (باب الشين والظاء وما يثلثهما)

(شظف) الشين والظاء والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على الشّدّة في العيشِ وغيره. والأصل من ذلك الشَّظيف * من الشَّجر: الذي لم يجِدْ رِيَّهُ  فيبِس وصلُب، فيقال من هذا: فلانٌ هو في شَظَف من العَيش، أي ضِيق وشِدّة. وجاء في الحديث: "لم يشبَعْ من خُبزٍ ولحم إلاَّ على شظف". وقال ابن الرِّقَاع:

ولقد أَصبتُ من المعيشةِ لَذَّةً *** ولقيتُ من شَظَفِ الأمور شدادَها([1])

ويقال في هذا الباب من الشدة: بعيرٌ شَظف الخِلاط، أي يُخالِط الإبلَ مخالَطة شديدة. وشَظِف السّهمُ، إذا دخل بين الجلد واللّحم.

(شظم) الشين والظاء والميم كلمة واحدة. يقال للفرس الطويل: شَيْظَم، ثم يستعار للرّجُل.

(شظي) الشين والظاء والحرف المعتل أصلٌ يدلُّ على تصدُّع الشيء من مواضع كثيرة، حتى يصيرَ صُدُوعاً متفرّقة، من ذلك الشَّظِيّة من الشيء: الفِلْقة. يقال تَشَظَّت العصا، إذا كانت فِلَقا([2]). قالت فَروةُ بنتُ [أبانَ بن([3])] عبدِ المَدَان.

يا مَنْ أحسَّ بُنَيَّيَّ اللّذِينَ هما *** كالدُّرَّتين تَشظّى عنهما الصَّدفُ([4])

ـــــــــــــــــــ

([1]) البيت في اللسان (شظف).

([2]) كانت، هنا بمعنى صارت. وفي المجمل: "صارت".

([3]) التكملة من المجمل.

([4]) البيت في اللسان ( شظى) بدون نسبة.

 


ـ (باب الشين والعين وما يثلثهما)

(شعف) الشين والعين والفاء يدلُّ على أعالي الشيء ورأسه. فالشَّعَفة: رأس الجبل، والجمع شَعَفات وشَعَفٌ. وضُرب فلانٌ على شَعفات رأسه، أي أعالي رأسِه. وشَعَفةُ القلب: رأسُه عند مُعَلَّق النِّياط. ولذلك يقال شَعَفه الحُبَّ، كأنَّه غَشّى قلبَه من فَوقه. وقرأها ناس([1]): {قد شَعَفَهَا حُبَّاً}  [يوسف 30]، وهو من هذا. وجاء في الحديث: "خيرُ النّاسِ رجُلٌ في شَعَفَةٍ في غُنَيْمةٍ"، يريد: أعلى جَبَل.

(شعل) الشين والعين واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على انتشارٍ وتفرُّق في الشيء  الواحد من جوانبه. يقال أشعلْتُ النّار في الحطب، واشتعلت النّارُ. واشتعل الشّيب. قال الله تباركَ وتعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأسُ شَيْباً} [مريم 4].

والشَّعِيلة: النار المُشْعَلة في الذُّبَال. وأشعلْنا الخيلَ في الإِغارة: بَثَثْناها. والشُّعْلة من النّار، معروفة. والشَّعَل: بياضٌ في ناصيةِ الفَرَس وذَنبه؛ يقال فرس أشعل، والأنثى شَعْلاء.

ومن الباب: تفرَّقَ القومُ شعاليلَ، أي فِرَقاً كأنَّهم اشتعلوا. وشَعْل: لقب، ويقال اسم امرأة([2]).

ومما شذَّ عن الباب المِشْعَل، وهو شيءٌ من جلود، لـه أربعُ قوائم يُنْتَبذ فيه. قال ذو الرُّمَّة:

أَضَعْنَ مَوَاقِتَ الصَّلَواتِ عَمْداً *** وحالَفْنَ المشاعِلَ والجِرارا([3])

(شعي) الشين والعين والحرف المعتل، أصلٌ يَدُلُّ على مِثل ما دلَّ عليه الذي قَبْلَه. يقال أَشْعَى القومُ الغارةَ إشعاء، إذا أَشْعَلُوها. وغارةٌ شَعْواء: فاشية. قال ابنُ قيس الرّقيَّات:

كيفَ نَومِي على الفِراشِ ولمَّا *** تَشْمَل الشّامَ غارةٌ شعواءُ([4])

(شعن) الشين والعين والنون كلمة. يقولون: هو مُشْعَانُّ الرأس، إذا كان ثائر الرأس.

(شعب) الشين والعين والباء أصلان مختلفان، أحدهما يدلُّ على الافتراق، والآخر على الاجتماع. ثمَّ اختلف أهلُ اللغة في ذلك، فقال قومٌ: هو من باب الأضداد. وقد نصَّ الخليلُ على ذلك. وقال آخرون: ليس ذلك من الأضداد، إنّما هي لغات. قال الخليل: من عجائب الكلام ووُسْع العربيَّة، أنَّ الشَّعْب يكون تفرُّقاً، ويكون اجتماعاً. وقال ابن دريد([5]):  الشَّعب: الافتراق، والشَّعْب: الاجتماع. وليس ذلك من الأضداد، وإنّما هي لغةٌ لقوم. فالذي ذكرناه من الافتراق. وقولهم للصَّدْعِ في الشيء شَعْب. ومنه الشَّعْب: ما تشعّبَ من قبائل العرب والعجم، والجمع شعوب. قال جل ثناؤه: {وَجَعلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ} [الحجرات 13]. ويقال الشَّعب: الحَيُّ([6]) العظيم. قالوا: ومَشعب الحقّ: طريقُه.

قال الكميت:

فما لِيَ إلاَّ * آلَ أحمدَ شيعةٌ *** وما لي إلاّ مَشعَب الحقِّ مَشْعَبُ([7])

ويقال: انشعبت بهم الطُّرق، إذا تفرَّقَتْ، وانشعبت أغصانُ الشجرة. فأمَّا شُعَب الفَرَس، فيقال إنَّه أقطارُهُ التي تعلُو منه، كالعنق والمَنْسِج، وما أشرف منه. قال:

* أشمُّ خِنذيذٌ منيفٌ شُعَبُهْ([8]) *

ويقال ظبيٌ أشعبُ، إذا تفرَّق قرناه فتبايَنَا ببينونةً شديدة. قال أبو دُؤاد:

وقُصْرَى شَنجِ الأنسا *** ءِ نَبّاحٍ من الشُّعْبِ([9])

والشِّعب: ما انفرَجَ بين الجبلَين. وشَعوبُ: المنِيّة؛ لأنَّها تَشعَب، أي تفرِّق. ويقال شَعبتْهم المنيّة فانشعبوا، أي فرّقتْهم فافترقوا. والشَّعِيب: السِّقاء البالي، وإنَّما سمِّي شَعِيباً لأنَّهُ يَشْعَب الماء الذي فيه، أي لا يحفظُهُ بل يُسيله. قال:

* ما بالُ عَيْنِي كالشَّعيب العَيَّن([10]) *

قال ابن دريد([11]): "وسمِّي شعبانُ لتشعُّبِهم فيه، وهو تفرُّقُهم في طلب المياه". وفي الحديث: "ما هذه الفُتْيا التي شعَّبت الناس؟". أي فرّقتهم.

وأما الباب الآخر فقولهم شَعَبَ الصَّدْعَ، إذا لاءمَه. وشَعَبَ العُسَّ وما أشبهه. ويقال للمِثْقَب المِشْعَب. وقد يجوز أن يكون الشَّعْب الذي في باب القبائل سمِّي للاجتماع والائتلاف. ويقولون: تفرَّق شَعْب بني فلان. وهذا يدلُّ على الاجتماع. قال الطّرِمَّاح:

* شَتَّ شعبُ الحَيِّ بعدَ التئامْ([12]) *

ومن هذا الباب وإن لم يكن مشتقاً شَعَبْعَـب، وهو موضعٌ. قال:

هل أَجْعلنَّ يدِي للخَدّ مِرْفَقةً *** على شَعَـبْعَب بين الحوض والعَطَنِ([13])

وُشعَبَى([14]): موضع أيضاً.

(شعث) الشين والعين والثاء أصل يدل على انتشارٍ في الشَّيء. يقولون: لمّ اللهُ شَعثَكم، وجَمَعَ شَعَثَكم. أي ما تفرَّق من أمركم. والشَّعَث شَعَثُ رأس السِّواكِ والوتِد. ويسمُّون الوتِدَ أشعثَ لذلك.

(شعذ) الشين والعين والذال ليس بشيء. قال الخليل: الشَّعْوَذة ليست من كلام أهل البادية، وهي خِفّة في اليدين، وأُخْذةٌ كالسِّحر.

(شعر) الشين والعين والراء أصلان معروفان، يدلُّ أحدهما على ثَباتٍ، والآخر على عِلْمٍ وعَلَم.

فالأوّل الشَّعَْر، معروف، والجمع أشعار، وهو جمع جمعٍ، والواحدة شَعَْرة. ورجلٌ أَشْعَرُ: طويل شَعَْر الرّأس والجسد. والشَّعار: الشَّجر، يقال أرض كثيرة الشَّعار. ويقال لِمَا استدار بالحافر من مُنتهى الجلد حيثُ ينبت الشَّعر حوالَيِ الحافر: أَشْعَرٌ، والجمع الأشاعر. والشَّعراء من الفاكهة: جنسٌ من الخَوْخِ، وسمي بذلك لشيءٍ يعلوها كالزَّغَب. والدليل على ذلك أنَّ ثَمَّ جنساً ليس عليه زَغَب يسمُّونه: القَرْعَاء. والشَّعْراء: ذبابةٌ كأنَّ على يديها زَغَبا.

ومن الباب: داهيةٌ شَعْراء، وداهيةٌ وَبْرَاء. قال ابن دريد: ومن كلامهم إذا تكلَّمَ الإنسانُ بما استُعْظِمَ([15]): "جئت بها شَعراءَ ذاتَ وبَر". وروضةٌ شَعْراء: كثيرة النَّبْت. ورملةٌ شَعْرَاء: تُنبِت النَّصِيَّ وما أشبهه. والشَّعراء: الشَّجَر الكثير.

ومما يقرب من هذا الشَّعير، وهو معروف، فأمَّا الشعيرة: الحديدة التي تُجعَل مِسَاكاً لنصل السّكِّين إذا رُكّب، فإنّما هو مشبَّه بحبّة الشَّعير. والشَّعارير: صِغار القِثَّاء. والشِّعار: ما وَلِيَ الجسدَ من الثِّياب؛ لأنّه يَمُسُّ الشَّعر الذي على البشَرة.

والباب الآخر: الشِّعار: الذي يتنادَى به القومُ في الحرب ليَعرِف بعضُهم بعضاً. والأصلُ قولُهم شَعَرتُ بالشّيء، إذا علمتَه وفطِنْتَ له. ولَيْتَ شِعْرِي، أي ليتني علِمْتُ. قال قومٌ: أصله من الشَّعْرة([16]) كالدُّرْبة والفِطنة، يقال شَعَرَت شَُِعْرة. قالوا: وسمِّي الشَّاعر لأنه يفطِن لما لا يفطن لـه غيرُهُ. قالوا: والدليل على ذلك قولُ عنترة:

هل غادَرَ الشُّعراءُ من مُتَرَدَّمِ  *** أم هل عَرَفْتَ الدَّارَ بَعد توهُّم([17])

يقول: إنَّ الشّعراء لم يغادِرُوا شيئاً إلاّ فطِنُوا لـه. ومَشَاعِرُ الحجّ: مواضِع المَناسك، سمِّيت بذلك لأنَّها مَعالم الحجّ. والشعِيرة: واحدة الشَّعائر، وهي أعلامُ الحجّ وأعمالُه. قال الله جل جلالُه: {إنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ}  [البقرة 158]. ويقال الشعيرة أيضاً: البَدَنَة تُهدَى. ويقال إشعارها أنْ يُجَزَّ  أصل سَنامها حتَّى يسيلَ الدّمُ فيُعلَم أنّها هَدْي. ولذلك يقولون للخليفة إن قُتِلَ: قد أُشْعِر، يُختَصّ بهذا من دون كلِّ قتيل. والشِّعْرى: كوكبٌ، وهي مُشتهِرة. ويقال أَشْعَرَ فلانٌ فلاناً شرّاً، إذا غَشِيه به.

وأشعَرَه الحبُّ مَرَضاً، فهذا يصلُح أن يكون من هذا الباب إذا جعل ذلك عليه كالعَلَم، ويصلح أن يكون من الأوّل، كأنّه جُعِلَ له شِعاراً.

فأمّا قولهم: تفرّق القومُ شعاريرَ، فهو عندنا من باب الإبدال، والأصل شَعاليل، وقد مضى.

ــــــــــــــــ

([1]) هي قراءة الحسن وابن محيصن. إتحاف فضلاء البشر 264.

([2]) في المجمل: "وشعل رجل، وأم شعل: اسم امرأة".

([3]) ديوان ذي الرمة 200 واللسان ( شعل).

([4]) ديوان ابن قيس الرّقيات 183 واللسان (شعا).

([5]) الجمهرة (1: 291-292).

([6]) في الأصل: "الحق"، صوابه من المجمل.

([7]) الهاشميات 39 واللسان (شعب).

([8]) لدكين بن رجاء الراجز، كما في اللسان (شعب).

([9]) اللسان (شعب، قصر، شنج) والحيوان: (1: 349 / 5: 214).

([10]) العين، بفتح الياء المشددة. والرجز لرؤبة في ديوانه 160 واللسان (عين).

([11]) الجمهرة (1: 292).

([12]) ديوان الطرماح 95 واللسان (شعب). وقد سبق إنشاد البيت في (شت).

([13]) البيت للصمة بن عبد الله القشيري، كما في اللسان (شعب).

([14]) في الأصل: "شعباء". صوابه في المجمل.

([15]) في الجمهرة: (2: 342): "ومن كلامهم للرجل إذا تكلم بما ينكر عليه".

([16]) نص في القاموس على أنها مثلثة، بالكسر والفتح والضم.

([17]) مطلع معلقة  عنترة. وفي الأصل: "من مترنم"، تحريف.

 

ـ (باب الشين والغين وما يثلثهما)

(شغف) الشين والغين والفاء كلمةٌ واحدة، وهي الشَّغَاف، وهو غِلاف القلب. قال الله تعالى: {قَدْ شَغَفَهَا حُبَّاً} [يوسف 30]، أي أوصَلَ الحبَّ إلى شَغاف قلبها.

(شغل) الشين والغين واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خلاف الفَراغ. تقول: شَغَلْتُ فلاناً فأنا شاغِلُهُ، وهو مشغول. وشُغِلْت عنك بكذا، على لفظ ما لم يسمَّ فاعلُه. قالوا: ولا يقال أُشغِلْت. ويقال شُغْل شاغلٌ. وجمع الشُّغْل أشغال. وقد جاء عنهم: اشتُغِلَ فلانٌ بالشيء([1])، وهو مشتَغَل. وأنشد:

حَيَّتكَ ثُمَّت قالت إنّ نَفْرَتَنَا  *** اليومَ كلَّهم يا عُرْوَ مشتَغَلُ([2])

وحكى ناسٌ: أشْغَلَني بالألف.

(شغم) الشين والغين والميم أصلٌ قليلُ الفروع صحيح، يدلُّ على حُسن. يقال الشُّغْموم: الحَسن. والشُّغموم: المرأة الحَسناء. والشُّغموم من الإبل: الحسن المنظرِ التامُّ.

(شغن) الشين والغين والنون ليس بشيء، وليس لما ذكره ابنُ دريدٍ: أنَّ الشغْنة الكارَةُ([3])، أصلٌ ولا معنىً.

(شغو) الشين والغين والحرف المعتل أصلٌ صحيح يدلُّ على عَيب في الخِلْقة لبعض الأعضاء. قالوا: الشُغوُّ، من قولك رجلٌ أشغى وامرأة شَغْواء، وذلك إذا كانت أسنانه العُليا تتقدم السُّفْلَى. وقال الخليل: الشَّغا: اختلاف الأسنان، ومنه يقال للعُقاب شَغْواء، وذلك لفَضْل منقارها الأعلى على الأسفل. وزعم ناسٌ أنّ الشَّغَا الزيادة على عدد الأسنان.

(شغب) الشين والغين والباء أصلٌ صحيح يدلّ على تهييج الشر، لا يكون في خير. قال الخليل: الشَّغَْب: تهييج الشرّ، يقال للأتان إذا وَحِمَتْ([4]) واستعصَتْ على الجَأْب: إِنَّها لذات شَغْب وضِغْن. قال أبو عبيد: يقال شَغَبْت على القوم وشَغْبتُهم وشَغبْتُ بهم.

(شغر) الشين والغين والراء أصلٌ واحد يدلُّ عَلى انتشارٍ وخلوٍّ من ضبط، ثم يُحمَل عليه ما يقاربُه. تقول العرب: اشتَغَرت([5]) الإِبلُ، إذا كثرت حتى لا تكاد تُضبَط. ويقولون: تفرَّقوا شَغَرَ بَغَر، إذا تفرَّقوا في كلِّ وجه. وكان أبو زيد يقول: لا يقال ذلك إلاّ في الإقبال.

ومن الباب: شَغَرَ الكلبُ، إذا رَفَعَ إحدى رجليه ليبول. وهذه بلدة شاغرةٌ برجلها، إذا لم تمتَنِعْ من أحدٍ أن يُغِيرَ عليها.

والشِّغَار الذي جاء في الحديث، المنهيُّ عنه: أنْ يقول الرجل للرجل زوِّجني أختَك على أن أزوِّجك أُختي، لا مهر بينهما إلا ذلك. وهذا من الباب لأنَّهُ أمرٌ لم يُضْبَط بمهرٍ ولا شرطٍ صحيح. وهو من شَغَر الكلبُ، إذا صار في ناحيةٍ من المَحَجَّة بعيداً عنها.

واشتغَرَ على فلانٍ حسابُه، إذا لم يهتدِ لـه. واشتغَرَ فلان في الفلاة، إذا دوّم فيها وأَبْعَد. وحكى الشيبانيّ: شَغَرْتُ بني فلانٍ من موضع كذا، أي أخرجتُهم. قال:

ونحن شَغَرْنَا ابني نزار كليهما *** وكلباً بوَقْعٍ مُرهبٍ متقاربِ([6])

والله أعلم.

ـــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "الشيء"، تحريف.

([2]) أنشده في المجمل. وفي المجمل: "يا زيد".

([3]) نص الجمهرة (3: 64) : "الشغنة: الحال، وهي التي تسميها العامة كارة. ويمكن أن تكون الكارة عربية من قولهم كورت الشيء، إذا لففته وجمعته، فكأن أصلها كورة". والحال: الشيء يحمله الرجل على ظهره، يقال: تحول كساءه: جعل فيه شيئاً ثم حمله على ظهره.

([4]) في الأصل "أوجمت"، صوابه في المجمل واللسان.

([5]) في الأصل "أشغرت"، صوابه في المجمل واللسان.

([6]) البيت في المجمل واللسان (شغر).

 

ـ (باب الشين والفاء وما يثلثهما)

(شفق) الشين والفاء والقاف أصلٌ واحد، يدلُّ على رِقَّةٍ في الشيء، ثم يشتقُّ منه. فمن ذلك قولهم: أشفقت من الأمر، إذا رَقَقْت وحاذَرت. وربَّما قالوا: شَفِقت: وقال أكثر أهل اللغة: لا يقال إلا أشفقت وأنا مُشْفِق. فأمَّا قول القائل:

* كما شَفِقَتْ على الزّادِ العِيالُ([1]) *

فمعناه بَخِلَت به.

ومن الباب الشَّفَق من الثياب، قال الخليل: الشَّفَق: الرديء من الأشياء. ومنه الشَّفَق: النُّدأة([2]): التي تُرَى في السَّماء عند غُيُوبِ الشَّمس، وهي الحمرة. وسمِّيت بذلك للونها ورقّتها.

وحدَّثنا عليُّ بن إبراهيمَ القَطَّان، عن المَعْداني، عن أبيه، عن أبي مُعاذ، عن اللَّيث عن الخليل قال: الشَّفَق: الحمرة التي بين غروب الشمس إلى وقت صلاةِ العشاء الآخرة.

وروى ابن نَجيح، عن مجاهدٍ قال: هو النَّهار في قوله جلَّ ثناؤه: {فَلاَ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ}  [الانشقاق 16]. وروى العَوّامُ بن حوشبٍ، عن مجاهد قال: هي الحمرة.

وفي تفسير مقاتل، قال: الشَّفَق: الحمرة. قال الزّجاج: الشَّفَق هي الحمرة التي تُرَى في المغرِبِ بعد سُقوطِ الشمس.

وأخبرنا عليُّ بن إبراهيم، عن محمَّد بن فَرَج قال: حَدَّنا سَلَمة، عن الفَرَّاء قال: الشَّفَق الحمرة.

قال: وحدثني ابن [أبي([3])] يحيى، عن حُسَين([4]) بن عبد الله بن ضُمَيرة عن أبيه عن جدهِ يرفعه، قال: الشَّفَق الحمْرة.

قال الفرّاء: وقد سمعت بعضَ العرب يقول: عليه ثوب مصبوغ كأنَّه الشفق، وكان أَحْمَر. قال: هذا شاهدٌ لمن قال إنَّه الحمرة.

(شفن) الشين والفاء والنون أصلٌ يدلُّ على مداومة النّظَر، والأصل فيه قولهم للغَيُور الذي لا يَفْتُرُ عن النَّظَرِ([5]): شَفُون. ومن الناس من يقول شَفَنَ يَشْفِنُ، إذا نظر بمُؤْخر عينه، وشَفِن أيضاً يشفَن شَفْناً، وهو شَفُونٌ وشافن. وأنشد الخليل:

* حِذَار مرتقبٍ شَفُونِ([6]) *

قال الأمويّ: الشَّفِن: الكيِّس العاقل. وكلُّ ذلك يقرُب بعضُهُ من بعض.

(شفي) الشين والفاء والحرف المعتل يدل على الإشراف على الشيء؛ يقال أشفى على الشيء إذا أشرفَ عليه. وسمِّي الشِّفاء شفاءً لغلَبته للمرض وإشفائه عليه. ويقال استشفَى فلانٌ، إذا طَلَبَ الشِّفاء. وشَفَى كلِّ شيء: حَرْفه. وهذا ممكنٌ أن يكون من هذا الباب، وممكنٌ أن يكون من الإبدال، وتكون الفاءُ مبدلةً من ياء.

ويقال أعطيتك الشّيءَ تستشفي به، ثم يقال أَشْفَيتُكَ الشيءَ، وهو الصحيح. ويقال أَشْفَى المريضُ على الموت، وما بَقيَ منه إلا شَفىً أي قليل. فأمَّا قول العجاج:

* أوْفَيْتُهُ قَبْلَ شَفىً أو بِشَفَى([7]) *

قالوا: يريد إذا أشفت الشّمس على الغروب.

وأما الشَّفَة فقد قيل فيها إن الناقص منها واوٌ، يقال ثلاث شَفَوات. ويقال رجلٌ أشْفَى، إذا كان لا ينضمّ شفتاه، كالأرْوَق. وقال قوم: الشَّفَة حذفت منها الهاء، وتصغيرها شُفَيْهة. والمشافهة بالكلام: مواجهةٌ من فيك إلى فيه. ورجل شُفاهِيٌّ: عظيم الشفتين. والقولان محتملان، إلاَّ أنَّ الأول أجود لمقاربة القياس الذي ذكرناه، لأنَّ الشفتين تُشفِيان على الفم.

ومما شذَّ عن الباب قولهم: شَفَهني فلانٌ عن كذا، أي شَغَلني.

(شفر) الشين والفاء والراء أصلٌ واحد يدلُّ على حدِّ الشيء وحَرْفِهِ. من ذلك شَفْرَة السَّيف: حَدُّه. وشَفير البئر وشَفيرُ النَّهر: الحدّ. والشُّفْر: مَنْبِت الهُدْب من العين، والجمع أشفار. وشُفْر الفَرْج: حروفُ أشَاعرِهِ. ومِشْفَر البعير كالجَحْفَلة([8]) من الفَرَس. والشَّفْرَة معروفة([9]). هذا كلُّه قياس واحد. وأمّا قولُهم: ما بالدار* شُفْر([10])، وقولُ من قال: معناه ليس بها أحدٌ فليس الأمر كذلك، إنما يراد بالشُّفْر شُفر العين، والمعنى ما بها ذو شُفْر، كما يقال ما بها عينٌ تطرف، يراد ما بها ذُو عين. والذي حُكِيَ عن أبي زيد أنَّ شَفْرَة القوم أصغَرهم، مثل الخادم، فهذا تشبيهٌ، شُبِّهَ بالشَّفْرَة التي تُسْتَعمَل.

(شفع) الشين والفاء والعين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على مقارنة الشيئين. من ذلك الشَّفْع خلاف الوَتْر. تقول: كان فرداَ فشفَعْتُه. قال الله جل ثناؤه:وَالشَّفْعِ وَالوَتْرِ[الفجر 3]، قال أهل التفسير: الوَتْر الله تعالى، والشَّفْع الخلق. والشُّفْعَة في الدار من هذا. قال ابن دريد([11]): سُمِّيَتْ شُفْعةً لأنَّه يَشفَع بها مالَه. والشاة الشَّافع: التي معها ولدُها. وشَفَعَ فلانٌ لفلانٍ إذا جاء ثانِيه ملتمساً مطلبه ومُعِيناً له.

ومن الباب ناقَةٌ شَفُوع، وهي التي تجمع بين مِحْلَبَيْن([12]) في حَلْبَةٍ واحدة.  وحُكِيَ: إنَّ فلاناً يشفع [لي([13])] بالعداوة، أي يعين عليَّ.  وهذا قياس الباب، كأنَّه يصيِّر مَنْ  يعاديه [شَفْعاً]. ومما شذَّ عن هذا الباب ولا نعلم كيف صحّتُه: امرأةٌ مشفوعة، وهي التي أصابتها شُفْعَة، وهي العَين. وهذا قد قيل، ولعلّهُ أنَّ يكون بالسِّين غير معجمة. والله أعلم.

وبنو شافع، من بني المطّلِب بن عبد مناف، منهم محمد بن إدريس الشّافعيّ والله أعلم.

ـــــــــــــــــــ

([1]) أنشده أيضاً في المجمل. وصدره في اللسان: *فإني ذو محافظة لقومي*.

([2]) الندأة، بضم النون وفتحها: الحمرة تكون في الغيم. وقد بيض لهذه الكلمة في اللسان (12: 47).

([3]) التكملة من المجمل، وهو محمد بن أبي يحيى، وابناه إبراهيم، وعبد الله.

([4]) كذا ورد مضبوطاً في المجمل. وفي الأصل: "حسن".

([5]) في الأصل: "الذي يغير عن النظر"، صوابه في المجمل واللسان.

([6]) قطعة من بيت للقطامي  في ديوانه واللسان (شفن)، وهو بتمامه:

يسارقن الكلام إليّ لما *** حسسن حذار مرتقب شفون

([7]) ديوان العجاج 83 واللسان (شفي).

([8]) في الأصل: "الجحفلة"، صوابه في المجمل.

([9]) الشفرة، بالفتح: السكين العريضة.

([10]) مقتضى تفسيره هنا أن يُضبط بالضم. وقد رواها ابن سيده بالضم والفتح، وقال الأزهري بفتح الشين. قال شمر: ولا يجوز شفر بضمها.

([11]) الجمهرة: (3: 60).

([12]) في الأصل: "مجلسين"، صوابه من المجمل واللسان.

([13]) التكملة من المجمل.

 

ـ (باب الشين والقاف وما يثلثهما)

(شقل) الشين والقاف واللام ليس بشيء، وقد حُكيَ فيه ما لا يعرَّج عليه.

(شقن) الشين والقاف والنون. يقولون إنَّ الشَِّقْن([1]): القليل من العطاء؛ تقول: شَقَنْتُ العَطِيَّة([2])، إذا قلّلتَها.

(شقو) الشين والقاف والحرف المعتلّ أصلٌ يدلُّ على المعاناة وخلاف السُّهولة والسّعادة.

والشِّقوة: خلاف السعادة. ورجلٌ شقيٌّ بين الشَّقاء والشِّقوة والشَّقاوة. ويقال إنَّ المشاقاة: المعاناة والممارسة. والأصل في ذلك أنَّه يتكلّف العَناء ويَشقَى به، فإذا هُمِزَ تَغيَّر المعنى. تقول: شقأ نابُ البعير يَشْقَأ، إذا بدا. قال: الشَّاقئ: النَّاب الذي لم يَعْصَل([3]).

(شقب) الشين والقاف والباء كلمةٌ تدل على الطُّول. منها الرَّجُل الشّوقب. ويقولون: إنَّ الشَِّـقْب كالغار في الجبَل.

(شقح) الشين والقاف والحاء أُصَيْل يدل على لونٍ غيرِ حسَن. يقال: شَقَّحَ النَّخْل، وذلك حين زُهُوِّه، ونُهِي عن بيعه قبل أَنْ يشقِّح. والشَّقيح إتباع القبيح، يقال قبيحٌ شقيح.

(شقذ) الشين والقاف والذال أُصَيل يدلُّ على قلَّة النَّوم. يقولون: إنَّ الشَّـقِْذ العينِ، هو الذي لا يكاد ينام. قالوا: وهو الذي يُصيب النَّاسَ بالعينِ. فأما قولهم: أَشْقَذْتُ فلاناً إذا طردتَه، واحتجاجُهم بقول القائل:

إِذَا غَضِبُوا عليَّ وأشقَذُوني *** فَصِرتُ كأنّني فَرَأٌ مُتارُ([4])

فإنّ هذا أيضاً وإن كان معناه صحيحاً فإنه يريد رَمَزوني بعيونهم بِغضَةً، كما ينظر العدوُّ إلى من لا يحبُّه.

ومن الباب الشَّقْذاء: العُقاب الشديدة الجُوع، سمّيت بذلك لأنَّها إذا كانت كذا [كان ذلك] أشدَّ لنظرها. وقد قال الشُّعراء في هذا المعنى ما هو مشهور. وذكر بعضهم: فلانٌ يشاقِذُ فلاناً، أي يُعادِيه. فأمَّا قولُهم: ما به شَقَذ ولا نَقَذٌ. فمعناه عندهم: ما به انطلاق. وهذا يبعد عن القياس الذي ذكرناه. فإنْ صحَّ فهو من الشاذّ.

(شقر) الشين والقاف والراء أصلٌ يدلُّ على لون. فالشقرة من الألوان في الناس: حُمرة تعلو البياض. والشُّقرة في الخَيل حُمرةٌ صافية يَحمَرُّ معها السَّبيب والناصية والمَعْرَفة. ويمكن أن يحمل على هذا الشَّقِر، وهو شقائق النُّعمان. قال طرفة:

* وعَلاَ الخَيْلَ دماءٌ كالشَّقِرْ([5]) *

ومما ينفرد  عن هذا الأصل كلماتٌ ثلاثٌ: قولهم: أخبرتُ فلاناً بشقُوري، أي بحالي *وأمري. قال رؤبة:

جارِيَ لا تَستنكري عَذيرِي ***

سَيرِي وإِشفاقي على بعيري

وكثرة الحديث عن شُقوري([6])

والكلمة الثانية: قولهم: جاء بالشُّقَر والبُقَر، إذا جاء بالكذب.

والثالثة: المِشْقَر، وهو رملٌ متصوِّبٌ في الأرض، وجمعه مَشَاقِر([7]).

(شقص) الشين والقاف والصاد ليس بأصلٍ يتفرّع منه أو يُقاس عليه. وفيه كلمات. فالشِّقْصُ طائفةٌ من شيء. والمِشْقَص: سهمٌ فيه نصلٌ عريض. ويقولون: إن كان صحيحاً إنَّ الشَّقِيص في نعت الفرس: الفارِهُ الجَواد.

(شقع) الشين والقاف والعين كلمةٌ واحدة. يقولون شَقَع الرَّجُل في الإناء، إِذا شرِب. وهو مثل كرَع.

ــــــــــــــ

([1]) يقال بالفتح، وبفتح فكسر، وشقين أيضاً.

([2]) زاد في المجمل: "وأشقنتها".

([3]) عصل يعصل عصلا: التوى. وبابه تعب. وفي الأصل: "يعضل" بالضاد المعجمة، صوابه في المجمل.

([4]) البيت لعامر بن كثير المحاربي، كما في اللسان (شقذ، تور).

([5]) رسمت "علا" في الأصل رسماً مزدوجاً يجمع بين الألف والياء بعد اللام، إشارة إلى الروايتين فيها. ورواية الديوان 67: "وعلى". أما اللسان (شقر) فقد أشار إلى الروايتين. وصدره:

* وتَساقى القوم كأساً مرة *.

([6]) الصواب نسبته إلى العجاج. انظر اللسان (شقر) حيث نسب إلى العجاج، وديوان العجاج 26.

([7]) لم يذكر واحده في القاموس، وذكر في اللسان وضبط بالقلم "مشقر"، بفتح الميم. وقد اعتمدت ضبط المجمل لها بكسر الميم.

 

ـ (باب الشين والكاف وما يثلثهما)

(شكل) الشين والكاف واللام مُعظمُ بابِهِ المُماثَلة. تقول: هذا شَِكل هذا، أي مِثله. ومن ذلك يقال أمرٌ مُشْكِل، كما يقال أمر مُشْتبِه، أي هذا شابَهَ هذا، وهذا دخل في شِكل هذا، ثم يُحمل على ذلك، فيقال: شَكَلتُ الدّابةَ بِشكالِهِ،  وذلك أنَّه يجمع بين إحدى قوائمهِ وشِكْلٍ لها.  وكذلك دابّة بها شِكال، إذا كان إحدى يديه وإحدى رجليه مُحَجَّلا.  وهو ذاك القياس؛ لأنَّ البياض أخذَ واحدةً وَشَِكْلَها.

ومن الباب: الشُّكلة، وهي حُمرةٌ يخالطها بياض. وعينٌ شَكْلاء، إذا كَانَ في بياضها حُمرة يسيرة. قال ابن دريد([1]): ويسمَّى الدَّمُ  أشكلَ، للحمرة والبياض المختلطين منه. وهذا صحيح، وهو من الباب الذي ذكرناه في إشكال هذا الأمر، وهو التباسه؛ لأنَّها حُمرةٌ لابَسَها بياض.

قال الكسائيّ: أشكلَ النَّخْل، إِذا طابَ رُطَبُه وأَدرَك. وهذا أيضاً من الباب؛ لأنَّه قد شاكل التَّمر في حلاوَتِه ورُطوبَتهِ وحُمرته. فأمَّا قولُهم: شَكَلت الكتاب أشْكُله شكْلاً، إِذا قيَّدْتَه بعلامات الإعراب فلستُ أحْسِبه من كلام العرب العاربة، وإِنما هو شيءٌ ذكره أهلُ العربيَّة، وهو من الألقاب المولَّدة. ويجوز أن يكون قد قاسوه على ما ذكرناه؛ لأنَّ ذلك وإن لم يكن خطّاً مستوياً فهو مُشاكلٌ له([2]).

وممّا شذّ عن هذا الأصل: شاكِل الدَّابَّة وشاكلتُه، وهو ما عَلاَ الطِّفْطِفَةَ منه. وقال قُطرب: الشَّاكِل: ما بين العِذار والأُذن من البياض.

ومما شذّ أيضاً: الشَّكلاء، وهي الحاجة، وكذلك الأَشْكَلَة. وبنو شَكَل: بطنٌ من العرب.

ومن هذا الباب: الأَشْكَل، وهو السِّدْر الجبَليّ. قال الراجز:

* عُوجاً كما اعوَجَّت قِياسُ الأَشْكَلِ([3]) *

(شكم) الشين والكاف والميم أصلان صحيحان: أحدهما يدلُّ على عطاء، والآخر يدلُّ على شِدَّةٍ في شيءٍ وقوّة.

فالأوّل: الشَّكْمُ وهو العطاء والثَّواب. يقال شَكَمني شَكْماً، والاسم الشُّكْم. وجاء في الحديث أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [احتَجَمَ([4]) ثم قال: "اشْكُمُوه"]، أي أعطوه أَجْره. وقال الشاعر:

أم هل كبيرٌ بكَى لم يَقْضِ عَبْرته *** إِثْرَ الأَحِبَّة يومَ البينِ مشكومُ([5])

وقال آخر:

أبلِغْ قتادةَ غيرَ سائِلِهِ *** منه العطاءَ وعاجلَ الشُّكْمِ([6])

والأصل الآخر: الشّكيمة: أي شِدة النفس([7]). والشكيمة شكيمة اللِّجام، وهي الحديدة المعترضة التي فيها الفأس، والجمع شكائم. وحكى ناس: شكَمه، أي عضّه. والشَّكيم: العَضّ في قول جرير:

* أَصابَ ابن حمراءِ العِجانِ شكيمُها([8]) *

وشكيم القدر: عُراها.

(شكه) الشين والكاف والهاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على مشابَهةٍ ومقارَبة. يقال: شاكَهَ الشيءُ [الشيءَ([9])] مشاكهةً وشِكاهاً، إِذا شابَهه وقاربَه. وفي المثل: "شاكِهْ، أبا يسارٍ([10])" أي قارِبْ. وحُكي عن أبي عمرو بن العلاء: أشْكَه الأمر، إذا اشْتَبه الأمر.

(شكو) الشين والكاف والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ يدلُّ على توجُّع من شيء. فالشّكو المصدر؛ شكوته [شكْواً([11])، و] شَكاةً، وشِكايةً. وشكوتُ فلاناً فأشكاني، أي أعتبني من شَكواي([12]). وأشكاني، إذا فعل بك ما يُحوِجُك إلى شكايته. والشَّكاة والشِّكاية بمعنى. والشكِيّ: الذي يشتكي وجعاً. والشكِيُّ المشكوِّ أيضاً؛ شكَوتُه فهو شَكِيٌّ ومشكوٌّ.

(شكد) الشين والكاف والدال أصلٌ. يقولون: إنَّ الشُّكد: الشُّكر. وسمعت علي بن إبراهيم القطّان يقول: سمعت عليّ بن عبد العزيز يقول: سمعت أبا عبيد يقول: سمعت الأمويّ يقول: الشُّكد: العَطاء، والشُّكم: الجَزاء، والمصدر: الشَّكْد. وقال الكسائيّ: الشُّكم: العِوَض. والأصمعيُّ يقول الشُّكم والشُّكْد: العطاء.

(شكر) الشين والكاف والراء أصولٌ أربعةٌ متباينةٌ بعيدة القياس. فالأول: الشُّكر: الثَّناء على الإنسان بمعروف يُولِيكَهُ. ويقال إنَّ حقيقة الشُّكر الرِّضا باليسير. يقولون : فرسٌ شَكور، إذا كفاه لسِمَنِه العلفُ القليل. وينشدون قول الأعشى:

ولابُدَّ مِنْ غَزوةٍ  في المَصِيـ *** ـف رَهْبٍ تُكِلُّ الوَقَاحَ الشَّكُورا([13])

ويقال في المثل: "أَشْكَرُ مِنْ بَرْوَقَة"، وذلك أنَّها تخضرّ من الغيم من غير مطَر.

والأصل الثاني: الامتلاء والغُزْر في الشيء. يقال حَلُوبة([14]) شَكِرَةٌ إِذا أصابت حَظّاً من مرعىً فَغزُرت. ويقال: أشكر القومُ، وإنهم ليحتلبون شَكِرَةً، وقد شَكِرت الحَلُوبة. ومن هذا الباب: شَكِرَت الشّجرةُ، إذا كَثُر فيئُها.

والأصل الثالث: الشَّكير من النبات، وهو الذي ينبُت من ساق الشَّجرة، وهي قُضبان غضّة. ويكون ذلك في النَّبات أوّلَ ما ينبُت. قال:

* حَمَّم فرخٌ كالشَّكير الجَعْدِ *

والأصل الرابع: الشَّكْر، وهو النِّكاح. ويقال بل شَكْر المرأةِ: فَرْجها. وقال يحيى بن يعمر، لرجلٍ خاصمته امرأتُه: "إن سأَلَتْكَ ثَمن شَكْرِها وشَبْرِك أَنشأْتَ تطُلُّها وتَضْهَلها".

(شكع) الشين والكاف والعين أصلٌ يدل على غضَب وضجرٍ وما أشبه ذلك. يقال شَكِعَ الرَّجُل، إذا كثُر أنينُه. وكذلك الغضبان إذا اشتدَّ غضبُهُ، يَشْكَع شَكَعاً.

وقد حكَوْا كلمتين أخريين ما أدري ما صحتهما؟ قالوا: شَكَعَ رأسَ بعيرِهِ بزمامه، إذا رَفَعَه. ويقولون: شَكِعَ الزَّرعُ([15])، إِذا كَثُر حَبُّه.

ـــــــــــــــــــ

([1]) الجمهرة: (3: 68).

([2]) في الأصل: "مشكل له".

([3]) للعجاج في ديوانه 51 واللسان (شكل). والقياس: جمع قوس. ورواية الديوان:

* معج المرامي عن قياس الأشكل  *

([4]) التكملة من المجمل. وفي اللسان: "أن أبا طيبة حجم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اشكموه".

([5]) البيت لعلقمة بن عبدة الفحل في ديوانه 129 من خمسة دواوين العرب، والمفضليات (2: 197).

([6]) البيت في المجمل واللسان (شكم) بدون نسبة، وروايتهما: "جزل العطاء".

([7]) في الأصل: "شديد النفس"، تحريف.

([8]) صدره في الديوان 450، واللسان (شكم):

* فأبقوا عليكم واتقوا ناب حية *.

([9]) التكملة من المجمل.

([10]) أبا يسار، نصب على النداء، انظر أمثال الميداني.

([11]) التكملة من المجمل.

([12]) الإعتاب: الإرضاء. وفي الأصل: "اعتنى"، صوابه في المجمل.

([13]) ديوان الأعشى 72 واللسان (شكر). برواية: "في الربيع حجون". وأنشده في (رهب) بروايتنا هذه بدون نسبة. وفي الأصل: "في الصيف"، تحريف.

([14]) في الأصل: "خلفة"، صوابها من اللسان. وفي المجمل: "ناقة".

([15]) هذه الكلمة والتي قبلها مما فات صاحب اللسان. وقد ذكرهما في القاموس.

 

ـ (باب الشين واللام وما يثلثهما)

(شلو) الشين واللام والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ يدلُّ على عضوٍ من الأعضاء، وقد يقال الجسدُ نفسه. فيقول أهلُ اللُّغة: إنَّ الشِّلو العُضو. وفي الحديث عن عليّ عليه السلام: "ايتِني بِشلوها الأيمن". ويقال إنَّ بني فلانٍ أشلاءٌ في بني فلان، أي بقايا فيهم. وكان ابن دريد يقول([1]): "الشِّلو شِلو الإنسان، وهوجَسَدُه بعد بِلاهُ". والذي ذكرناه من حديث عليّ "ايتني بشِلْوها الأيمن" يدلُّ على خلاف هذا القول. فأمَّا إشلاء الكلب، فيقولون: إشلاؤه: دعاؤه. وحُجّته قولُ القائل:‏

* أشليتُ عَنزِي ومسحتُ قَعْبِي([2]) *‏

وهذا قياسٌ صحيح، كأنّك لمّا دعوتَه أشليته كما يُشتَلى الشِّلو من القِدر، أي يرفع. وناسٌ يقولون: أشليتُه بالصَّيد: أغريتُهُ، ويحتجُّون بقول زيادٍ الأعجم:‏

أتينا أبا عمروٍ فأَشْلَى كلابَه *** علينا فكِدْنا بين بَيْتَيْهِ نُؤكَلُ([3])‏

وحدّثَنا عليُّ بن إبراهيمَ القطان، عن ثعلب، عن ابن الأعرابيّ قال: يقال: أشليتُهُ، إذَا أغريْتَه.‏

(شلح) الشين واللام والحاء ليس بشيء. يقولون: إنَّ الشَّلْحاء: السَّيف([4]).‏

ــــــــــــــــ

([1]) الجمهرة (3: 71).‏

([2]) لأبي النجم العجلي، كما في اللسان (قأب). وأنشده في (شلا) بدون نسبة. وبعده:‏  * ثم تهيأت لشرب قأب *.‏

([3]) كلمة : "علينا" ساقطة من الأصل، وإثباتها من المجمل واللسان. وأشار صاحب اللسان إلى رواية: "فأغرى كلابه".‏

([4]) زاد في اللسان: "بلغة أهل الشحر".‏

 

ـ (باب الشين والميم وما يثلثهما)

(شمت) الشين والميم والتاء أصلٌ صحيح، ويشذُّ عنه بعضُ ما فيه إشكالٌ وغموض. فالأصل فرَحُ عدوٍّ ببليّةٍ تصيبُ مَنْ يعاديهِ. يقال: شَمِتَ به يَشْمَت شَماتةً، وأشمَتَه الله عزّ وجلّ بعدوِّه. وفي كتاب الله تعالى: {فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأَعْداءَ}  [الأعراف 149]،. ويقال بات فلانٌ بليلةِ الشَّوامت، أي بليلة سَوء تُشمت به الشَّوامت. قال:

فارتاعَ مِن صوتِ كَلاَّبٍ فبات لـه *** طَوعَُ الشَّوامتِ مِنْ خوفٍ ومن صَرَدِ([1])

ويقال: رجع القوم شَمَاتَى أو شِمَاتاً من متوجَّههم، إِذا رَجَعُوا خائبين. قال ساعدة في شعره([2]).

والذي ذكرتُ أنَّ فيه غموضاً واشتباهاً فقولهم في تشميت العاطس، وهو أَنْ يقالَ عند عُطاسه: يرحُمُك الله. وفي الحديث: "أنَّ رجُلين عَطَسا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فشمَّتَ أحدَهما ولم يشمِّت الآخر، فقيل لـه في ذلك، فقال: إنَّ هذا حمِدَ الله عزَّ وجلَّ وإنَّ الآخرَ لم يَحمَد الله عزَّ وجلَّ". قال الخليل: تشميت العاطِس دعاءٌ لـه، وكلُّ داعٍ لأحدٍ بخير فهو مشمِّتٌ لـه. هذا أكثرُ ما بلَغَنَا في هذه الكلمة، وهو عِندي من الشّيء الذي خفيَ عِلْمُهُ، ولعلّه كانَ يُعلَم قديماً ثمَّ ذَهَبَ بذهاب أهله.

وكلمة أخرى، وهو تسْمِيَتهم قوائم الدّابّة: شوامت. قال الخليل: هو اسمٌ لها. قال أبو عمرو: يقال: لا ترك الله لـه شامِتة: أي قائمة. وهذا أيضاً من المشِكل؛ لأنَّه لا قياس يقتضي أن تسمَّى قائمةُ ذي القوائم شامتة. والله أعلم.

(شمج) الشين والميم والجيم أصلٌ يدل على الخلْط وقلّة ائتلافِ الشيء. يقال شَمَجه يَشْمُجُه شَمْجاً، إذا خلطه. وما ذاق شَمَاجاً، أي شيئاً من طعام. ويقولون: شَمَجوا، إذا اختبزوا خبزاً غِلاظاً، ويستعار هذا حتَّى يقال للخياطة المتباعدة شَمْج. يقال شمج الثوبَ شَمْجَاً يَشْمُج. وقياس ذلك كله واحد.

(شمخ) الشين والميم والخاء أصلٌ صحيح يدل على تعظُّم وارتفاع. يقال جَبَلٌ شامخٌ، أي عالٍ. وشَمَخَ فلانٌ بأنفه، وذلك إذا تَعَظَّمَ في نفسه. وشَمْخٌ: اسم رجل.

(شمر) الشين والميم والراء أصلان متضادّان، يدلُّ أحدُهما على تقلّص وارتفاع، ويدلُّ الآخر على سَحْبٍ وإِرسال.

فالأوّل قولهم: شمَّر للأمر أذياله. ورجل شَمّرِيٌّ: خفيف في أمره جادٌّ قد تشمَّرَ له. ويقال شاةٌ شامرٌ([3]): انضمَّ ضَرْعُها إلى بَطْنها. وناقة شِمِّير: مشمِّرة سريعة، في شعر حُميد([4]).

والأصل الآخر: يقال شَمَرَ يَشْمُر، إِذا مَشَى بخُيَلاء. ومَرَّ يَشْمُر. ويقال منه: شَمَّرَ الرَّجُل السَّهمَ، إِذا أَرسَلَه.

(شمس) الشين والميم والسين أصلٌ يدلُّ على تلوُّنٍ وقِلَّة استقرار. فالشَّمس معروفة، وسمِّيت بذلك لأنَّها غير مستقرّة، هي أبداً متحرّكة. وقُرئَ:{والشَّمْسُ تَجْرِي لاَ مُسْتَقَرَّ لَهَا([5])}  [يس 38]. ويقال شَمَسَ يومُنا، وأشمس، إذَا اشتدّت شمسُهُ. والشَّموس من الدوابّ: الذي لا يكاد يستقرّ. يقال شَمَسَ شِماساً. وامرأةٌ شَموسٌ، إِذا كانت تنفر من الرِّيبَة([6]) ولا تستقرُّ عندها؛ والجمع شُمُس. قال:

شمُسٌ مَوَانِعُ كلِّ ليلةِ حُرَّةٍ *** يُخْلِفْن ظنَّ الفاحش المِغيارِ([7])

ورجلٌ شموسٌ، إِذا كان لا يستقرُّ على خُلُق، وهو إلى العُسْر ما هو. ويقال شمِسَ لي فلانٌ، إِذا أبدَى لك عداوتَهُ. وهذا محمولٌ على ما ذكرناهُ من تغيُّر الأخلاق. فهذا قياسُ هذا الاسم، وأمَّا ما سمَّت العرب به فقال ابن دريد: "وقد سمَّت العرب عَبد شمسٍ". قال: "وقال ابنُ الكلبيّ: الشّمس صَنَمٌ قديم. ولم يذكرْه غيره". قال: "وقال قوم: شَمْسُ: عين *ماءٍ معروفة. وقد سمت العرب عَبْشَمس، وهم بنو تميم، وإليهم يُنسَب عبشمِيّ"([8]).

(شمص) الشين والميم والصاد كلمةٌ واحدة. يقال شَمَصْتُ الفَرس، إِذا نَزَّقْتَه([9]) ليتحرَّك. ويقال شمَّص إبلَه، إذا طردها طرداً عنيفاً.

(شمط) [وأما] الشين والميم والطاء فقياس صحيحٌ يدلُّ على الخُلْطَة. من ذلك الشَّمَط، وهو اختلاطُ الشَّيب بسَواد الشّباب.

ويقال لكل خليطين خلطتهما: قد شَمَطتُهما، وهما شَمِيط([10]). وقال : وبِهِ([11]) سُمّي الصّباح شَمِيطاً لاختلاطه بباقي ظُلمة اللَّيل. وقالوا: قال أبو عمرو: يقال أشمَطُوا حديثاً مرّة وشِعراً مَرّة.

ومن الباب: الشَّمَاطيط: الفِرق؛ يقال جاء([12]) الخَيل شَماطِيطَ. ويقولون: هذه القدر تَسَعُ شاةً بشَمْطِها وَبِشِمْطِها([13])، أي بما خُلِطَ معها من تَوابلها.

(شمع) الشين والميم والعين أصلٌ واحد وقياسٌ مطّرد في المِزاح وطِيب الحديث والفَكاهة وما قاربَ ذلك، وأصلُهُ قولهم: جاريةٌ شَموع، إِذا  كانت حسنةَ الحديثِ طَيِّبة النَّفْس مَزَّاحة. وفي الحديث: "مَنْ تَتَبَّع المَشمَعة يُشَمِّع الله به". وقال بعض أهل العلم: المَشْمَعَة: المِزاحُ والضّحك، ومعنى ذلك أنَّ من كانت هذه حالَه وشأنَه؛ لا أنَّه كرِهَ المِزاح والضَّحك جملةً إذا كانا في غير باطلٍ وتهزُّؤ. قال الهذليُّ وذكر ضَيْفَهُ:

سَأَبْدَؤُهُمْ بِمَشْمَعَةٍ وآتِي *** بِجُهْدِي مِنْ طعامٍ أو بِساطِ([14])

يريد أنَه يبدأ ضِيفَانَه عند نزولهم بالمزاح والمضاحكة؛ ليُؤنسَهم بذلك.

ومن الباب: أَشْمَعَ السِّرَاجُ، إِذا سَطَعَ نورُه. قال:

* كَلَمعِ بَرقٍ أو سِرَاجٍ أَشْمَعا([15]) *

وأمَّا الشَّمَْعُ فيقال بسكون الميم وفتحها، وهو معروف، وهو شاذٌّ عن الأصل الذي ذكرته.

(شمق) الشين والميم والقاف يقولون إِنَّه أصلٌ صحيح، ويذكرون فيه الشَّمَق، وهو إما النَّشَاط، وإِمَّا الوَلوع بالشيء.

(شمل) الشين والميم واللام أصلان منقاسان مطّردان، كل واحدٍ منهما في معناه وبابه.

فالأوّل يدلُّ على دَوَران الشيء بالشيء وأخْذِهِ إيّاه من جوانبه. من ذلك قولهم: شَمَِلَهم الأمرُ([16])، إذا عمَّهم. وهذا أمرٌ شاملٌ. ومنه الشَّملَة، وهي كساءٌ يُؤتَزَرُ به ويُشْتَمَل. وجمع الله شَمْله، إِذا دَعَا له بتألُّف أموره، وإِذا تألَّفَتْ اشتمل كلُّ واحدٍ منهما بالآخر([17]).

ومن الباب: شملت الشاة، إِذا جعلتَ لها شِمالاً، وهو وعاء كالكيس يدُخَل فيه ضرعُها فيشتمل عليه. وكذلك شَمَلْتُ النَّخلَة، إِذا كانت تنفضُ حَمْلَها فشُدَّت أعذاقُها بقِطَع الأكسية.

ومن الباب: المِشْمل: سيفٌ صغير يَشْتَمِل الرَّجُل عليه بثوبه.

والأصل الثاني يدلُّ على الجانب الذي يخالف اليمين. من ذلك: اليد الشِّمال، ومنه الرِّيح الشِّمال لأنها تأتي عن شمال القِبلة إذا استند المستنِد إليها من ناحية قِبلة العراق. وفي الشمول، وهي الخمر، قولان: أحدهما أنَّ لها عَصْفَةً كعَصْفَة الريح الشمال. والقول الثّاني: أنّها تَشمَل العقل. وجمع شِمال أَشْمُل. قال أبو النجم:

* يأتي لها من أَيْمُنٍ وأَشْمُلِ([18]) *

ويقال غديرٌ مشمول: تضرِبُهُ ريحُ الشِّمال حتى يبرُد. ولذلك تسمَّى الخمر مشمولة، أي إِنَّها باردة الطَّعم. فأمَّا قول ذي الرُّمَّة:

وبالشَّمائل من جَِلاّنَ مُقتِنصٌ *** رَذْل الثِّياب خفيُّ الشَّخصِ مُنْزَرِبُ([19])

فيقال إنَّه أراد القُتَر([20])، واحدتها شمالة. فإن كان أراد هذا فكَأنَّه شَبَّه القُتْرَة بالشِّمالة([21]) التي تُجعَل للضَّرع. وقد ذكرناها. ويقال: إنَّه أراد بناحية الشِّمال.

وممّا شذَّ عن هذين البابين، الشَّمَلةَ: ما بقي في النَّخلة من رُطَبها. يقال: ما بقي فيها إلاَّ شماليل. ويقال: إنَّ الشَّماليل ما تشعَّبَ من الأغصان. و*الشَّمْلَلَة: السرعة، ومنه الناقة الشِّملال والشِّمْليل. قال:

حرفٌ أخُوها أبوها من مُهجَّنةٍ *** وعمُّها خَالُها قَوْداءُ شِمليلُ([22])

ـــــــــــــــــ

([1]) للنابغة، في ديوانه 19 واللسان (شمت).

([2]) في المجمل وصحاح الجوهري: "وهو في شعر ساعدة". قال ابن بري: ليس هو في شعر ساعدة كما ذكر الجوهري، وإنما هو في شعر المعطل الهذلي، وهو:

فأبنا لنا مجد العلاء وذكره *** وآبوا علينا فلها وشماتها

قلت: وقصيدته هذه في شرح السكري للهذليين 277 ونسخة الشنقيطي 109. لكن هذا البيت روي أيضاً منسوباً لساعدة بن جؤية في ملحق القسم الثاني من مجموعة أشعار الهذليين 45.

([3]) يقال شامر وشامرة أيضاً، كما في القاموس، واقتصر في اللسان على "شامرة".

([4]) زاد في المجمل: "والشماخ".

([5]) هي قراءة ابن مسعود، وابن عباس، وعكرمة، وعطاء، وزين العابدين، والباقر، وابنه الصادق، وابن أبي عبلة. قرؤوا جميعاً بالنفي وبناء "مستقر" على الفتح، ما عدا ابن أبي عبلة فقرأها بالرفع على إعمال "لا" عمل ليس، كقوله:

تعز فلا شيء على الأرض باقيا *** ولا وزر مما قضى الله واقيا

انظر تفسير أبي حيان (7: 336).

([6]) في الأصل: "الزينة"، تحريف.

([7]) للنابغة في ديوانه 36، وقد سبق في (2: 6).

([8]) هذه النصوص الثلاثة من الجمهرة (3: 23).

([9]) وكذا في المجمل. وعبارة اللسان: "وشمص الفرس: نخسه أو نزقه ليتحرك"، مع ضبط "شمص" بالتشديد. والفعل يقال بالتخفيف وبالتشديد، كما في القاموس: ويقال نزق الفرس بالتشديد، وأنزقه أيضاً، إذا ضربه حتى ينْزو وينْزق.

([10]) في الأصل: "شمط" مع ضبط الميم بالكسر، صوابه في المجمل واللسان.

([11]) في الأصل: "رؤية" صوابه في المجمل.

([12]) في المجمل: "جاءت".

([13]) في اللسان: "الناس كلهم على فتح الشين من شمطها إلا العكلي فإنه يكسر الشين".

([14]) للمتنخل الهذلي، كما في اللسان (شمع). وقصيدته في القسم الثاني من مجموعة أشعار الهذليين 89 ونسخة الشنقيطي 47.

([15]) في اللسان: "كلمح برق". وفي المخصص (11: 39): "كمثل برق".

([16]) يقال من بابي نصر وفرح.

([17]) في الأصل: "إذا تألف اشتمل كل واحد منهما بالآخر"، تحريف.

([18]) البيت في اللسان (13: 387) وأمالي ابن الشجري (1: 306).

([19]) ديوان ذي الرمة 14 واللسان (زرب، شمل). و"جلان" ضبط في اللسان والقاموس بفتح الجيم، وفي الديوان والاشتقاق 196 والمجمل بالكسر.

([20]) القتر : جمع قترة، كغرف وغرفة، وهي حفرة يكمن فيها الصائد.

([21]) لم يذكر في المعاجم المتداولة إلا "الشمال" بدون هاء.

([22]) لكعب بن زهير كما سبق في (أشر، حرف).

 

ـ (باب الشين والنون وما يثلثهما)

(شنأ) الشين والنون والهمزة أصلٌ يدلُّ على البِغضة والتجنُّب للشيء. من ذلك الشَّنُوءَة، وهي التقزُّز؛ ومنه اشتقاق أَزْدِشَنوءة. ويقال: شَنِئَ فُلانٌ فلاناً إِذا أَبغَضَه. وهو الشَّنَآن، وربما خَفَّفوا فقالوا: الشَّنَان. وأنشدوا:

فما العيشُ إلاَّ ما تَلَذُّ وتَشْتَهي *** وإِنْ لاَمَ فيه ذو الشَّنَانِ وأَفْنَدَا([1])

والشنْءُ: الشَّنَآن أيضاً. ورجلٌ مِشناءٌ على مِفعال، إِذا كان يُبْغِضُه النَّاسُ([2]). وأمَّا قولهم شَنِئْت للأمر وبه، إِذا أَقرَرْت، وإِنشادُهم:

فلو كان هذا الأمرُ في جاهليَّةٍ *** شَنِئْتَ به أو غَصَّ بالماء شاربُه([3])

..................([4])

(شنب) الشين والنون والباء أصلٌ يدلُّ على بردٍ في شيء. يقولون: شَنِب يومُنا، فهو شَنِب وشانب، إِذا برد.

ومن ذلك الثّغر الأشنب، هو البارد العذب. قال:

* يا بِأبي أنتِ وفُوكِ الأَشْنَبُ([5]) *

(شنث) الشين والنون والثاء ليس بأصل، وفيه كلمة. يقولون: شَنِثَت مَشافِر البعير، إِذا غلظت من أكل الشَّوْك.

(شنج) الشين والنون والجيم كلمةٌ واحدةٌ، وهو الشَّنَجُ، وهو التقبُّض في جلدٍ وغيره.

(شنح) الشين والنون والحاء كلمة واحدة، وهي الشَّناحِيُّ، وهو الطويلُ، يقال هو شَنَاحٌ كما ترى.

(شنص) الشين والنون والصاد كلمة إن صحت. يقولون: فَرَس شَناصِيٌّ، أي طويل. قال:

* وشَنَاصيٌّ إِذا هِيجَ طَمَرْ([6]) *

ويقال:  إنما هو نَشَاصيٌّ. وحكى : شَنَِصَ به، مثل سَدِك.

(شنع) الشين والنون والعين أصلٌ واحد يدلُّ على رفْع الذِّكر بالقبيح. من ذلك الشَّناعة. يقال شَنُع الشيءُ فهو شنيع. وشَنَعتُهُ، إذا قهرتَه بما يكرهه. وذكر ناسٌ شَنَعَ فلانٌ فلاناً، إِذا سَبَّه. وأنشدوا لكُثَـيِّر:

وأسماءُ لا مَشنوعةٌ بمَلالةٍ  *** لَدَيْنا......................([7])

ويحملون على هذا فيقولون: تشنَّعت الإبل في السير، إذا جدَّت. وإنما يكون ذلك في أرفعِ السَّير، فيعود القياسُ إلى ما ذكرناهُ من الارتفاع وإن لم يكن في ذلك قبح.

(شنف) الشين والنون والفاء كلمتان متباينتان: أحدهما الشَّنْف، وهو من حَلْي الأذُن. والكلمة الأخرى: الشَّنَف: البُغض. يقال شَنِف له يَشْنَف شنَفاً.

(شنق) الشين والنون والقاف أصلٌ صحيح منقاس، وهو يدلُّ على امتدادٍ في تعلّقٍ بشيء، من ذلك الشِّناق، وهو الخيط الذي يُشَدُّ به فمُ القربة. وشَنَقَ الرَّجل بزمام ناقته، إذا فعل بها كما يفعل الفارسُ بفرسه، إذا كَبَحَه بلجامه. ويقال إنَّ الشَّنَق: طولُ الرأس، كأنما يمتدُّ صُعُداً. وفرسٌ مشنوق: طويل.

ومن الباب وهو قياسٌ صحيح: الشَّنَق نِزَاع القلب إلى الشيءِ، وذلك أنَّه لا يكون إلاّ عن عَلَقٍ، فقد يصحُّ القياس الذي ذكرناه.

فأمَّا الأشناق فواحدها شَنَق، وهو ما دون الدِّية الكاملة، وذلك أن يسوق ذُو الحمالة ديةً كاملةً، فإذا كانت معها دياتُ جراحاتٍ دون التمام فتلك الأشناق، وكأنّها متعلِّقة بالدِّية العُظمى. والذي أراده الشاعر هذا بقوله:

قَرْمٌ تُعَلَّقُ أشناقُ الدِّيات به *** إِذا المئُون أُمِرَّتْ  فَوقَه حَمَلاَ([8])

والشَّنَق، في الحديث: ما دون الفريضتين، وذلك في الإبل والغنم والبقر. وهو قولـه صلى الله عليه وآله وسلم: "لا شِناق"، أي لا يُؤخذ في الشَّنَق فَريضة حتى تتمّ. 

ومن الباب اللحم المشَنَّق، وهو المشَرَّح المقطَّع طُولاً. قال الأمويّ: يقال للعجين الذي يُقطَّع ويعمل بالزيت * : مشَنّق. ولا يكون ذلك إلا وفيه طول.

ـــــــــــــــــ

([1])  البيت للأحوص، كما في اللسان (شنأ). وروايته: "وفندا". يقال فنده وأفنده: لامه وضعف رأيه.

([2]) في هذا التفسير كلام. انظر اللسان (1:  96).

([3]) البيت ملفق من بيتين للفرزدق في ديوانه 56. وهما:

فلو كان هذا الحكم في جاهلية  *** عرفت من المولى القليل حلائبه

ولو كان هذا الأمر في غير ملككم *** لأديته أو غص بالماء شاربه

ورواه في اللسان (شنأ):

ولو كان في دين سوى ذا شنئتم *** لنا حقنا أو غص بالماء شاربه

([4]) هنا سقط لم يبيض له. وتقديره: "فكلام فيه نظر".

([5]) البيت من شواهد ابن هشام في أوضح المسالك وقطر الندى، في (باب اسم الفعل)، ورواه: "وابأبي"، ونسب إلى راجز من بني تميم. وانظر العيني (4: 310).

([6]) للمرار بن منقذ في المفضليات (1: 82) واللسان (شنص). وفي المفضليات: "فإذا طؤطئ طيار طمر". وصدره:  * شندف أشدف ما روعته *.

([7]) وكذا ورد إنشاده منقوصاً في المجمل. وتمامه، كما في اللسان:

* لدينا ولا مقلية باعتلالها *

([8]) للأخطل في ديوانه 143 واللسان (شنق).

 

 

ـ (باب الشين والهاء وما يثلثهما)

(شهو) الشين والهاء والحرف المعتل كلمة واحدة، وهي الشّهوة. يقال: رجلٌ شَهْوانُ، وشيءٌ شَهِيّ.

(شهب) الشين والهاء والباء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على بياض في شيءٍ من سواد، لا تكون الشُّهبةُ خالصةً بياضاً. ومن ذلك الشُّهبة في الفرَس، هو بياضٌ يخالطُهُ سَواد. ويقال كَتِيبةٌ شَهباء، إِذا كانت عِليتُها بياضَ الحديد، ويقال لليوم ذي البرد والصُّرَّاد([1]): أشهبُ، والليلة الشّهباءُ. ويقال: اشهابَّ الزَّرْع، إذا هاجَ وبَقي في خِلاله شيءٌ أخضر. ومن الباب: الشِّهاب، وهو شُعلة نارٍ ساطعة. وإنَّ فُلاناً لَشِهابُ حربٍ، وذلك إذا كان معروفاً فيها مشهوراً كشُهرة الكواكب اللّوامع. ويقال إنَّ النّصل الأشهبَ الذي قد بُرِدَ بَرْداً خفيفاً حتى ذهب سوادُهُ. ويقال إنَّ الشّهاب اللّبَنَ الضَّيَاح، وإِنما سمِّيَ بذلك لأنَّ ماءَه ([2]) قد كثر فصار كالبياض الذي يخالطه لونٌ آخر.

(شهد) الشين والهاء والدال أصلٌ يدلُّ على حضور وعلم وإعلام، لا يخرُج شيءٌ من فروعه عن الذي ذكرناه. من ذلك الشَّهادة، يجمع الأصولَ التي ذكرناها من الحضور، والعلم، والإعلام. يقال شَهد يشهد شهادةً. والمَشهد: محضر النّاس.

ومن الباب: الشُّهود: جمع الشاهد، وهو الماء الذي يخرج على رأس الصبيّ إِذا وُلد، ويقال بل هو الغِرْس([3]). قال الشاعر:

فجاءَت بمثل السّابرِي تَعجَّبُوا  *** لهُ والثَّرَى ما جفَّ عنه شُهودها([4])

وقال قوم: شهود النّاقة: آثار موضع مَنْتَجِها من دمٍ أو سَلَىً. والشَّهيد: القتيل في سبيل الله، قال قومٌ: سمِّيَ بذلك لأنّ ملائكة الرحمة تشهده، أي تحضُره. وقال آخرون: سمِّي بذلك لسقوطه بالأرض، والأرض تسمَّى الشاهدة. والشاهد: اللِّسان، والشَّاهد: المَلَك. وقد جمعهما الأعشى في بيت:

فلا تحسَِبَنّي كافراً لك نعمةً *** عَلَى شاهِدِي يا شاهِدَ اللهِ فاشْهَدِ([5])

فشاهده: اللسان: وشاهد الله جلَّ ثناؤه، هو المَلَك، فأمَّا قوله جلَّ وعزَّ:

{شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُو}  [آل عمران 18]، فقال أهلُ العِلم: معناه أَعلَمَ الله عزَّ وجلَّ، بيَّن اللهُ، كما يقال: شَهِدَ فلانٌ عند القاضي، إذا بيَّنَ وأعلَمَ لمن الحقُّ وعلى مَنْ هو. وامرأةٌ مُشْهِد، إِذا حضر زوجها، كما يقال للغائب زوجُها: مُغِيب. فأمَّا قولهم أشْهَدَ الرّجُلُ، إِذا مَذَى، فكأنَّهُ  محمولٌ على الذي ذكرناه من الماء الذي يخرج على رأس المولود.

ومما شذّ عن هذا الأصل: الشُّهْد: العسلُ في شَمَعِها؛ ويجمع على الشِّهاد. قال:

إلى رُدُحٍ من الشِّيزَى مِلاءٍ  *** لُبابَ البُرِّ يُلبَكُ بالشِّهادِ([6])

(شهر) الشين والهاء والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على وضوحٍ في الأمر وإِضاءة. من ذلك الشَّهر، وهو في كلام العرب الهِلال، ثمَّ سمِّي كلُّ ثلاثين يوماً باسم الهلال، فقيل شهر. قد اتَّفق فيه العربُ والعجم؛ فإنَّ العجم يسمُّون ثلاثين يوماً باسم الهلال في لغتهم. والدليل على هذا قولُ ذي الرّمّة:

فأَصْبَحَ أَجْلَى الطرفِ ما يستزيدُهُ *** يَرَى الشَّهرَ قبلَ الناسِ وهو نحيلُ([7])

والشُّهرة: وضوح الأمر. وشَهَرَ سيفَه، إِذا انتضاه. وقد شُهِر فلانٌ في الناس بكذا، فهو مشهور، وقد شَهَرُوه. ويقال: أَشْهَرْنا بالمكان، إِذا أَقَمنا به شهراً. وشَهْرانُ: قبيلة.

(شهق) الشين والهاء والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على علوّ. من ذلك جبلٌ شاهِق، أي عال. ثمَّ اشتُقَّ من ذلك الشَّهيق: ضدّ الزَّفير؛ لأنَّ الشَّهيق ردُّ النّفَس، والزّفير إخراج النَفَس. والأصل في ذلك ما ذكرناه. وقال بعضهم: فلان ذو شاهقٍ، إِذا اشتدَّ غضبُه. ولعلَّه أن *يكون مع ذلك صوت.

(شهل) الشين والهاء واللام أصلٌ في بعض الألوان، وهي الشُّهْلة في العين، وذلك أن يَشُوبَ سوادَها زُرْقة.

ومما ليس في هذا الباب: امرأةٌ شهلة، قالوا: هي النَّصَف العاقلة. قالوا: وذلك اسمٌ لها خاصّةً، لا يوصَف به الرجل. كذا قال أهل اللُّغة. فأمَّا العرب فقد سمَّت بشَهْل، وهو الفِند الزِّمَّانيّ، يقال إنّ اسمَه شَهْل بن شيبان.

ومما شذَّ أيضاً: المشاهَلة: المُشَارَّة، وأظنُّ الشين مبدلةً من جيم. وكذلك قولهم للحاجَةِ: شهلاء، وهو من باب الإبدال، والأصل الكاف: الشَّكْلاء.

(شهم) الشين والهاء والميم أصلٌ يدلُّ على ذَكاء. يقال من ذلك: رجلٌ شَهْمٌ.  وربَّما قالوا للمذعور: مَشهوم، وهو قياسٌ صحيح لأنَّه إذا تَفَزَّعَ بَدَا ذكاءُ قلبِه([8]). ويقولون: إنَّ الشَّهامَ السِّعلاة. فإنْ صحَّ هذا فهو أيضاً من الذكاء. والشَّيهم: القنفذ؛ وليس ببعيدٍ أن يكون من قياس الباب. وفيه يقول الأعشى:

لَئِنْ جَدَّ أسبابُ العداوةِ بيننا  *** لترتَحِلَنْ منِّي على ظهر شَيهمِ([9])

والله أعلم.

ـــــــــــــــــــ

([1]) الصراد: ريح باردة مع ندى.

([2]) في الأصل: "لأنه ما"

([3]) في الأصل : "الفرس"، صوابه في المجمل واللسان. والغِرس، بكسر الغين: جلدة رقيقة تخرج مع الولد عند خُروجه.

([4]) لحميد بن ثور الهلالي، كما في اللسان (شهد).

([5]) ديوان الأعشى 133، واللسان (شهد).

([6]) لأمية بن أبي الصلت، وقد سبق إنشاده وتخريجه في (2: 312).

([7]) ديوان ذي الرمة 671، وأنشد عجزه في اللسان (شهر).

([8]) في الأصل: "إذا تفرع ذكاء قلبه".

([9]) ديوان الأعشى 95 واللسان (شهم).

ـ (باب الشين والواو وما يثلثهما)

(شوي) الشين والواو والياء يدلُّ على الأمر الهيِّن. من ذلك الشَّوى وهو رُذال المال. قال:

أَكَلْنا الشَّوَى حَتَّى [إِذا لم تَجِدْ شَوىً([1])] ***  أَشَرْنا إلى خيراتها بالأصابعِ

ومن ذلك الشَّوَى: جمع شَواة، وهي جِلْدة الرأس. والشَّوَى: الأطراف، وكلُّ ما ليس بمَقتل. وكلُّ أمرٍ هَيّنٍ شَوىً. ويقولون في الإتباع: عَيِيٌّ شَوِيٌّ. قال ابن دريد([2]): هو من الشَّوى، وهو الرُّذَال. ويقال رميتُ الصَّيدَ فأَشْوَيْتُهُ، إِذا أَصَبْتَ شَواهُ، وهي أطرافه. والشَّوايا: بقيَّة قومٍ هَلَكوا، الواحِد شَوِيَّة؛ وإِنَّما  سمِّيت بذلك لقلَّتها وهُونِها. قالوا: والشّواية([3]) الشيء الصغير من الكبير، كالقِطعة من الشّاة. ويقال: ما بَقِيَ من المال إِلا شَُِـوايَة، أي شيءٌ يسير. والذي لا نشكُّ فيه أنَّ الشِّواء مشتقٌّ من هذا؛ لأنّه إِذا شُوِيَ فكأنَّه قد أهين. فإن قال قائل: فينبغي أن يكون إِذا قُدِر وكبِّب([4]): شِواءٌ لأنَّه  قد أهين. قيل لـه: نحن نعلِّل ما يقوله العربُ حتَّى نردَّه إلى أصلٍ مطَّرد متّفَقٍ عليه، فأمَّا ما سوى ذلك فليس لنا ما نفعلَه. وتقول: شَوَيتُ اللَّحمَ شَيَّاً واشتويتُهُ، فأنا مشتوٍ. قال الشاعر:

* فاشتوَى ليلةَ ريحٍ واجْتَمَلْ([5]) *

ويقال انْشَوَى اللَّحم. قال:

قَد انشَوى شِواؤنا المرَعْبل([6]) *** فاقترِبوا إلى الغَداءِ فكلُوا

قال الخليل: الإشواء: الإبقاء أو في معناه([7])، حتى يقول بعضهم: تعشَّى فلانٌ فأَشْوَى من عَشَائِه، أي أبقى. قال:

فإنَّ من القول التي لا شَوى لها *** إِذا زلَّ عن ظهر اللِّسان انفلاتها([8])

أي لا بقيَّةَ لها. والأصلُ يَرجع إلى ما أصَّلناه.

(شوب) الشين والواو والباء أصلٌ واحدٌ، وهو الخَلْط. يقال: شُبْتُ الشيءَ أشوبُه شَوباً. قال أهلُ اللُّغة: وسمِّي العَسَل شَوباً، لأنَّه كان عندهم مِزاجاً لغيره من الأشربة. والشِّياب: اسمٌ لما يُمزَج به. ويقولون: ما عنده شوبٌ ولا رَوب. فالشَّوب: العَسَل. والرّوب: اللبن الرائب.

 

(شوذ) الشين والواو والذال ليس فيه إلاَّ المِشْوَذ، وهي العمامة. قال الوليد بن عقبة:

إِذا ما شددتُ الرأس مِنّي بِمشوذٍ *** فَغَيَّكِ مِنِّي تغلبَ ابنةَ وائلِ([9])

(شور) الشين والواو والراء أصلان مطَّردان، الأوَّل منهما إبداء شيء وإِظْهارُهُ وعَرْضه، والآخر أخْذ شيء.

فالأوَّل قولهم: شُرت [الدَّابّة([10]) ] شَوْراً، إِذا عَرضْتَها. والمكان الذي يُعْرض فيه الدَّوابّ هو المِشوار. يقولون: "إِيَّاكَ والخُطَبَ * فإنَّها مِشْوارٌ كثير

العِثار".

قال بعض أهل اللغة في قولهم شَوّرَ بِهِ، إذا أخجله: إِنما هو من الشُّوار، والشُّوار: فَرْج الرّجُل. ومن ذلك قولهم: أَبْدَى الله شُواره. قال: فكأنَّ قولَه شَوّر به، أراد أَبْدَى شواره حتَّى خَجِل.  قال: والشَّوار([11]): مَتاع البيت أيضاً. فإنْ كان صحيحاً فلأنَّه مِن الذي يُصان كما يصُون الرّجلُ ما عنده.

والباب الآخر: قولهم: شُرْت العسلَ أَشُوره. وقد أجاز ناسٌ: أَشَرْت العسَل، واحتجُّوا بقوله:

وَسَمَاعٍ يأذَنُ الشّيخُ لـهُ  *** وحديثٍ مثلِ ماذِيّ مُشَارِ([12])

[وقال الأصمعيّ: إنما هو "ماذيِّ مَشارِ"]([13]) على الإضافة. قال: والمَشار: الخليَّة يُشتار منها العَسَل.

قال بعض أهلُ اللُّغة: من هذا الباب شاورتُ فلاناً في أمري. قال: وهو مشتقٌّ من شَوْر العسل([14])، فكأنَّ المستشير يأخذ الرأيَ من غيره.

قالوا: ومما اشتُقّ من هذا قولهم في البعير: هو مُستشِير، وهو البعير الذي يعرف الحائلَ من غير الحائل. وأنشد:

أَفزَّ عنها كلَّ مستشيرِ *** وكلَّ بَكْرٍ داعِرٍ مِئْشِيرِ([15])

ويقال : بل هو السَّمين.

(شوس) الشين والواو والسين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على نَظَرٍ بتغيُّظ. من ذلك الشَّوَس: النَّظَرَ بأحد شِقَّي العين تغيُّظاً. ورجلٌ أشوسُ من قومٍ شُوس. ويقال هو [الذي ([16])] يصغِّر عينيه ويضمُّ أجفانه.

(شوص) الشين والواو والصاد أصلٌ يدلّ على زعزعةِ شيءٍ وَدَلْكِه. من ذلك الشَّوْص، وهو التسوُّك بالسِّواك. وفي الحديث: "أنَّه كان يَشُوص فاه بالسِّواك". وقال امرؤ القيس:

بأَسوَدَ ملتفِّ الغدائرِ واردٍ  *** وذي أُشُرٍ تَشُوصه وتمُوصُ([17])

والشّوْص: الدلْك، وقد يقال في الثَّوْب أيضاً. ويقال شاص الشيء، إِذا زَعزَعَه. وأما الشَّوْصة فداءٌ يقال إنَّه يتعقَّد في الأضلاع.

(شوط) الشين والواو والطاء أصلٌ يدلُّ على مضيٍّ في غير تثبُّت ولا في حَقٍّ. من ذلك قولُهم جَرى شَوطاً أي طَلَقاً. ويقولون للضَّوءِ الذي يدخل البيوتَ من الكُوّة: شَوط باطلٍ. وكان بعض الفقهاء يكره أن يقال: طاف بالبيت أشواطاً، وكان يقول: الشَّوط باطل، والطّوافُ بالبيت من الباقيات الصالحات.

(شوظ) الشين والواو والظاء كلمة واحدة صحيحة، فالشوَاظ: شُواظُ اللّهب من النار لا دُخانَ معه. قال تعالى: شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ[الرحمن 35].

(شوع) الشين والواو والعين أصلٌ يدل على انتشارٍ وتفرُّق. من ذلك: الشَّوَع، وهو انتشار الشَّعْر وتفرُّقه. والشُّوع: شَجَر([18]) ولَعله متفرِّق النبت.

(شوف) الشين والواو والفاء أصلٌ واحد، وهو يدلُّ على ظهور وبُروز. من ذلك قول العرب: تَشَوَّفَت الأوعالُ، إذا عَلَتْ مَعاقل الجبال. ثم حُمِل على ذلك واشتُقَّ منه: تشوَّفَ فُلانٌ للشَّيء، إذا طَمَح به، ثمَّ قِيلَ لجَلْو الشيء شَوف. تقول: شُفْتُه أشوفُهُ شَوفاً. والمَشُوف: المجلُوّ. والدِّينار المَشُوف من ذلك. وفيه يقول عنترة:

* رَكَدَ الهواجرُ بالمَشُوفِ المُعْلَمِ([19]) *

وإِنَّما سمِّيَ ذلك شَوفاً لأنَّه يبرز به عن وجهِهِ ولونه. ويقال من ذلك: تشوَّفَت المرأةُ، إِذا تزيَّنَت. ويقال إنَّ الجَمل المَشُوف: الهائج. قال:

* مِثْلِ المَشُوفِ هَنَأْتَه بعَصِيمِ([20]) *

وقال قوم في البيت: إنَّما هو "المَسُوف" بالسين، وهو الفَحل الذي تَسوفُه الإِبل، أي تشمّه([21]). ويقال اشتافَ فلانٌ، إِذا تطاوَلَ ونظَر. وأشافَ على الشيء، إِذا أَوفَى عليه وأَشْرَفَ. ومن ذلك سُمِّي الطَّليعةُ الشَّيِّفَة.

(شوق) الشين والواو والقاف يدلُّ على تعلُّق الشّيء بالشيء، يقال شُقتُ الطُّنُب، أي الوتِد، واسم ذلك الخيط الشِّيَاق. والشَّوْق مثل النَّوْط، ثم اشتقَّ من ذلك الشَّوق، وهو نزاعُ النَّفْس إلى الشيء. ويقال شاقَنِي يَشُوقُني، وذلك لا يكون إلاَّ *عن عَلَق حُبّ.

(شوك) الشين والواو والكاف أصلٌ واحِدٌ يدلُّ على خشونةٍ وحدَّةِ طرَفٍ في الشّيء. من ذلك الشَّوك، وهو معروف. يقال شجرةٌ شَوِكَة وشائكة ومُشِيكة([22]). ويقال شاكَني الشّوكُ. وأَشَكْتُ فلاناً، إِذا آذَيتَه بالشَّوك. وشوَّكَ الفرخ، إِذا أَنْبَت([23]). ويشتقُّ من ذلك الشَّوْكة، وهي شدة البَأس. ويقال جاء بالشَّوك والشَّجر([24])، أي في العدد الجَمّ. ويقال بُرْدةٌ شَوكاء، وهي الخَشِنة المَسِّ من جِدّتها، وقيل هي الخشنة النَّسْج. ويقال: شَوَّكَ ثَديُ المرأةِ، إذا انتصب وتَحدَّد طَرَفه. ويقال شوَّك البعير، إِذا طالت أنيابُهُ.

(شول) الشين والواو واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الارتفاع. من ذلك شالَ المِيزان، إِذا ارتفعت إحدى كِفّتَيه. وأَشَلْت الشّيءَ: رفعتُهُ، والشَّول من الإِبل: التي ارتفت ألبانُها، الواحدة شائلة. والشوَّل: اللواتي تَشُول بأذنابها عند اللِّقاح، الواحدة شائل. وزعم قومٌ أنّ شَوّالاً سمِّي بذلك لأنَّه وافق وقتَ أن تشولَ الإبل. والشَّوْلة: نجم، وهي شَوْلة العقرب، وهي ذَنَبها. وتسمَّى العقربُ شَوّالة([25]). ويقال تشاوَلَ  القَومُ بالسِّلاح عند القتال، وذلك أَنْ يُشيل كلٌّ السِّلاح لصاحِبه. فأمَّا الماء القليل فيسمى شَولاً، لأنَّه إِذاً قد خف وسَرُع ارتفاعه وذهابه. قال:

* وصَبَّ رُواتُها أشوالَها([26]) *

ويسمَّى الخادم الخفيف في الخِدمة: شَوِلاً؛ لسرعة ارتفاعه فيما ينهض فيه.

(شوه) الشين والواو والهاء أصلان: أحدهما يدلُّ على قُبح الخِلقة، والثاني نوعٌ من النَّظَر بالعين.

فالأوّل الشَّوَه: قُبح الخلقة؛ يقال شاهَت الوجوه أي قَبُحت. وشوَّهه الله فهو مشوَّه. وفي الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم رَمَى المشركين بالتُّراب وقال: "شاهت الوُجوه". وأمَّا الفرس الشَّوهاء فالتي في رأسها طُول.

وأمّا الأصل الآخر فقالوا: رجل شائِهُ البصر، إذا كان حديد البصَر. ويقال شاهِي البَصَر أيضاً، وكأنه من المقلوب. ويقال الأشْوَه الذي يُصيب النَّاسَ بالعين. ويقولون: لا تَشَوَّه عَلَيَّ([27])، إِذا قال ما أحَسَنَك، أي لا تُصِبْني بعينك.

ومما شذّ عن الباب: الشَّاة. قالوا: أصل بنائها من هذا، يقال تشوَّهْت شاةً، أي أخذتها.

ــــــــــــــــــ

([1]) التكملة من اللسان (شوا) والمخصص (14: 29/ 15: 166). والبيان (3: 342).

([2]) الجمهرة (3: 430).

([3])  الشواية، بتثليث حركات الشين.

([4]) قدر: طبخ في القدر. كبب عمل كباباً، وهو ضرب من اللحم المقلي يعرفُ بالطباهجة. وفي الأصل: "كتب"، تحريف.

([5]) البيت للبيد في ديوانه 12 طبع 1881 واللسان (شرا). وصدره: * أو نهته فأتاه رزقه *.

([6]) في الأصل: "فلما انشوى"، صوابه من المجمل واللسان.

([7]) في المجمل: "وفي معناها".

([8]) لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 163، وأنشده في اللسان (شوا) بدون نسبة. وفي الأصل: "الذي لا شوى"، صوابه من المجمل واللسان والديوان.

([9]) أنشده في اللسان (شوذ) قال: "وكان قد ولي صدقات تغلب". وعقب عليه بقوله: "يريد غياً لك ما أطوله مني". في الأصل: "غيك عني".

([10]) التكملة من المجمل.

([11]) الشوار هذا بتثليث الشين.

([12]) لعدي بن زيد، كما في اللسان (شور، أذن)، برواية: "في سماع".

([13]) التكملة من المجمل. ونحوها في اللسان.

([14]) في الأصل: "شوار العسل"، تحريف.

([15]) الرجز في اللسان (شور).

([16]) التكملة من المجمل.

([17]) ماص الشيء يموصه: غسله.

([18]) في المجمل: "الشوع: شجر البان". وفي اللسان: "والشوع بالضم: شجر البان، وهو جبلي".

([19]) لعنترة في معلقته: وصدره: * ولقد شربت من المدامة بعدما  *

([20]) البيت للبيد في ديوانه 88 طبع 1880 واللسان (شوف). وصدره :

* بخطيرة توفي الجديل سريحة *.

([21]) في الأصل: "تسوقه الإبل أي تشبه"، تحريف.

([22]) وشاكة أيضاً.

([23]) وكذا في المجمل، وفي اللسان: "وشوك الفرخ تشويكا: خرجت رؤوس ريشه".

([24]) هذه العبارة بعينها في المجمل، ولم تذكر في اللسان والقاموس. وذكرها الزمخشري في أساس البلاغة.

([25]) في اللسان: "وشولة وشوالة: العقرب: اسم علم لها".

([26]) للأعشى في ديوانه 26 واللسان (شول). وهو بتمامه:

حتى إذا لمع الدليل بثوبه *** سقيت وصب رواتها أشوالها

([27]) تشوه أي تتشوه، بحذف إحدى التاءين، كذا ضبطت في الأصل والمجمل. ويقال أيضاً: لا تشوه، من التشويه. كما في اللسان.

 

ـ (باب الشين والياء وما يثلثهما)

(شيأ) الشين والياء والهمزة كلمةٌ واحدة. يقال شَيَّأ الله وجْهَه؛ إِذا دعا عليه بالقُبح. ووجهٌ مُشَيَّأٌ.وأنشد:

إِنَّ بَنِي فزارةَ بنِ ذُبيانْ ***

قد طَرَّقَتْ ناقتُهم بإنسانْ

مُشَيَّأٍ أعجِبْ بِخَلْقِ الرَّحمن([1])

(شيب) الشين والياء والباء. هذا يقرب من باب الشين والواو والباء، وهما يتقاربان جميعاً في اختلاط الشّيء بالشيء. من ذلك الشَّيب: شَيب الرأس؛ يقال شاب يَشيب. قال الكسائيّ: شيّب الحُزنُ رأَسَه وبرأسه، وأشابَ الحُزْن رأسَه وبرأْسه. والرجل إِذا شابَ فهو أَشْيَب. والشِّيب: الجبال يسقُط عليها الثلج، وهو من الشَّيْب. وقال الشاعر:

شيوخٌ تَشِيب إِذا ما شتَت  *** وليسَ المشيبُ عليها معيبا

يريد الجبال إِذا ابيضَّت من الثلج. ووجدت في تفسير شعر عبيد في قوله:

* والشَّيبُ شَينٌ لمن يشِيبُ([2]) *

أنَّ الشَّيب والمَشِيب واحد. قال: وقال الأصمعيّ: الشَّيب: بياض الشَّعر، والمشيبُ: دخولُ الرَّجُل في حدِّ الشِّيبِ من الرِّجال ذوي الكِبَر والشَّيب. وقال أيضاً في هذا الموضع: قال ابن السّكّيت في قول عديٍّ:

* والرأسُ قد شابَهُ المَشِيبُ([3]) *

أراد بَيّضه المَشيب، وليس معناه خالَطَه، وأنشد:

قد رابَه ولِمِثْلِ ذلك رابَهُ  *** وَقَعَ المَشيبُ على المشيبِ فشابَهُ([4])

أي بَيَّضَ مسوَدَّه. وشِيبان ومِلْحان: شهرا *قِماح، وهما أشدُّ الشتاء برداً؛ سمِّيا بذلك لبياض الأرض بما عليها من الصَّقيع.

ومما شذَّ عن هذا الباب قولُهم: باتت فلانة بليلةِ شَيْباءَ، إِذا افْتُضَّت. وباتَتْ بليلةِ حُرّةٍ، إِذا لم تُفْتَضّ.

(شيح) الشين والياء والحاء أصلان متباينان، يدلُّ أحدهما على جِدٍّ وحَذَرٍ، والآخر على إعراض.

فأمَّا الأوَّل فقول العرب: أشاحَ على الشيءِ، إِذا واظَبَ عليه وَجَدّ فيه قال الراجز:

* قُبَّاً أطاعَت راعياً مُشِيحاً([5]) *

وقال آخر:

* وشايَحْتَ قبل اليَومِ إِنَّكَ شِيحُ([6]) *

وأمَّا الشِّياح فالحِذَار. ورجل شائحٌ. وهو قوله:

* شايَحْن منه أَيَّما شِيَاحِ([7]) *

والمَشْيُوحاء: أَنْ  يكون القومُ في أمرٍ يَبْتَدِرونه؛  يقال هم في مَشْيُوحاءَ.

وأما الآخر فيقال: أشاحَ بوجهه، أي أعرض. ويقال إِنَّ اشتقاقَه من قولهم أشاحَ  الفرسُ بذنَبه، إذا أرخاه.

ومما شذَّ عن البابين جميعاً: الشِّيح، وهو نبتٌ.

(شيخ) الشين والياء والخاء كلمة واحدة، وهي الشَّيخ. تقول: هو شيخٌ، وهو معروف، بيِّن الشَّيخوخة([8]) والشَّيَخ والتّشييخ. وقد قالوا أيضاً كلمةً، قالوا: شَيَّخت عليه([9]).

(شيد) الشين والياء والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على رفعِ الشّيء. يقال شِدْت القَصر أَشِيدُهُ شَيْداً. وهو قصرٌ مَشِيدٌ، أي معمولٌ بالشِّيد. وسمِّي شِيداً  لأنَّ به يُرفَعُ البناء. يقال قَصرٌ مَشِيدٌ أي مُطَوّل. والإشادة: رفْع الصَّوت والتنويه.

(شيص) الشين والياء والصاد. يقال إنَّ الشِّيص أردأ التَّمْر.

(شيط) الشين والياء والطاء أصلٌ يدلُّ على ذَهاب الشيء، إمّا احتراقاً وإما غَيْرَ ذلك. فالشَّيْط مِنْ شاط الشَّيءُ، إِذا احترق. يقال شيَّطت اللَّحم. ويقولون: شَيَّطه، إذا دَخَّنه ولم يُنْضِجْه. والأوَّلُ أصحُّ وأقيَس.

ومن المشتقّ من هذا : استشاط الرَّجلُ، إذا احتدَّ غضَباً. ويقولون: ناقةٌ مِشياط، وهي التي يطير فيها السِّمَن.

ومن الباب الشَّيطان، يقارب الياء فيه الواو، يقال شَاط يَشِيط، إِذا بَطَل. وأشاطَ السُّلطانُ دمَ فلانٍ، إِذا أبطَلَه. وقد مضى الكلامُ في اشتقاقِ اسم الشَّيطان.

(شيع) الشين والياء والعين أصلان، يدلُّ أحدُهما على معاضدة ومساعفة، والآخر على بَثٍّ وإشادة.

فالأوّل: قولُهم شَيَّعَ فلانٌ فلاناً عند شُخوصه. ويقال آتِيكَ غداً أو شَيْعَه، أي اليوم الذي بعده، كأنَّ الثاني مُشَيِّع للأوّل في المضيّ. وقال الشّاعر([10]):

قال الخليطُ غداً تَصَدُّعُنا  *** أو شَيْعَه أفلا تُوَدِّعُنا

وقال للشجاع : المشيَّع؛ كأنَّه لقُوَّته قد قَوِي وشُيِّع بغيره، أو شُيِّع بقُوّة.

وزعم ناسٌ أنَّ الشَّيْعَ شِبل الأسد، ولم أسمْعه من عالمٍ سَماعاً. ويقول ناس: إنَّ  الشَّيْع المِقدار، في قولهم: أقام شهراً أو شَيْعَه. والصَّحيح ما قلته، في أنَّ المشيِّع هو الذي يُساعِد الآخَر ويقارنه. والشِّيعة: الأعوان والأنصار.

وأما الآخر [فقولهم] : شاع الحديث، إِذا ذاع وانتشر. ويقال شَيَّع الراعي إِبلَه، إِذا صاح فيها. والاسم الشِّيَاع: القصبة التي ينفُخُ فيها الراعي. قال:

* حنينَ النِّيبِ تَطربُ للشِّياع *

ومن الباب قولهم في ذلك: له سهم شائع، إذا كان غير مقسومٍ. وكأنَّ من لـه([11]) سهمٌ ونَصِيب انتشرَ في السَّهم حتَّى أخذه، كما يَشِيعُ الحديثُ في الناس فيأخذ سَمع كلِّ أحد.

ومن هذا الباب: شيَّعت النّارَ في الحطب، إِذا ألهَبْتَها.

(شيق) الشين والياء والقاف كلمة. يقال إنَّ الشِّيق الشّق الضّيق في رأس الجبل. قال:

* شغْواء تُوطنُ بين الشِّيقِ والنِّيقِ([12]) *

(شيم) الشين والياء والميم أصلان متباينان، وكأنَّهما من باب الأضداد إِذْ أحدُهما يدلُّ على الإظهار، والآخَر يدلُّ على خلافه.

فالأول قولهم: شِمْت السّيفَ، إذا سللَتَه. ويقال للتُّراب الذي يُحفَر فيستخرج من الأرض الشِّيمة، والجمع الشِّيَم.* ومن الباب: شِمْت البرقَ أشِيمُه شَيماً، إِذا رَقَبْتَه تنظر أينَ يَصُوب. وهذا محمول على الذي ذكرناه من شَيْم السَّيف. وقال الأعشى:

فقلتُ للشَّرْبِ في دَُرْنا وقد ثَمِلوا *** شيموا وكيف يَشيم الشَّارِبُ الثَّمِلُ([13])

كأنّه لما رَقَبَ السَّحاب شام بَرقَه كما يُشامُ السَّيف.

والأصل الآخَر: قولُهم شِمت السّيفَ، إِذا قَرَبْتَه([14]). ومن الباب الشِّيمة: خَلِيقة الإنسان، سمِّيت شيمةً لأنَّها كأنها مُنْشامة فيه داخلةٌ مستكِنّة. والانشيام: الدُّخول في الشيء؛ يقال: انشام في الأمر، إذا دخلَ فيه. والمَشِيمَة: غِشاءُ وَلَدِ الإنسان، وهو الذي يقال لـه مِنْ غيرِهِ السَّلَى. وسمِّيت بذلك كأن الولد قد انشام فيها.

فأمَّا الشَّامَة فيمكن أن يكون من الباب الأول؛ لأنَّها شيء بارزٌ، يقال منها رجلٌ أشيم، وهو الذي به شامة.

(شين): الشين والياء والنون كلمةٌ تدلُّ على خلاف الزينة. يقال شانَه خلافُ زانه. والله أعلم بالصواب.

ـــــــــــــــــ

([1]) الرجز لسالم بن دارة، كما في الخزانة (1: 293).

([2]) ديوان عبيد بن الأبرص 6 والقصائد العشر 304 وصدره:

* إِما قتيل وإما هالك *

([3]) صدره في اللسان (شيب):  * تصبو وأنى لك التصابي*

على أنَّ الصواب نسبته إلى عبيد بن الأبرص. انظر المرجعين السابقين.

([4]) البيت في المجمل واللسان (شيب).

([5]) لأبي النجم العجلي، كما في اللسان (شيح).

([6]) لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 116، واللسان (شيح) وصدره:

* بدرت إلى أولاهم فسبقتهم *

([7]) لأبي السوداء العجلي، كما في اللسان (شيح). وقبله :

* إذا سمعن الرز من رباح *.

([8]) في المجمل: "الشيخ معروف، وهو بين الشيخوخة".

([9]) في المجمل: "وذكر أبو عبيد: شيَّخت عليه، أي عبت وشنعت".

([10]) هو عمرو بن أبي ربيعة. ديوانه 106 واللسان (شيع).

([11]) في الأصل: "وكأنَّه من الأول".

([12]) أنشده في اللسان (شيق).

([13]) البيت من معلقته المشهورة.

([14]) قرب السيف: جعله في قرابه، وهو الغمد.

 

 


ـ (باب الشين والهمزة وما يثلثهما)

(شأت) الشين والهمزة والتاء. إنَّ الشئِيت من الأفراس: العَثُور.

* كميتٌ لا أحَقُّ ولا شئِيتُ([1]) *

(شأز) الشين والهمزة والزاء أُصَيْلٌ يدل على قلق وتَعَادٍ([2]) في مكان. من ذلك المكان الشّأْز، وهو الخشِن المتعادِي. قال رؤبة:

* شأزٍ بمَنْ عَوَّه جدْبِ المنطَلَق([3]) *

ويقال أشْأَزهُ([4]) الشيءُ، إِذا أقْلَقَه.

(شأس) الشين والهمزة والسين، هو كالباب الذي قَبلَه، وليس يبعُد أن يكونَ من باب الإِبدال. فشأْسٌ: اسم رجل، والشَّأْس: المكان الغليظ.

(شأف) الشين والهمزة والفاء كلمةٌ تدل على البِغْضة. من ذلك الشّآفَة([5]) وهي البِغْضَة؛ يقال شأفْتُهُ شَأَفاً. قال: ومن الباب الشَّأْفة، وهي قَرْحة تخرج بالأسنان فتُكوَى وتذهب، يقولون: استأصَلَ الله شأفَته، يقال شُئِفَت رجلُه، فمعناه أَذْهَبَه الله كما أذهب ذاك. وإِنّما سمِّيت شأفةً لِمَا ذكرناه من الكراهة والبغضة.

(شأن) الشين والهمزة والنون أصلٌ واحد يدلُّ على ابتغاءٍ وطلب. من ذلك قولُ العرب: شَأنْتُ شأنَهُ، أي قصدت قصده. وأنشدوا:

يا طالبَ الجُودِ  إنَّ الجُود مكرُمةٌ *** لا البخلُ منك ولا من شأنك الجُودَا([6])

قالوا: معناه ولا من طلبك الجودَ.

ومن ذلك قولُهم: ما هذا من شأني، أي ما هذا مِنْ مَطْلَبِي والذي أبتغيه([7]). وأمّا الشؤون فَمَا بينَ قبائل الرأس، الواحد شأن. وإِنَّما سمِّيتْ بذلك لأنَّها مَجارِي الدَّمع، كأنَّ الدَّمعَ يطلبُها ويجعلُها لنفسه مَسِيلاً.

(شأو) الشين والهمزة والواو كلمتان متباعدتان جدّاً.

فالأول السَّبْق، يقال شأوته أي سَبَقْتُه.

والكلمة الأخرى الشَّأْوُ: ما يخرجُ من البئر إذا نُظِّفَت. ويقال للزَّبيل الذي يُخرَج به ذلك المِشْآة([8]).

(شأي) الشين والهمزة والياء كلمةٌ من باب الإِبدال، على اختلافٍ فيها. قال قوم: شأيت مثل شأوت في السَّبْق؛ يقال منه شأى واشتأى. [قاله المفضّل]([9]) وأنشد:

فأيِّهْ بكِنْدِيرٍ حِمار ابنِ واقِع *** رآكَ بِكِيرٍ فاشْتأَى من عُتَائِدِ([10])

وقال قوم: اشتأى: أشرفَ. والذي قاله المفضَّل أصوب وأقيَس.

(شأم) الشين والهمزة والميم أصلٌ واحد يدلُّ على الجانب اليَسار. من ذلك المشأمة، وهي خلاف الميمنة. والشَأم: أرضٌ عن مَشْأَمة القِبلة. يقال الشَّأمُ والشَّآم. ويقال رجل شآمٍ وامرأةٌ شآمِيَة. قال:

أُمِّي شآمِيَةً إِذْ لا عَرَاقَ لنا *** قوماً نودُّهُمُ إِذْ قومُنا شُوسُ([11])

ورجل مشؤوم من الشُّؤم.

ــــــــــــــــ

([1]) لرجل من الأنصار، أو عدي بن خرشة الخطمي. وقد سبق في (حق).

([2]) التعادي: التفاوت وعدم الاستواء. في الأصل: "ويقاد"، تحريف.

([3]) ديوان رؤبة 104. وأنشده في اللسان (شأز) بلفظ "شاز" بترك الهمز.

([4]) في الأصل: "الشأز"، تحريف وفي المجمل: "أشأزني".

([5]) شاهده قوله:

وما لشآفة في غير شيء *** إِذا ولى صديقك من طبيت

([6]) كتب تحت البيت في حاشية المجمل: "مفعول به، أعني الجودا".

([7]) ف ي الأصل: "والذي أبتغيه الجودا". وكلمة "الجود" مقحمة.

([8]) في الأصل: "الشاة"، صوابه من المجمل واللسان.

([9]) التكملة من المجمل. والكلام بعد يتطلبها.

([10]) كير: جبل في أرض غطفان. وعتائد: ماء بالحجاز.

([11]) البيت للمتلمس في ديوانه 5 مخطوطة الشنقيطي. أمي، أي اقصدي تلك الجهة الشآمية، يخاطب بذلك ناقته. وقد يكون فهم ابن فارس أن المتلمس عنى أن أمه شآمية، ولكني أجل قدره عن ذلك.

 


ـ (باب الشين والباء وما يثلثهما)

(شبث) الشين والباء والثاء أُصَيلٌ يدل على تعلق الشيءِ بالشيء. من ذلك قولُهم تشبّثْت، أي تعلّقت. ومن ذلك الشَّبَثُ، وهي دويْبَّة من أحْناش الأرضِ، كأنها تشبَّثت بما مرَّت. والجمع شِبْثَانٌ. قال:

* مدارجُ شِبْثانٍ لهنَّ هميمُ([1]) *

أي دبيب.

(شبح) الشين والباء والحاء أصلٌ صحيح يدلُّ على امتداد الشيء في عِرَض. من ذلك الشَّبَح، وهو الشَّخْص، سمِّي بذلك لأنَّ فيه امتداداً وعِرَضاً. والمشبوح: الرجلُ العُظَام. قال أبوذُؤَيبٍ الهذليّ:

* وذلك مشبوحُ الذِّراعينِ خلجمٌ([2]) *

وشبَحْتُ الشيءَ: مددتُه. و[من] ذلك شَبْحُه ذراعَيه في الدُّعاء وغيرِهِ. ويقال للحرباء إِذا امتدَّ على العود: قد شَبَحَ.

(شبر) الشين والباء والراء أصلان: أحدهما بعض الأعضاء، والآخر  الفَضْل والعطاء.

فالأول: الشِّبر: شِبر الإنسان، وهو مذكر، يقال: شَبَرْتُ الثّوبَ شَبراً. والشِّبر: الذي يُشبَر به. ويقال للرّجُل القصير المتقارِب الخلْق: هو قصير الشَّبر. والمَشَابِر: أنهارٌ تنخفض فيتأدَّى إليها الماء. وكأنَّها إِنما سمِّيت مشابِرَ لأنَّ عَرْضَها قليل.والأصل الثاني الشّبَرُ: الخير والفضل والعطاء. قال عديّ:

* لم أخُنْهُ والذي أَعطَى الشَّبَرْ([3]) *

ويقال : أَشْبَرتُه بكذا، أي خَصَصْتُهُ. ورُويَ عن بعضهم أنَّه قال: الشَّبَر: شيء يعطيه النّصارى بعضُهم بعضاً على معنى القُربان([4]). وليس هذا بشيء. وقياس الشَّبَر ما ذكرناه.

ومن الباب قولُهم: أعطاها شَبْرَها، وذلك في حقِّ النِّكاح إِذا أعطاها حقَّها. وجاء في الحديث أنَّه نهى عن شَبْر الجَمَل، وذلك كِراؤه والذي يُؤخَذ على ضرابه، وذلك كعَسْب الفحل. ويقال من الباب شُبِّرَ، إِذا عُظِّم.

(شبص) الشين والباء والصاد ليس بشيء. وحكى ابنُ دريدٍ([5]): الشَّبَص الخُشونة. وليس هو بشيءٍ. قال: ويقال: تَشَبَّصَ الشجر: دخل بعضُهُ في بعضٍ([6]).

(شبع) الشين والباء والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على امتلاءٍ في أكل وغيره. من ذلك شَبِعَ الرجل شِبَعاً وشِبْعاً، ورجلٌ شبعانُ. ثمَّ اشتُقَّ من ذلك أشبعت الثّوبَ صِبْغاً. ويقال امرأة شَبْعَى الخَلخال، أي ممتلئة، وذلك مِنْ كَثْرَة لحمِ ساقها. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "المتشبِّع بما ليس عنده كلابسِ ثَوْبَيْ زُورٍ"، يريد المتكَثِّر بما ليس عنده، وهذا مَثَلٌ، كأنَّه أرادَ: يُظهر شِبَعاً وهو جائع، وذلك كما تقول العرب: "تَجَشَّأَ لُقْمَانُ من غير شِبَع". ومن الباب قولُهم: [ثوبٌ([7])] شَبِيع الغَزْلِ، أي كثيرُهُ.

ومما يجري مَجرى التّشبيه من هذا الباب: قولهم: شبِعت من هذا الأمر ورَوِيت، وذلك [إِذا] كرهتَه.

(شبق) الشين والباء والقاف كلمةٌ واحدة: الشَّبَق، وهو شهوة النِّكاح.

(شبك) الشين والباء والكاف أصلٌ صحيح يدلُّ على تداخلُ الشيء. يقال شبَّكَ أصابعَهُ تشبيكاً. ويقال: بين القوم شُبْكَةُ نَسَبٍ، أي مُداخَلة. ومن ذلك الشَّبَكة.

(شبل) الشين والباء واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على عطفٍ ووُدٍّ. يقال لكل عاطفٍ على شيء وادّ له: مُشْبِل. ومنه اشتقاق الشِّبْل، وهو ولد الأَسَد. لعطف أَبَوَيْه عليه. ويقال لبؤةٌ مُشْبِلٌ، إِذا كان معها أولادُها. وأشبلتِ المرأةُ، إِذا صَبَرتْ على أولادها فلم تتزوَّجْ. وقال الكميت:

* المُلَبْلِبُ والمُشْبِلُ([8]) *

وحكي عن الكسائيّ: شَبَلْت في بني فلانٍ، إِذا نَشَأتَ فيهم. وقد شَبَل الغلامُ أحْسَنَ الشُّبول، إِذا أدْرَكَ. وهذا على السَّعة والمجاز، لأنَّه يُشبَل عليه أي يُعطَف.

(شبم) الشين والباء والميم كلمتان متباينتان جدّاً. إحداهما الشَّبَم: البَرْد، والشّبِم : البارد. والأخرى الشِّبَام: خشبة تُعَرَّضُ في *فم الجدْي لئَلا يرضع، ثمّ يشبَّه بذلك فيقال الشِّبامان: خيطانِ في البرقع، تشدُّهما المرأةُ في قفاها.

(شبه) الشين والباء والهاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تشابُه الشّيء وتشاكُلِهِ لوناً وَوَصْفاً. يقال شِبْه وشَبَه وشَبيه. والشّبَهُ([9]) من الجواهر: الذي يشبه الذّهَب. والمُشَبِّهَات([10]) من الأمور: المشكلات. واشتبه الأمرانِ، إذا أَشْكَلاَ.

ومما شذ عن ذلك الشّبَهَانُ([11]).

(شبو) الشين والباء والحرف المعتل أصلان، أحدهما يدل على حَدٍّ وحِدّة، والآخر يدل على نَمَاءٍ([12]) وفضلٍ وكرامة.

فالشّبَاةُ حَدُّ كلِّ شيء شَبَاتُهُ، والجمع الشّبَا والشَّبَوَات. والشَّبْوَةُ([13]): اسم للعقرب، وإِنّما سمِّيت بذلك لِشَبَاةِ إِبْرَتها. قال:

* قد جَعلَتْ شَبْوَةُ تزبَئِرُّ([14]) *

وذكر اللِّحياني أنَّ الجاريةَ الفحّاشة يقال لها شَبْوة. وإِنّما سمِّيت بذلك تشبيهاً لها بالعقرب.

والأصل الآخر الإشباء: الإكرام: يقال أتى فلانٌ فلاناً فأَشْبَاهُ، أي أكرمَه. ويقال أَشَبَيْتُ الرَّجُلَ، إِذا رفعتَه للمجد والشّرف. قال ذو الإصبع:

وهم مَنْ ولدوا أَشبَوْا *** بسِرِّ النّسبِ المَحضِ([15])

والمُشْبِي: الذي يُولَد لـه ولدٌ ذكيٌّ، وقد أَشْبَى. وأَشْبَت الشَّجرةُ: طالت. ويقال أَشبَى فلاناً ولدُهُ، إِذا أَشْبهوه. وأنشدوا:

أنا ابنُ الذي لم يُخْزِنِي في حياته  *** قديماً ومن أشَبى أباه فما ظَلَمْ([16])

والله أعلم.

ـــــــــــــ

([1]) لساعدة بن جؤية في اللسان (شبث) وديوانه 230، وسيأتي في (هم). وصدره:

* ترى أثره في صفحتيه كأنه *.

([2]) صدر بيت لأبي ذؤيب في ديوانه 30. وعجزه: * خشوف إذا ما الحرب طال مرارها *.

([3]) قبله في اللسان (شبر): * إذا أتاني نبأ من منعمر *.

([4]) ذكر هذا المعنى في القاموس، ولم يذكر في اللسان.

([5]) الجمهرة (1: 291).

([6]) زاد بعده في الجمهرة: "لغة يمانية"، وكذا في اللسان.

([7]) التكملة من المجمل واللسان.

([8]) جزء من بيت له في اللسان (لبب، شبل). وسيأتي في (لب). وهو بتمامه:

ومنا إذا حزبتك الأمور *** عليك المبلب والمشبل

([9]) ويقال أيضاً الشبه بالكسر. وتحقيقه أنه ضرب من النحاس يلقى عليه مادة أخرى فيصفر ويشبه الذهب.

([10]) وكذا في المجمل مع هذا الضبط. وفي اللسان "المشتبهات". وفي القاموس: "وأمور مشتبهة ومشبهة، كمعظمة: مشكلة". فهن ثلاث لغات.

([11]) الشبهان: ضرب من العضاه أو من الرياحين.

([12]) في الأصل: "ماء"، تحريف.

([13]) في اللسان: "والنحويون يقولون: شبوة العقرب، معرفة لا تـنصرف، ولا تدخلها الألف واللام".

([14]) بعده في اللسان (شبا):

* تكسو استها لحماً وتقشعر *

([15]) سبق الكلام على هذا البيت في مادة (سر) ص 70.

([16]) في الأصل: "فقد ظلم"، وليس يقولها العرب.

 

ـ (باب الشين والتاء وما يثلثهما)

(شتر) الشين والتاء والراء يدلُّ على خرقٍ في شيء. من ذلك الشتَر في العين: انقلابٌ في جفنها الأسفل مع خرقٍ يكون. ويشتقُّ من ذلك قولهم: شَتَّر به، إِذا انتقصَه وعابَه ومزّقه.‏

(شتم) الشين والتاء والميم يدلُّ على كراهةٍ وبِغضة. من ذلك الأسد الشتيم، وهو الكريه الوَجه. وكذلك الحِمار الشتيم. واشتقاقُ الشتم منه، لأنَّه كلامٌ كريه.‏

(شتو) الشين والتاء والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ لزمانٍ من الأزمنة، وهو الشِّتاء: خلافُ الصَّيف. وهي الشَّتْوة، بفتح الشين. والموضع المَشْتاة والمَشْتَى. قال طَرَفة:‏

نَحْنُ في المشتاةِ نَدعُو الجَفَلَى *** لا تَرَى الآدِبَ فينا ينتقِرْ‏

وقال الخليل: الشِّتاء معروف، والواحد الشَّتوة. وهذا قياسٌ جيِّد، وهو مثل شَكوة وشِكاء. ويقال أشتى القوم، إِذا دخَلوا في الشتاء؛ وشَتَوا؛ إذا أصابهم الشِّتاء.‏

 

ـ (باب الشين والثاء وما يثلثهما)

(شثن) الشين والثاء والنون. الشَّثْن: الغليظ الأصابع. وكلُّ ما غلُظ من عُضوٍ فهو شَثْن. وقد شَثُن وَشَثِن. والله أعلم.‏

 

ـ (باب الشين والجيم وما يثلثهما)

(شجذ) الشين والجيم والذال كلمةٌ واحدة. يقال أشْجَذَت السماء، إِذا سَكَنَ مطرُها، قال امرؤُ القيس:

تُظهِرُ الوَدَّ إِذا ما أَشْجَذَتْ  *** وتُواريهِ إذا ما تَشْتكِرْ([1])

قال ابن دريد([2]):  "الوَدّ: جبلٌ معروف. وتشتكر: يشتدُّ مطرُها، من قولهم اشتكر الضَّرعُ، إِذا امتلأَ لَبَناً". وأَمَّا نُسختي مِن كتاب العين للخليل، ففيها أنَّ الشّين والجيم والذال مهمل، فلا أدرِي أهي سَقَطٌ في السَّماع، أم خفيت الكلمةُ على مؤلِّف الكتاب([3]). والكلمة صحيحة([4]).

(شجر) الشين والجيم والراء أصلان متداخلان، يقرُب بعضُهما من بعض، ولا يخلو معناهما من تداخُل الشيء بعضِه في بعض، ومن عُلُوٍّ في شيءٍ وارتفاع. وقد جمعنا بين فروع هذين البابين، لما ذكرناه من تداخُلِهما.

فالشَّجَر مَعروفٌ، الواحدةُ شَجرة، وهي لا تخلو من ارتفاعٍ وتداخُلِ أغصان. ووادٍ شَجِر([5]): كثير الشجر. ويقال: هذه الأرضُ أَشجَرُ من غيرها، أي أكثر شَجَراً. والشَّجَر: كلُّ نبتٍ لـه ساقٌ. قال الله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ} [الرحمن 6]. وشَجَرَ بين القوم الأمرُ، إِذا اختلف أو اختَلَفوا وتشاجَرُوا فيه، وسمِّيت مشاجرةً([6]) لتداخُلِ كلامِهم بعضِه في بعض.  واشتَجَروا: تنازَعوا. قال الله سبحانه وتعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء 65].

وأمَّا شَجْرُ الإنسان، فقال قوم: هو مَفْرَج الفم. وكان الأصمعيّ يقول: الشَّجْر الذَّقَنُ بعينه. والقولان عندنا متقاربان؛ لأنَّ اللَّحيين إِذا اجتمعا، فقد اشتجرا، كما ذكرناهُ من قياس الكلمة. ويقال اشتَجَرَ الرَّجُل، إذا وضع يده على شَجْرِهِ([7]). قال:

إِنِّي أَرِقْتُ فَبِتُّ اللّيلَ مشتجِراً    *** كأَنَّ عَيْنِيَ فيها الصَّابُ مذبوحُ([8])

ويقال: شجرتُ الشّيءَ، إِذا تدلّى فرفعتَه. والشَِّجار: خشب الهَوْدَج. والمعنيان جميعاً فيه موجودان، لأنّ ثمَّ ارتفاعاً وتداخُلاً. والمِشْجَر سمِّي مِشْجَراً لتداخُل بعضِهِ في بعض. وتشاجَرَ القومُ بالرِّماح: تطاعَنُوا بها. والأرض الشَّجْراء والشَّجِرةُ: الكثيرة الشجَر. قال ابنُ دريد: ولا يقال وادٍ شجراء.

(شجع) الشين والجيم والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على جُرأةٍ وإقدام، وربَّما كان هناك ببعض الطُّول، وهو بابٌ واحدٌ. من ذلك الرَّجُلُ الشجاع، وهو المِقدام، وجمعه شجْعةٌ([9]) وشجَعاء. قال ابن دريد([10]): "ولا تلتفت إلى قولهم شُجْعانٌ، فإنّه خطأ. قال أبو زيد: سمعت الكِلابيِّين يقولون: رجلٌ شُجاع، ولا يوصف به المرأة. هذا قول أبي زيد".

وحُدِّثْنا عن الخليل بإسنادِ الكتاب: رجلٌ شجاعٌ وامرأةٌ شُجاعة ونسوةٌ شُجاعات. وقد ذَكر أيضاً الشجعانَ في جمع شجاع. والشجاع: الحيَّة. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يجيءُ كَنْزُ أحدهم يومَ القيامة شُجاعاً أَقْرَعَ". فأمَّا الشَّجَع في الإِبل فقال قوم: هو سرعةُ نَقْلِ القوائمِ، ثم يقال جمل شَجِع وناقةٌ شجِعة. ويقال هو الطُّول، وأنشد:

فَرَكِبْناها على مَجهولها *** بِصِلاب الأرضِ فيهنَّ شَجَع([11])

ويقال: إنَّ الشَّجَع الجُنون. وقال أهلُ اللغة: وهذا خطأ، ولو كانَ الشَّجع جُنوناً [ما([12])] وصفَ قوائمها. والشَّجِعة من النِّساء: الجريئة. واللّـبُؤة الشجْعاء هي الجريئة، وكذلك الأسد أَشْجَع. فيقال إنَّ الأَشْجَعَ من الرِّجال: الذي كأَنَّ به جنوناً. والأشجع: العصب الممدود في الرِّجل فوق السُّلاَمَى.

(شجن) الشين والجيم والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على اتّصال الشيء والتفافِهِ. من ذلك الشِّجْنة، وهي الشجَر الملتفّ. ويقال بيني وبينه شِجْنةُ رَحمٍ، يريد اتّصالَها والتفافَها. ويقال للحاجة الشجَن، وإِنّما سمِّيت بذلك لالتباسها وتعلُّق القلبِ بها؛ والجمع شجون. قال:

* والنّفس شتَّى شجونُها([13]) *

والأشجان: جمع شجَن. قال:

لي شَجَنانِ شَجَنٌ بنجدِ *** وشجَنٌ لي ببلادِ الهِنْدِ([14])

والشواجن: أوديةٌ غامضة كثيرةُ الشجَر. وسمِّيت به لتشاجُنِ الشجَر. قال الطرمّاح:

كَظَهْرِ الّلأى لو تُبتَغَى  رَيَّةٌ بِها *** نَهاراً لعَيَّتْ في بطون الشَّواجِنِ([15])

(شجو/ي) الشين والجيم والحرف المعتل يدلُّ على شِدَّةٍ وصُعوبة، وأن يَنْشَب الشَّيءُ في ضيقٍ. من ذلك الشَّجْو: الحُزْن والهَمّ، يقال شجاه يشجوه. وشجاني الشيء، إِذا حَزَنَكَ([16]). والشَّجَى: ما نَشِبَ في الحَلْقِ من غُصَّةِ هَمٍّ. ومفازةٌ شَجْواء: ضيّقة المسلك.

(شجب) الشين والجيم والباء كلمتان، تدلُّ إحداهما على تداخلٍ، والأخرى تدلُّ على ذَهابٍ وبُطلان.

الأولى: قول العرب تشاجَبَ الأمر، إِذا اختلطَ ودخل بعضُهُ في بعض. قالوا: ومنه اشتقاق المِشجَب، وهي خشباتٌ متداخلة موثَّقة تُنصَب وتُنْشَر عليها الثِّياب. والشُّجُوب: أعمدةٌ من عَُمَُـد البيت. قال:

* وهُنَّ معاً قِيَامٌ كالشُّجُوبِ([17]) *

ويقال ـ * وهو ذلك المعنى ـ إن الشجاب السِّداد، يقال شجبه بشجابٍ، أي سدَّه.

وأمّا الأصل الآخر فالشجِب، وهو الهالك. يقال قد شَجِب. وقال:

فَمَنْ يَكُ في قتلِهِ يمترى  *** فإنَّ أبا نوفل قد شجِبْ([18])

وربَّما سمَّوُا المحزون شَجِباً. ويقولون شجَبَه، إِذا حَزَنه. وشجبه الله، أي أهلكه الله. قال ابن السِّكِّيت: شَجَبَهُ يَشْجُبُهُ شَجْبَاً، إِذا شغله، وأصل الشَّجْب ما ذكرناه، وكلُّ ما بعدَه فمحمولٌ عليه.

ـــــــــــــــ

([1]) ديوان امرئ القيس 143 واللسان (شجذ، شكر).

([2]) الجمهرة (2: 72).

([3]) في الأصل: "أعني سقط" الخ، والصواب ما أثبت. وفي المجمل: "فلا أدري أسقط من كتابي أم خفي على مؤلفه".

([4]) زاد في المجمل: "لا شك فيها".

([5]) المجمل: "شجير"،  وكلاهما صحيح. اللسان (شجر 62).

([6]) في الأصل: "مشاجرتهم".

([7]) في الأصل: "شجرة"، تحريف.

([8]) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، في ديوانه 104 واللسان (شجر).

([9]) الشجعة، هذه بتثليث حركات الشين.

([10]) الجمهرة (2: 96).

([11]) البيت لسويد بن أبي كاهل اليشكري، في المفضليات (1: 188)، واللسان (شجع).

([12]) التكملة من المجمل.

([13]) البيت بتمامه، كما في اللسان رواية عن ابن بري:

ذكرتك حيث استأمن الوحش والتقت *** رفاق به والنفس شتى شجونها

([14]) وكذا في اللسان (شجن). وفي الصحاح: "ببلاد السند".

([15]) ديوان الطرماح 165 واللسان (شجن) برواية: "رية به". وسيأتي في (لأي).

([16]) في الأصل: "حزنه".

([17]) البيت لأبي رعاس الهذلي، أو أسامة بن الحارث الهذلي. انظر اللسان (شجب، هدن)، وملحق القسم الثاني من مجموعة أشعار الهذليين 110. وصدره:

* فسامونا الهدانة من قريب *

([18]) نسب لعنترة في شرح الحماسة للمرزوقي 420.


ـ (باب الشين والحاء وما يثلثهما)

(شحذ) الشين والحاء والذال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خِفَّة  وحِدّة. من ذلك شَحَذْتُ الحديدَ، إذا حَدَّدتَه. ويقال إنَّ المشاحيذ رؤوس الجبال، وإِنّما سمِّيت بذلك للحِدَّة التي ذكرنَاها. ومن الخِفّة قولهم للجائع: شَحْذان. ويقال إنَّ الشحْذان الخفيف في سَعيه.

(شحر) الشين والحاء والراء ليس بشيء، وهو لعلّه اسم بلد([1]).

(شحص) الشين والحاء والصاد كلمةٌ واحدة، يقال إنَّ الشحَص الشاةُ لا لبَنَ لها، ويقال هي التي لم يُنْزَ عليها قط. وفي كتاب الخليل: الشّحْصاء.

(شحط) الشين والحاء والطاء أصلان: أحدهما البُعد، والآخر اختلاطٌ في شيءٍ واضطراب.

فالأوّل: قولهم شَحَطَتِ الدّار تَشْحَطُ شَحْطَاً وشحوطاً، وهي شاحطة.

وأمّا الأصل الآخر فالشَّحْط، وهو الاضْطرابُ في الدَّمِ. ويُقال للولدِ إِذا اضْطربَ في السَّلى: هو يتشحط في دمه. ومنه اللّبن المشحوط، وهو الذي يُصَبُّ عليه الماء. ومن الباب: الشَّحْطَة: داءٌ يأخذ الإِبلَ لا تكاد أن تنجوَ منه. ومن الباب المِشحط: عُوَيدٌ يُوضَع عند قضيب الكرم يَقِيهِ الأرضَ.([2]) وقال قوم: إنَّ الشَّحْطَ ذَرْقُ الطّير. وأنشدوا:

ومُلْبِدٍ بين مَوْماةٍ بِمَهْلَكَةٍ *** جاوزتُهُ بِعَلاةِ الخَلْقِ عِلْيانِ([3])

كأنَّما الشحْط في أعلى حَمائره  *** سبائِب الرَّيْط من قَزٍّ وَكَتّانِ

فإن صح هذا فهو أيضاً من الاختلاط.

(شحم) الشين والحاء والميم أصلٌ يدلُّ على جِنسٍ من اللّحم. من ذلك الشَّحْم، وهو معروف. وشَحْمة الأُذُنِ: مُعَلَّق القُرْطِ. ورجلٌ مُشْحِمٌ كثير الشَّحْم، وإن كان يحبُّه قيل شَحِم، وإن كان يطعمه أصحابَه قيل شاحم، فإن كان يبيعه قيل شَحَّام.

(شحن) الشين والحاء والنون أصلانِ متباينانِ، أحدُهما يدلُّ على المَلء، والآخر على البُعْدِ.

فالأوّل قولهم: شَحَنْتُ السّفينةَ، إِذا مَلأتَها. ومن الباب أشحن فلان للبكاء، إِذا تَهيّأ لَهُ كأنَّه اجتمع له([4]).

وأما الآخر فالشَّحْن الطَّرْد، يقال شَحَنَهم إِذا طَرَدَهم. ويقال للشّيءِ الشديد الحموضة: إِنَّهُ لَيَشْحَن الذِّبّانَ، أي يطردُها، ومن الباب الشَّحْناء، وهي العداوة. وعدُوٌّ مشاحِنٌ، أي مُباعِد. والعداوةُ تَبَاعُدٌ.

(شحو/ي) الشين والحاء والحرف المعتلّ يدلُّ على أصلٍ، وهو فَتْحُ الشَّيء. فالشَّحْوَة: ما بينَ الرِّجلين إِذَا خَطَا الإنسان. ويقال للفَرَسِ الواسع الخَطْو: وهو بعيدُ الشَّحْوة. وشَحَا الرَّجلُ فاه. وشَحا الفمُ نفسُه. ويصلح في مصدرهِ الشَّحْيُ والشَّحْو. ويقال شَحَى اللِّجامُ فمَ الفرسِ شَحْياً. ويقال جاءت الخيل شواحِيَ، أي فاتحاتٍ أفواهَها. قال:

* شاحِيَ لَحْيَيْ قَعْقُعانيِّ الصَّلَقْ([5]) *

(شحب) الشين والحاء والباء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تغيُّر اللَّون، والمصدر منه الشُّحوب. يقال شَحَبَ وَشَحُب يَشْحَُب. ولونٌ شاحب. قال:

تقول ابنتي لمَّا رأتنيَ شاحباً *** كأنّك فينا يا أَباتَ غَرِيبُ([6])

ويقال، حكاه الدريدي: شَحَبتُ الأرضَ: قشرتُها. فإِذا كانت الرواية صحيحةً فهو القياس.

(شحج) الشين والحاء والجيم أصلٌ يدلُّ على صوتٍ. من ذلك شَحَجَ الغراب يَشْحَج، وكذلك البغل. [والبغال] بَناتُ شاحج([7]). ويقولون للحمار الوحشيّ مِشحج وشَحَّاج. والله أعلم بالصواب.

ــــــــــــــــــ

([1]) يعني (الشحر) بالكسر، وهو بلاد بين عدن وعمان.

([2]) في الأصل: "يقيد الأرض"، تحريف. وفي المجمل: "يقيه من الأرض".

([3]) البيتان في اللسان (بلد، علا، حمر)، وسبق إنشادهما في (بلد، حمر).

([4]) في الأصل: "أجمع له".

([5]) لرؤبة بن العجاج في ديوانه 106 واللسان (قعع).

([6]) البيت في اللسان (أبي 8، 10).

([7]) التكملة قبله من المجمل. وفي المجمل: "بنات شحاج". وفي القاموس أيضاً: "والبغال بنات شحاج ككتان"، ولم تذكر في اللسان (شحج)، وذكرت في (بني 14: 93)، قال: "وبنات شحاج: البغال". أما ابن سيده فقد ذكر في باب البنات من المخصص (13: 212) "ابن السكيت: بنات شحاج البغال، وبنات صهال الخيل". وكذا في المزهر: (1: 525).

 

ـ (باب الشين والخاء وما يثلثهما)

(شخر) الشين والخاء والراء. الأصل الصحيح يدلُّ على صوت. وقد حُكِيت فيه كلمةٌ أخرى إِنْ صحَّتْ.

فالأصل الشَّخير: تردُّدُ الصَّوت في الحَلْق. ويقال الشَّخير: رفْع الصوت بالنّخْر. وهذا  مشهورٌ.

والكلمة الأخرى قولهم إنَّ الشَّخير ما تحاتَّ من الجَبَل، إِذا وَطِئَتْه الأقدام. قال الشاعر:

بنُطفةِ بارقٍ في رأسِ نِيقٍ *** مُنيفٍ دونَها منه شَخير([1])

(شخز) الشين والخاء والزاء كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على عَنَاءٍ وأَذَىً. قالوا: الشَّخْز: المشقّة والعَناء. قال الراجز([2]):

* إذا الأمور أُولِعَتْ بالشَّخْزِ *

ويقال إنَّ الشّخْز الطّعْن.

(شخس) الشين والخاء والسين أصلٌ صحيح يدلُّ على اعوجاج وزوالٍ عن نهج الاستقامة. من ذلك الأسنان المتشاخسة، وذلك أن يَميل بعضُها ويسقُطَ بعضُها، ويكون ذلك من الهَرَمِ. قال الطرِمّاح:

* وَشَاخَسَ فاه الدّهرُ حتَّى كأنَّه([3]) *

ويقال ضربَه فتشاخَسَ، أي تمايل. وكلُّ متمايلٍ متشاخِس.

(شخص) الشين والخاء والصاد أصلٌ واحدٌ يدلُّ على ارتفاع في شيء. من ذلك الشّخص، وهو سوادُ الإنسان إذا سما لكَ مِن بُعد. ثم يحمل على ذلك فيقال شَخَصَ من بلدٍ إلى بلد. وذلك قياسُهُ. ومنه أيضاً شُخُوص البَصَر. ويقال رجلٌ شَخِيصٌ وامرأةٌ شَخِيصة، أي جَسيمة. ومن الباب: أَشْخَصَ الرّامي، إذا جاز سَهْمُه الغرضَ من أعلاه، وهو سهمٌ شَاخِص. ويقال، إذا ورد عليه أمر أقلقه: شُخِص به([4])، وذلك أنَّه إِذا قَلِقَ نَبَا به مكانُهُ فارتفع.

(شخل) الشين والخاء واللام ليس بشيء، وحكيت فيه كلمةٌ ما أراها من كلام العرب، على أنّها في كلام الخليل، قال: الشَّخْل: الغلام يصادق الرّجُل.

(شخم) الشين والخاء والميم كلمةٌ تدلُّ عَلَى تغيّرٍ في شيء. من ذلك: أشخم اللّبن، إِذا تغيّرت رائحتُهُ. وشَخِـُمَ الطَّعامُ: فَسَد([5]).

(شخب) الشين والخاء والباء أصيلٌ يدلُّ على امتدادٍ في شيءٍ يجري ويسيل. من ذلك الشُّخْب، وهو ما امتدَّ من اللّبَن حين يُحلَب. وشخَبتْ أوداجُ القَتْلَى دماً.

(شخت) الشين والخاء والتاء كلمةٌ واحدة، وهو الشيء الشّخْت، وهو الدقيقُ من خشبٍ وغيره. وقال:

وهل تَسْتوِي المُرّانُ تَخْطِرُ في الوَغَى *** وسَبعةُ عِيدانٍ من العوسج الشَّخْتِ

ـــــــــــــــ

([1]) البيت في اللسان (شخر).

([2]) هو رؤبة بن العجاج. ديوانه 64، واللسان (شخر).

([3]) عجزه في الديوان 370 واللسان (شخس، نمس، كرص):

* منمس ثيران الكريص الضوائن *

([4]) في الأصل: "أشخص به"، صوابه من المجمل واللسان والقاموس.

([5]) في الأصل : "فيه". صوابه من المجمل واللسان والقاموس.

 

ـ (باب الشين والدال وما يثلثهما)

(شدف) الشين والدال والفاء يدلُّ على ارتفاعٍ في شيء. من ذلك الشَّدَف وهو الشَّخص، وقد قلنا إن الشَّخْصَ يدلُّ على سُمُوٍّ وارتفاع. وجمع الشَّدَف شُدوف. ومنه فرسٌ أشدفُ وشُنْدُفٌ. وناسٌ يقولون: الشَّدَف كالمَيل في أحد الشِّقَّيْن والصواب هو الأوّل، وهو أقْيَس. ويقال للقوس: الشَّدْفاءُ؛ لاعوجاجها.‏

(شدق) الشين والدال والقاف أصلٌ يدلُّ على انفراج في شيء. من ذلك الشِّدق للإنسان وغيره. والشَّدَق: سَعة الشِّدق. ورجلٌ أشدقُ، وخطيبٌ أشدَقُ. والأصل في ذلك شِدْقُ الوادي: عُرْضُه. ويقال نزلنا شِدْقَ العراق، أي ناحيتَه، وهو الشِّدْقُ(1).‏

(شدن) الشين والدال والنون أُصيل يدلُّ على صلاحٍ في جسم. يقال شَدَن الظبيُ يشدُن شدوناً، إذا صَلَحَ جسمه. ويقال للمُهْر أيضاً شَدَنَ. فإذا أفردْتَ الشادنَ فهو ولد الظّبْي. وظبيةٌ مُشْدِنٌ. فأمّا الشّدَنية فيقال إنّها المنسوبة إلى موضعٍ باليمن، قال عنترة:‏

هل تُبَلغَنِّي دارَها شَدَنِيَّةٌ *** لُعِنَتْ بمحروم الشَّرَابِ مُصَرَّمِ(2)‏

(شده) الشين والدال والهاء كلمة من الإبدال. يقال شُدِهَ الرجل مثل دَُهِش.‏

(شدو) الشين* والدال والحرف المعتلّ أصيلٌ يدلُّ على أخْذٍ بطَرَف من عِلم. من ذلك الشَّدْو، أنْ يحسِن الإِنسانُ من العلم أو غيره شيئاً. يقال يَشْدُو شيئاً من عِلْم. وقال بعضهم: كلُّ مَن عَلِم شيئاً واستدلَّ ببعضه على بعض فذلك الشَّدْو.‏

(شدح) الشين والدال والحاء ليس بشيء. وحُكي أنّ الشَّوْدَح: الطّوِيل من النُّوق. ويقال بل هي السَّريعة. وانشَدَحَ الرجل، إذا استلقَى على ظهره. وهذا ليس بشيءٍ، ولعلّه أن يكون انسدَح. وقد ذكرناه(3).‏

(شدخ) الشين والدال والخاء كلمةٌ تدلُّ على كسرِ شيءٍ أجوفَ. من ذلك شدخت الشيءَ شَدْخاً. والمُشَدَّخ: البسر يُغمَز حتى ينشدخ. ومن ذلك الغُرّة الشَّادِخة: التي تَغْشَى الوجهَ من أصل النّاصية إلى الأنف.‏

ـــــــــــــــــــ

(1) أي يقال بفتح الشين أيضاً. وذكر في القاموس لغة ثالثة، وهي "الشديق".‏

(2) البيت في معلقته المشهورة.‏

(3) انظر ما سبق في (سدح).‏

 


ـ (باب الشين والذال وما يثلثهما)

(شذر) الشين والذال والراء أصلان: أحدهما يدلُّ على تفرُّقِ شيءٍ وتميُّزِه. والآخَر على الوعيد والتسرُّع. من ذلك قولُ العرب: تفرّق القومُ شَذَر مذَر، إذا تبدَّدُوا في البلاد. ومنه الشُّذْرة: قطعة من ذَهَب.‏

وأمّا الأصل الآخَر فالتشذُّر، وهو كالنَّشاط والتسرُّع للأمر. وتشذَّرَ القومُ في الحرب: تطاوَلوا. وتشَذّرت النّاقة: حَرّكَتْ رأسَها فَرَحا. والتشذُّر: الوعيد؛ ومنه حديث سليمان بن صُرَد، أنَّه بلغه عن عليّ عليه السلام قولٌ "تَشَذَّرَ فيه(1)".‏

فأما قولهم إنّ التشذُّر الاستثفار بالثَّوب، فذلك من قياس الباب الذي ذكرناه، وكأنَّه وُصِف بالجِدّ في أمره فقيل تشذَّر. ومنه: أتَى فلان فرسَه فتشذَّره، أي ركِبه من ورائه.‏

(شذم) الشين والذال والميم ليس بشيء، وذكروا فيه كلمةً يقال إنّها من المقلوب. قالوا: الشَّيذمان الذي في قول الطرماح:‏

* فَرَاها الشَّيذُمانُ عن الجَنِينِ(2) *‏

يقال إنّما هو الشَّيْمُذان.‏

(شذي) الشين والذال والحرف المعتل أصلٌ واحد، وهو يدلُّ على الحَدّ والحِدّة. يقال إنّ فيه شَذَاةً، أي حِدّةً وجُرأة. وقال الخليل: يقال للجائع إذا اشتد جُوعه: ضَرِم شَذاهُ(3). والشَّذَى: الأذى والشّرّ. ويقال إنّ الشَّذَا ذُباب الكَلْب. والشَّذا: كِسَرُ العُود، وأحسَبُه سمِّي بذلك لحِدّة رائحته. قال الشّاعر:‏

إذا ما مشَت نَادَى بما في ثيابِها *** رياحُ الشَّذا والمَنْدَليُّ المَطَّيرُ(4)‏

فأمّا الذي من السُّفُن يُعرف بالشَّذَا فما أُراه عربيّاً.‏

(شذب) الشين والذال والباء أصلٌ يدلُّ على تجريدِ شيءٍ من قِشره، ثم يُحمَل عليه. فالشَّذْب: قَشْر اللَّحم. وكلُّ شيءٍ نحَّيتَه عن شيءٍ فقد شَذَبته. ومن الباب: التَّشذيب: التقطيع. فأَمَّا الشوْذَب فمن هذا الباب أيضاً، وهو الطَّوِيلُ من كلِّ شيء، كأنّه في طوله مشذّب، أي مجرَّد؛ وإذا جُرِّد الشّيءُ من قِشرِه كانَ أظهَرَ لطُوله. وفرسٌ مشذّب: طويل، بمنْزلة الجذْع المشذّب.‏

ــــــــــــــــــ

(1) في اللسان: "بلغني عن أمير المؤمنين ذرء من قول، تشذر لي فيه بشتم وإيعاد، فسرت إليه جواداً. أي مسرعاً".‏

(2) صدره في الديوان 179 واللسان (شذم):‏  * على حولاء يطفو السخد منها *‏

(3) في الأصل: "ضرم شذواه"، صوابه من اللسان.‏

(4) هو العجير السلولي، أو عمرو بن الإطنابة. اللسان (شذا، طير).‏

 

ـ (باب الشين والراء وما يثلثهما)

(شرز) الشين والراء والزّاء أصلٌ يدلُّ على خلافِ الخَير، في جميع فروعهِ: من هلاك، ومنازَعة وغير ذلك. ومن ذلك قول العرب للعدوّ: أَشْرزَه الله، أي أهلكَه. ورماه بِشَرْزةٍ، أي مَهلكة. ويقال إنَّ المشارَزة كالمصاحبة والمنازعة. والمشارِز: الرجل السيِّئ الخلُق، الشَّديد الخَلْق.

ومن الباب : أَشْرزت [الشيء([1])]، إِذا قطعتَه فلم تصلْه.

(شرس) الشين والراء والسين أصلٌ قريبٌ من الذي قبله. من ذلك الشَّرْس: شِدّة الدَّعْكِ للشّيء. يقال شرَسْتُهُ شَرساً. والشَّريس: الشَّكِس الكثير الخِلاف([2]). ويقال تَشَارَسَ القومُ، إِذا تَعَادَوا([3]). ويقال إنَّ الشِّرْس نبتٌ بَشِع الطّعم. والأشرس: الرَّجُل الجريء على القتال. ويقال إن الشِّراس الرِّباق([4]).

(شرص) الشين والراء والصاد ما أحسب فيه شيئاً * صحيحاً، لأنِّي لا أرى قياسَهَ مطّرِداً. على أنَّهم يقولون إن الشِّرْصَتَيْن([5]): ناحيتا النّاصية مما رقَّ فيه الشَّعَر. ويقال لكلِّ ضخمٍ رِخْو: شِرْواص([6]). ويقال إنَّ الشَّرَص الغَلْظَ من الأرض.

(شرط) الشين والراء والطاء أصلٌ يدلُّ على عَلَمٍ وعلامة، وما قارب ذلك من عَلَم. من ذلك الشَّرَط العَلاَمة. وأشراط الساعة: علاماتُها. ومن ذلك الحديث حين ذكر أشراط الساعة، وهي علاماتها. وسمِّي الشُّرَط لأنّهم جعلوا لأنفسهم عَلامةً يُعرَفون بها. ويقولون: أَشرَطَ فلاَنٌ نفسَه للهَلكة، إِذا جعلَها عَلَمَاً للهلاك. ويقال أَشْرَطَ من إِبله وغنمه، إِذا أعدَّ منها شيئاً للبيع. قال الشاعر:([7])

فأَشْرَطَ فيها نفسَه وهو مُعْصِمٌ *** وألقى بأسبابٍ لـه وتوكُّلا

ومن الباب شَرْط الحاجم، وهو معلومٌ، لأنَّ ذلك علامةٌ وأَثَر. ويقال إنَّ أشراطَ السّاعة أوائِلُها. ومن الباب الشّريط، وهو خَيط يُرْبَق به البَهْم. وإِنّما سمِّي بذلك لأنَّها إذا رُبِطَتْ به صار لذلك أَثَر. ومن الباب الشَّرَط، وهو المَسِيل الصَّغير يجيء من قدر عشر أذرع، وسمِّي بذلك لأنَّه أثّر في الأرض كَشَرْط الحاجم.

ومن الباب الشَّرَطانِ : نجمانِ يقال إنَّهما قرنا الحَمَل، وهما مَعْلَمانِ مُشْتَهِران. ويقال جملٌ شِرواطٌ، أي ضَخْم. وإِنّما سُمِّيَ شِرواطاً لأنَّه إِذا كان مع إِبل تبيَّن كأنَّه عَلَم. قال حسّانٌ:

في نَدَامَى بيضِ الوجوهِ كرامٍ  *** نُبِّهُوا بعد هَجْعَةِ الأَشراطِ([8])

ففيه أقوال: قال قوم: أراد به الشّرَطينِ والثالثَ بين يديهما، ويكون على هذا قول من سمّى الثلاثة أشراطاً([9]). قال العجاج:

* من باكِرِ الأشراطِ أشْرَاطِيُّ([10]) *

وقال قوم: أراد بالأشراط الحَرَس. ويقال: الأشراط سِفْلة القوم. قال الشاعر:

أشاريط من أَشْراطِ أشراطِ طَيِّئٍ *** وكانَ أبوهُم أَشْرَطاً وابنَ أَشْرَطا([11])

ومن ذلك شَرَط المِعْزَى، وهي رُذَالُها، في قول جرير:

ترى شَرَطَ المِعْزَى  مُهورَ نسائِهمْ *** وفي شَرَط المِعزَى لهُنَّ مُهورُ([12])

وقال قوم: اشتقاق الشُّرَط من هذا لأنَّهم رُذَال. وقال آخرون: إِنَّما سُمُّوا شرَطاً لأنَّهم جَعَلوا لأنفسهم علامةً يُعرَفون بها، فأمَّا الشَّرَط التي هي الرُّذَال فإنّ وجهَ القياس فيها أنَّها تُشْرَط، أي تقدّم أبداً للنّوائب قبل الجُبار، فهي كالذي قُلْنَاهُ في قوله: "فأشرط فيها نَفْسَه"، أي جعلها عَلَماً للهلاك.

(شرع) الشين والراء والعين أصلٌ واحدٌ، وهو شيءٌ يُفتَح في امتدادٍ يكون فيه. من ذلك الشّريعة، وهي مورد الشَّارِبة الماء. واشتُقّ من ذلك الشِّرْعة في الدِّين، والشَّريعة. قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجَاً}  [المائدة 48]، وقال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ}  [الجاثية 18]. وقال الشَّاعر في شريعة الماء:

ولمَّا رأتْ أنَّ الشَّرِيعة همُّها *** وأنَّ البياضَ من فرائِصها دامِي([13])

ومن الباب: أشرعت الرُّمَح نحوه إشراعاً. ورَّبما قالوا في هذا شَرَعْت. والإبْل الشُّرُوع: التي شَرَعَت ورَوِيَت. ويُقال أشرعْتُ طريقاً، إِذا أنفذتَه وفتحتَه، وشرعت أيضاً. وحِيتانٌ شُرَّع: تَخفِض رؤوسَها تشرب([14]). وشَرَعْت الإِبلَ، إِذا أمكنتَها من الشّريعة. هذا هو الأصل ثم حُمِل عليه كلُّ شيءٍ يُمدُّ في رفعةٍ وغير رفعة. من ذلك الشِّرَع، وهي الأوتار، واحدتها شِرْعة، والشراع جمع الجمع. قال الشاعر:

* كما ازدهرت قَينةٌ بالشِّراع([15]) *

ومن ذلك شِرَاع السَّفينة، وهو ممدودٌ في علوٍّ،  وشُبّه بذلك عنقُ البعير فقيل شرَعَ البعيرُ عنقَه. وقد مَدَّ شِراعَه إذا رفَعَ عُنقَه. وقيل في التَّفسير في قولـه تعالى: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً} [الأعراف 163]: إِنّها الرافعةُ رؤوسَها، ومنه قولهم: رُمْحٌ شُرَاعيٌّ، أي طويل، في قول الهُذَليّ([16]). ومن الفتح الذي ذكرناه أوّلاً روايةُ ابنِ السِّكّيت: شرعت الإهاب، إِذا شقَقتَ ما بين رِجلَيه.

(شرف) الشين والراء والفاء أصلٌ يدلُّ على علوٍّ وارتفاع. فالشَّرَف: *العُلُّوّ. والشريف([17]): الرجل العالي. ورجلٌ شريفٌ من قوم أشراف، يقال إِنَّه جمعٌ نادر، كحبيب وأحباب، ويتيم وأيتام. ويقال للذي غَلَبَهُ غيرُه بالشَّرَف مشروف. ويقال استشرفتُ الشّيءَ، إِذا رفعتَ بصرك تنظرُ إليه. ويقال للأنوف الأشراف، الواحدُ شرف. والمَشْرَف([18]): المكان تُشرِف عليه وتعلوه. ومشارف الأرض: أعاليها. والمشرفيّة: منسوبة إلى مَشَارف الشام. ويقال إنَّ الشُّرْفَة: خِيار المال، واشتقاقه من الشُّرْفة التي تُشَرَّفُ بها القصور، والجمع شُرَف. والمُستشرِف من الخيل: العظيم الطَّويل. قال الخليل: سهمٌ شارف: دقيق طويل، وأُذُنٌ شَرْفاءُ: طويلةُ القُوف([19]). ومَنْكِبٌ أشرفُ:عالٍ. فأَمَّا النّاقة الشَّارفُ فهي المُسِنَّة الهَرِمَة من الإِبل، وهذا ممكنٌ  أن يكون من العلوّ في السّنّ. وذُكِر عن الخليل أنَّ السَّهْم الشارف من هذا، وهو الذي طال [عهدُهُ] بالصِّيان([20]) فانتكث عَقَبُهُ وريشُهُ. قال أوس:

يُقلِّبُ سَهماً راشَهُ بمناكِبٍ  *** ظُهَارٍ لُؤامٍ فهو أعجفُ  شارفُ([21])

ويزعمون أن شُرَيْفَاً أطولُ جَبَلٍ في الأرض.

(شرق) الشين والراء والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على إضاءةٍ وفتحٍ. من ذلك شَرَقَت الشّمسُ، إذا طلعت. وأشرقت، إذا أضاءت. والشُّرُوق: طُلوعها. ويقولون: لا أفعل ذلك ما ذرَّ شارقٌ، أي طَلَعَ، يُرَاد بذلك طُلُوع الشمس. وأيّام التَّشْريق سمِّيت بذلك لأنَّ لحوم الأضاحِي تُشرَّق فيها للشَّمس. وناسٌ يقولون: سمِّيت بذلك لقولهم: "أشرِقْ ثَبِير، لكيما نُغير". والمَشْرِقَانِ: مَشْرِقَا الصَّيفِ والشِّتاء. والشَّرْق: المَشْرِق. وقال قوم: إنَّ اللحمَ الأحمرَ يُسمَّى شَرْقاً.  فإنْ كان صحيحاً فلأنَّه من حُمرته كأنه مُشْرِق.

ومن قياس هذا الباب: الشّاةُ الشّرقاء: المشقوقة الأُذُن، وهو من الفَتح الذي وصفناه.

ومما شذَّ عن هذا الباب قولهم: شَرِقَ بالماء، إِذا غَصَّ به شَرَقَاً. قال عديّ:

لو بِغَيْرِ الماءِ حَلْقِي شَرِقٌ *** كنتُ كالغَصَّانِ بالماء اعتصارِي([22])

(شرك) الشين والراء والكاف أصلانِ، أحدُهما يدلُّ على مقارنَة وخِلاَفِ انفراد، والآخر يدلُّ على امتدادٍ واستقامة.

فالأول الشِّرْكة، وهو أن يكون الشيءُ بين اثنين لا ينفردُ به أحدهما. ويقال شاركتُ فلاناً في الشيء، إذا صِرْتَ شريكه. وأشركْتُ فلاناً، إذا جعلتَه شريكاً لك. قال الله جلَّ ثناؤهُ في قِصَّةِ موسى: {وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي} [طه 32]. ويقال في الدُّعاء: اللهم أشرِكْنا في دعاء المؤمنين، أي اجعلنا لهم شركاءَ في ذلك، وشَرِكتُ الرَّجُلَ في الأمرِ أشْرَكُه.

وأمّا الأصل الآخر فالشرَك: لَقَم الطّريق، وهو شِرَاكُه أيضاً. وشِرَاك النَّعْل مشبَّه بهذا. ومنه شَرَكُ الصّائِدِ، سمِّي بذلك لامتداده.

(شرم) الشين والراء والميم أصلٌ واحدٌ لا يُخْلف، وهو يدلُّ على خَرْقٍ في الشيء ومَزْق. من ذلك قولُهم: تشرّم الشيء، إذا تمزّق. ومنه الحديث: "أَنَّهُ أُتِيَ بِمُصْحَفٍ قد تَشَرَّمتْ حواشيه". ومن الباب الشّرِيم، وهي المرأة المُفْضاة. والشَّرْم: قَطْعٌ من الأرنبة، وقَطْعٌ من ثَفْر النَّاقة([23]). والشَّارم: السهم الذي يَشرِمُ جانبَ الغَرَض. ويقال شَرَم له من ماله، إِذا قَطَع له من ماله قطعةً قليلة. والشَّرْم يقال إِنّه لُجَّة في البحر. وسَمِعت مَن يقول إِن الشَّرْمَ كالخَرْق في جانب البحر، كالمدخَل إلى البحر. وهذا أقيَسُ من القول الأوّل. قال:

تَمنّيتُ مِنْ حُبِّي بُثينَة أنّنا  *** على رَمَثٍ في الشَّرْمِ ليس لنا وَفْرُ([24])

ويقال عُشْب شَرْمٌ، إِذا شُرِمَ أعلاه، أي أُكِل.

(شري) الشين والراء والحرف المعتل أصولٌ ثلاثة: أحدها يدلُّ على تعارضٍ من الاثنين في أمرين أخذاً وإِعطاءً مُمَاثَلةً، والآخر نبتٌ، و*الثالث هَيْجٌ في الشيء وعلُوّ.

فالأوّل قولهم: شَرَيت الشيء واشتريتُه، إِذا أخذتَه من صاحبه بثَمنه. وربما قالوا: شَريتُ: إِذا بعتَ. قال الله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف 20]. ومما يدلُّ على المماثلة قولهم: هذا شَرْوَى هذا، أي مِثْلُهُ. وفُلاَنٌ شَروَى فلانٍ. ومنه حديث شريح في قوسٍ كَسَرَها رجلٌ لرجُل فقال شُريح: "شَرواها" أي مثلُها. وأشراء الشيء: نواحيه، الواحد شَرىً، وسمِّي بذلك لأنَّه كالنّاحية الأخرى. والشِّرَى مقصور، يقال شَرَى الشيءَ شِرىً. وأمَّا النَّبْت فالشّرْيُ، يقال إِنّه الحنظل. ويقولون الشَّرْية: النَّخْلة التي تنبُت من النَّواة. قال رُؤبة:

* وشرية في قرية *

والشَّرَى : موضع كثير الدّغَل والأُسْدِ. قال:

أسودُ شَرَى لاقت أُسودَ خفِيَّةٍ *** تَسَاقَوْا على حَرْدٍ دِماءَ الأساوِدِ([25])

والشِّريان من شجر القِسِيّ.

والأصل الثالث: قولهم شَرِيَ الرّجلُ شَرَىً، إِذا استُطِيرَ غَضَبَاً، ويقال شَرِيَ البعيرُ في سيرهِ شَرىً، إِذا أسرع. وشَرِي البرقُ، إِذا استطار. قال الشاعر:

أصاحِ تَرَى البرقَ لم يغتمضْ *** يموتُ فُواقاً ويَشْرَى فُواقا([26])

ويقال استشرى الرجُل، إِذا لجَّ في الأمر. ويقال شَرِي زِمامُ النّاقة يَشْرى شَرىً، إِذا كثُر اضطرابُهُ. ويقولون: "كلُّ مُجْرٍ في الخَلاءِ يَشْرَى"([27]).

(شرب) الشين والراء والباء أصلٌ واحد منقاسٌ مطّرد، وهو الشُّرب المعروف، ثمّ يُحمل عليه ما يقاربُه مجازاً وتشبيهاً. تقول: شربت الماءَ أشرَبُهُ شَرْباً، وهو المصدر. والشُّرْب الاسم. والشَّرب: القوم الذين يَشْرَبون. والشِّرب: الحظُّ من الماء. قال الشاعر([28]) في الشَّرْب:

فقلتُ للشَّرب في درنا وقد ثَمِلُوا  *** شِيمُوا وكيف يَشِيم الشارب الثملُ

والشَّرَبَة: ماءٌ يجمع حول النَّخلة يكون منها شُربها، والجمع شَرَبٌ. والمَشْرَبة: الموضع الذي يَشْرب منه النّاس، وفي الحديث: "ملعونٌ من أَحاطَ على مَشْرَبةٍ". والمَشْرَب: الوجه الذي يُشرب منه، ويكون موضعاً ويكون مصدراً. والشَّريب: الذي يُشارِبُكَ. ويقال أَشْرَبتَنِي ما لم أَشْرَبْ، أي ادَّعيتَ عليَّ شُربَه، وهذا مَثَلٌ، وذلك إِذا ادَّعَى عليه ما لم يفعَلْه. وماء شَروبٌ وشَريبٌ، إذا صلَح أن يُشْرَبَ وفيه بعضُ الكراهة. والإشراب: لونٌ قد أُشْرِبَ من لَون، يقال: [فيه([29])] شُرْبَةُ حُمْرةٍ. ويقال أُشْرِبَ فلانٌ حبَّ فلانٍ، إِذا خالطَ قلبه. قال الله جلَّ ثناؤه: {وَأُشْرِبُوا في قُلُوبِهِمُ العِجْلَ}  [البقرة 93]، قال المفسرون حُبَّ العِجْل. قال الشيباني: الشَّرْب الفَهْم، يقال شَربَ يَشْرُب شَرْباً، إِذا فَهِم. ويقال اسْمَع ثم اشْرُبْ([30]). والشاربة: القوم يكونون على ضَفّةِ نهر، ولهم ماؤُه. وشارب الإنسان معروف، ويجمع على شواربَ. والشَّوارب أيضاً: عروقٌ مُحدقةٌ بالحُلْقوم. وحمارٌ صَخِب الشَّوارب من هذا، إِذا كان شديدَ النَّهيقِ. والشارب في السيف([31]).

وأمّا اشرأبَّ فليس ببعيدٍ أن يكون من هذا القياس كأنّه كالمتهيِّئ للشُّرب، فيمدُّ عنقَه لـه. ثم يقاس على ذلك فيقال اشرأبّ لينظر شُرَأْبِيبَةً. وإنمّا زيدت الهمزةُ فرقاً بين المعنيين. وشَرَبَّةُ: مكان.

(شرث) الشين والراء والثاء أصلٌ واحدٌ، وهو الشَّرَث، وهو غِلظ الأصابع والكَفّيْن.

(شرج) الشين والراء والجيم أصلٌ منقاس يدُلُّ على اختلاطٍ ومُداخَلة. من ذلك الشَّرَجُ وهي العُرَى، سُمِّيت بذلك لأنّها تتداخل. ويقال شَرَجْتُ اللَّبنَ ، إِذا نضَدْته. ويقال شَرَّجْتُ الشرابَ، إِذا مَزَجْتَه. ويقال: إنَّ الشَّريجة القوسُ يكون عودُها لونَين. ويقال تَشَرَّجَ اللّحمُ باللّحمِ، إِذا تداخَلاَ. هذا هو الأصل. قولهم: أصبَحَ الناسُ في هذا الأمر شَرْجَيْنِ، فيُظَنُّ  أنّهم أصبحوا فِرْقَين. وهذا كذا يقال، وهو يرجع إلى المعنى الذي ذكرناه؛  لأنهم إذا اختلفوا اختلَطَ * الرّأيُ  والكلامُ وصارت مراجعاتٌ، كما قال زُهير:

رَدَّ القِيانُ جِمَالَ الحيِّ فاحتملوا  *** إلى الظهيرة أمرٌ بينَهمْ لَبِكُ([32])

وأمّا شَرَج الوادي فمنفَسَحُه، والجمع أشراج.

(شرح) الشين والراء والحاء أُصَيْلٌ يدلُّ على الفتح والبيان. من ذلك شرحت الكلام وغيرَهُ شَرْحاً، إِذا بيَّنتَه. واشتقاقهُ من تشريح اللحم.

(شرخ) الشين والراء والخاء أصلان: أحدهما رَيْعان الشيء، وذلك يكون في النّتاج في غالب الأمر. والآخَر يدلُّ على تساوٍ في شيئين متقابلين.

فالأوّل شَرخ الشّباب: أوّلُه ورَيْعانه. وشَرخُ كلِّ سنةٍ: نِتاجها من أولاد الأنعام. وقد شَرَخَ نابُ البعيرِ، إذا شقَّ البَضْعة وخرج. وقال الشاعر([33]):

إنَّ شَرخَ الشَّبابِ والشَّعَرَ الأسـ *** ـودَ ما لم يُعَاصَ كان جُنونا

والأصل الآخر: الشَّرْخانِ، يقال لآخِرةِ الرّحْل وواسطتِه شَرخانِ. وَشَرْخَتَا السَّهمِ: زَنَمَتَا فُوقِه([34])،  و[هو([35])] موضِعُ الوتر بينهما.

(شرد) الشين والراء والدال أصلٌ واحدٌ، وهو يدلُّ على تنفيرٍ وإِبعاد، وعلى نِفَارٍ وبُعدٍ، في انتشار. وقد يقال للواحد([36]). من ذلك شَرَد البعيرُ شُرودا. وشَرّدْتُ الإبلَ تشريداً أُشرِّدُهَا. ومنه قوله جلَّ ثناؤه:{فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ}  [الأنفال 57]، يريد نكِّل بهم وسَمِّع. وهو ذلك المعنى، أنَّ المُذْنِب إذا أَذْنَبَ وعُوقِبَ عليه، فقد شُرِّدَ بتلك العقوبة غيرُهُ، لأنَّه يحذرُ مثلَ ما وقع بالمذْنِبِ فَيَشْرُد عن الذَّنْبِ وَينْكُلُ. والله أعلم.

ــــــــــــــ

([1]) التكملة من المجمل. وقبلها في الأصل: "شرزت"، صوابه من المجمل.

([2]) ويقال: "شرس" و"أشرس" أيضاً.

([3]) في الأصل:" تهادوا"، صوابه من المجمل واللسان.

([4]) كذا وردت الكلمة بضبطها في الأصل. فإن صحت كانت جمع ربق، بالكسر، وهو الحبل والحلقة  يشد بها الغنم الصغار.

([5]) في الأصل:" الصرشصتين"، صوابه في المجمل واللسان.

([6]) ذكرت في القاموس، ولم تذكر في اللسان.

([7]) هو أوس بن حجر. ديوانه 21 واللسان (شرط، عصم).

([8]) ديوان حسان 235 واللسان (شرط). وفي الديوان: "خفقة الأشراط".

([9]) في المجمل: "وعلى ذلك تأويل من يسمي تلك الثلاثة أشراطاً".

([10]) ديوان العجاج 69 واللسان (شرط).

([11]) أنشده في اللسان (شرط).

([12]) ديوان جرير 266 واللسان (شرط).

([13]) البيت لامرئ القيس، وليس في ديوانه، هو في معجم البلدان، في رسم (ضارج) مع قصة تتعلق به.

([14]) في المجمل: "والحيتان الشرع: الرافعة رؤوسها، ويقال بل الخافضة".

([15]) سبقت قطعة منه في (زهر)، وتمام إنشاده في الحواشي.

([16]) هو قول ساعدة بن جُؤَيَّة:

أنحى عليها شُرَاعيَّاً فغادرها  *** لدى المزاحِفِ تلَّى في نضوخ دمِ

([17]) في الأصل: "والشرف"، صوابه في المجمل.

([18]) ضبطت في اللسان بضم الميم، من أشرف. وضبطت في المجمل بفتحها.

([19]) قوف الأذن، بضم القاف، أعلاها، أو مستدار سمها. وفي الأصل: "الفوق"، تحريف. وفي المجمل: "طويلة" فقط.

([20]) الصيان والصيانة والصون والحفظ بمعنى. وفي الأصل: "بالصبيان"، صوابه في المجمل. وفي اللسان:

(11: 74): "بالصيانة". وكلمة "عهده" من المجمل.

([21]) ديوان أوس بن حجر 16 واللسان (شرف).

([22]) اللسان (عصر، شرق)، والحيوان ( 5: 138، 593)،  والأغاني (2: 24).

([23]) في الأصل: "من فقر الناقة"، تحريف. وفي المجمل: "قطع الأرنبة وثفر الناقة".

([24]) البيت لأبي صخر الهذلي من قصيدة في بقية أشعار الهذليين 93، وأمالي القالي (1: 148). ويروى: "على رمث في البحر".

([25]) هو الأشهب بن رميلة، كما في البيان (2: 242)، والكامل 33، 348 والعقد (1: 53)، واللسان (حرد). وانظر الحيوان (4: 245).

([26]) البيت في اللسان (شرى).

([27]) المعروف: "كل مجر في الخلاء يسر". انظر الحيوان (1: 88/ 4: 207).

([28]) هو الأعشى، ديوانه 43، وشرح القصائد العشر للتبريزي 283، وقد سبق في (شيم).

([29])  التكملة من المجمل. وفي اللسان (1: 473): "وفيه شربة من حمرة، أي إشراب".

([30]) في اللسان: "ويقال للبليد: احلب ثم اشرب، أي ابرك ثم افهم. وحلب، إذا برك".

([31]) في اللسان: "الشاربان في السيف أسفل القائم، أنفان طويلان، أحدهما من هذا الجانب والآخر من هذا الجانب".

([32]) ديوان زهير  164 واللسان (لبك). واللبك: المختلط.

([33]) هو حسان بن ثابت. ديوانه 413 واللسان (شرخ)، والحيوان: (3: 108 / 6: 244).

([34]) في الأصل: "وشرختا السهم زينا فوقه". صوابه من المجمل، ونحوه في اللسان.

([35]) التكملة من المجمل.

([36]) كذا وردت هذه الجملة، وأراها مقحمة.

 


ـ (باب الشين والزاء وما يثلثهما)

(شزغ) الشين والزاء والغين ليس بشيء. ويقولون إنَّ الشِّزْغ الضِّفْدَع. وهذا ممّا لا معنَى له.‏

(شزن) الشين والزاء والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على امتدادٍ في شيء، من ذلك قولهم للأرض الغليظة شَزَنٌ(1). ويقولون: تَشَزَّنَ الشَّيء، إِذا امتدَّ. فأمَّا قولهم نَزَلَ شَُـزَُناً من الدار، أي ناحيةً، فهو قريبٌ من الذي ذكرناه. قال ابن أحمر:‏

* فلا يَرمين عَنْ شُزُنٍ حَزِينَا(2) *‏

ويقولون إن الشَّزَنَ الإِعياء من الحَفَا(3)، وذلك ممّا يشتدُّ على الإنسان.‏

(شزب) الشين والزاء والباء ليس بأصلٍ، لأنَّه من باب الإِبدال. ويقال للشيء إذا يَبِس: شَزَب، والزاء مبدلةٌ من السين، وقد ذُكِرَ في موضعه. وربّما قالوا: مكان شازِبٌ، أي جافٍ(4) صُلب.‏

(شزر) الشين والزاء والراء أصلٌ صحيحٌ مُنْقَاس، يدلُّ على انفتالٍ(5) في الشيء عن الطريقة المستقيمة. من ذلك قولُهم: نظر إليه شَزْرَاً، إِذا نظر بِمُؤْخِر عينهِ متبغِّضاً. والطَّعنُ الشَّزْر: الذي ليس بِسَحِيج الطّريقة. والحبل المَشْزُور: المفتول مما يلي اليَسار.‏

فأَمّا أبو عبيد فقال: طَحَنَ بالرَّحَى شَزْراً، إذا ذَهَبَ بيدِهِ عن يمينه، وَبَتّا(6)؛ إذا ذهب عن شِماله.‏

ــــــــــــــــــ

(1) في الأصل: "شُزْن وشَزْن"، بضم الشين في الأولى وفتحها في الثانية مع إسكان الزّاي فيهما. ولم أجد لذلك سنداً. وأثبت ما في المجمل واللسان والقاموس وسائر المعاجم المتداولة.‏

(2) صدره في اللسان (شزن) ومجالس ثعلب (262): *ألا ليت المنازل قد بلينا*‏

وفي الأصل: "من شزن"، صوابه في المجمل والمرجعين السالفين.‏

(3) في الأصل: "من الجفاء"، صوابه من المجمل واللسان. وفي اللسان: "شزنت الإبل شزناً: عيت من الحفاء".‏

(4) كذا ورد ضبطه في الأصل. والجفوة من لوازم اليبس أيضاً. ويصح أن تقرأ من الجفوف.‏

(5) الانفتال: الانصراف. وفي الأصل: "القتال"، تحريف.‏

(6) في الأصل: "تبا"، صوابه بتقديم الباء كما في المجمل واللسان (بتت).‏

 

ـ (باب الشين والسين وما يثلثهما )

(شسع) الشين والسين والعين يدلُّ على أمرين: الأَوَّلَ قلّةٌ والآخرَ بُعد.‏

فالأوّلُ: قولُ العربِ: له شسْعٌ من المال، أي قليل. ولعل شِسْعَ النَّعل من ذلك، لقلَّته. يقال شَسَّعْتُ النَّعلَ.‏

والآخَر: الشاسع: البعيد. وَقَدْ شَسَعت الدّارُ. وذكر ابن دريد كلمةً إن صحَّتْ فهو من القياس. قال: يقال شَسِعَ [الفرس(1)]، إِذا كان بين ثناياه انفراج.‏

(شسف) الشين والسين والفاء يدلُّ على قَحَل ويُبْس. يقال للشيء القاحل شاسف، وقد شَسَفَ يَشْسِف. ولحم شسيفٌ: قد كادَ يَيْبَس.‏

(شسب) الشين والسين والباء هو من الذي قبله. يقال شَسِبَتِ القَوس، إذا قُطِعت حتَّى يذبُل قضيبها.‏

ـــــــــــــــــ

(1) التكملة من المجمل وجمهرة ابن دريد (3: 23).‏

 


ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف وأوله شين)

فأوَّلُ ذلك: (الشَّرْجَب)، وهو الطّويل. فالراء فيه زائدةٌ، وقد قلنا إنَّ الشُّجوب أعمِدة البُيوت، فالطويل * مشبَّه بذلك العمودِ الطويل.‏

ومنه (الشَّوْقَب) والواو زائدة، وقد مضى ذكره.‏

ومن ذلك قولهم: (شَبْرَقْتُ) اللّحمَ، إِذا قَطّعته، فالقاف منه زائدة، كأنّك قَطّعتَه شِبراً شِبرا. وشَبْرَقْتُ الثّوبَ، إِذا مَزّقتَه.‏

ومن ذلك (الشَّفَلَّحُ): العظيم الشّفتين. وهذا ممّا يزيدون فيه للتقبيح والتّهويل. وإلاَّ فالأصل الشَّفَة، كما يقولون: الطِّرِمَّاح، وإِنّما هو من طرح، وقد ذكرنا مِثْله.‏

ومن ذلك (الشُّمْرُج): الرَّقيق من الثِّياب وغَيره في قول القائل(1):‏

* غَداةَ الشّمالِ الشُّمرُجُ المتنصَّحُ(2) *‏

فهذا مما زِيدت فيه الرّاء. وقد قلنا إِنّهم يقولون: شَمَجَ الثّوبَ، إِذا خاطَ خياطةً متباعدة. فهذا إذا رقَّ فكأنَّ سِلكَه يتباعد بعضُه عن بعض.‏

ومن ذلك (الشَّرَنْبث): الغليظ الكفَّين. والأصل الشَّرَثُ، وهو غِلظ الأصابعِ والكَفّينِ، وزيدت فيه الزِّيادات للتقبيح.‏

ومن ذلك (الشَّماريخ): رؤوس الجِبال، فالراء فيه زائدة، وإِنّما هو من شَمَخ، إِذا عَلا.‏

ومن ذلك (الشَّناعِيف)، الواحد شِنْعَاف، وهي رؤوسٌ تخرُج من الجبل. وهذا منحوتٌ من كلمتين، من شعَف ونعَف. فأمَّا الشَّعَفة فرأسُ الجبل، والنَّعْف: ما ينسدُّ بين الجبلين، وقد ذكر في النون.‏

ومن ذلك (الشُّرْسُوف)، والجمع الشَّراسِيف، وهي مَقَاطُّ الأضلاع حيث يكون الغُضْرُوف الدَّقيق. فالرَّاء في ذلك زائدة، وإِنّما هو شسف، وقد مرَّ.‏

ومن ذلك (الشِّرْذِمة)، وهي القليل من الناس، فالذّال زائدة، وإِنّما هي من شَرَمْتُ الشَّيء، إذا مَزَّقْتَه، فكأنَّها طائفةٌ انمزَقَت وانمارت عن الجماعة الكثيرة. ويقال ثوب (شَرَاذِمُ) أي قِطَعٌ.‏

ومن ذلك (الشَّمَيْذَر)، وهو الخفيف السَّريع. وهذا منحوتٌ من كلمتين من شمذ وشمر، وقد مر تفسيرهما.‏

ومن ذلك (الشِّنذارة): الرَّجل المتعرِّض لأعراض الناس بالوقيعة(3)، والنون فيه زائدة، والأصل التشذر الوَعيد، وقد مضى، ثمَّ أُبْدِلت الذَّالُ ظاءً فقيل (شِنْظِيرة)، وقد (شَنْظر شَنْظَرةً).‏

ومن ذلك (الشُّبْرُمُ) وهو القَصير من الرجال، والميم فيه زائدة كأنَّه في قدر الشِّبرْ.‏

ومن ذلك (الشَّمَرْدَل): وهو الرَّجل الخفيف في أمره، ويقال [الفتيُّ القويُّ من الإِبل(4)]. وأيَّ ذلك كانَ، فهو من شَمر.‏

فأمَّا ما يقال، أن (الشَّناتِر) الأصابعُ بلغة اليمانيِّين فلعل قياسهم غيرُ قياس سائر العرب، ولا معنى للشُّغْل بذلك.‏

ومما وُضعَ وضعاً (شَمَنصير)، وهو موضع، قال:‏

مستأرضاً بين بَطنِ اللَّيثِ أيمَنُهُ *** إلى شَمَنْصِيرَ غَيثاً مرسَلاً مَعِجا(5)‏

(تم كتاب الشين)‏

ــــــــــــــ

(1) هو ابن مقبل: كما في ديوانه 36 واللسان والصحاح (شمرج)، واللسان والتاج (نصح).‏

(2) صدره:‏  * ويرعد إرعاد الهجين أضاعه *.‏

(3) فسر في اللسان بأنه الغيور، ويقابله في المجمل: "الشنظير: الفاحش". وفي القاموس: "رجل شنذارة: غيور أو فاحش، كشنذيرة".‏

(4) التكملة من المجمل.‏

(5) البيت لساعدة بن جُؤَيَّة الهذلي. اللسان (معج، شمصر). وقصيدته في القسم الثاني من مجموعة أشعار الهذليين 37، وشرح السكري للهذليين 87. وسيأتي في (ليث).‏

 


كتاب الصَّاد:

ـ (باب الصاد وما معها في الذي يقال في المضاعف والمطابق)

(صع) الصاد والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على تفرُّق وحرَكة. يقال تصعصع القومُ، إذا تفرَّقوا. قال الخليل: يقال ذهبت الإبل صَعاصِعَ، أي فِرَقاً. ويقولون: صَعْصَعْتُ الشّيءَ فَتَصَعْصَع، وذلك إِذا حرّكتَه فتحرّك.

(صف) الصاد  والفاء  يدلُّ على أصلٍ واحدٍ، وهو استواءٌ في الشيء وتساوٍ بين شَيئين في المَقَرّ. من ذلك الصَّفُّ، يقال وقفَا صفَّاً، إِذا وَقَفَ كلُّ واحدٍ إلى جنْب صاحبه. واصطفَّ القومُ وتصافُّوا. والأصل في ذلك الصَّفْصَف، وهو المستوي من الأرض، فيقال للمَوقِف في الحرب إِذا اصطفَّ القومُ: مَصَفٌّ، والجمع المصافّ. والصَّفوف: النّاقة التي تَصُفُّ، أي تجمع بين مِحْلَبَين في حَلْبة. والصَّفُوفُ أيضاً: التي تصفُّ يدَيْها عند الحَلَب.

وممّا شذَّ عن الباب، وقد يمكن أن يُتطَلَّب لـه في القياس وجهٌ، غيرَ أنَّا نكره القياسَ المتمَحَّل المستَكْرَه، وهذا الذي ذكرناه، فهو الصفيف، قال * قومٌ: هو القَديد. وقال آخرون: هو اللَّحم يُحْمَل في الأسفار طبيخاً أو شِواءً فلا يُنْضَجُ. قال:

فَظَلَّ طُهَاةُ اللَّحمِ مِنْ بين مُنضجٍ *** صَفِيفَ شِواءٍ أو قديرٍ مُعَجَّلِ([1])

(صك) الصاد والكاف أصلٌ يدلُّ على تلاقِي شيئين بقوَّة وشِدَّة، حتَّى كأنَّ أحدَهما يضرِبُ الآخر. من ذلك قولهم: صَكَكْتُ الشيءَ صكَّا. والصَّكَك: أن تَصْطَكَّ رُكبتا [الرَّجُل([2])]. [وصَكَّ البابَ([3])]: أغْلقه بعنفٍ وشِدَّة. ويقال بعير مُصَكَّكٌ([4])، إذا كان اللَّحمُ قد صُكَّ فيه صَكّاً. ورجلٌ مِصكٌّ: شديد. ويقال ذلك في الخَيل والحُمُر وغيرها.

وأمَّا قولُهم: "جئتُهُ صَكَّةَ عُمَيٍّ([5])" فإِنَّما يُراد أنَّ الأعمى  يلقى مثلَهُ فيصطكّانِ، أي يصكُّ كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه. وذلك كلامٌ وضَعوه في الهاجرة وعند اشتداد الحرِّ خاصَّة.

(صل) الصاد واللام أصلان: أحدهما يدلُّ على ندىً وماء قليل، والآخر على صوت.

فأمَّا الأول فالصَّلّة، وهي الأرضُ تسمَّى الثَّرَى لِنداها. على أنَّ من العرب من يسمِّي الصَّلّة التُّرابَ الندِيّ. ولذلك تُسمَّى بقيَّةُ الماء في الغدير صُلْصُلة.

ومن الباب: صِلال المَطَر: ما وقع منه شيءٌ بعد شيء. ويقال للعُشْب المتفرِّق صِلالٌ، لأنَّه يسمَّى باسم المطرِ المتفرِّق. قال:

* كجَنْدَلِ لُبْنَ تَطَّرِدُ الصِّلالا([6]) *

ومن الباب صَلّ اللحمُ، إِذا تغيَّرَتْ رائحتُهُ وهو شواءٌ أو طبيخ. وإِنّما هو من الصَّلّة، كأنَّه دُفِنَ في الصّلّة فتغيَّر. ومصدر ذلك الصُّلول. قال:

ذاك فتىً يبذُلُ ذا قِدْرِهِ *** لا يُفْسِدُ اللَّحمَ لديه الصُّلولْ([7])

وأمَّا الصَّوت فيقال صَلَّ اللِّجام وغيرُهُ، إِذا صَوَّت. فإِذا كثُر ذلك منه، قيل صَلْصَلَ. وسمِّيَ الَخَزَفُ صَلصَالاً لذلك، لأنَّه يصوّت ويصلصِل.

وممّا شذّ من هذين البابين الصِّلّ: الدَّاهية؛ والجمع أصلال. ويقال صَلَّتْهم الصَّالَّة. إذا دَهَتْهم الدَّاهية.

(صم) الصاد والميم أصلٌ يدلُّ على تَضَامِّ الشِّيءِ وزوالِ الخرْق والسَّمّ. من ذلك الصَّمَم في الأُذن. يقال صَمِمْت، وأنت تَصَمُّ صَمَما. وربَّما قالوا صُمَّ بمعنى صَمّ. ويقال: أصممتُ الرَّجُلَ، إِذا وَجدته أصمَّ. قال ابنُ أحمر:

أَصَمَّ دُعاءُ عاذِلَتي تَحَجَّى  *** بآخِرِنا وتَنْسَى أوَّلينَا([8])

والصَّمّاء: الدَّاهية، كأنَّه من الصَّمَم. أي هو أمرٌ لا فُرجَةَ له فيه. ومن ذلك اشتمالُ الصَّمّاء: أنْ تلتحفَ بثوبك ثم تُلقيَ الجانبَ الأيسر على الأيمن. والعرب تقول في تعظيم الأمر: "صَمِّي صَمَامِ". والأصل في ذلك قولهم: "صَمّت حصاةٌ بِدَمٍ"، وذلك أنَّ الدِّماءَ تكثُر في الأرض عند الوغَى، حتَّى لو أُلْقِيَتْ حصاةٌ لم يُسْمَع لها وَقْع، وهو في قول امرئ القيس:

بُدِّلتُ مِنْ وائلٍ وكِندةَ عَدوا *** نَ وفهْمَاً صَمِّي ابنةَ الجبَلِ([9])

يريد تعظيمَ ما وقع فيه وأُدِّيَ إِليه. وصِمام القارورة سمِّيَ بذلك لأنّه يسُدُّ الفُرْجَة. وقولهم: صَمَّم في الأمر، إِذا مضى فيه راكباً رأسَه، فهو من القياس الذي ذكرناه، كأنَّه لما أراد ذلك لم يسمع عَذْلَ عاذلٍ ولا نَهْيَ ناهٍٍ، فكأَنّهُ أَصمُّ.

واشتُقَّ منه السَّيف الصَّمصام والصَّمصامة. ومنه صَمَّم، إِذا عَضَّ في الشيء فأثبت أسنانه فيه. والصَّمَّانُ: أرضٌ. وقال بعضهم: كلُّ أرضٍ إلى جنبِ رَمْلة فهي صَمَّانةٌ.  وهذا صحيح؛ لأنَّ الرّمل فيه خَلَل، والصَّمَّانةُ ليست كذلك.

ومن الباب: الصِّمْصِم([10]): الرَّجلُ الغليظ، وسمِّي بذلك لما ذكرناه، كأنَّه ليست في لحمه فُرجة ولا خَرْق. وكذلك الأسد صِمَّةٌ، كأنَّه لا وصول إليه من وجه.

ومن الباب الصِّمصِمة: الجماعة، سمِّيت بذلك، كأنَّها اجتمعت حتى لا خلل فيها ولا خَرْق.

(صن) الصاد والنون أصلان: أحدهما يدلُّ على إِباء وصَعَرٍ من كِبر. من ذلك الرّجلُ المُصِنُّ، قالوا: هو الرَّافعُ رأسَهُ لا يلتفت إلى أحدٍ. وقالوا: هو السَّاكت. وقالوا: هو الممتلئ غيظاً. قال الرَّاجز([11]):

* أَإِبلِي تأخذُها مُصِنَّا *

أي أتأخُذُ إبلي لا يمنعُكَ زَجْرُ زاجر ولا تلتفت إلى أحد.

والأصل الآخر يدلُّ على خُبْث رائحة. من ذلك الصِّنُّ، و* هو بول الوَبْرِ، في قول جرير:

تَطَلَّى وهي سيِّئةُ المعَرَّى *** بِصِنِّ الوَبْرِ تَحسَِبُهُ مَلاَبا([12])

ثم اشتق منه [الصُّنَان]: ذَفَر الإبط. فأمَّا قولُهم إنَّ أحدَ أيّام العَجُوز يقال لـه الصَّنُّ فهذا شيءٌ ما رأيتُ أحداً يَضبِطه ولا يعلم حقيقتَهُ، فلذلك لم أذكره.

(صه) الصاد والهاء كلمة تقال عند الإسكات، وهي صه([13])، ولا قياسَ لها.

(صي) الصاد والياء كلمة واحدة مُطَابَقة، وهي كلُّ شيءٍ  يُتَحَصَّنُ به. من ذلك تسميتُهم الحصونَ صَياصِيَ، ثمَّ شُبِّه بذلك ما يُحارِب ويتَحصَّن به الدِّيك [وسُمِّي] صيصِيَة، وكذلك قَرن الثور يسمَّى بذلك؛ لأنه يَتحصَّن ويُحارِب به.

(صأ) الصاد والهمزة كلمة واحدة. يقال صأصأ الجَرْوُ، إِذا حرَّك عينَيه ليفتحَهما. وفي حديث بعض التابعين([14]): "فقَّحْنا وصأصأتم". ويقال صأصأت النَّخْلة، إذا لم تقبل اللَّقاح.

(صب) الصاد والباء أصلٌ واحدٌ، وهو إراقة الشيء، وإليه ترجع فروعُ البابِ كلِّه.

من ذلك صَبَبت الماءَ أصبُّه صَبّاً. ويُحمَل على ذلك فيقال لِمَا انحدرَ من الأرض صَبَبٌ، وجمعه أصبابٌ، كأنَّه شيءٌ منصبٌّ في انحداره. وفي الحديث: "أنَّه كان صلى الله عليه وآله وسلم إِذا مشى فكأنَّما يمشي في صَبَب". وقال الراجز([15]):

* بل بَلَدٍ ذي صُعُدٍ وأصبابْ *

والصُّبَّة: القِطعةُ من الخيل، كأنَّها تنصبُّ في الإِغارَةِ انصباباً، والقِطعةُ من الغَنَم أيضاً صُبَّة، لذلك المعنى. ويقال للحيَّات الأساودِ: الصُّبُّ، وذلك أنها إِذا أرادت النكْزَ انصبَّتْ على الملدوغ انصباباً. فأما الصَّبيب فيقال إِنه ماءُ ورق السِّمسِم، ويقال بل هو عُصارة الحِنّاء. وقال الشَّاعر([16])، وهو يدلُّ على صحّة القول الأوّل:

فأوردتُها ماءً كأنَّ جِمَامه *** من الأَجْنِ حِنّاءٌ مَعَاً وصَبيبُ

وقال قومٌ: الصَّبيب: الدَّم الخالص، والعُصفُر المُخْلَص. والصُّبَابة: البقيَّة من الماء في الإناء. والصَّبَابة مِنْ صَبَّ إليه. ورجلٌ صَبٌّ، إِذا غَلبَه الهوى، وهو من انصباب القَلْب. ويقال تصبَّبَ الحرُّ: اشتدَّ، كأَنَّه شيء صُبَّ على الأرض صَبّا. وتصبصب([17]) الشَّيء: ذَهَبَ ومُحِقَ، كأنَّهُ صُبَّ صبّاً. ويقال تصابَبْتُ الإناء، إِذا شربتَ صُبَابَتَه. وكذلك تصابَبتُ الشّيء، إذا نِلتَه قليلاً. قال الشّمّاخ:

لَقَومٌ تَصَابَبْتُ المعيشة بعدَهم  *** أحبُّ إليَّ من عِفاءٍ تَغَيَّرَا([18])

(صت) الصاد والتاء أصلٌ يدلُّ على نِزاعٍ وخصومةٍ وافتراق، يقال للجَلَبَة الصَّتيت. وما زلتُ أُصَاتُّ فلاناً، أي أخاصِمُهُ. والصَّتُّ، فيما يقال: الصَّدْم. والصَّـتِيت: الفِرْقَة. ويقولون إِنَّ الصَّت الصَّدُّ.

(صح) الصاد والحاء أصل يدلُّ على البَراءَة من المرض والعَيب، وعلى الاستواءِ. من ذلك الصِّحَّة: ذَهاب السُّقْم، والبراءةُ من كلِّ عَيب. والصَّحِيح والصَّحَاح بمعنىً. والمُصِحُّ: الذي أهلُهُ وإبلُه صِحَاحٌ وأَصِحَّاء. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يُورِدَنَّ ذو عاهةٍ على مُصِحّ"، أي الذي إبلُهُ صِحاحٌ. والصَّحْصح والصَّحصَحانُ والصَّحصَاحُ: المكان المستوِي.

(صخ) الصاد والخاء أصلٌ يدلُّ على صوتٍ من الأصوات. من ذلك الصَّاخَّة يقال إِنَّها الصَّيحةُ تُصِمُّ الآذان. ويقال ضَرَبْتُ الصخرةَ بحجرٍ فسمعتُ لها صَخّا([19]). ويقال صَخَّ الغُرابُ بمنقارِهِ في دَبَرة البَعير، إِذا طَعَن.

(صد) الصاد والدال معظمُ بابِهِ يَؤولُ إلى إِعراضٍ وعُدول. ويجيء بعد ذلك كلماتٌ تَشِذّ. فالصَّدُّ: الإعراض. يقال صَدَّ يصُدُّ، وهو مَيلٌ إلى أحد الجانبين. ثم تقول: صَدَدْتُ فلاناً عن الأمر، إِذا عَدَلْتَه عنه. والصَُّدَّانِ: جانِبا الوادي، الواحد صَُدٌّ،  وهو القياس، لأنَّ الجانب مائلٌ لا محالة. ويقولون: إنّ الصَّدَدَ ما استَقْبَلَ([20]). يقال: هذه الدَّارُ على صَدَدِ هذه. ويقولون: الصَّدد: القُرب. والصُّدَّاد([21]): الطَّريق إلى الماء. والصَُّدُّ: الجبَل. وهذه الكلماتُ التي ذكرتُها فليست عندي أصلاً؛ لبُعدها عن القياس، وإنْ صحَّتْ فهي محمولةٌ *على الأصل.

ومما هو صحيحٌ وليس من هذا الباب، قولهم : صَدَّ يَصِدُّ، وذلك إِذا ضَجَّ. وقرأ قومٌ([22]): { إِذا قَوْمُكَ منه يَصِدُّون}  [الزخرف 57]، قالوا: يَضِجُّون. والصَّديد: الدَّم المختلِط بالقَيْح، يقال منه أَصَدَّ الجُرْح.

(صر) الصاد والراء أصولٌ: الأول قولهم صَرَّ الدَّرَاهمَ يصُرُّها صَرّاً. وتلك الخِرقة صُرَّة. والذي تعرفه العربُ الصِّرَار، وهي خِرقةٌ تُشدُّ على أَطْباء النّاقة لئلا يرضَعَها فَصِيلُها.  يقال صَرَّها صَرَّا. ومن الباب: الإِصرار: العَزْم على الشيء. وإنما جعلْناه من قياسِه لأن العَزْم على الشيء والإجماعَ عليه واحد وكذلك الإصرار: الثَبَات على الشيء.

ومن الباب: هذه يمين صِرِّي([23]) أي جدّ، إنا ثابتٌ عليها مُجمِع.

ومن الباب :الصَّرَّة، يقال للجماعة صَرَّةٌ. قال امرؤُ القَيس:

فأَلحَقَنَا بالهادياتِ ودونه  *** جَوَاحِرُها في صَرَّةٍ لم تَزَيَّلِ([24])

ومن الباب: حافرٌ مصرورٌ، أي منقبضٌ. ومنه الصُّرْصُور، وهو القَطيع الضَّخْم من الإبل.

وأَمَّا الثاني، وهو من السُّمُو والارتفاع، فقولهم: صَرَّ الحمارُ أُذُنَه، إِذا أقامها. وأَصَرَّ إذا لم تذكر الأُذُن، وإن ذكرتَ الأُذُن قلتَ أَصَرَّ بأذنه. وأظنُّه نادراً. والأصل في هذا الصِّرَار، وهي أماكنُ مرتفعةٌ لا يكَادُ الماء يعلوها. فأما صِرَارٌ فهو اسمُ علَمٍ، وهو جَبَلٌ. قال:

إنَّ الفرزدقَ لن يُزايل لؤمَه *** حتى يَزُولَ عن الطريقِ صِرَارُ([25])

وأمَّا الثالث: فالبرد والحَرُّ، وهو الصِّرُّ. يقال أصاب النَّبتَ صِرٌّ، إذا أصابَه بردٌ يُضرُّ به. والصِّرُّ: صِرُّ الرّيح الباردة. وربما جعلوا في هذا الموضع الحَرَّ. قال قوم: الصَّارَّةُ شدة الحرِّ حرِّ الشمس. يقال قطع الحِمار صارَّتَه. إِذا شرِب شُرْباً كَسَرَ عطشَه. والصَّارَّة: العَطَش، وجمعها صَوَارُّ. والصَّرِيرة: العطش، والجمع صرائر. قال:

* وانصاعت الحُقْبُ لم يُقْصَعْ صَرائرُها([26]) *

وذكر أبو عبيدٍ: الصَّارّة العطش، والجمع صرائر. وهو غلط، والوجه ما ذكرنا.

وأما الرَّابع، فالصَّوت. من ذلك الصَّرَّة: شِدَّة الصِّياح. صَرَّ الجُنْدَب صرِيراً، وصَرْصَرَ الأَخْطَبُ صَرصرة. والصَّرَارِيُّ: الملاَّح، ويمكن أن يكون لرفعِه صوتَه.

ومما شذَّ عن هذه الأصول كلمتان، ولعلَّ لهما قياساً قد خَفِيَ علينا مكانُه فالأولى: الصّارَّة، وهي الحاجةُ. يقال لي قِبَلَ فلانٍ صَارَّةٌ، وجمعها صَوَارُّ، أي حاجة. والكلمةُ الأخرى  الصَّرورة، وهو الذي لم يحجُجْ، والذي لم يتزوَّج. ويقال الصَّرُورة: الذي يَدَعُ النكاح متبتِّلاً. وجاء في الحديث: "لا صَرْورة في الإسلام".

قال أبو بكر محمّد بن الحسن بن دُريد([27]): "الأصل في الصَّرورة أنَّ الرجلَ  في الجاهلية كانَ إذا أحدَثَ حدَثاً فلجأ إلى الكعبة لم يُهَجْ، فكان إِذا لقِيَه وليُّ الدَّمِ بالحرَم قيل له: هو صرورة فلا تَهِجْه. فكثُر ذلك في كلامهم حتَّى جعلوا المتعبِّد الذي يجتنِب النِّساء وطِيبَ الطعام صَرورةً، وصروريَّاً. وذلك عَنَى النابغةُ بقوله:

لو أنَّها عَرَضَتْ لأشمَطَ راهبٍ *** عَبَدَ الإِلـه صرورةٍ متعبِّدِ([28])

أي مُنْقَبضٍ عن النِّساء والطِّيب([29]). فلما جاء الله تعالى بالإسلام وأوجَبَ إِقامةَ الحدود بمكَّة وغيرِها سُمِّي الذي لم يحجَّ صَرورةً وصَرُوريّاً، خلافاً لأمر الجاهلية. كأنَّهم جَعلُوا أنَّ تَرْكَه الحجَّ في الإِسلام، كترك المتأَلِّهِ إِتيانَ النِّساء والتّنعّمَ في الجاهليَّة".

وهذا الذي ذكرناه في معنى الصَّرورة يحتمل أنَّه من الصِّرار، وهو الخِرقة التي تُشَدُّ على أَطْباء النّاقة لئلا يرضَعَها فصيلها. والله أعلم بالصَّواب.

ــــــــــــــ

([1]) لامرئ القيس في معلقته.

([2]) التكملة من المجمل.

([3]) التكملة من المجمل. وبين هاتين التكملتين في المجمل: "يقال منه صكك. والصكة: أشد الهاجرة".

([4]) في المجمل: "مِصَكّ"، وكلاهما صحيح، يقال : مصك ومصكوك ومصكك.

([5]) عُمَيّ، هنا: تصغير ترخيم للأعمى.

([6]) البيت للراعي، كما في معجم البلدان (لبن). وصدره في اللسان (صلل):

* سيكفيك الإله بمُسنَمات *

([7]) للحطيئة في ديوانه 84 واللسان (صلل).

([8]) البيت في اللسان (صمم؛ حجا).

([9]) البيت في اللسان (صمم)، وليس في ديوانه.

([10]) ويقال أيضاً "صمصم" كعلبط.

([11]) هو مدرك بن حصن. اللسان (صنن، شنن)، ونوادر أبي زيد 50 .

([12]) ديوان جرير 73، واللسان (صنن).

([13]) تقال بالسكون، وبالكسر مع التنوين.

([14]) هو عبيد الله بن جحش، كان أسلم  وهاجر إلى الحبشة، ثم ارتد وتنصر بالحبشة، فكان يمرُّ بالمهاجرين فيقول ذاك.  اللسان (صأصأ).

([15]) هو رؤبة. ديوانه 6، واللسان (صبب).

([16]) هو علقمة بن عبدة الفحل. ديوانه 132، والمفضليات (2: 193)، واللسان (صبب).

([17]) في الأصل: "تصبب"، صوابه في المجمل والقاموس واللسان. وأنشد للعجاج:

* حتى إذا ما يومها تصبصبا *.

([18]) ديوان الشمَّاخ 27 واللسان (صبب). وروي في اللسان أنه ينسب للأخطل.

([19]) في المجمل واللسان: "صخة"، وكلاهما صحيح؛ فإن "الصخ"، كذلك والصخيخ بمعنى الصوت.

([20]) في اللسان: "ما استقبلك".

([21]) ضبط في الأصل والمجمل بضم الصاد، وضبط في القاموس كرمان وكتاب.

([22]) قرأ بضم الصاد نافع وابن عامر والكسائي وأبو جعفر وخلف، وقرأ الباقون بكسرها. إتحاف فضلاء البشر 386 في سورة الزخرف.

([23]) في المجمل: "صِرِّي وأصِرِّي". ويقال أيضاً: "صِرَّى" و"أصِرَّى"، و"صُرِّي" و "صُرَّى".

([24]) البيت من معلقته المشهورة.

([25]) البيت لجرير في ديوانه 206 واللسان (صرر)

([26]) لذي الرمة في ديوانه 588 واللسان (صرر، قصع، نشح)، وسيأتي في (قصع). وعجزه:  * وقد نشحن فلا ري ولا هيم *

([27]) في الجمهرة: (3 :428).

([28]) ديوان النابغة 31 وشرح المعلقات  للزوزني 198. واللسان (صرر).

([29]) في نسخة الجمهرة: "والتنعم".

 

ـ (باب الصاد والعين وما يثلثهما)

(صعف) الصاد والعين والفاء ليس بشيء. على أنهم يقولون الصَّعَْف: شرابٌ([1]).

(صعق) الصاد والعين والقاف أصلٌ واحدٌ *يدلُّ على صَلْقَةٍ وشِدَّة صَوت. من ذلك الصَّعْق، وهو الصَّوت الشَّديد. يقال حِمارٌ صَعِقُ الصَّوتِ، إِذا كان شديدَه. ومنه الصَّاعقة، وهي الوقع الشّديدُ من الرَّعْدِ. ويقال إنَّ الصُّعاق الصَّوت الشديد. ومنه قولهم: صَعِق، إِذا ماتَ، كأنَّه أصابته صاعقةٌ. قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرضِ إلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ} [الزمر 68].

(صعل) الصاد والعين واللام أُصَيلٌ يدلُّ على صِغَرٍ وانجراد. من ذلك الصَّعْل، وهو الصَّغير الرَّأْس من الرِّجال والنَّعام. قال:

* صَعْلِ الرَّأْسِ قُلتُ له([2]) *

ويقال حمار صَعْل: ذاهب الوبر. ويقال رجلٌ أصعَلُ، وامرأةٌ صَعلاءُ. والصَّعْلة من النَّخْل: العَوجاء الجَرداءُ أصول السَّعَف.

(صعن) الصاد والعين والنون أُصَيلٌ يدلُّ على لُطْف في الشيء. يقال: فلانٌ صِعْوَنُّ الرأس: دقِيقُه. ويقال أُذُنٌ مُصْعَنَّة. قال:

* والأذْن مُصْعَنَّةٌ كالقَلَمْ([3]) *

(صعو) الصاد والعين والحرف المعتل كلمةٌ واحدةٌ، وهي الصَّعْوَة، وهي عصفورة، والجمع صِعاء.

(صعب) الصاد والعين والباء أصلٌ صحيح مطَّرد، يَدَلُّ على خِلاف السهولة. من ذلك الأمر الصَّعْب، خلاف الذَّلول، يقال صعُبَ يصعُب صُعوبةً، ويقال أَصْعَبْتُ الأمر: ألفَيْتُهُ صعباً.

ومن الباب المُصْعَب، وهو الفَحل، وسمِّي بذلك لقُوَّته وشدَّته. ويقال أَصْعَبنا الجمل، إِذا تركناه فلم نركبْه، وذُكر أنَّهم يقولون: أَصْعَبتُ الناقة، إِذا تركتَها فلم تَحمِل عليها. وهذه استعارة. وفي الرَّمْل مَصَاعِبُ.

(صعد) الصاد والعين والدال أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على ارتفاعٍ ومشقّة. من ذلك الصَّعُود خلاف الحَدُور، ويقال صَعِدَ يَصْعَد. الإِصعاد مقابلة الحَدُور من مكانٍ أرفع. والصَّعود: العقَبة الكَؤود، والمشقّة من الأمر، قال الله تعالى: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودَاً}  [المدثر 17]. قال:

نَهَى التَّيْمِيَّ عُتْبةُ والمعلَّى *** وقالا: سوف يَنهرك الصَّعُودُ

وأما الصُّعُدات فهي الطُّرُق، الواحد صَعيد. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :"إِيّاكم والقعودَ بالصُّعُدات إِلاَّ من أدَّى حَقَّها". ويقال صعيد وصُعْد وصُعُدات، وهو جمع الجمع، كما يقال طريق وطُرُقٌ وطُرُقات. فأمَّا الصعيد فقال قَومٌ: وجه الأرض. وكان أبو إسحاقَ الزَّجَّاجُ يقول: هو وجه الأرض، والمكانُ عليه ترابٌ أو لم يكن. قال الزَّجّاج: ولا يختلف أهلُ اللَّغة أنَّ الصَّعيد ليس بالتراب. وهذا مذهبٌ يذهب إليه أصحابُ مالكِ بن أَنَس. وقولهم إنَّ الصَّعيد وجهُ الأرض سواءٌ كان ذا ترابٍ أو لم يكُنْ، هُو مذهبُنا، إلاَّ أنَّ الحقَّ أحقُّ أن يُتَّبع، والأمر بخلاف ما قاله الزّجّاج. وذلك أنَّ أبا عبيدٍ حَكى عن الأصمعيّ أنَّ الصّعيدَ التراب. وفي الكتاب المعروف بالخليل، قولهم تيمَّمْ بالصَّعيد، أي خُذْ من غُبارِهِ. فهذا خلافُ ما قاله الزَّجّاج.

ومن الباب الصُّعَداء، وهو تنفُّسٌ بتوجُّع، فهو نَفَسٌ يعلو، فهو من قياس الباب، وأما الصَّعود من النُّوق فهي التي يموت حُوارها فتُرْفَع إلى ولدها الأوَّل فتدرُّ عليه. وذلك فيما يقال أطيَبُ للبنها. ويقال: بل هي التي تُلقي ولدها. وهو تفسير قوله:

* لها لَبَنُ الخَلِيّةِ والصَّعودِ([4]) *

ويقال: تَصَعَّدَني الأمرُ، إِذا شقَّ عليكَ. قال عمر: "ما تصعَّدتْني خطبةُ النكاح([5])". وقال بعضهم: "الخطبةُ صُعُد، وهي على ذي اللُّبِّ أَرْبَى". ومما يُقارب هذا قولُ أبي عمروٍ: أَصْعَدَ  في البِلاد: ذهب أينما توجَّه. ومنه قولُ الأعشى:

فإنْ تسألي عنِّي فيا رُبَّ سائلٍ *** حَفِيٍّ عن الأعشى به حيث أَصْعَدَا([6])

ومما لا يبعد قياسه الصَّعْدة من النِّساء: المستقيمةُ القامةِ، فكأنها صَعْدَةٌ، وهي القناةُ المستوِيةُ تنبت كذلك، لا تحتاج إلى تثقيف.

(صعر) الصاد والعين والراء أصل مطرد يدلُّ على مَيَل في * الشيء. من ذلك الصَّعَر، وهو المَيَل في العُنُق. والتصعير: إمالة الخدِّ عن النّظَرِ عُجْبا. وربَّما كان الإنسان والظَّليمُ أَصْعَرَ خِلقة. قال الله تعالى: وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ[لقمان 18]، وهو من الصَّيعِريّة، وهو اعتراضُ البَعِير في سيره. والصَّيْعِريّةُ: سِمَةٌ من سِمات النوق في أعناقها، ولعلًَّ فيها اعتراضاً. قال المسيّب:

* بِنَاجٍ عليه الصَّيْعريَّةُ مُكْدَمِ([7]) *

فأما الحديث: "ليس فيهم إلاَّ أصعَرُ أو أبتر"، فمعناه ليس إلاّ معجبٌ ذاهب أو ذَليل. ويقال سَنامٌ صَيْعَرِيٌّ، أي عظيم. وإِنّما قيل له ذلك لأنَّه إذا عظم مالَ.

ومما شذَّ عن الباب قولهم: قَرَبٌ مُصْعَرٌّ، أي شديد. قال:

* وقد قَرَبْنَ قَرَباً مُصْعَرَّا([8]) *

والله أعلم بالصَّواب.

ـــــــــــــــــ

([1]) في اللسان: "الصَّعْف والصَّعَف: شراب لأهل اليمن، وصناعته أن يشدخ العنب ثم يلقى في الأوعية حتى يغلي".

([2]) لم أجد تتمته. ولعله التبس عنده ببيت لذي الرُّمة:

وخافق الرأس فوق الرحل قلت لـه *** زع بالزمام وجوز الليل مركوم

([3])  لعدي بن زيد في اللسان (صعن). ويروى "مُصَعَّنة". والبيت بتمامه:

له عنق مثل جذع السحوق *** وأذن مصعنة كالقلم

([4]) لخالد بن جعفر الكلابي. وصدره كما في اللسان (صعد): * أمرت لها الرعاء ليكرموها *

([5]) القول بتمامه: "ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح".

([6]) ديوان الأعشى 102 واللسان (صعد).

([7]) صدره كما في اللسان (صعر):  * وقد أتناسى الهم عند احتضاره *

([8]) بعده في اللسان :  * إذا الهدان حار واسبكرا *

 

ـ (باب الصاد والغين وما يثلثهما )

(صغو/ي) الصاد والغين والحرف المعتل أصلٌ صحيح يدلُّ على المَيْل، من ذلك قولُهم: صِغْو فلانٍ معك، أي ميلُه. وصَغتِ النجوم: مالت للغُيوب. وأصغى إليه، إِذا مال بسمعِهِ نحوَه. وأَصْغَيت الإِناءَ أَمَلْتُهُ. ومنه قولهم للذين يَميلون مع الرَّجُل من أصحابِهِ وذوي قُرْباه: صاغِيةٌ. وحُكي: صَغَوْتُ إليه أَصْغَى صَغْواً وصَغىً، مقصور.

(صغر) الصاد والغين والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على قِلَّةٍ وحقارة. من ذلك الصِّغَر: ضدّ الكِبَر. والصَّغير: خلاف الكبير. والصاغِر: الرَّاضي بالضَّيمِ صُغْراً وصَغاراً. ويقال أصغَرت النَّاقةُ وأكبَرَتْ. والإِصْغار: حنينُها [الخفيض. والإِكبار([1]):] العالي. قالت الخنساء:

* لها حنينان إِصْغارٌ وإِكبارُ([2]) *

(صغل) الصاد والغين واللام ليس بشيء، إِنَّما الصَّغِل السَّيِّئ الغِذاء. والأصل فيه السين: سَغِلٌ. والله أعلم بالصواب.

(صفق) الصاد والفاء والقاف أصلٌ صحيح يدلُّ على ملاقاةِ شيءٍ ذي صَفْحةٍ لشيءٍ مثله بقُوَّة. من ذلك صَفَقْتُ الشَّيءَ بيدي، إِذا ضربتَه بباطن يدكِ بقُوّة. والصَّفْقَة: ضربُ اليدِ على اليدِ في البَيْعِ والبَيْعةِ، وتلك عادةٌ جاريةٌ للمتبايِعين. وإذا قيل أصفَق القومُ على الأمر، إِذا اجتمعوا عليه، فهو من ذلك، وإِنَّما شُبِّهوا بالمتصافِقين على البيع.

وممّا حُمِل على ذلك الصَّفَقُ، وهو الماء يُصَبُّ على الأديمِ الجديد فيخرُج مُصْفرَّا.

ومن الباب أيضاً: الشَّراب المصفَّق، وهو أن يُحوَّل من إِناءٍ إلى إِناءٍ، كأنَّه صَفَقَ الإِناءَ إذا لاقاه، وصُفِقَ به الإِناء. ومنه صَفَقَ الإِبلَ، إِذا حوَّلـها مِن مرعَىً إلى مرعَىً.

ثم حُمِل على ذلك فقيل لكلِّ منبسطٍ صَفقٌ وإن لم يُضربْ به على شيء. فيقال لجانِبَي العُنُق صفقانِ، ولكلِّ ناحيةٍ صَفْق وصُفْق([3]). ويقال للجِلدِ الذي يلي سوادَ البطنِ صُفْق.

ومما شذَّ عن الباب، وقد يمكن أن يُخرّج له وجه، قولهم: قَوسٌ صَفوقٌ، إِذا كانت ليّنة راجعة.

(صفن) الصاد والفاء والنون أصلانِ صحيحانِ، أحدهما جنسٌ من القيامِ، والآخر وِعاءٌ من الأوعية.

فالأوّل: الصُّفون، وهو أن يقومَ الفرسُ على ثلاثِ قوائمَ ويرفعَ الرَّابعة، إلاَّ أنَّه ينالُ بطرَف سُنْبُكِها الأرض. والصَّافن: الذي يصفُّ قدمَيه. وفي حديث البَرَاء: "قمنا خَلْفَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صُفُوناً". ومنه تَصَافَنَ القومُ [الماء([4])]، وذلك إِذا اقتسموه بالصُّفْن، والصُّفْن: جلدةٌ يُسْتَقَى بها. قال:

فلما تصافَنَّا الإداوةَ أجهشَتْ *** إِلَيَّ  غُصونُ العنبريِّ الجُراضِمِ([5])

ويقال إنَّ ذلك إِنَّما يكون على المَقْلَة، يُسقى أحدُهم قَدْر ما يغمُرها.

ومما شذَّ عن الأصلين: الصَّافن، وهو عِرْقٌ([6]).

(صفو) الصاد والفاء والحرف المعتلّ أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خلوصٍ من كل شَوب. من ذلك الصَّفاءُ، وهو ضدُّ الكَدَرِ؛ يقال صفا يصفو، إذا خَلص. يقال لكَ صَفْوُ هذا الأمرِ وصِفْوته. ومحمَّد صِفوة الله تعالى وخِيرَتُه من خَلْقِه، ومُصْطفاهُ صلَّى الله عليه * وآلهِ وسلّم. والصَّفِيُّ: ما اصطفاه الإمام من المَغْنم([7]) لنفسه، وقد يسمَّى بالهاء الصَّفِيَّة، والجمع الصَّفَايا. قال:

لك المِرْبَاعُ منها والصَّفَايا *** وحُكْمُكَ والنَّشيطةُ والفُضُولُ([8])

والصَّفِيَّة والصَّفِيّ، وهو بغير الهاء أشهر: النّاقةُ الكثيرة اللّبَن، والنَّخْلة الكثِيرةُ الحَمْل، والجمع الصَّفَايا. وإِنَّما سُمِّيت صفيّاً لأنَّ صاحِبَها يصطفيها.

ومن الباب قولهم: أَصْفت الدَّجاجةُ، إِذا انقطع بيضُها، إِصفاءً. وذلك كأنَّها صَفَتْ أي خَلَصت من البَيْضِ، ثم جُعِلَ ذلك على أَفْعَلتْ فرقاً بينها وبين سائرِ ما في بابها، وشبّه بذلك الشَّاعِرُ إذا انقطع شِعْرُهُ.

ومن الباب الصَّفَا، وهو الحجر الأَمْلَسُ، وهو الصَّفْوانُ، الواحدة صَفوانةٌ، وسمِّيت صفوانَةً لذلك، لأنَّها تَصْفُو من الطِّين والرَّمْل. قال الأصمعيُّ: الصَّفْوان والصَّفْواءُ والصَّفَا، كله واحد. وأنشد:

* كما زَلَّتِ الصَّفْواء بالمتنَزِّلِ([9]) *

ويقال يومٌ صفوانُ، إِذا كان صافِيَ الشَّمسِ شديدَ البَرْدِ.

(صفح) الصاد والفاء والحاء أصلٌ صحيحٌ مطَّرد يدلُّ على عَرْض وعِرَض. من ذلك صَُفْح الشَّيء: عُرْضُهُ. ويقال رأس مُصْفَحٌ: عريض. والصفيحة: كلُّ سيفٍ عريض. وصَفْحَتا السَّيف: وَجْهاه. وكلُّ حجرٍ عريضٍ صفيحةٌ، والجمع صَفائِح. والصُّفَّاح: كلُّ حجرٍ عريض. قال النّابغة:

تقدُّ السَّلوقيَّ المضاعفَ نسجُهُ *** ويُوقِدْن بالصُّفّاحِ نارَ الحُباحِبِ([10])

ومن الباب: المُصافحةُ باليد، كأنَّه ألصقَ يدَه بصَفحةِ يدِ ذاك. والصَّفْح: الجنْب. وصَفحا كلِّ شيء: جانباه. فأمَّا قولهم: صَفَح عنه، وذلك إِعْراضُهُ عن ذنْبِهِ، فهو من البابِ؛ لأنَّه إِذا أعرضَ عنه فكأنَّه قد ولاَّه صَفْحتَه وصُفحه، أي عُرضه وجانِبَه، وهو مَثَلٌ.

ومن الباب: صَفحت الرَّجلَ وأصفحتُهُ، إِذا سألك فمنعتَه([11]). وهو من أنّك أريتَه صَفْحَتَك مُعْرِضاً عنه. ويقال: صَفحتُ الإِبلَ على الحوض، إِذا أمررتَها عليه، وكأنَّكَ أَرَيْتَ الحوضَ صَفَحَاتِها، وهي جُنوبُها.

ومما شذَّ عن الباب قولُهم: صفحت الرَّجل صفحاً، إِذا سَقيتَه أيَّ شرابٍ كان ومتى كان.

(صفد) الصاد والفاء والدال أصلان صحيحان: أحدُهما عَطاءٌ، والآخَر شَدٌّ بشيء.

فالأوَّل الصَّفَد؛ يقال أَصفدتُهُ، إِذا أعطيتَه. قال:

هذا الثناءُ فإِنْ تَسمعْ لقائِلِهِ *** فماعَرَضتُ أبيتَ اللَّعنَ بالصَّفَدِ([12])

وأمَّا الصَّفْد فالغُلّ، ويقال الصَّفْد التقييد([13]). والأصفاد: الأقْياد. والصِّفاد: القَيد أيضاً. قال:

هَلاَّ مننتَ على أَخيكَ مَعْبَدٍ *** والعامِريُّ يقودُه بِصِفادِ([14])

وفي الحديث:  "إذا دخل شهرُ رمضانَ صُفِّدت الشياطين".

(صفر) الصاد والفاء والراء ستّة أوجه:

فالأصل الأوَّل لونٌ من الألوان. والثاني الشَّيء الخالي. والثالث جوهرٌ من جواهر الأرضِ. والرَّابع صَوت. والخامس زَمان. والسادس نَبْت.

فالأوَّلُ: الصُّفْرة في الألوان. وبنو الأصفر: مُلوكُ الرُّومِ؛ لِصُفْرةٍ اعتَرَتْ أبَاهم. والأصفر: الأسود في قوله:

تلكَ خَيْلِي منه وتلك ركابي *** هنَّ صُفْرٌ أولادُها كالزَّبيبِ([15])

والأصل الثاني: الشيء الخالي، يقال هو صِفْر. ويقولون في الشتم: ما له صَفِر إِناؤه. أي هلكت ماشيتُهُ. ومن الباب قولُهم للذي به جنونٌ: إنه لفي صُفْرَةٍ وصِفْرة بالضم والكسر، إِذا كان في أيامٍ يزول فيها عقلُهُ. والقياس صحيح؛ لأنه كأنه خالٍ بين عقله.

والأصل الثالث: الصُّفْر من جواهر الأرض، يقال إنَّه النُّحاس. وقد يقال الصِّفْر. وقد أخبرني عليُّ بن إبراهيمَ القطانُ، عن عليّ بن عبد العزيز، عن أبي عُبيد قال: قال الأصمعي: النُّحاس الطَّبيعة والأصل، والنُّحاس هو الصُّفر الذي تعمل منه الآنية، فقال "الصُّفْر"، بضم الصاد. قال أبو عبيدٍ مثلَهُ، إلاَّ أنَّه قال الصِّفْر، بكسر الصاد.

وأمَّا الرَّابع فالصَّفير للطّائر. وقولهم: ما بها صافرٌ، من هذا، أي كأنَّه يصوِّت.

وأمَّا الزمان فصَفَر: اسم هذا الشهر. قال ابنُ دريد([16]): الصَفَرَانِ * شهرانِ في السَّنة، سمِّي أحدُهما في الإِسلام المحرَّم. والصَّفَريّ، نباتٌ يكون في أوّلِ الخريفِ. والصَّفَريّ في النَّتاج بعد اليقظيّ.

وأمَّا النَّبات فالصَّفَار، وهو نبتٌ، يقال إنَّه يبيس البُهْمَى. قال:

فبتنا عُرَاةً لدى مُهرِنا *** ننزِّعُ من شَفَتيهِ الصَّفَارا([17])

(صفع) الصاد والفاء والعين كلمةٌ واحدة معروفة.

ـــــــــــــــ

([1]) هذه التكملة من المجمل.

([2]) صدره كما في الديوان 42 واللسان (صغر):

* فما عجول على بوٍّ تطيفُ به *

([3]) وصفق أيضاً، بالتحريك، كما في المجمل.

([4]) التكملة من المجمل واللسان.

([5]) البيت للفرزدق في اللسان (صفن، جرضم).

([6]) في اللسان: "عرق في باطن الصلب طولاً، متصل به نياط القلب، ويسمى الأكحل".

([7]) في الأصل: " من الغنم"، وأثبت ما في المجمل.

([8]) البيت لعبد الله بن عنمة الضبي، كما سبق في (ربع)، وهو من أبيات ثمانية رواها أبو تمام في الحماسة: (1: 420). وأنشده في اللسان (ربع، صفا، نشط، فضل)، وسيأتي في (نشط).

([9]) لامرئ القيس في معلقته. وصدره: * كميت يزلُّ اللِّبد عن حال متنه *.

([10]) ديوان النابغة 7 برواية : "وتوقد".

([11]) فرق بينهما ابن الأثير فقال: "يقال صفحته، إذا أعطيته، وأصفحته إذا حرمته".

([12]) للنابغة في ديوانه 27 واللسان (صفد)، والرواية فيهما: "فلم أعرض".

([13]) كذا ضبطت العبارة في المجمل. وفي اللسان بفتح فاء الصفد. والظاهر أن التقييد بسكون الفاء، والغل بفتحها. يؤيده عبارة اللسان: "والاسم من العطية الصفد ـ أي بالتحريك ـ وكذلك من الوثاق".

([14]) البيت لعوف بن عطية التيمي، يعير لقيط من زرارة بموت أخيه معبد في الأسر. اللسان (بدد). وروايته في (بدد): "ألا كررت على ابن أمك معبد". وروايته في (صفد) كروايته هنا، مع تحريف في عجز البيت.

([15]) البيت للأعشى في ديوانه 219، واللسان (صفر).

([16]) الجمهرة (2: 355).

([17]) البيت لأبي دُوَاد الإِيادي، كما في حواشي الجمهرة. وسيأتي منسوباً في (عري).

 

ـ (باب الصاد والقاف وما يثلثهما)

(صقل) الصاد والقاف واللام أُصَيلٌ يدلُّ على تمليسِ شيء، ثم يقاس على ذلك. يقال صَقَلْتُ السَّيْفَ أَصقُله، وصائغ ذلك الصَّيقل. والصَّقِيل: السَّيف. ويقال: الفرسُ في صِقاله، أي صِوَانِهِ، وذلك إِذا أُحسنَ القيامُ عليه، كأنَّهُ يُصقَل صَقلاً ويُصنَع.

ومن الباب الصُّقل من الإنسان والفرس، وهو الجنْب، والجنب أشدُّ الأعضاء ملاسةً، فلذلك سمِّي صُقلاً، كأنَّه قد صُقِل. ويقال منه فرس صَقِلٌ، أي طويل الصُّقْلين.

(صقب) الصاد والقاف والباء لا يكاد يكون أصلاً؛ لأنَّ الصَّاد يكون مرَّةً فيه السين، والبابان متداخلان، مرّةً يقال بالسين ومرَّةً بالصاد، إِلاَّ أنَّه يدلُّ على القرب ومع الامتداد مع الدّقَّة.

فأمَّا القُرب فالصَّقَب. وجاء في الحديث:"الجار أحقُّ بِصَقَبِه"، يراد في الشُّفْعة. والصَّاقب: القريب. والرَّجُلان يتصاقبان في المحلّة، إِذا تقارَبا.

وأما الآخر فالصَّقْب: العمودُ يُعمَد به البيت، وجمعه صقوب. قال ذو الرُّمَّة:

* صَقْبانِ لم يتقشَّرْ عنهما النَّجَبُ([1]) *

وأما قولهم: صقبت الشيء، إِذا ضَربته فلا يكون إلاَّ على شيءٍ مُصْمَتٍ يابس. فممكنٌ أن يكونَ من الإِبدال، كأنه من صَقعته، فيكون الباء بدلاً من العين.

(صقر) الصاد والقاف والرَّاء أُصَيلٌ يدلُّ على وقع شيء بشدّة. من ذلك الصَّقْر. وهو ضربُكَ الصَّخرةَ بِمعولٍ، ويقال لِلمعْول الصَّاقُور. ويجوز أن يدخل فيه الهاء فيقال الصَّاقُورة.

والصَّقْر هذا الطائرُ، وسمِّي بذلك لأنه يَصقْـُر الصّيد صقراً بقُوّة. وصَقَرات الشَّمس: شدّة وقْعِها على الأرض. قال:

إِذا ذابت الشَّمسُ اتَّقى صَقَرانِها *** بأفنانِ مَربوعِ الصَّريمةِ مُعْبِلِ([2])

وحكي عن العرب([3]): جاء فلان بالصُّقَر والبُقَر، إِذا جاء بالكذِب.

فهذا شاذٌّ عن الأصل الذي ذكرناه. وكذلك الصَّاقورة في شعر أميّة بن أبي الصَّلت([4])  من الشاذّ. ويقال إِنَّها السَّماء الثالثة. وما أحسب ذلك من صحيح كلام العرب. وفي شعر أميَّةَ أشياءُ. فأما الدِّبْس وتسميتُهم إيّاهُ صَقْراً فهو من كلام أهل المدَر، وليس بذلك الخالِص من لغة العرب.

(صقع) الصاد والقاف والعين أصول ثلاثة: أَحدها وقْع شيءٍ على شيءٍ كالضَّرب ونحوه، والآخر صَوت، والثالث غِشْيانُ شيءٍ لشيء.

فالأوَّل: الصَّقْع وهو الضَّرْب بِبُسْط الكفِّ. يقال صَقعه صَقْعاً.

وأمَّا الصَّوت([5]) فقولهم صَقَع الدِّيك يصقَع. ومن الباب خطيب مِصْقعٌ، إِذا كان بليغاً، وكأنَّه سمِّي بذلك لجهارة صوته.

وأمَّا الأصل الثالث، في غِشيان الشَّيءِ الشيءَ، فالصِّقَاعِ، وهي الخرْقة التي تتغشَّاها المرأةُ في رأسها، تقي بها خِمارَها الدُّهنَ. والصَّقيع: البَرْد المحرِق للنَّبات فهذا يصلح في هذا، كأنَّه شيءٌ غَشَّى النَّبات فأحرَقه، ويصلح في باب الضَّرب.

ومن الباب العُقاب الصَّقْعاء: البيضاء الرّأس: كأنَّ البياضَ غشَّى رأسَها. ويقال الصِّقَاع البُرْقُع. والصِّقَاع: شيءٌ يشدُّ به أنفُ الناقة. قال القُطاميّ:

إِذا رأسٌ رأيتُ به طِماحاً *** شددتُ لـه الغمائمَ والصِّقاعا([6])

ومنه الصَّقَع، مثل الغَشْي يأخذ الإنسانَ من الحرِّ، في قول سويد:

* يأخُذ *السَّائرَ فيها كالصَّقَعْ([7]) *

ومن الباب الصَّاقِعة، فممكن أن تُسمَّى بذلك لأنَّها تَغْشى. وممكن أن يكون من الضَّرْب. أما قولُ أوس:

يا بَا دُلَيْجَةَ من لِحَيٍّ مفرَدٍ *** صقِع من الأعداءِ في شَوَّالِ([8])

فقال قومٌ: هذا الذي أصابه من الأعداء كالصَّاعقة. والصَّوقَعة: العِمامة؛ لأنَّها تُغَشِّي الرأس.

وما بقي من الباب فهو من الإِبدال؛ لأنَّ الصُّقْع النَّاحية. والأصل، فيما ذكر الخليل، السِّين كأنه في الأصل سقع. ويكون من هذا الباب قولهم: ما أدري أين صقَع، أي ذهب، والمعنى إلى أيِّ صقْعٍ ذهبَ. وقال في قول أوسٍ "صقع من الأعداء" هو المُتَنَحِّي الصُّقع.

ـــــــــــــــــ

([1]) صدره كما في ديوان ذي الرمة 28 والحيوان (4: 312): * كأن رجليه مسماكان من عشر *.

([2]) البيت لذي الرمة، وقد سبق بتخريجه في (ذوب).

([3]) بدله في المجمل: "قال ابن دريد". انظر الجمهرة (2: 357).

([4]) هي في قول أمية في ديوانه 24:

لمصفدين عليهم صاقورة  *** صماء ثالثة تماع وتجمد

([5]) في الأصل: "الصقع"، تحريف.

([6]) ديوان القطامي 45 واللسان (صقع).

([7]) صدره كما في المفضليات (1: 191). واللسان (صقع): * في حرور ينضج اللحم بها *.

([8]) في ديوان أوس بن حجر 23 واللسان (صقع): "أأبا دليجة". ورواية المقاييس هذه بحذف همزة الأب، كما جاء في قوله:

يا با المغيرة والدنيا مغيرة *** وإن من غرت الدنيا لمغرور


ـ (باب الصاد والكاف وما يثلثهما)

(صكم) الصاد والكاف والميم أصلٌ واحد يدلُّ على ضربِ الشَّيْء بشدة. فالصَّكْمة: الصَّدْمة الشديدة. والعرب تقول: صكمتهم صواكم الدَّهر. والفرس يصْكُم، إِذا عَضَّ على لجامه مادَّاً رأسه. وقال الفراء: صكمه، إِذا ضَرَبَه ودَفعه.‏

 

ـ (باب الصاد واللام وما يثلثهما)

(صلم) الصاد واللام والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على قطع واستئصال. يقال صَلَمَ أُذُنَه، إذا استأصَلها. واصْطُلِمَت الأُذُن. أنشد الفرّاء:

مثل النَّعامةِ كانت وهي سالمةٌ *** أذْنَاءَ حتَّى زَهَاهَا الحَيْنُ والجُبُنُ([1])

جاءت لتشرِيَ قَرناً أو تعوِّضَه *** والدّهر فيه رَبَاحُ البيع والغَبَنُ

فقيل أُذْناكِ ظَلْمٌ ثُمّت اصطُلِمَتْ  *** إلى الصِّماخ فلا قَرْنٌ ولا أُذُنُ

والصَّيْلم: الدَّاهِية، والأمر العظيم، وكأنَّه سمِّي بذلك لأنَّه يَصْطَلِم. فأمَّا الصَّلامَة، ويقال بالكسر الصِّلاَمة، فهي الفِرقة من النّاس، وسمّيت بذلك لانقطاعِها عن الجماعة الكثيرة. قال:

لأمِّكم الويلاتُ أنّى أتيتُم *** وأنتم صَِـلاَماتٌ كثيرٌ عديدُها([2])

(صلي) الصاد واللام والحرف المعتل أصلان: أحدهما النار وما أشبهها من الحُمَّى، والآخر جنسٌ من العبادة.

فأمَّا الأوّل فقولهم: صَلَيْتُ العُودَ بالنار([3]). والصَّلَى صَلَى النّار. واصطّليتُ بالنَّار. والصِّلاَء: ما يُصْطَلَى بِهِ وما يُذكَى به النَّار ويُوقَد. وقال([4]):

تَجْعَلُ العودَ واليَلَنْجُوجَ والرَّنْـ *** ـدَ صِلاَءً لَها على الكَانونِ([5])

وأمَّا الثاني : فالصَّلاَةُ وهي الدُّعاء. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إِذا دُعِيَ أحدُكم إلى طَعامٍ فليُجِبْ، فإِنْ كان مفطراً فليأكلْ، وإِنْ كانَ صائماً فليصلّ"، أي فليَدْعُ لهم بالخير والبركة. قال الأعشى:

تقول بِنْتي وقد قرَّبتُ مُرْتَحَلاً *** ياربِّ جنِّبْ أبي الأوصابَ والوَجَعَا([6])

عليكِ مثلُ الذي صَلَّيتِ فاغتَمِضِي *** نوماً فإنَّ لِجَنْبِ المرءِ مُضْطَجَعا

وقال في صفة الخمر:

وقابَلَها الرِّيحُ في دَنِّها *** وصلَّى على دَنِّها وارتَسمْ([7])

والصلاة هي التي جاء بها الشَّرع من الركوع والسُّجود وسائرِ حدودِ الصلاة. فأمَّا الصَّلاة من الله تعالى فالرَّحمة، ومن ذلك الحديث: "اللهمَّ صلِّ على آل أبي أوْفى". يريد بذلك الرَّحمة.

ومما شذَّ عن الباب كلمةٌ جاءت في الحديث: "إنَّ للشّيطان فُخوخاً وَمَصَالِيَ"، قال: هي الأشراك، واحدتها مِصْلاَةٌ.

(صلب) الصاد واللام والباء أصلان: أحدهما يدلُّ على الشدّة والقوّة، والآخر جنس من الوَدَك.

فالأوَّل الصُّلب، وهو الشيء الشَّديد. وكذلك سُمِّيَ الظَّهر صُلْباً لقوّته. ويقال إنَّ الصَّلَبَ الصُّلْبُ. ويُنشَد:

* في صَلَبٍ مثلِ العِنانِ المُؤْدَم([8]) *

ومن ذلك الصَّالب من الحُمَّى، وهيَ الشَّديدة. قال:

وماؤُكما العذب الذي لو شربتُهُ *** وبي صالبُ الحمَّى إِذاً لَشَفَاني([9])

وحكى الكسائيّ: صَلَبَتْ عليه الحمَّى، إذا دامت عليه واشتدَّت، فهو مصلوبٌ عليه.

ومن الباب الصُّلّبيَّة: حجارة المِسَنّ([10])، يقال سِنان مصَلَّبٌ، أي مسنون. ومنه التّصليب، وهو* بلوغ الرُّطَب اليُبس؛ يقال صَلَّبَ. ومن الباب الصَّليب، وهو العَلَم. قال النابغة:

ظلَّتْ أقاطيعُ أنعامٍ مؤبّلةٍ  *** لدى صَلِيبٍ على الزوراءِ منصوبِ([11])

وأما الأصل الآخر فالصَّليب، وهو وَدَك العَظْم. يقال اصطَلَبَ الرجُل، إِذا جَمَع العظامَ فاستخرج وَدَكها ليأْتدِم به. وأنشد:

* وباتَ شَيخ العِيال يَصطَلِبُ([12]) *

قالوا: وسمِّيَ المصلوبُ بذلك كأنَّ السِّمَن يجري على وجهه.([13])[والصليب: المصلوب]، ثمَّ سمِّي الشيء الذي يُصلَب عليه صَليباً على المجاورة. وثوب مُصَلَّبٌ، إذا كان عليه نقشُ صَليب. وفي الحديث في الثوب المصلَّب، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "كان إِذا رآه في ثوبٍ قَضَبه"، أي قَطَعَه. فأمَّا الذي يقال، إنَّ الصَّولَبَ البَذْر يُنْثَر على وجه الأرض ثم يُكرَبُ عليه، فمن الكلام المولّد الذي لا أصلَ له.

(صلت) الصاد واللام والتاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على بروزِ الشيء ووضوحه. من ذلك الصُّلْت، وهو الجبين الواضح؛ يقال صَلْت الجبين، يُمدَح بذلك. قال كُثَيِّر:

صَلْت الجبين إِذا تبسَّم ضاحكاً *** غلِقَتْ لِضَحْكَتِهِ رقابُ المالِ

وهذا مأخوذٌ من السَّيف الصَّلْت والإِصليت، وهو الصَّقيل. يقال: أَصْلَتَ فلانٌ سيفَهُ، إِذا شامَهُ من قِرابِهِ.

ومن الباب الصُّلت([14]) وهو السّكّين، وجمعه أصلات. ويقال: ضَرَبَهُ بالسيف صَلْتاً وصُلْتاً. ومن الباب: الحمار الصَّلَتان، كأنَّه إذا عدا انصلت، أي تبرَّز وظَهَرَ. ومن الباب قولهم: جاء بمرَق يَصْلِت، إِذا كان قليلَ الدَّسَمِ كثيرَ الماءِ. وإِنَّما قيل ذلك  لبُروزِ مائِهِ وظُهورهِ، من قلّة الدَّسَمِ على وجهه.

(صلج) الصاد واللام والجيم ليس بشيءٍ، لقلّة ائتلافِ الصاد مع الجيم. وحكيت فيه كلماتٌ لا أصل لها في قديم كلام العرب. من ذلك الصَّولَج، وهي فيما زعموا الفضَّة الجيدة. يقال هذه فضَّةٌ صوْلج. ومنه الصَّولَجان. ويقال: الأصلج: الأملس الشَّديد. وكلُّ ذلك لا معنى له.

(صلح) الصاد واللام والحاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خِلاف الفَساد. يقال صلُحَ الشَّيءُ يصلُحُ صلاحاً. ويقال صَلَح بفتح اللام. وحكى ابنُ السكِّيت صلَحَ وصلُح. ويقال صَلَح صُلوحاً. قال:

وكيف بأطْرافي  إِذا ما شتمتَني *** وما بعد شَتْم الوالِدَينِ صُلوحُ([15])

وقال بعض أهل العلم: إنَّ مكة تسمَّى صَلاحاً([16]).

(صلخ) الصاد واللام والخاء فيه كلمة واحدة. يقال إنَّ الأَصلَخَ الأصمّ. قال سَلَمَة: قَال الفرّاء: "كان الكميتُ أصمَّ أَصْلَخَ".

(صلد) الصاد واللام والدال أصلٌ واحدٌ صحيح، يدلُّ على صلابةٍ ويُبْس. من ذلك الحجر الصَّلْد، وهو الصُّلْب. ثم يُحْمَل [عليه] قولُهم: صَلِدَ الزّندُ، إِذا صلع

لم يُخرِج نارَه. وأصْلَدته أنا. ومنه الرّأسُ الصَّلْد الذي لا يُنبِتُ شعراً، كالأرضِ التي لا تُنبِتُ شيئاً. قال رؤبة:

* برّاقَ أصلادِ الجبينِ الأجلهِ([17]) *

ويقال للبخيل أَصْلَد، فهو إمَّا من المكان الذي لا يُنبِت، أو الزَّنْد الذي لا يُورِي. ويقال ناقةٌ صلودٌ، أي بكِيئَةٌ قليلة اللّبَن غليظةُ جلدِ الضَّرع. ومنه الفَرسُ الصَّلُود، وهو الذي لا يَعرَق. فإِذا نُتِجَت النّاقةُ ولم يكن لها لبنٌ قيل ناقة مِصلادٌ.

(صلع) الصاد واللام والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على ملاسةٍ. من ذلك الصَّلَع في الرّأْس، وأصله مأخوذٌ من الصُّلاَّع، وهو العريض من الصَّخر الأملس، الواحد صُلاَّعة. وجبلٌ [صليع([18])]: أملس لا ينبت شيئاً. قال عمرو بن معد يكرب:

[وزَحفُ كتيبةٍ للقاء أخرى  *** كأنَّ زهاءَها رأسٌ صليع]([19])

ويقال للعُرفُطةِ إِذا سقطت رؤوسُ أغصانِها: صَلْعَاء. وتسمَّى الداهية صلعاء، أي بارزة ظاهرة لا يَخْفَى أمرُها. والصَّلْعة([20]): موضع الصَّلَع من الرَّأْس. والصَّلْعاء من الرمال: ما لا يُنبِتُ شيئاً من نَجْم ولا شجر. ويقال * لجنسٍ من الحيات: الأُصَيْلِع، وهو مثل الذي جاء في الحديث: "يجيء كَنْزُ أحدهم يومَ القيامة شجاعاً أَقْرَع([21])". ويريد بذلك الذي انمارَ ([22]) شعَر رأسه، لكثرة سِمَنه. قال الشاعر:

قَرَى السُّمَّ حتَّى انمارَ فروةُ رأسِهِ *** عن العظم صِلٌّ فاتكُ اللَّسْعِ ماردُ([23])

(صلغ) الصاد واللام والغين ليس بأصلٍ؛ لأنّه من باب الإِبدال. يقال للذي تَمَّ سِنُّه من الضَّأنِ في السَّنةِ الخامسة: صالغ. وقد صَلَغ صُلُوغاً.

(صلف) الصاد واللام والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على شِدّةٍ وكَزازة.  من ذلك الصَّلَف، وهو قِلّة نَزَلِ الطّعام([24]). ويقولون في الأمثال: "صَلَفٌ تحت الرّاعِدة"، يقال ذلك لمن يُكثِر كلامه ويَمدح نفسَه ولا خير عنده.

ومن الباب: قولهم: صَلِفَت المرأةُ عند زوجها، إِذا لم تَحْظَ عنده. وهي بيِّنة الصَّلَف. قال:

* وآبَ إِليها الحزْنُ والصَّلَفُ([25]) *

قال الشيبانيّ: يقال للمرأة : أَصلَفَ اللهُ رُفْغَها([26]). وذلك أن يبغّضَها إلى زوجها.

والأصل في هذا الباب قولهم للأرض الصُّلْبَة صَلْفاء، وللمكان الصُّلب أصلف. والصَّلِيفُ([27]): عُرْض العُنُق، وهو صلْبٌ. والصَّلِيفان: عُودانِ يعترضانِ على الغَبيطِ تَشَدُّ بهما المَحامِل. قال:

* أقبُّ كأنَّ هادِيَهُ الصَّليفُ([28]) *

فأمّا الرَّجل الصَّلِف فهو من هذا، وهو من الكَزازة وقِلّة الخير. وكان الخليل يقول: الصَّلف مجاوزة قدر الظَّرف، والادِّعاءُ فوق ذلك.

(صلق) الصاد واللام والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على صيحةٍ بقوّة وصَدْمةٍ وما أشبَهَ ذلك. فالصَّلْق: الصوت الشَّديد. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس مِنَّا مَنْ صَلَقَ أو حَلَقَ". يريد شدّة الصِّياح عند المصيبةِ تَنْزِل. والصَّلاَّق والمِصلاق: الشديد الصوت. والصَّلْقة: الصَّدْمة والوقعة المُنكَرة. قال لبيد:

فصَلَقْنا  في مُرادٍ  صَلْقةً *** وصُداءٍ ألحَقَتْهم بالثَّلَلْ([29])

قال الكسائي: الصَّلْقة الصِّياح، وقد أصلَقُوا إصلاقاً. واحتجَّ بهذا البيت. وقال أبو زيد: صَلَقَه بالعصا: ضَرَبَه. والصَّلْق : صَدم الخَيل في الغارة. ويقال صَلَقَ بنو فلانٍ بني فلان، إِذا أوقعوا بهم فقتلوهم قتلاً ذَريعاً. ويقال تصلَّقت الحاملُ، إِذا أخذها الطَّلْق فألقت بنفسها [على] جَنْبَيْها([30]) مرَّةً كذا ومرَّة كذا. والفحل يُصْلِق بنابه إِصلاقاً، وذلك صَريفُهُ. والصَّلَقات: أنياب الإِبل التي تَصْلِق. قال:

لم تَبْكِ حولك نِيبُها وتقاذفَتْ *** صَلَقاتُها كَمَنابتِ الأشجارِ([31])

فأمَّا القاع المستدير فيقال لـه الصَّلَق، وليس هو من هذا، لأنَّه من باب الإبدال وفيه يقال السَّلَق، وقد مضى ذِكره. وينشد بيت أبي دؤاد بالسين والصاد:

تَرى فاه إذا أقبـ *** ـل مثل الصَّلَقِ الجَدْبِ([32])

ولا انكر أن يكون هذا البابُ كلُّه محمولاً على الإِبدال. فأمَّا الصَّلائق فيقال هو الخبز الرّقيق، الواحدة صليقة، فقد يقال بالراء الصريقة، ويقال بالسين السَّلائق. ولعلَّه من المولّد.

ـــــــــــــــــــ

([1]) كذا جاء على الصواب في الأصل واللسان (جنن). والجنن بضمتين: الجنون. وفي المجمل : "والجبن" تحريف. وفي أمثال الميداني عند قولهم: (كطالب القرن جدعت أذنه): "حتى زهاها الحين والحبن"، تحريف أيضاً.

([2]) في الأصل: "أي أتيتم صلامات"، وتصحيحه وإكماله من المجمل.

([3]) زاد في المجمل: "إذا لينته".

([4]) هو أبو دهبل الجمحي كما في شرح القصائد السبع لابن الأنباري في البيت السابع من القصيدة السادسة.

([5]) الرند: العود الذي يتبخر به. وفي الأصل: "الزند"، تحريف.

([6]) ديوان الأعشى 73.

([7]) ديوان الأعشى 29 واللسان (رسم). وروي في الديوان: "وارتشم".

([8]) البيت للعجاج كما في إصلاح المنطق 46، 98. وليس في ديوانه.

([9]) لطهمان بن عمرو الكلابي، كما في معجم البلدان (دمخ)، من أبيات سبق أحدها (دمخ).

([10]) شاهده قول امرئ القيس:

* كحد السنان الصلبي النحيض *    أراد بالسنان: المسن.

([11]) ديوان النابغة: 11.

([12]) للكميت الأسدي، في اللسان (صلب 16)، وإصلاح المنطق 46. وصدره:

* واحتل برك الشتاء منزله *.

([13]) في المجمل: "لأن ماء السمن يجري فيه".

([14]) يقال بفتح الصاد وضمها.

([15]) إصلاح المنطق 124. وقال: وأطرافه: أبواه وإخوته وأعمامه وكل قريب لـه محرم". وفي اللسان (صلح): "بإطراقي"، تحريف. وسيأتي في (طرف).

([16]) ويقال أيضاً: "صلاح" كقطام.

([17]) قبله في ديوانه 165 واللسان (جله):

* لما رأتني خلق المموه *.

([18]) التكملة من جمهرة ابن دريد (3: 77).

([19]) البيت ساقط من الأصل، وليس في المجمل. وإثباته من الجمهرة في الموضع السالف. وفي الأصمعيات 44: "وسوق كتيبة دلفت لأخرى".

([20]) تقال بالتحريك، وبالضم أيضاً.

([21]) سبق الحديث في مادة (شجع) ص 248.

([22]) في الأصل: "انماز" في هذا الموضع والبيت التالي، تحريف. وانمار الشعر: انتتف.

([23]) قرى السم: جمعه. وفي الأصل: "ترى"، تحريف.

([24]) النّزل، بالتحريك وبالضم: البركة. وفي الأصل: "ترك الطعام"، تحريف، صوابه في المجمل واللسان.

([25]) من بيت للأعشى، وهو بتمامه كما في الديوان 210 والجمهرة (3: 81):

إذا آب جارتها الحسناء قيمها  *** ركضا وآب إليها الحزن والصلف

ويروى : "الثكل والتلف".

([26]) الرفغ، بالضم: واحد الأرفاغ، وهي المغابن من الآباط وأصول الفخذين، وفي الأصل: "رفعها" تحريف. وفي المجمل واللسان:"رفغك".

([27]) بدلها في الأصل: "وهو"، وأثبت ما في المجمل واللسان.

([28]) صدره في تاج العروس:

* ويحمل بزه في كل هيجا *.

([29]) سبق  البيت وتخريجه في (1: 369).

([30]) في الأصل: "جبينها"، وتصحيحها والتكملة قبلها من المجمل واللسان.

([31]) في الأصل: "لمنابت الأشجار"، صوابه من اللسان (صلق).

([32]) البيت مع قرين له في اللسان (صلق).

 

 


ـ (باب الصاد والميم وما يثلثهما )

(صمي) الصاد والميم والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ يدلُّ على السُّرعة في الشيء. يقال للرَّجُل المبادِر إلى القتال شَجاعةً: هو صَمَيانٌ. وهو من الصَّمَيان وهو الوثْب والتقلُّب. ويقال انصمى الطائر، إِذا انقضَّ. ويقال أصمى الفَرسُ، إِذا مضى على وجْهه عاضّاً على لجامه.

ومن الباب: رمى الرَّجُل الصّيدَ فأصمى، إذا قتله مكانه، وهو خلاف أنْمَى.

(صمت) الصاد والميم والتاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على إبهام وإغلاق. من ذلك صَمَتَ الرّجُل، إذا سَكَتَ، وأَصْمَت أيضاً. ومنه قولهم: "لقيتُ فلاناً  ببلدة إِصْمِتَ"، وهي القَفر التي لا أحد بها، كأنها صامتةٌ ليس بها ناطق. ويقال "ماله صامتٌ ولا ناطق". فالصَّامت: الذّهب والفِضّة. والنَّاطق: الإِبل والغنم والخيل. والصَّمُوت: الدِّرْع * الليّنة التي إِذا صَبَّها([1]) الرَّجُل على نفسه لم يُسمَع لها صوت. قال:

وكلِّ صموتٍ نثرةٍ تُبّعيَّةٍ  *** ونسج سليمٍ كل قَضَّاءَ ذائِلِ([2])

وبابٌ مُصْمَت: قد أُبْهِمَ إغلاقه. والصامت من اللبن: الخاثر؛ وسمِّي بذلك لأنه إذا كان كذا فأفرغ في إناء لم يُسمع لـه صوت. ويقال: بِتُّ على صِمات ذاكَ، أي على قَصْدِهِ. فيمكن أن يكون شاذّاً، ويمكن أن يكون من الإِبدال، كأنّه مأخوذٌ من السَّمْت، وهي الطَّريقة. قال:

وحاجةٍ بتُّ على صِمَاتِها([3]) *** أتيتُها وَحْدِيَ مِنْ مَأْتاتها

ويقال : رمَاه بصِماتِهِ، أي بما أصمته. وأعطى الصَّبيَّ صُمْتَةً، أي ما يسكّنه.

(صمج) الصاد والميم والجيم ليس بشيء، على أنَّهم يقولون: الصَّمَج: القناديل، الواحدة صَمَجة. وينشدون:

* والنَّجم مثل الصَّمَج الرُّوميَّاتْ([4]) *

(صمح) الصاد والميم والحاء أُصَيلٌ يدلُّ على قوّةٍ في الشيء، أو طُول. يقال الصَّمَحْمَح: الطَّويل. ويقولون: إنَّ الصُّمَاح الكيّ. والصُّمَاح: النَّتن. والصِّمحاءَةُ: المكان الخَشن.

(صمخ) الصاد والميم والخاء أصلٌ واحد وكلمة واحدة، وهو الصِّماخ: خَرْق الأُذُن. يقال صَمَخْتُهُ، إِذا ضَربتَ صِماخَه.

(صمد) الصاد والميم والدال أَصلان: أحدهما القَصْد، والآخَر الصَّلابة في الشَّيء.

فالأوَّل: الصَّمْد: القصد. يقال صَمَدْتُه صَمْداً. وفلان مُصَمَّدٌ، إِذا كان سيِّداً يُقصَدُ إليه في الأمور. وصَمَدٌ أيضاً. والله جلَّ ثناؤه الصَّمَد؛ لأنه يَصْمِد إليه عبادُهُ بالدُّعاء والطَّلَب. قال في الصَّمَد([5]):

علوتُهُ بحُسامٍ ثم قلتُ لـه *** خذْها حُذَيفَُ فأنت السيِّد الصَّمَدُ([6])

وقال في المصَمَّد طَرَفَة:

وإِنْ يَلْتَقِي الحيُّ الجميعُ تُلاقِني *** إلى ذِروةِ البيت الرَّفيعِ المُصمَّدِ([7])

والأصل الآخر الصَّمْد، وهو كلُّ مكانٍ صُلْب. قال أبو النَّجم:

* يغادِرُ الصَّمْدَ كظَهْر الأَجزَلِ([8]) *

(صمر) الصاد والميم والراء، قال ابن دريد([9]): فعلٌ ممات، وهو أصل بناء الصَّمِير. يقال رجل صَمِير: يابس اللَّحم على العِظام.

ويقال الصَّمْر: النَّتْن. ويقال المتصمِّر: المتشمِّس. ويقولون: لقيتُه بالصُّمَير، أي وقتَ غُروب الشّمس. وفي كلِّ ذلك نظَر.

(صمع) الصاد والميم والعين أصلٌ واحدٌ، يدلُّ على لطافةٍ في الشّيء وتضامٍّ. قال الخليلُ وغيره: كلُّ منضمٍّ فهو متصمِّع. قال: ومن ذلك اشتقاق الصَّومعة. ومن ذلك الصَّمع في الأُذنَين. يقال هو أصمعُ، إِذا كان أَلصَق([10]) الأذنين. ويقال: قلبٌ أصمع، أي لطيف ذكيّ. ويقال للبُهْمَى إِذا ارتفعت ولم تتفَقأ: صَمْعاء. وذلك أنَّها [إِذا] كانت كذا كانت منْضَمَّةً لطيفة. وإِذا تلطَّخَ الشَّيء بالشيء فتجمَّعَ كريش السَّهم فهو متصمِّع. قال:

فرمَى فأنفَذَ من نَحُوصٍ عائطٍ *** سهماً فخرّ وريشُه مُتصمِّعُ([11])

أي متلطّخ بالدّم منْضمّ. والكلاب صُمْعُ الكعوب، أي صغارُها ولِطافُها قال النابغة:

* صُمْعُ الكُعوبِ بريئاتٌ من الحَردِ([12]) *

(صمغ) الصاد والميم والغين كلمةٌ واحدة، هي الصَّمغ([13]).

(صمك) الصاد والميم والكاف أُصَيلٌ يدلُّ على قوةٍ وشِدة. من ذلك الصمكْمَك، وهو القويّ. وكذلك الصَّمْكُوك: الشَّيء الشديد. والصَّمكيك: كلُّ شيءٍ لزِج كاللُّبان ونحوِه. ويقال اصْمَاكَّ الرَّجلُ، إذا تغضّبَ([14]). وهو ذاك القياس. واصماكّ اللّبنُ، إِذا خثُر حتَّى يشتدّ فيصير كالجبْن.

(صمل) الصاد والميم واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على شِدّة وصلابة. يقال صَمَلَ الشيء صُمُولاً، إِذا صلُب واشتدَّ. ورجل صُمُلٌّ: شديد البَضْعة . وكان الخليل يقول: لا يقال ذلك إلاّ للمجتمع السنّ. واصمألَّ النّباتُ، إِذا قوِيَ والتفّ. والصَّامل مِنْ كلِّ شيء: اليابس. وصَمَل الشّجر، إِذا لم يجد رِيّاً فَخشُن. ويقال صَمَله بالعصا، إِذا ضَربَهُ. والله أعلم بالصواب.

ــــــــــــــــ

([1]) صبها، أي لبسها. وفي الأصل: "صلبها"، تحريف. وفي المجمل: "إذا صبت".

([2]) البيت للنابغة في ديوانه 64 واللسان (صمت). ورواية الديوان واللسان: "نثلة" وهما سيان.

([3]) البيت في اللسان (صمت 361).

([4]) البيت للشماخ، كما في اللسان (صمج). وفي ديوانه 103 أرجوزة  البيت وليس فيها البيت.

([5]) بدله في المجمل: "أنشدني أبي رحمه الله".

([6]) أنشده في اللسان (صمد) بدون نسبة.

([7]) البيت من معلقته المشهورة.

([8]) أنشده في اللسان (صمد، جزل). وقد سبق في (جزل) حيث نبهت على أن صواب روايته: "تغادر" بالتاء. ويؤيد هذا الصواب أيضاً أنها رويت بالتاء في "أم الرجز" المنشورة في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق في العدد 8 سنة 1347.

([9]) في الجمهرة: (2: 359).

([10]) كذا وردت هذه التكملة، وفي المجمل: "الأصمع: اللاصق الأذنين".

([11]) لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 8، والمفضليات (2: 225) واللسان (صمع).

([12]) صدره كما في الديوان 19 واللسان (صمع):

* فبثهن عليه واستمر به *.

([13]) الصمغ، بسكون الميم، وقد تفتح.

([14]) في الأصل، "تغضت"، صوابه في المجمل.

 

ـ (باب الصاد والنون وما يثلثهما)

(صنو) الصاد والنون والحرف المعتلّ أصلٌ صحيح يدلُّ على تقارُب بين شيئين، قرابةً أو مسافةً. من ذلك الصِّنو: الشَّقيق. وعمُّ الرّجل صِنوُ أبيه. وقال الخليل، يقال فلانٌ صِنْوُ فلانٍ، إذا كان أخاه وشقيقَه لأمِّه وأبيه. والأصل في ذلك النَّخلتانِ تخرجان([1]) من أصلٍ واحدٍ، فكلُّ واحدة منهما على حيالها صِنوٌ، والجمع صِنوانٌ. قال الله تعالى: {وَنَخِيل صِنْوانٌ وغيرُ صِنْوانٍ.[الرعد 4]. قال أبو زيد رِكيَّتانِ صِنْوانِ، وهما المتقاربتان حتى لا يكونَ بينهما من تقارُبهما حَوْض.

ومما شذَّ عن هذا الأصل الصِّنو: مثل الرّدْهَة تُحفَر في الأرض، وتصغيره، صُنَيٌّ. قالت ليلى:

أنابِغَ لم تَنْبَغْ ولم تكُ أوَّلاً *** وكنْتَ صُنَيَّاً بين صُدَّيْن مَجْهَلا([2])

(صند) الصاد والنون والدال أصلٌ صحيح، يدلُّ على عظم قدْر وعظم جِسْم. من ذلك الصِّندِيد، وهو السَّيّد الشَّريف، والجمع صناديد. ويقال صناديد البَرَدِ: باباتٌ منه ضِخام. وغيثٌ صِنديدٌ: عظيم القَطْر.  ويقال للدَّواهِي الكبارِ صناديد. ويروى عن الحسن في دعائِة: "نعوذُ بك من صناديد القَدَر" أي دواهِيه.

(صنر) الصاد والنون والراء ليس بأصلٍ، ولا فيه ما يعوَّل عليه لقلَّة الرَّاء مع النون. على أنَّهم  يقولون الصِّنَارة بلغة اليمن: الأذُن. والصِّنَارة: حديدةٌ في المِغْزَل مُعَقَّفَة. وليس بشيء.

(صنع) الصاد والنون والعين أصلٌ صحيح واحد، وهو عملُ الشيء صُنْعَاً. وامرأة صَنَاعٌ ورجلٌ صَنَعٌ، إِذا كانا حاذقَين فيما يصنعانه. قال:

خَرقاء بالخيرِ لا تهْدِي لوِجْهَتِهِ *** وهي صَنَاعُ الأَذى في الأهلِ والجارِ

والصَّنِيعة: ما اصطنعتَه مِنْ خير. والتصنُّع: حُسن السَّمْت. وفرسٌ صَنِيعٌ: صَنَعَه أهلُه بحُسْن القِيام عليه. والمَصانع: ما يُصنَعُ من بئرٍ وغيْرِها للسَّقي.

ومن الباب: المُصانَعة، وهي كالرِّشْوة.

وممّا شذَّ عن هذا الأصل الصِّنْع، يقال إِنَّه السَّفُّود. وقال المَرّار([3]):

(صنف) الصاد والنون والفاء أَصلٌ صحيح مطّرد في معنيين، أحدهما الطّائفة من الشّيء، والآخر تمييز الأشياء بعضها عن بعض.

فالأوَّل الصِّنْف، قال الخليل: الصِّنْف طائفةٌ من كلِّ شيء. وهذا صِنفٌ  من الأصناف أيْ نوع. فأمّا صنفة الثَّوب([4]) فقال قوم: هي حاشيتُهُ. وقال آخرون: بل هي النّاحية ذات الهُدْب.

والأصل الآخَر، قال الخليل: التَّصنيف: تمييز الأشياءِ بعضها عن بعض.

ولعَّل تصنيف الكتاب من هذا. والغريب المصنَّف من هذا، كأنَّه مُيِّزَت أبوابُه فجُعِلَ لكلِّ بابٍ حَيِّزُه. فأمَّا أصله في لغة العرب فمن قولهم صَنّفَت الشَّجرةُ، إذا أخرجت ورقَها. قال ابن قيسِ الرُّقيّات:

سَقْياً لِحُلْوانَ ذي الكُرومِ وما  *** صَنَّفَ من تينه ومن عِنَبِه([5])

(صنق) الصاد والنون والقاف كلمة إن صحَّت. يقولون إنَّ الصَّنَق: الذَّفر. وحكى بعضُهم : أَصْنَقَ الرجلُ في ماله، إِذا أحسَنَ القيامَ عليه.

(صنم) الصاد والنون والميم كلمةٌ واحدةٌ لا فرعَ لها، وهي الصَّنَم. وكان شيئاً يُتَّخَذُ من خشبٍ  أو فضّة أو نُحاسٍ فيُعبَد.

(صنج) الصاد والنون والجيم ليس بشيء. والصَّنْج دَخِيل.

ـــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "تخرج".

([2]) أنشده في اللسان (صنا). تقوله للنابغة الجعدي.

([3]) كذا ورد الكلام مبتوراً. وفي المجمل: "والصنع في شعر المرار السفود". ولم أجد شاهداً إلا قول الشاعر في اللسان (صنع):

* صنع اليدين بحيث يكوى الأصيد *

([4]) يقال صنفة، بفتح  فكسر، وبكسر فسكون.

([5]) ديوان ابن قيس الرقيات 82 واللسان (صنف).

 

ـ (باب الصاد والهاء وما يثلثهما)

(صهو) الصاد والهاء والحرف المعتلّ أُصَيْلٌ يدلُّ على علوّ. من ذلك الصَّهْوَة، وهو مَقعد الفارس مِنْ ظَهْر الفَرَس. والصَّهَوات: أعالي الرَّوَابِي، ربما اتُّخِذَت فوقَها بُرُوج، الواحدة صَهْوَة. وقال الشيباني: الصِّهاء: مناقع الماء الواحد صهوة. وهذا وإن كان صحيحاً فإنّ القِياس أن يكون مناقِعَ في أماكنَ عالية.

ومن الباب أن يصيب الإنسان جُرْحٌ ثم يَنْدَى دائماً، فيقال صَهِيَ يَصْهَى، وهو ذلك القِياس؛ لأنَّه ندىً يعلو الجُرح.

(صهر) الصاد * والهاء والراء أصلان: أحدهما يدلُّ على قُربَى، والآخر على إِذابة شيء.

فالأوّل الصِّهْر، وهو الخَتَن. قال الخليل: لا يقال لأهلِ بيت الرجل إلاَّ أَخْتَانٌ، ولا لأهل بيت المرأة إلاَّ أصهار. ومن العرب من يجعلهم أصهاراً كلَّهُم. قال ابن الأعرابيّ: الإصهار: التَّحَرُّم بجِوارٍ أو نَسَب أو تَزَوُّج. وفي كلِّ ذلك يُتأَوَّل قولُ القائل:

قَود الجياد وإِصهارُ الملوك وصَـبـ *** ـرٌ في مواطنَ لو كانوا بها سئموا([1])

والأصل الآخر: إِذابة الشَّيء. يقال صَهَرْتُ الشَّحمةَ. والصُّهارة: ما ذاب منها. واصطهرتُ الشَّحمة. قال:

وكنتَ إِذا الوِلدانُ حَانَ صَهيرُهم *** صَهَرْتَ فلم يَصْهَرْ كصهرِكَ صاهر([2])

يقال صَهَرْتَه الشَّمْسُ، كأنّها أذابته. يقال ذلك للحِرباء إِذا تلألأ ظَهْرُه من شدّة الحرّ. ويقال إِنّهم يقولون: لأَصْهَرنَّه بيمينٍ مُرَّة. كأنه قال: لأُذِيبَنَّه.

(صهد) الصاد والهاء والدال بناءٌ صحيح يدلُّ على ما يُقارب الباب الذي قبله. يقولون: صَهَدَته الشَّمس مثل صَهَرَتْه الشَّمْس. ثم يقال على الجِوار للسَّرابِ الجاري صَيْهَد. قال الهذلي([3])في صيهد الحَرِّ:

وذكَّرها فَيْحُ نَجْمِ الفُرو *** عِ من صَيْهدِ الصَّيْفِ بَرْدَ الشَّمالِ([4])

(صهب) الصاد والهاء والباء بناءٌ صحيح، وهو لونٌ من الألوان من ذلك الصُّهْبَة: حُمرةٌ في الشَّعر، يقال رجلٌ أصهب. والصَّهْباء: الخمْر؛ لأنَّ لونَها شبيبهٌ بهذا، والمُصَهَّب من اللحم: ما اختلطت حُمرتُهُ ببياض الشَّحم وهو يابس. وأمَّا الصُّخور فيقال الصَّياهِب، فممكنٌ أن يكون ذلك اللّون، ويمكن أن يكون لشدتها، أو يكون من الصَّيْخَد ويصير من باب الإِبدال. ويقولون لليوم الشَّديد البرد: أصهب، وذلك لما يعلو الأرض من الألوان.

(صهل) الصاد والهاء واللام أصلٌ صحيحٌ، وفروعه قليلة، ولعلّه ليس فيه إلاّ صَهَل الفرس، وفرسٌ صَهَّال.

(صهم) الصاد والهاء والميم أصلٌ صحيح قليل الفروع، لكنَّهم يقولون: الصِّهْميم: السيِّئُ الخُلق من الإِبل، ويشبِّهون به الرَّجُلَ الذي لا يثبت على رأيٍ  واحد. والله أعلم.

ـــــــــــــ

([1]) البيت لزهير في ديوانه 161 واللسان (صهر). وقبله:

فضله فوق أقوام ومجده *** ما لن ينالوا وإن جادوا وإن كرموا

([2]) أنشده في المجمل أيضاً.

([3]) هو أمية بن أبي عائذ الهذلي. وقصيدته في شرح السكري للهذليين 180 ونسخة الشنقيطي 79.

([4]) في اللسان (صهر): "فأوردها فيج". وأنشده في (فرع) بروايتنا هذه وقال: "هي فروع الجوزاء بالعين، هو أشد ما يكون من الحر. فإذا جاءت الفروغ بالغين، وهي من نجوم الدلو، كان الزمان حينئذٍ بارداً ولا فيح يومئذٍ".

 

ـ (باب الصاد والواو وما يثلثهما)

(صوي) الصاد والواو والياء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على شدّةٍ وصَلابة ويُبْس. عن ابن دريد([1]): "صَوَى الشَّيء، إذا يَبِس، فهو صاوٍ. ويقال صوِيَ يَصوَى". والصَّوَّانُ: حجارةٌ فيها صلابة. وربَّما استُعِير من هذا وحُمِلَ عليه فقيل صَوَّيْت لإِبلي فَحْلاً، إذا اخترتَه لها. ولا يكون الاختيارُ وحدَه تصويَةً، لكن يُصنَع لذلك حتَّى يقوَى ويصلُب. قال:

* صَوَّى لها ذا كِـَدْنَةٍ جُلْذيَّا([2]) *

وهذا مشتقٌّ من التَّصوية في الشتاء، وذلك أن يُيَبَّس أخلافُ الشَّاة ليكون أسمَنَ لها. يقال صَوَّاها أصحابُها.

ومن الباب الصُّوَى، وهي الأعلام من الحجارة. وقول من قال إنّها مُخْتَلَف الرِّياح فالأعلام لا تكون إلاّ كذا. قال:

* وَهَبَّتْ له ريحٌ بمختلَفِ الصُّوى([3]) *

(صوب) الصاد والواو والباء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على نزولِ شيءٍ واستقرارِهِ قَرَارَه. من ذلك الصَّوَابُ في القول والفعل، كأنَّه أمرٌ نازلٌ مستقِرٌّ قرارَه. وهو خلاف الخطأ. ومنه الصَّوْب، وهو نزول المطر. والنازل صَوبٌ أيضاً. والدّليلُ على صحّة هذا القياس تسميتُهم للصَّواب صَوْباً. قال الشاعر([4]):

ذَرِيني إِنَّما خطئي وصَوبِي *** عليَّ وإِنَّما أَنفقتُ مالِي([5])

ويقال الصَّيِّب السّحاب ذو الصَّوْب. قال الله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة 19]. والصَّوْب: النُّزول. قال:

فَلَسْتَ لأنسيٍّ ولكن لملأَكٍ *** تَنَزَّلَ من جوِّ السَّماءِ يَصوبُ([6])

ويقال للأمر إذا استقرَّ قرارَه على الكلام الجارِي مَجْرى الأمثال: "قد صابت بِقُرّ". قال طرَفة: 

سادراً * أحسَبُ غَيِّي رشَداً *** فتناهيتُ وقد صابَت بِقُرّْ([7])

والتَّصويب:  حَدَب في حَدور، لا يكون إلاَّ كذا. فأمَّا الصُّيَّابة فالخِيار من كلِّ شيء، كأنَّه من الصَّوب، وهو خالصُ ماءِ السَّحاب، فكأنَّها مُشْتقّةٌ من ذلك.

(صوت) الصاد والواو والتاء أصلٌ صحيح، وهو الصَّوت، وهو جنسٌ لكلِّ ما وَقَرَ في أُذنِ السَّامعِ. يقال هذا صوتُ زَيد. ورجل صيِّت، إِذا كان شديدَ الصَّوت؛ وصائتٌ إذا صاحَ. فأمَّا قولهم: [دُعيَ([8]) ] فانصات([9])، فهو من ذلك أيضاً، كأنه صُوِّتَ به فانفَعل من الصَّوت، وذلك إِذا أجاب. والصِّيت: الذِّكر الحسَن في النَّاس. يقال ذهب صِيتُهُ.

(صوح) الصاد والواو والحاء أُصَيْلٌ يدلُّ على انتشارٍ في شيء بعد يُبْس. من ذلك تصوَّحَ البقلُ، وذلك إِذا هاجَ وانتثرَ بعد هَيجه. وصوَّحتْه الرِّيح، إذا أيبسَتْه وشقَّقته ونثَرتْه. قال ذو الرمة:

وصَوّح البَقْلَ نَآّجٌ تجيءُ به *** هَيْفٌ يمانيةٌ في مرّها نَكبُ([10])

ومن الباب أنَّهم يسمُّون عَرَق الخيل الصُّوَاح. فإن كان صحيحاً فلا يكون إلاَّ إذا يَبِس، ويُسمُّونه اليبيس يبيس الماء. قال الشاعر في الصُّواح:

جَلَبْنا الخيل دامِيةً كُلاَها *** يُسَنُّ على سنابكها الصُّواحُ([11])

ثم يقال تصوَّح الشعَر، إذا تشقَّقَ وتناثر.

ومما يجوز أن يُحمَل على هذا القياس الصُّوح: حائط الوادي، وله صُوحانِ. وإِنّما سُمِّيَ صُوحاً لأنَّه طينٌ يتناثر حتّى يصير ذلك كالحائط.

(صور) الصاد والواو والراء كلماتٌ كثيرةٌ متباينة الأصول. وليس هذا الباب ببابِ قياسٍ ولا اشتقاق. وقد مضى فيما كتبناه مثله([12]).

ومما ينقاس منه قولُهم صوِرَ يَصْوَر، إذا مال. وصُرْت الشَّيءَ أُصُورُهُ، وأَصَرْتُه، إِذا أَمَلته إليك. ويجيء قياسُه تَصَوَّر، لِمَا ضُرِب، كأنًّه مال وسَقط. فهذا هو المنقاس، وسِوى ذلك فكلُّ كلمةٍ منفردةٌ بنفسها.

من ذلك الصُّورة صُورة كلِّ مخلوق، والجمع صُوَر، وهي هيئةُ خِلْقته. والله تعالى البارئ المُصَوِّر. ويقال: رجلٌ صَيِّرٌ إذا كان جميل الصورة. ومن ذلك الصَّور: جماعةُ النَّخْل، وهو الحائش. ولا واحدَ للصَّوْر من لفظه. ومن ذلك الصُِّوار، وهو القَطيع من البقر، والجمع صِيران. قال:

فَظَلَّ لصيران الصَّريم غَماغِمٌ *** يُدَاعِسُها بالسَّمْهرِيِّ المعلَّبِ([13])

ومن ذلك الصُِّوار، صُِوار المِسْك، وقال قوم: هو ريحُهُ، وقال قوم: هو وعاؤه. ويُنشِدون بيتاً وأخلِقْ به أن يكون مصنوعاً، والكلمتان صحيحتان:

إِذا لاح الصُِِّوار ذكرتُ ليلَى *** وأذكرُها إِذا نَفَحَ الصِّوارُ([14])

ومن ذلك قولهم: أَجِدُ في رأسي صَوْرة، أي حِكَّة. ومن ذلك شيءٌ حكاه الخليل، قال : عصفور صَوَّار، وهو الذي إِذا دُعِيَ أجابَ. وهذا لا أحسبه عربيَّاً، ويمكن إنْ صحّ أن يكون من الباب الذي ذكرناه أوّلاً؛ لأنه يميل إلى داعِيه. فأمَّا شَعَر النّاصية من الفَرَس فإنه يسمى صَوْراً. وهذا يمكن أن يكون على معنى التشبيه بصَوْر النَّخل، وقد ذُكِرَ. قال:

* كأنَّ عِرقاً مائلاً من صَوْرهِ([15]) *

ويقال: الصَّارَةُ: أرض ذات شَجَر.

(صوع) الصاد والواو والعين أصلٌ صحيح، وله بابان: أحدهما يدلُّ على تفرُّقٍ وتصدُّع، والآخر إناء.

فالأوَّل قولُهم: تصوَّعُوا، إِذا تفرَّقوا. قال ذو الرُّمَّة:

* تظَلُّ بها الآجالُ عَنِّي تَصَوَّعُ([16]) *

ويقال : تصوّع شَعَره، إذا تشقق. كذا قال الخليل. وقال أيضاً: تصوَّعَ النَّبْت: هاج. ويقال انصاع القوم سِراعاً: مَرُّوا.

فأمَّا الإناء فالصَّاع والصُّوَاع، وهو إناءٌ يشرب به. وقد يكون مكيالٌ من المكاييل صاعاً، وهو من ذات الواو، وسمِّيَ صاعاً لأنَّه يدور بالمَكِيل.

ويقال إنَّ الكَمِيَّ يَصُوع بأقرانه صَوْعاً، إِذا أتاهم من نَواحيهم. والرَّجلَ يَصُوع الإبل.

ومن الباب: الصَّاع، وهو بطنٌ من الأرض، في قوله:

* بكَفَّيْ ماقِطٍ في صاعِ([17]) *

ومنه صاعُ جؤجُؤِ* النَّعامة، وهو موضعُ صَدْرِها إِذا وضعَتْهُ بالأرض.

(صوغ) الصاد والواو والغين أصلٌ صحيح، وهو تهيئة على شيءٍ على مثالٍ مستقيم. من ذلك قولهم: صاغ الَحَلْيَ يصوغُهُ صَوغاً. وهما صَوْغان، إِذا كان كلُّ واحدٍ منهما على هيئة الآخَر. ويقال للكذَّابِ: صاغ الكذبَ صَوغاً، إِذا اختلقَه. وعلى هذا تفسير الحديث: "كِذْبة كذَبَتْها الصَّوَّاغُون"، أراد الذين يصُوغُون الأحاديثَ ويَختلقونها.

(صوف) الصاد والواو والفاء أصلٌ واحد صحيح، وهو الصُّوف المعروف. والباب كله يَرجِع إليه. يقال كبش أَصْوَفُ وصَوِفٌ وصائفٌ وصَافٌ، كلُّ هذا أن يكونَ كثيرَ الصُّوف. ويقولون: أخذ بصُوفَةِِ قَفاه، إذا أَخَذَ بالشَّعَر السائِل في نُقْرته. وصُوفةُ: قومٌ كانوا في الجاهليّة، كَانوا يَخْدُمون الكعبة، ويُجِيزون الحاجَّ. وحُكي عن أبي عُبيدةَ أنَّهم أفناء القبائل تجمَّعُوا فتشبَّكُوا كما يتشبَّك الصُّوف. قال:

وَلاَ يَرِيمُون في التَّعريفِ مَوقِفَهم ***  حتَّى يقالَ أَجِيزُوا آلَ صُوفانا([18])

فأمَّا قولهم: صاف عن الشَّرِّ([19])، إذا عَدَل، فهو من باب الإبدال، يقال صَابَ([20]) إذا مال. وقد ذُكِر في بابه.

(صول) الصاد والواو واللام أصلٌ صحيحٌ، يدلُّ على قَهْرٍ وعُلُوّ. يقال: صال عليه يَصُول صَولةً، إذا استطال. وصال العَيْر، إِذا حَمَلَ على العانة يَصُول صَوْلاً وصِيالاً. وحُكِيَ عن أبي زيد شيءٌ إن صحَّ فهو شاذٌّ. قال: المِصْول: هو الذي يُنقَع فيه الحنظلُ لتَذهب مرارتُه.

(صوك) الصاد والواو والكاف كلمةٌ واحدةٌ. يقال لقيتُه أوَّل صَوْكٍ، أي أوّلَ وَهْلة.

(صوم) الصاد والواو والميم أصلٌ يدلُّ على إِمساكٍ وركودٍ في مكان. من ذلك صَوم الصَّائم، هو إمساكُهُ عن مَطعَمه ومَشربه وسائرِ ما مُنِعَهُ. ويكون الإمساك عن الكلام صوماً، قالوا في قوله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحمنِ صَوْماً} [مريم 26]، إنَّه الإمساكُ عن الكلامِ والصَّمتُ. وأمَّا الرُّكود فيقال للقائم صائم، قال النابغة:

خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غيرُ صائمةٍ *** تحتَ العَجَاجِ وخيلٌ تَعلُك اللُّجُما([21])

والصَّوم: رُكود الرِّيح. والصَّوم: استواء الشَّمس انتصافَ النَّهار، كأنَّها ركدت عند تدويمها([22]). وكذا يقال صامَ النَّهارُ. قال امرؤ القيس:

* إذا صامَ النَّهارُ وهَجَّرَا([23]) *

ومَصَامُ الفَرَسِ: موقِفه، وكذلك مَصَامَتُه. قال الشَّماخ:

* إذا ما استافَ منها مَصَامَةً([24]) *

(صون) الصاد والواو والنون أصلٌ واحدٌ، وهن كَنٌّ وحفْظ. من ذلك صُنتُ الشّيءَ أصونُه صوناً وصِيانة. والصُِّوان: صُِوان الثَّوب، وهو ما يُصان فيه. فأمَّا قولهم للفرس القائم صائن. فلَعلَّه أن يكون من الإِبدال، كأنّه أريد به الصَّائم، ثمّ أبدلت الميم نوناً. قال النابغة:

وما حاولتُما بِقِيادِ خيلِ *** يَصونُ الوَردُ فيها والكُميتُ([25])

وممّا شذَّ عن الباب الصَّوَّان، وهي ضربٌ من الحجارة، الواحدةُ صَوَّانة.

ــــــــــــــــــ

([1]) الجمهرة (3: 91).

([2]) الكدنة، بضم الكاف وكسرها. والبيت للفقعسي، كما في اللسان (صوي). وأنشده في (جلذ)، بدون  نسبة.

([3]) لامرئ القيس. وعجزه في الديوان 54 واللسان (صوي):

* صبا وشمال في منازل قفال  *.

([4]) هو أوس بن غلفاء، كما في اللسان (صوب).

([5]) كذا ورد إنشاده. وصوابه: "وإن ما أهلكت  مال"، بالقافية المرفوعة الروي. وقبله كما في اللسان:

ألا قالت أمامة  يوم غول *** تقطع بابن غلفاء الحبال

([6]) قال ابن بري: "البيت لرجل من عبد القيس يمدح النعمان. وقيل هو لأبي وجزة يمدح عبد الله بن الزبير، وقيل هو لعلقمة بن عبدة".

([7]) ديوان طرفة 75.

([8]) التكملة من المجمل.

([9]) في الأصل: "وانصاتا"، صوابه من المجمل.

([10]) ديوان ذي الرمة 11 واللسان (صوح).

([11]) أنشده في اللسان (صوح) بدون نسبة.

([12]) أي في تباين أصوله.

([13]) البيت لامرئ القيس في ديوانه 87 واللسان (علب) بدون نسبة.

([14]) وكذا أنشده في المجمل واللسان بدون نسبة.

([15]) في اللسان (صور):

كأن جذعاً خارجاً من صوره *** ما بين أذنيه إلى سنوره

([16]) صدره في الديوان 346:  *عسفت اعتساف الصدع كل مهيبة*

وفي اللسان (صوع): *عسفت اعتسافاً دونها كل مجهل *.

([17]) البيت للمسيب بن علس من قصيدة في المفضليات: (1: 60). وهو بتمامه:

مرحت يداها للنجاء كأنما  *** تكرو بكفي لاعب في صاع

([18]) البيت لأوس بن مغراء السعدي، كما في اللسان (صوف).

([19]) في الأصل: "الشعر"، وفي اللسان:"صاف عني شر فلان، وأصاف الله عني شره".

([20]) في الأصل: "صاف".

([21]) البيت في اللسان (صوم) وليس في قصيدته التي على هذا الروي في ديوانه 65 . وسيأتي في (علك).

([22]) في الأصل: "نديمها"، تحريف. وتدويمها: دورانها.

([23]) قطعة من بيت لامرئ القيس في ديوانه 97  واللسان (صوم). وهو بتمامه:

فدعها وسل الهم عنك بجسرة *** ذمول إذا صام النهار وهجرا

([24]) قطعة من بيت للشماخ في ديوانه 67. وهو بتمامه.

كروف إذا ما استاف منها مصامة  *** له من ثرى أبوالهن نشوق.

([25]) البيت في اللسان (صون)، وليس في ديوان النابغة.

 

 

ـ (باب الصاد والياء وما يثلثهما)

(صيأ) الصاد والياء والهمزة. يقال صيَّأت رأسي تصييئاً، إِذا بَلَلْتَه.

(صيح) الصاد والياء والحاء أصلٌ صحيح، وهو الصَّوت العالي. منه الصِّياح، والواحدة منه صَيْحة. يقال: لقيتُ فلاناً قبلَ كلِّ صَيْحٍ ونَفْر. فالصَّيْح: الصِّياح. والنَّفْر: التفرُّق. وممّا يُستعار من هذا قولهم: صاحت الشَّجرةُ، وصاحَ النَّبْت، إذا طال، كأنَّه لمَّا طالَ وارتفعَ جُعِلَ طولُهُ كالصِّياح الذي يدلُّ على الصَّائح. وأمَّا التصيُّح، وهو تشقُّق الخشَب، فالأصل فيه الواو، وهو التصوُّح، وقد مضى. ومنه انصاحَ البَرق انصياحاً، إذا تصدَّعَ وانشقَّ. قال:

* مِنْ بَينِ مُرتَتِقٍ منها ومُنصاحِ([1]) *

(صيخ) الصاد والياء والخاء كلمةٌ واحدةٌ. يقال أصاخَ يُصيخ، إذا استمع. قال:

* إصاخةَ النَّاشد للمُنْشِد([2]) *

(صيد) الصاد والياء والدال أصلٌ صحيح يدلُّ على معنىً واحد، وهو ركوبُ الشَّيء رأسَه ومُضِيُّه غيرَ ملتفتٍ ولا مائل.  من ذلك الصَّيَدُ، وهو أن يكون الإنسانُ ناظراً أمامَه. قال أهلُ اللُّغة: الأَصْيَد: المَلِك، وجمعه الصِّيد. قالوا: وسمِّيَ بذلك لقلَّة التفاتِه. ومن الناس مَنْ يكونُ أصيَدَ خِلقةً. واشتقاق الصَّيْد من هذا، وذلك أنَّه يمرُّ مرَّاً لا يعرِّج، فإذا أُخِذَ قيل قد صِيد. فاشتُقَّ ذلك من اسمه. كما يقال رأَسْت الرّجُلَ، إِذا ضَربتَ رأسَه؛ وبطَنْتُهُ، إذا ضربتَ بطنَه. كذلك إذا وقَعْتَ بالصَّيد فأخذتَه قلتَ صِدتُه. وممّا يدلُّ على صِحّة هذا القياس قولُ ابن السّكّيت إن الصَّيْدانةَ من النِّساء: السيِّئة الخُلُق. وسمِّيت بذلك لقلّة التفاتِها. ومن الباب: الصَّيدانة: الغُول.

(صير) الصاد والياء والراء أصلٌ صحيح، وهو المآلُ والمرجِع. من ذلك صار يصير صَيْراً وصَيرورة. ويقال: أنا على صِيرِ أمرٍ، أي إشرافٍ من قضائه، وذلك هو الذي يُصار إليه. فأمَّا قولُ زهير:

وقد كنت من سَلْمَى سنينَ ثمانياً *** على صِيرِ أمرٍ ما يُمِرُّ وما يَحلُو([3])

فإنّ صِير الأمر مَصِيرُهُ وعاقبتُهُ. والصِّير([4]) كالحظائر يُتخذ للبقر، والواحدة صيرة، وسمِّيت بذلك لأنَّها تصير إليه. وصَيُّور الأمرِ: آخِره، وسمِّيَ بذلك لأنّه يُصار إليه. ويقال: لا رأْيَ لفلانٍ ولا صَيُّورَ، أي لا شيء يَصِيرُ إليه من حزمٍ ولا غيرِهِ. وتصَّيرَ فلانٌ أباه: إِذا نَزَعَ إليه في الشَّبه. وسمِّي كذا كأنه صار إلى أبيه.

ومما شذَّ عن الباب الصِّير، وهو الشَّقّ. وفي الحديث: "مَنْ نَظَرَ في صِيرِ بابٍ بغير إذْنٍ فعينُهُ هَدَر". فأمَّا الصِّير، وهو شيءٌ يقال لـه الصِّحْناة، فلا أحسبه عربيّاً، ولا أحسب العربَ عرفَتْهُ. وقد ذكرهُ أهلُ اللُّغة، ولا معنى له.

(صيف) الصاد والياء والفاء أصلان: أحدهما يدلُّ على زمانٍ، والآخر يدلُّ على مَيْلٍ وعُدول.

فالأوَّل الصَّيف، وهو الزَّمانُ بعد الرَّبيع الآخِر. ويقال للمطر الذي يأتي فيه: الصَّيِّف. وهذا يومٌ صائف، وليلةٌ صائفة. وعاملته مُصايفةً، أي زمانَ الصَّيف، كما يقال مُشَاهَرَة. والصَّيفيُّون: أولاد الرَّجُل بعد كِبَرهِ. وَوَلَدُ فلانٍ صيفيُّون. قال:

إنَّ بَنِيَّ صِبْيَةٌ صيفيُّونْ *** أَفْلَحَ مَنْ كان لـه رِبْعيُّونْ([5])

وأمَّا الآخَر فصاف عن الشيء، إذا عَدَلَ عنه. [وَصَافَ السَّهْمُ عن الهدفِ([6])] يَصِيفُ صَيْفاً، إذا مال، قال أبو زُبَيْد:

كلَّ يومٍ ترميه منها برِشْقٍ *** فمصيبٌ أو صَافَ غيرَ بعيدِ([7])

فأمَّا صائف، في قول أوس:

* تَنَكَّرَ بَعدي من أُمَيْمَةَ صائفُ([8]) *

فاسمُ موضع.

(صيق) الصاد والياء والقاف. يقال فيه إنَّ الصَّيْق الغُبار، وقد فتح رؤبةُ ياءَه فقال: "الصَّيَقْ([9])". ويقال إنَّ الصِّيق الرِّيحُ المنتنة من الدَّوابّ.

(صيك) الصاد والياء والكاف، يقال صاكَ يَصِيكُ، إِذا لَزِمَ ولصِق. قال الأعشى:

ومثلك مُعْجَبَة بالشَّبا *** ب صاكَ العبيرُ بأجسادِها([10])

وقال الخليل: أراد صَئِكَ فليَّن الهمزة. ويقال صَئِكَ الدّمُ، إِذا جَمَد.

واعلم أنَّ الألِف في هذا الباب مُبدَلةٌ؛ فالصَّاب : شجر مُرٌّ، محتملٌ أن يكون من الواو. قال:

إنِّي أَرِقْتُ فَبِتُّ اللَّيْلَ مرتفقاً *** كَأَنّ عَيْنِيَ فيها الصَّابُ مذبوحُ([11])

والصَّادُ : قدور النُّحاس، والألف مُبدَلة. قال حسان:

*رأيتَ قُدُورَ الصَّادِ حولَ بُيُوتِنا ([12]) *

ــــــــــــــــــ

([1]) لعبيد بن الأبرص في ديوانه 77 واللسان (صيح). وصدره:

* وأمست الأرض والقيعان مثرية *.

([2]) للمثقب العبدي، كما في البيان والتبيين (2: 288)، وحواشي الجمهرة (2: 270). وصدره:  * يصيخ للنبأة أسماعه *

([3]) ديوان زهير 96، واللسان (صير).

([4]) يقال صير، بالكسر، وبكسر ففتح.

([5]) الرجز لأكثم بن صيفي، أو سعد بن مالك بن ضبيعة. اللسان (صيف).

([6]) التكملة من المجمل.

([7]) سبق البيت وتخريجه في (رشق).

([8])  مطلع قصيدة له في ديوانه 14. وعجزه: *فبون فأعلى تولب فالمخالف*.

([9]) يعني قوله في ديوانه 106 واللسان (صيق): * يتركن ترب الأرض مجنون الصيق *.

([10]) وكذا في المجمل مادة (صاك). وفي مادة (صيك) "بأجلادها"، كما جاء في اللسان (صيك). ورواية الديوان 51 تطابق رواية المقاييس.

([11]) لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 104 واللسان (صوب، ذبح، شجر)، وقد سبق في (شجر).

([12]) عجزه في الديوان 370 واللسان (صيد):

* قنابل سحما في المحلة صيما *.

 

ـ (باب الصاد والباء وما يثلثهما)

(صبح) الصاد والباء والحاء أصلٌ واحدٌ مطّرد. وهو لونٌ من الألوان قالوا أصله الحُمْرة. قالوا: وسمِّيَ الصُّبْحُ صُبْحاً لحُمْرَته، كما سمِّيَ المِصْباح مِصباحاً لحُمْرَته. قالوا: ولذلك يقال وجهٌ صَبيحٌ. والصَّباح: نُورُ النَّهارِ. وهذا هو الأصل ثمُ يُفَرَّع. فقالوا: لِشُرْب الغَداة الصَّبوح، وقد اصطَبَحَ، وتلك هي الجاشِرِيَّة. قال:

إِذا ما اصطبحنا الجاشريّة لم نُبَلْ *** أميراً وإن كان* الأميرُ من الأَزْدِ([1])

ويقال: "أكذَبُ من الأخيذ الصَّبْحَان"، يعنون الأسير المصطَبِح، وأصله أنَّ قوماً أسرُوا رجلاً فسألوه عن حَيِّه فكَذَبَهُمْ وأومَأَ إلى شُقَّةٍ بعيدة، فطعنوهُ فسَبقَ اللّبَنُ الذي كان اصطبحه الدّمَ، فقالوا: "أكذَبُ من الأخيذ الصَّبْحَان". والمِصباح: الناقة تَبْرُك في معرَّسِها فلا تَنْبَعِثُ حتى تُصْبِح. والتَّصَبُّح: النَّوْم بالغداة. ويوم الصَّباح: يوم الغَارة. قال الأعشى:

به تَرْعُفُ الألفَ إِذ أُرْسِلَتْ  *** غَدَاةَ الصَّبَاحِ إِذا النَّقْعُ ثارا([2])

ويقال أتيتهُ أصبوحةَ كلِّ يومٍ، ولقيتُهُ ذا صَبوح. والمصابيح: الأقداح التي يُصطَبَح بها. ويقال أتانا لصُبْح خامسةٍ وصِبْحِ خامسة.

ومن الكلمة الأولى: الصَّبَح: شدَّة حُمرةٍ في الشعَر؛ يقال أسدٌ أصبَحُ.

(صبر) الصاد والباء والراء أصولٌ ثلاثة، الأول الحَبْس، والثاني أعالي الشيء، والثالث جنسٌ من الحجارة.

فالأول: الصَّبْر، وهو الحَبْس. يقال صَبَرْتُ نفسي على ذلك الأمر، أي حَبَسْتُها. قال:

فَصَبَرْتُ عارفةً لذلك حُرَّةً *** ترسُو إذا نَفْسُ الجَبانِ تَطَلَّعُ([3])

والمصبورة([4]) المحبوسة على الموت. ونَهَى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل شيءٍ من الدوابّ صَبْراً.

ومن الباب: الصَّبِير، هو الكَفِيل، وإنِّما سمِّي بذلك لأنَّهُ يَصبر على الغرم. يقال صَبَرْتُ نفسي به أَصبُر صَبْراً، إذا كَفَلْتَ([5]) به، فأنا به صبير. وصبرتُ الإنسانَ، إذا حلَّفْتُهُ بالله جَهْدَ القَسَم.

وأمَّا الثاني فقالوا: صُبْر كلِّ شيءٍ: أعلاه. قالوا: وأصبار الإناء: نواحيه، والواحد صُبْر. وقال:

* فملأتها عَلَقاً إلى أصبارِهَا *

وأمَّا الأصل الثالث فالصُّبْرة من الحجارة: ما اشتدَّ وغلُظ، والجمع صِبَارٌ، وفي كتاب ابن دريد([6]): "الصُّبَّارة: قطعةٌ من حديدٍ أو حجر" في قول الأعشى([7]):

منْ مَبْلغ عَمْرَاً بأنَّ المرءَ لم يخْلَق صُبَارَه.

قال ابنُ دُريد: وروى البغداديُّون: "صَبارهْ"، وما أدري ما أرادوا بهذا. قلنا: والذي أراده البغداديُّون ما رُوِيَ أنَّ الصِّبَار ما اشتدَّ وغلُظ. وهو في قول الأعشى:

* قُبيلَ الصُّبح أصواتُ الصِّبَارِ([8]) *

فالذي أراده البغداديون هذا، وتكون الهاء داخلةً عليه للجمع.

قال أبو عُبيد: الصُّبْـرُ: الأرض التي فيها حصباءُ وليست بغليظة، ومنه قيل للحرّة: أمُّ صَبَّار.

ومما حُمِلَ على هذا قول العرب: وقعَ القومُ في أمّ صَبُّور، إذا وقعوا في أمر عظيم.

(صبع) الصاد والباء والعين أصل واحد، ثم يستعار، فالأصل إصبع الإنسان، واحدةُ أصابعه. قالوا: هي مؤنّثة.وقالوا: قد يذكَّر. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "هل أنت إلاّ إصبعٌ دميتِ، وفي سبيل الله ما لقيتِ([9])" هكذا على التأنيث . ويقال: صَبَعَ فلان بفلانٍ، إذا أشار نحوه بإصبعه، مُغتاباً له.

والإصبع: الأثر الحسَن، وهذا مستعارٌ. ومثلٌ يقال: لفلانٍ في ماله إِصبَع، أي أثَرٌ جميل. ويقال للرَّاعي الحسنِ الرِّعْيَة للإِبل، الجميلِ الأَثَر فيها: إن له عليها إصبعاً. قال الرَّاعي يَصِفُ راعياً:

ضعيف العَصَا بادِي العُروقِ ترى لـه ** عليها إِذا ما أجدَبَ النَّاسُ إِصبعا([10])

والصَّبْع: إِراقتُك ما في الإناء من بين إصبعَيك.

(صبغ) الصاد والباء والغين، أصلٌ واحدٌ، وهو تلوين الشَّيء بلونٍ ما. تقول: صبغته أصبغه([11]). ويُقال للرُّطَبة: قد صَبَّغَتْ. فأمَّا قولُه تعالى: صِبْغَةَ الله[البقرة 138] فقال قوم: هي فِطرتُهُ لخلْقِهِ. وقال آخرون: كلُّ ما تُقُرِّب به إلى الله تعالى صِبغة. والأصبغ: الفرس في طرف ذَنَبِه بياض. وذلك دون الأشكل([12])، والأوَّل مشبَّه بالشيء يُصْبَغ طرَفُهُ.

(صبي) الصاد والباء والحرف المعتلّ ثلاثةُ أصولٍ صحيحة: الأول يدلُّ على صغر السّنّ،  والثاني ريحٌ من الرياح، والثالث [الإِمالة([13])].

فالأوّل واحد الصِّبْيةَ والصِّبيان. ورأيته في صباه، أي صغره. والمصْبي: الكثير الصِّبيان. والصَّباء، ممدود الصِّبا، ويمدُّ مع الفتح([14]). أنشد أبو عمرو:

أصبحتُ لا يَحمِلُ بعضي بعضَا *** كأنما كانَ صَبَائي قَرْضَا([15])

ومن الباب: صبا إلى الشّيء يصبُو؛ إذا مال قلبُهُ إليه. والاشتقاق واحد، والاسم الصَّبْوة. وقال العجَّاج في الصِّبا:

* وإنما يأتي الصِّبا الصَّبيُّ([16]) *

والثاني: ريح الصَّبَا، وهيَ التي تستقبل القبلة. يقال صبَتْ تصبُو.

الثالث: قول العرب: صَابيْتُ الرُّمح([17]).

فأمَّا المهموز فهو يدلُّ على خروجٍ وبروز. يقال صبأٍ من دينٍ إلى دين، أي خرج. وهو قولهم: صبأ نابُ البعير، إذا طلعَ. والخارجُ من دينٍ إلى دين صابئٍ، والجمع صابئون وصُبَّاءٌ.

ــــــــــــــــ

([1]) للفرزدق في اللسان (جشر). وليس في ديوانه.

([2]) ديوان الأعشى 40. وقد سبق مع تخريجه في (رعف).

([3]) البيت لعنترة في ديوانه 158 واللسان (صبر).

([4]) في الأصل: "والصبورة"، صوابه في المجمل واللسان.

([5]) في الأصل: " كلفت به"، صوابه في المجمل. وأول العبارة في المجمل: "صبرت بفلان أصبر به صبرا".

([6]) في الجمهرة (1: 260).

([7]) الذي في الجمهرة أنه عمرو بن ملقط الطائي. وكذا صحح نسبة الشعر ابن بري، كما في اللسان. وانظر ديوان الأعشى 111 حيث قصيدة البيت  ولم يرو فيها.

([8]) صدره كما في ديوان الأعشى 244 واللسان (صبر):

* كأن ترنم الهاجات فيها *

([9]) هذا من الحديث الذي وافق وزن الشعر، وليس به.

([10]) أنشده في اللسان (صبع) وقال: "أي حاذق الرعية لا يضرب ضرباً شديداً".

([11]) في الأصل: "يقول لصبغه". ومُضارعه يقال بفتح الباء وكسرها وضمها.

([12]) الأشعل، بالعين المهملة. وفي الأصل: "الأشغل"، تحريف.

([13]) هذه الكلمة مبيض لها في الأصل. والكلام بعد يقتضيها أو يقتضي شبيهها.

([14]) أي إذا مد كان مفتوح الصاد.

([15]) أنشده في المجمل أيضاً، وقال: "وهذا لو قصر لم يضر".

([16]) ديوان العجاج 66. وأنشده في اللسان (19: 173) بدون نسبة.

([17]) فسره في المجمل بقوله: "هيأته للطعن". وفي اللسان: "أملته للطعن".

 

ـ (باب الصاد والتاء وما يثلثهما)

(صتع) الصاد والتاء والعين كلمتان: إحداهما مُخْتلفٌ في تأويلها، والأخرى تردُّدٌ في الشَّيء.‏

قال ابن دريد: "الصَّتَع، أصل بناء الصُّنْتع(1)". ثم اختلف قولُهُ وقولُ الخليل: الصَّـتَع: الشَّابّ الغليظ. وأنشد:‏

* وما وِصال الصَّتَع القُمدِّ(2) *‏

وقال ابن دريد: الصُّنْتع الظَّليم الصّغير الرأس.‏

والكلمة الأخرى: التَّصَتُّع: التردّد في الأمر مجيئاً وذهاباً.‏

(صتم) الصاد والتاء والميم أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تمام وقوة. قال ابن دريد(3): الصَّيْتَمة(4): الصَّخَرة. قال: وأَعطيتُهُ ألفاً صَتْماً. وأمَّا الصَّتَم فالشَّاب القويُّ الخَلْق.‏

ـــــــــــــــ

(1) بعده في الجمهرة (2: 18): "النون زائدة. ظليم صنتع: صغير الرأس دقيق العنق".‏

(2) قبله في اللسان (صتع):‏

يا ابنة عمرو قد منحت ودي *** والحبل مالم تقطعي فمدي‏

(3) الجمهرة (2: 19).‏

(4) وكذا في المجمل. وفي اللسان والجمهرة والقاموس: "الصتيمة".‏

 

ـ (باب الصاد والحاء وما يثلثهما)

(صحر) الصاد والحاء والراء أصلان: أحدهما البَرَاز من الأرض، والآخر لونٌ من الألوان.

فالأوَّل الصحراء: الفضاء من الأرض. ويقال أصحر القَوْمُ، إذا بَرَزُوا. ومن الباب قولُهُم: لقيته صَحْرَةَ بَحْرَةَ([1])، إذا لم يكن بينك وبينه سِتْر. والصُّحْرة: الصَّحراء في قول أبي ذؤيب:

سَبيٌّ مِن يَرَاعَتِهِ  نفاه *** أَتِيٌّ مَدَّهُ صُحَرٌ ولُوبُ([2])

والأصل الآخر: الصُّحْرة، وهو لونٌ أبيضُ مُشربٌ حمرةً. وأتانٌ صحراءُ: في لونها صُحْرة، وهي كُهبةٌ في بياضٍ وسواد. ويقال: اصحارَّ النّبتُ، إذا هَاج؛ وذلك أنَّ لونَهُ يتغيَّر ويختلط.

(صحف) الصاد والحاء والفاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على انبساطٍ في شيءٍ وسَعَةٍ. يقال إنَّ الصَّحِيفَ: وجهُ الأرضِ. والصَّحِيفة: بَشَرَةُ وجهِ الرجل. قال البَعِيث:

وكلُّ كُلَيْبيٍّ صحيفةُ وجْهِهِ *** أذَل لأقدامِ الرِّجال مِن النَّعلِ

ومن الباب الصَّحيفة، وهي التي يُكتَب فيها، والجمع صحائف، والصُّحفُ أيضاً، كأنَّه جمع صحيف. قال:

لما رأَوْا غُدوَةً جَبَاهَهُمُ *** حنّتْ إلينا الأرحام والصُّحُفُ

والصَّحْفَة: القَصْعة المُسْلنطِحَة. وقال الشَّيبانيّ: الصِّحاف مَناقِعُ صغارٌ تُتَّخَذ للماء، الجمع صُحُف.

(صحل) الصاد والحاء واللام كلمة، وهي بَحَحٌ في الصَّوت. يقال  للأَبحِّ الأصحل، والمصدر الصَّحَل، وهو صَحِلٌ، قال الأعشى:

* صَحِل الصوت أَبَحّ([3]) *

(صحم) الصاد والحاء والميم أُصَيلٌ صحيح يدلُّ على لونٍ. فالأَصْحَم: الأغبر إلى السَّواد. وبلدةٌ صَحْمَاءُ: مُغْبَرَّة. واصحامَّت البَقْلة: اخضارَّت. وإنَّما قيل لها ذاك لأنَّها إذا رَوِيت فكأنها سوداء. ولذلك يقال: إدْهامَّتْ.

(صحن) الصاد والحاء والنون أُصَيلٌ يدلُّ على اتّساعٍ في شيء. من ذلك الصَّحْن: وَسْطُ الدَّارِ. ويقولون: جَوْبَة تنجاب في الحَرَّة. وبذلك شُبِّه العُسُّ العظيم فقيل له صَحْن.

ومما شَذَّ عن الباب قولهم: صَحَنْتُ بينَ القومِ، إذا أصلحتَ بينهم. وربَّما قالوا صحنتُهُ شيئاً، إذا أعطيتَهُ. ويقولون: صَحَنَه صَحَناتٍ، أي ضَرَبَه. ضَرَباتٍ. وناقةٌ صَحُونٌ، أي رَمُوح.

(صحو) الصاد والحاء والحرف المعتل أصلٌ صحيح يدلُّ على انكشاف شيءٍ. من ذلك الصَّحْو: خِلاف السُّكْر. يقال صحا يصحو السَّكْرانُ فهو صاحٍ. ومن الباب: أَصْحَت السَّماءُ فهي مُصْحِيَة. وروي عن أبي حاتم قال: العامّة تظنُّ أنَّ الصَّحو لا يكون إلاَّ ذهابَ الغَيم، وليس كذلك، إنَّما *الصحو ذَهاب البَرْدِ، وتفرُّقُ الغَيم.

ومما شذَّ عن هذا الأصل المِصحاةُ، كالجام يُشرَبُ فيه.

(صحب) الصاد والحاء والباء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على مقارَنة([4]) شيءٍ ومقاربته. من ذلك الصَّاحب والجمع الصَّحْب، كما يقال راكبٌ ورَكْبٌ. ومن الباب: أصحب فلانٌ، إِذا انقاد. وأَصْحَبَ الرَّجُل، إذا بلغَ ابنُهُ. وكلُّ شيءٍ لاءم شيئاً فقد استصحبه. ويقال للأديم إِذا تُرِكَ عليه شَعَرُه مُصْحَبٌ. ويقال أَصحبَ الماءُ، إذا علاهُ الطُّحْلَب.

ـــــــــــــــــــ

([1]) صحرة بحرة بالتركيب، كما ضبط في المجمل. وقال في اللسان: "وهي غير مجراة.  وقيل لم يجريا لأنهما اسمان جعلا اسماً واحداً". ويقال أيضاً بالتنوين فيهما، كما في اللسان والقاموس. وبضم أولهما أيضاً في لغة.

([2]) ديوان أبي ذؤيب 92 واللسان (صحر).

([3]) البيت من قصيدة للأعشى في ديوانه 159. وهو بتمامه:

فتراه زيما من خلفها  *** ذا رنين صحل الصوت أيح

([4]) في الأصل: "مقاربة" فيكون ما بعده تكراراً.

 

ـ (باب الصاد والخاء وما يثلثهما)

(صخد) الصاد والخاء والدال أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على شدّةٍ في حَرٍّ وغيره. فالصَّيْخَد: شدّة الحَرّ. ويقال الصَّيخَد: عين الشَّمْس. واصطَخَدَ الحِرْباءُ: تَصَلَّى بحرِّ الشَّمْسِ. ويومٌ صَخَدان، على فَعَلان(1): شديد الحَرِّ. ويقال: صَخَد النهار يَصْخَد من شدّة الحرّ، وصَخِدَ يَصْخَد(2). والصَّخْرة الصَّيخود: الشَّديدة.‏

ومما يقارب هذا في باب الشِّدّة قولهم: صَخَد الصُّرَد، إِذا صاح صِياحاً شديداً. وكذلك صَخَد الرَّجُل.‏

(صخر) الصاد والخاء والراء كلمةٌ صحيحة، وهي الصَّخْرَة: الحَجَرةُ العظيمة. ويقال صَخْرَةٌ وصَخَرَة.‏

(صخب) الصاد والخاء والباء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على صوتٍ عالٍ. من ذلك الصَّخَب: الصَّوْتُ والجَلَبَة. وقال بعضُهم: رجلٌ صَخْبَانُ: كثير الصَّخْب. وماءٌ صَخِبُ الآذِيِّ(3)، إِذا كانَ له صوت.‏

(صخم) الصاد والخاء والميم كلمة. يقال: للمنتصب مُصْطَخِم.‏

(صخي) الصاد والخاء والياء كلمة، يقال: صَخِيَ الثَّوبُ يَصْخَى؛ وهو وَسَخٌ ودَرَنٌ، فهو صَخٍ. والاسم الصَّخَى.‏

ــــــــــــــــــ

(1) كذا ضبطت الكلمتان في المجمل. وأجازوا إسكان الخاء عن ثعلب.‏

(2) في الأصل: "وصخد يصخِد يصخَد"، بضبط المضارع الأول بكسر الخاء والثاني بفتحها. وأرى فيه تحريفاً وتكراراً.‏

(3) في الأصل: "وما صخب الأذى".‏

 

ـ (باب الصاد والدال وما يثلثهما)

(صدر) الصاد والدال والرَّاء أصلان صحيحان، أحدُهما يدلُّ على خلاف الوِرْد، والآخر صَدْر الإنسان وغيره.

فالأوّلُ قولُهم: صَدَرَ عن الماءِ، وصَدَرَ عن البِلاد، إذا كان وَرَدَها ثمَّ شَخَصَ عنها.

وقال الأَحْمَر([1]): يقال صَدَرْتُ عن البِلادِ صَدَراً، وهو الاسم، فإن أردْتَ المصدر جزمت الدَّال. وأنشد:

وليلةٍ قد جَعَلْتُ الصُّبْحُ موعدَها *** صَدْرَ المطيَّة حتَّى تعرِفَ السَّدَفا([2])

صَدْر المطية مصدر.

وأمَّا الآخر فالصَّدر للإنسان، والجمع صُدور، قال الله تعالى: {ولَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي في الصُّدور} [الحج 46]، ثم يشتقُّ منه. فالصِّدار: ثوبٌ يُغطِّي الرَّأس والصَّدْر. والصِّدَار: سِمةٌ على صدر البعير. والتَّصدير: حبل يُصدَّر به البعير لئلاَّ يُرَدَّ حِمْلُهُ إلى خَلْفه. والمُصَّدر: الأَسَد، سُمِّيَ بذلك لقوّة صَدْرِهِ. والمصدور: الذي يشتكى صَدْرَهُ.

(صدع) الصاد والدال والعين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على انفراجٍ في الشيء. يقال صَدَعْتُهُ فانصدَعَ وتصدَّعَ. وصَدَعْتُ الفلاةَ: قطعتُها. ودليلٌ هادٍ مِصدَع. والصَّدْع: النَّبات؛ لأنه يَصدَع الأرض، [في] قوله تعالى: {وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ}  [الطارق 12].

ومن الباب: صَدَع بالحقِّ، إِذا تكلَّمَ به جهاراً. قال سُبحانَهُ لنبيِّه عليه السلام: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر 94]. ويقال تصدَّعَ القَوْمُ، إِذا تفرّقُوا. والصِّدْعَة من الإِبل: قِطعةٌ كالسِّتِّين ونحوِها، كأنَّها انصدعت عن العسكَر العظيم.

ومما شذَّ عن الباب: الصَّدَع، الفتِيُّ من الأوعال.

(صدغ) الصاد والدال والغين أصلان ، أحدهما عضوٌ من الأعضاء، والآخَر يدلُّ على ضَعْف.

فالأوّل الصُّدْغ، وهو ما بين خَطِّ العين إلى أصلِ الأُذُن. يقال صَدَغْت الرّجل، إذا حاذيتَ صُدْغَه بِصُدْغِكَ في المشي. والصِّداغ: سِمَة في الصُّدْغ.

والأصل الآخَر الصَّدِيغ: الرجل الضَّعيف. يقال ما يَصْدَغ نملةً من ضَعْف([3])، أي ما يقتُل. ويقال إنَّ الصَّديغ الولدُ إلى أن يستكملَ سبعةَ أيام([4]).

ومما شذَّ عن البابين قولُهم: صدغتُهُ  عن الشيء، أي كففتُهُ عنه.

(صدف) الصاد والدال والفاء أصلان: [الأوَّل] يدلُّ على المَيْلِ، والثاني عَرَضٌ من الأعراض.

فالأوَّلُ قولهم: صَدَفَ عن الشيء، إِذا مال* عنه وولى ذاهباً. قال الله تعالى: {سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفونَ عَنْ آياتِنَا} [الأنعام 158]. والصَّدَف من البعير: أَنْ يميل خُفُّهُ من اليد أو الرِّجْل إلى الجانب الوَحْشيّ([5])؛ وقد صَدِفَ. ويقال للإِبلِ التي تقف عند أعجاز الإِبل على الحوضِ تنتظر انصرافَ الشّاربةِ لتدخُل: هي الصَّوادِف. قال:

* النّاظراتُ  العُقَبَ الصَّوادفُ([6]) *

والصَّدَف: جانب الجَبَل، وإِنّما سُمِّيَ لميْله إلى إحدى الجِهَتين.

وأمّا الآخر فالصَّدَف المَحَارة، هي معروفة.

(صدق) الصاد والدال والقاف أصلٌ يدلُّ على قوّةٍ في الشيء قولاً وغيرَه. من ذلك الصِّدْق: خلاف الكَذِبَ، سمِّيَ لقوّته في نفسه، ولأنَّ الكذِبَ لا قُوَّة له، هو باطلٌ. وأصل هذا من قولهم شيءٌ صَدْقٌ، أي صُلْب.  ورُمْح صَدْقٌ. ويقال صَدَقُوهم القِتالَ، وفي خلاف ذلك كَذَبوهم. والصِّدِّيق: الملازم للصِّدْق. والصَّدَاق: صَدَاقَ المرأة، سُمِّيَ بذلك لقوّته وأنَّه حقٌّ يَلزمُ. ويقال صَدَاقٌ وصُدْقة وصَدُقة([7]). قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتهنَّ نِحْلَةً} [النساء 4]. وقرئت: {صدقاتِهِنَّ([8])}. و[من] الباب الصَّدَقة: ما يتصدَّق به المرءُ عن نفسه وماله. وأمَّا المُصَدِّق فخبّرَنا أبو الحسن علي بن إبراهيم، عن المفسِّر،عن القُتَيْبِيّ قال: ومما يضَعُهُ النّاسُ غير موضعه قولهم: هو يتصدَّق، إِذا أعطى، ويتصدّقُ إِذا سأل. وذلك غلطٌ، لأن المتصدِّق المُعطي. قال الله تعالى في قصّة من قال: {وَتَصَدَّقْ علينا} [يوسف 88]. وحدَّثَنا هذا الشيخ عن المَعْدَانيِّ عن أبيه، عن أبي مُعاذٍ، عن اللَّيْث، عن الخليل قال: المُطْعِم مُتصَدِّق والسَّائلُ متصدِّق. وهما سواء. فأمَّا الذي في القرآن فهو المعطِي. والمُصَدِّق: الذي يأخذ صَدَقات الغنم. ويقال: هو رجلُ صِدقٍ([9]). والصَّدَاقة مشتقّة من الصِّدق في المودّة. ويقال صَدِيق للواحد وللاثنين وللجماعة، وللمرأة. وربما قالوا أصدقاء، وأصادق. قال:

فلا زِلْنَ حَسْرَى ظُلَّعاً لِمْ حَمَلْنَها  *** إلى بلدٍ ناءٍ قليل الأصادقِ([10])

(صدم) الصاد والدال والميم كلمةٌ واحدةٌ، وهي الصَّدْم، وهو ضَرْب الشَّيءِ الصُّلْبِ بمثله.

(صدن) الصاد والدال والنون أصلٌ ضعيف. يقولون: الصَّيْدَن: الثَّعْلَب.

(صدي) الصاد والدال والحرف المعتل فيه كلمٌ متباعدةُ القياس، لا يكاد يلتقي منها كلمتانِ في أصل. فالصَّدَى: الذَّكَرُ من البُومِ، والجمع أصداء. قال:

فليس الناسُ بعدَكَ في نقيرِ *** وما هم غيرَ أصداءٍ وهامِ ([11])

والصَّدَى: الدِّماغُ نفسُه، ويقال بل هو الموضع الذي جُعِلَ فيه السَّمْع من الدِّماغ، ولذلك يقال: أَصَمَّ اللهُ صَدَاهُ. ويقال بل هذا صَدَى الصَّوْت، وهو الذي يُجيبُك إذا صِحْتَ بقُرْبِ جَبَل. وقال يصف داراً:

صَمَّ صداها وعفا رسمُها *** واستعجمَتْ عن منطقِ السَّائِلِ([12])

والصَّدَى: الرَّجُلُ الحَسَنُ القِيام على ماله، يقال هو صَدَى مالٍ. ولا يقال إلاَّ بالإِضافة. والصَّدَى: العَطَش، يقال رجلٌ صَدٍ وصادٍ، وامرأة صادية. وتصدَّى فُلانٌ للشَّيء يستشرفُهُ ناظراً إليه. والتَّصدية: التَّصفيق باليدين. قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ البَيْتِ إلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال 35]. فأمَّا الصَّوادي من النَّخْلِ فهي الطِّوال. ويقال: صاديتُ فلاناً، إِذا دارَيْتَه. وصاديت [فلاناً مُصاداةً: عاملتُهُ بمثل صَنيعه([13])].

وإِذا كان بعد الدَّال همزة تغيَّر المعنى، فيكون من الصَّدَأ صدإ الحديد. يقولون: صاغِرٌ صَدِئٌ من صدأ العار([14]).

(صدح) الصاد والدال والحاء أُصَيلٌ يدلُّ على صوت. يقال صدح الدِّيك والغُراب. وكان اللِّحياني يقول: إِنَّهُ لَصَيْدَحٌ، أي مرتفع الصَّوت. ويقولون: ـ وليس هو من هذا القِياس: إنَّ الصُّدْحَة خَرَزة يُؤَخَّذُ بِها. ويقال الصَّدَح: الإِكام([15]). والله أعلم.

ـــــــــــــــ

([1]) هو خلف الأحمر. وفي الأصل: "الآخر"، صوابه في المجمل.

([2]) البيت لابن مقبل، كما في اللسان (صدر).

([3]) في المجمل: "من ضعفه".

([4]) في اللسان: "سمي بذلك لأنَّه لا يشتد صدغاه إلا إلى سبعة أيام.

([5]) في الأصل: "من جانب الوحشي"، صوابه في المجمل واللسان.

([6]) أنشده في المجمل واللسان، وسيأتي في (عقب). وقبله في تاج العروس:

* لا ريّ حتى تنهل الروادف *.

([7]) كذا ضبطت الكلمتان في الأصل. وزاد في اللسان والقاموس: "صدقة" بالفتح، وبفتحتين وبضمتين. ويقال أيضاً: "صداق" ككتاب.

([8]) لم تضبط أي كلمة منهما في الأصل. وقد قرأ الجمهور: "صدقاتهن" بفتح الصاد وضم الدال. وقرأ قتادة بإسكان الدال وبضم الصاد، وقرأ مجاهد وموسى بن الزبير وابن أبي عبلة وفياض ابن غزوان بضمهما. تفسير ابن حيان (3: 166).

([9]) كذا ضبط في المجمل بالإضافة. ويقال أيضاً: "رجل صدق". بالوصف، مع كسر الصاد وفتحها.

([10]) لم، أي لماذا. وفي الأصل: "لم يحملنها"، صوابه من المخصص (17: 30)، حيث أنشد البيت. وأوله عنده: "فلا زلن دبرى".

([11]) البيت للبيد في ديوانه 135 واللسان (صدى، نقر). في نقير، أي ليسوا بعدك في شيء. وفي الأصل: "من نقر"، صوابه في الديوان واللسان.

([12]) لامرئ القيس في الديوان 148 واللسان (صدي).

([13]) التكملة من المجمل، وقد بيض لها في الأصل.

([14]) في اللسان: "وفلان صاغر صدئ إذا لزمه صدأ العار واللوم".

([15]) وكذا في المجمل. وفي اللسان: "الأزهري: الصدحان آكام صغار صلاب الحجارة واحدها صدح".

 

ـ (باب الصاد* والراء وما يثلثهما)

(صرع) الصاد والراء والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على سقوطِ شيءٍ إلى الأرض عن مراس اثنين، ثم يُحمَلُ على ذلك ويشتقُّ منه. من ذلك صَرَعْتُ الرَّجلَ صَرْعَاً، وصارعتُهُ مصارَعة، ورجلٌ صَرِيع. والصَّريع من الأغصانِ: ما تَهدَّلَ وسقط إلى الأرض، والجمع صُرُع. وإذا جُعِلَتْ من ذلك السَّاقط قَوْسٌ فهي صَرِيع.

وأمَّا المحمول على هذا فقولُهم: هما صِرْعان، يقال إنَّ معنى ذلك أنَّهما يقعان معاً. وهذا مَثَلٌ وتشبيه. وكذلك مِصْرَاعا البابِ مأخوذانِ من هذا، أي هما متساويان يقعان معاً. والصَّرعانِ: إبلان يختلفان في المشْي، فتذهب هذه وتجيءُ هذه لكثرتها. قال:

فَرَّجْتُ عنه بِصَرْعينا لأرملةٍ *** أو بائس جاء معناه كمعناه([1])

ومَصَارع النَّاس: مَساقِطُهم. وقال أبو زيد: أتانا صَرْعَي النَّهار، غُدْوةً وعَشيَّة. وهذا محمولٌ على ما ذكرناه، من أنَّ الصَّـِرعَين المِثلان. والقياس فيه كله واحد.

(صرف) الصاد والراء والفاء معظم بابِهِ يدلُّ على رَجْع الشيء. من ذلك صَرفْتُ القومَ صَرْفاً وانصرفوا، إذا رَجَعْتَهم فرَجَعوا. والصَّرِيف: اللّبَن ساعةَ يُحلَب ويُنصرَف به. والصَّرْف في القُرْآنِ: التَّوبة([2])؛ لأنَّه يُرجَع به عن رتبة المذنبين. والصَّرْفة: نجم. قال أهلُ اللّغة سمِّيت صرفةً لانصراف البرد عند طلوعها. والصَّرْفة: خَرَزة يؤخَّذ بها الرِّجال، وسمِّيت بذلك كأنَّهم يصرفون بها القلبَ عن الذي يريده منها. قال الخليل: الصَّرْف فَضْل الدِّرهم على الدِّرهم في القِيمة. ومعنى الصَّرف عندنا أنَّه شيءٌ صُرِف إلى شيء، كأنَّ الدِّينارَ صُرِف إلى الدراهم، أي رُجِع إليها، إِذا أخذتَ بدلَه. قال الخليل: ومنه اشتُقَّ اسمُ الصَّيرفيّ، لتصريفه أحدَهما إلى الآخَر. قال: وتصريف الدَّراهِم في البِياعات كلِّها: إنفاقُها. قال أبو عُبيدٍ: صَرْف الكلام: تزيينهُ والزِّيادةُ فيه، وإِنَّما سُمِّيَ بذلك لأنَّه إِذا زيِّن صرف الأسماعَ إلى استماعه. ويقال لِحَدَث الدَّهْر صَرْفٌ، والجمع صُروف، وسمِّي بذلك لأنه يتصرَّف بالناس، أي يقلِّبهم ويردِّدهم. فأمّا حِرْمةَ الشَّاءِ والبقَر والكلاب، فيقال لها الصِّرَاف، وهو عندنا من قياس الباب، لأنَّها تَصَرَّف أي تَرَدّدَ وتُراجِع فيه. ومن الباب الصَّريف، وهو صوت نابِ البعيرِ. وسمِّي بذلك لأنَّه يردِّده ويرَجِّعه. فأمَّا قول القائل:

بَنِي غُدَانةَ ما إنْ أنتمُ ذهباً *** ولا صريفاً ولكن أنتم الخزَفُ([3])

فقال قومٌ: أراد بالصَّريف الفِضّة. فإن كان صحيحاً فسمِّيت صريفاً من قولهم: صَرَفت الدِّينارَ دراهمَ، ليس له وجهٌ غير هذا.

وممّا أحسَِبه شاذّاً عن هذا الأصل: الصَّرَفَانُ، وهو الرَّصاص. والصَّرَفَانُ في قوله:

* أمْ صرفاناً بارداً شديدا([4]) *

مختلفٌ فيه، فقال قوم هو الرَّصاص. وقال آخَرون: الصَّرَفانُ: جنْس من التَّمر. وأنشدوا:

* أَكَلَ الزُّبد بالصَّرَفان([5]) *

قالوا: ولم يكن يُهدَى للزّبّاء شيءٌ من الطُّرف كان أحبَّ إليها من التَّمر. وأنشدوا:

ولما أتتْها العير قالت أباردٌ *** من التَّمْرِ أم هذا حديدٌ وجندلُ([6])

ومما شذَّ أيضاً الصِّرْف: شيء من الصِّبْغ يُصبَغ به الأديم. قال:

كمَيْتٌ غير مُحْلِفةٍ ولكنْ *** كلون الصرْفِ عُلَّ به الأديمُ([7])

وعلى هذا يُحمَلُ قولهم: شرِب الشَّرابَ صِرْفَاً، إذا لم يمزُجْه؛ كأنَّهُ تُرِكَ على لونِهِ وحُمْرَتِه.

(صرم) الصاد والراء والميم أصلٌ واحدٌ صحيحٌ مطَّرد، وهو القَطْع. من ذلك صُرْم الهِجران. والصَّريمة: العزيمة على الشيء، وهو قَطْعُ كلِّ عُلْقَةٍ دونَه. والصُّرام: آخر اللَّبَن بعد التغزير، إِذا احتاجَ الرّجل إليه حلبَه ضرورةً. قال بشر:

ألاَ أَبْلِغْ بني سعدٍ * رسولاً  *** ومولاهُمْ فقد حُلِبَتْ صُرامُ([8])

وهذا مَثَلٌ، كأنَّه يقول: قد بُلِغَ من الشر آخِرُهُ، وآخر الشيء عند انقطاعه. ويقال: أكل فلانٌ الصَّيْرَم، وهي الوَجْبَة؛ لأنَّه إِذا أكلها قطع سائر يومه. ويقال صَرَمْتُهُ صَرْماً، بالفتح  وهو المصدر، والصُّرْم الاسم. فأمَّا الصَّريم فيقال إنّهُ اسمُ الصُّبْح واسم اللّيل. وكيف كان فهو من القياس؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَصْرِمُ صاحبَهُ ويَنصرِم عنه. قال الله تعالى: {فأَصْبَحَتْ كالصَّرِيم}  [القلم 20]. يقول: احترقت فاسوادَّت كاللَّيلِ. فهذا فيمن قاله إنَّه اللّيل. وأمَّا الصُّبح فقال بشر:

فباتَ يقول أَصبِحْ ليلُ حَتَّى *** تَجَلَّى عن صَريمتِهِ الظَّلامُ([9])

والصَّريم: الرَّمل ينقطع عن الجدَدِ والأرض الصُّلْبة. والصِّرام: وقت صَرْم الأعذاق. وقد أَصْرَمَ النَّخْلُ: حان صِرامُهُ. والصِّرْمة: القطيع من الإِبل نحوٌ من الثَّلاثين. والصِّرَم: القِطَع من السَّحاب، واحدتها صِرْمة. قال النابغة:

وهبَّت الريحُ من تِلقاءِ ذي أُرُلٍ *** تُزْجِي من اللَّيل من صُرَّادِها صِرَما([10])

والصِّرْم: طائفةٌ من القوم ينزلون بإبلهم ناحيةً من الماء، فهم أهل صرم. والرَّجُل الصَّارم: الماضي في الأمور كالسَّيف الصَّارم. وناقة مصرَّمة، أي يُصَرَّم طبْيُها فيفْسُدُ الإحليل فييْبس، فذلك أقوى لها؛ لأنَّ اللبن لا يَخرج. ويقال إنَّ التَّصريم يكون بكَيِّ خِلفَينِ. والصَّرماء: الأرض لا ماء بها. ويقال إنَّ الصَّريمة الأرض المحصودُ زرعُها([11]). فأمّا قوله:

ومَوْماةٍ يَحَارُ الطَّرْفُ فيها *** إِذا امتنعَتْ علاها الأصرَمانِ([12])

فإنَّ الأصرمَينِ الذِّئب والغراب، سُمِّيا بذلك لقطعهما الأنيس.

(صري) الصاد والراء والحرف المعتل أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على الجمع. يُقال: صَرَى الماءَ يصرِيه، إذا جمعه. وماءٌ صَرىً: مجموع. قال:

رأت غلاماً قد صَرَى في فقرتهْ *** ماءَ الشَّبابِ عُنفوانُ شِرَّتهْ([13])

وكأنَّ الصَّرَاةَ([14]) مشتقَّة مأخوذة من هذا. وسمِّيت المُصَرَّاةُ من الشَّاءِ وغيرِها لاجتماعِ اللبن في أخلافها. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تُصَرُّوا الإبلَ والغنم. ومَنْ اشترى مصرَّاةً فهو بآخر النَّظَرَين([15])، إن شاء ردَّها وردَّ معها صاعاً من تمر". ويقال صَرَيْت ما بينهم: أصلحته، وذلك هو القِياس؛ لأنه يجمع الكلمةَ المشتَّتَة. وتقول: صَرَيت الرّجُل، إذا منعتهُ ما يريدُه. قال:

* وليسَ صَارِيَهُ عن ذِكْرِها صارِ([16]) *

والقِياس ذلك؛ لأنَّه إذا مُنع الشيءَ فقد حُبِس([17]) دونه وجُمِعَ عنه ويقولون: صراه الله، كما يقولون: وقاه، أي لا نَشرَ أمرَه، بل جَمَعَ مالَه. وصَرَى فلانٌ [في يدِ فلانٍ، إذا بقيَ([18])] في يده رَهْنَاً محبوساً.

وشذَّ عن الباب الصَّرَاية: الحنظل، في قوله:

* أو صَرَايةُ حَنْظَلِ([19]) *

(صرب) الصاد والراء والباء أُصَيْلٌ صحيح يدلُّ على مثل ما دلَّ عليه الباب الذي قبله. وزاد الخليل فيه وصفاً آخر، قال: الصرِيب: اللَّبن الذي قد حُقِنَ: والوَطْب مُصرَّب. وقال ابنُ دُريد: كلُّ شيءٍ أملسَ فهو صرَب. وهذا الذي قاله ابنُ دريدٍ أَقْيَس؛ لأنَّهم يسمُّون الصَّمْغ الصرَب، وينشدون:

أرض عن الخير والسُّلطانِ نائيةٌ *** والأطيبان بها الطُّرْثُوثُ  والصَّربُ([20])

والصَّمغ فيه مَلاسَة. والذي قاله الخليل فَفرْعُه قولُهم للصبيِّ إذا احتبسَ بَطْنُهُ: صرَب ليَسْمَن، وذلك عند عَقْدِهِ شَحْمه. والصَّرَْب: اللَّبَن الحامض.

(صرح) الصاد والراء والحاء أصلٌ منقاسٌ، يدلُّ على ظهور الشَّيء وبُروزه. من ذلك  الشَّيء الصريح. والصَّريح: المحض الحسَب، وجمعه صُرَحاء. قال الخليل: ويجمع الخيلُ على الصرائح. وقال: وكلُّ خالصٍ صريح. يقال هو بَيِّنُ الصَّراحة والصُّروحة. وصرَّحَ بما في نفسه: أَظهَرَه. ويقال كأس صراحٌ، إذا لم تُشَبْ بِمزاج. وصرَّحت الخمرُ، إذا ذهب عنها الزَّبد. قال الأعشى:

كُمَيتٌ تكشَّف عن حُمْرَةٍ  *** إذا صَرَّحَتْ بعد إِزْبادِها([21])

ويقال: جاء به صُِرَاحا، أي جِهارا. ولقيت فلاناً مُصارَحة وصِراحاً، أي كِفاحا. ويقال صرَّح الحقُّ عن مَحْضِه، أي انكشف الأمرُ بعد غُيوبهِ. والصَّرْحة: المكان، ويقال بل هو المَتْن من الأرض. ويقال يومُ مُصرِّح، إذا كان لا سحابَ فيه، وهو في شعر الطِّرِمَّاح([22]). والصَّرح: بيتٌ واحدٌ يُبنى منفرداً ضخماً طويلاً في السَّماء. وكلُّ بناءٍ عالٍ فهو صرْح.

(صرخ) الصاد والراء والخاء أُصَيلٌ يدلُّ على صوتٍ رفيع. من ذلك الصُّراخ، يقال صَرَخ يَصرُخ، وهو إذا صوّت. ويقال الصَّارخ: المستغيث، والصارخ: المغيث، ويقال بل المُغيث مُصرِخ؛ لقوله تعالى في قصة من قال: {ما أَنَا بِمُصرِخِكم وما أنتم بِمُصْرِخِيَّ}[إبراهيم 22].

(صرد) الصاد والراء والدال أصولٌ ثلاثة: أحدها البرد، والآخر الخلوص، والآخر القِلّة.

فالأوَّل: الصَّرْد: البَرْد، ويومٌ صرِدٌ؛ وقد صرِدَ الرَّجُل. ورجلٌ مِصرادٌ: جَزُوعٌ من البَرْد. والاسم الصَّرَد. قال الشاعر:

نِعْمَ شِعارُ الفَتى إِذا بَرَدَ اللَّيـ *** ـلُ سُحيراً وقفقَف الصَّرِدُ([23])

ومن الباب قولهم: صرِدَ القلبُ عن الشيء، إذا انتهى عنه. وذلك أنَّهُ يسلو عنه ويبرد ويَصرَد. والصُّرَّاد: غَيم رقيق.

وأمَّا الخلوص فالصَّرْد: البَحْت الخالص. ويقال كذِبٌ صرْد. وأُحِبُّك حُبّاً صَرْداً. وشرابٌ صرْد: خالص. قال:

فإنَّ النَّبيذ الصردَ إنْ شُرْبَ وحده *** على غير شيءٍ أوجع الكِبْدَ  جُوعُها([24])

ومن الباب: صرَد السَّهْمُ من الرّميَّة، إِذا نفذَ حَدُّه. ونَصْلٌ صارد. وأنا أصردته، وهو الخلوص من الرَّميَّة.

والباب الثالث: التصريد في السّقْي دون الرِّيّ. وشرابٌ مصرّد، أي مقلَّلٌ. وصرَّدَ له العَطاءَ، إذا قلَّلهُ.

ومما شذَّ عن الباب الصُّرَد: طائر. والصُّرَدَانِ: عِرقانِ تحت اللِّسان.

(صرط) الصاد والراء والطاء وهو من باب الإِبدال، وقد ذكر في السين، وهو الطَّرِيق. قال:

أَكُرُّ على الحرورِيِّينَ مُهْري *** وأحملُهم على وَضَح الصِّراطِ ([25])

ـــــــــــــــ

([1]) البيت مع قرين له في اللسان (صرع).

([2]) في الآية 19 من سورة الفرقان: { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بما تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً ولا نَصْرا}.

([3]) البيت في اللسان (صرف) والخزانة (2: 124). بدون نسبة فيهما.

([4]) من الرجز المقول على لسان الزباء. اللسان (صرف).

([5]) قطعة من بيت لعمران الكلبي في اللسان (صرف). وهو بتمامه:

أكنتم حسبتم ضربنا وجلادنا *** على الحجر أكل الزبد بالصرفان

([6]) البيت في المجمل واللسان (صرف).

([7])  لسلمة بن الخرشب الأنماري في المفضليات (1: 38). ونسب في اللسان (صرف) إلى الكلحبة اليربوعي.

([8]) المفضليات (2: 135) واللسان (صرم).

([9]) المفضليات (2: 135). واللسان (صرم).

([10])وكذا في ديوانه 66 ومعجم البلدان (أول). وفي اللسان: "ذي أرك"، تحريف.

([11]) في الأصل: "أرضها" وصوابه في المجمل.

([12]) أنشده المحبّي في جنى الجنتين 20.

([13]) للأغلب العجلي. وقد سبق الكلام عليه وعلى تخريجه في (رد 387).

([14]) الصراة: نهران ببغداد، الصراة الكبرى والصراة الصغرى. ياقوت.

([15]) في اللسان: "فهو بخير النظرين".

([16]) لابن مقبل في اللسان (صري). وصدره: *ليس الفؤاد براء أرضها أبداً*.

([17]) في الأصل: "حين".

([18]) التكملة من المجمل.

([19]) لامرئ القيس في معلقته. والبيت بتمامه:

كأن سراته لدى البيت قائماً *** مداك عروس أو صراية حنظل

([20]) أنشده في اللسان (صر) وإصلاح المنطق 45.

([21]) في ديوان الأعشى 52، واللسان (صرح): "كميتاً".

([22]) يعني قوله في ديوانه 85 واللسان (صرح):

إذا امتل يهوي قلت ظل طخاءة *** ذرى الريح  في أعقاب يوم مصرح

([23]) أنشده الكامل في المبرد 137 ليبسك. وبعده:

زينها الله في الفؤادِ كما  *** زين في عين والد ولد.

([24])  في الأصل: "الصردان يشرب وحده"، صوابه في المجمل واللسان (صرد). وشرب، هي شرب، بالبناء للمجهول سكن منه الراء للضرورة كقوله:  * لو عصر منه البان والمسك انعصر *.

([25]) أنشده في المجمل واللسان (صرط).

 

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله صاد)

فالذي جاء منه على القياس، الذي تقدَّم ذكره. [وأمَّا المنحوت] فقولهم (الصَّعْنب) الصَّغير الرّأس، فهذا مما زيدت فيه الباء، وأصله الصاد والعين والنون، وقد قلناه في الصِّعْوَنّ، ومضى تفسيره([1]).

ومن الباب: (اصْمَقَرَّ) اللَّبنُ، إذا اشتدَّتْ حُموضته. وهذا منحوتٌ من كلمتين. من صقر ومقر. أمَّا مقر فهو الحامض، ومن ذلك يقال سمكٌ ممقور. وأما صقر فمن الخُثورة، ولذلك سمِّيَ الدِّبْس صقراً، وقد مرَّ.

ومن ذلك قولهم: بعير (صلخد([2]))، أي صُلْب، فاللام فيه زائدة، وإنّما هو من صَخَدَ والصَّخْرَة الصَّيْخُود، وقد فسرناه.

ومن ذلك: (الصَِّلْقَم)، وهو الشديد العضّ. وهذه منحوتةٌ من كلمتين: من صَلَقَ ولَقَمَ، كأنّه يجعل الشَّيءَ كاللُّقمة. والصَّلْق من الأنياب الصَّلَقات، وقد مضى.

ومن ذلك: (الصِّرْداح) و(الصَّرْدَح)، وهي الناقةُ الصُّلْبَة. وهذا مما زِيدت فيه الدَّال. وأصله من الصَّرْح، وهو البناء العالي القويّ.

ومن ذلك كلمةٌ ذكرها ابن دريد([3])، وهي في القياس جيّدة صحيحة. قال: "ناقة صَيْلَخود: صُلْبة شديدة"، وقد فسرناها في الصَّلخد.

ومن ذلك (اصمَعَدَّ) الرَّجل: ذهب في الأرض. وهذا مما زيدت فيه الميم، وإِنَّما هو من أَصْعَد في الأرض، وقد فسَّرناه.

ومن ذلك (صَلْفَع) رأسَه، إِذا حلقه. والفاء فيه زائدة، وهو من الصَّلَع. وقال قومٌ: صلفَعَه، إِذا ضرب عنقَه. وهو قريبٌ، إلاَّ أنَّ الأوّل أَقْيَس.

ومن ذلك قول الأحمر: (صَلْمعتُ) الشيء، إذا قلعتَه من أصله. وقال الفرَّاء: صلْمَعَ رأسَه، إِذا حلق شعره. والميم في الكلمتين زائدة. ويقال إن *(الصَّلْمَعة) و(الصَّلْفعة): الإِفلاس. وهو القياس.

ومن ذلك (الصِّمْرِد): النّاقة القليلة اللَّبن، والميم فيه زائدة، وهو من صرد. وقد قلنا إنَّ التَّصريد: التَّقليل.

ومن ذلك (الصُّمَّلِك): الشديد القُوّة، والكاف فيه زائدة، والأصل الصُّمُلّ.

ومن الباب (الصَّهْصَلِق): الشَّديد الصَّوت الصَّخّاب. يقال امرأة صَهْصَلِق: صخّابة. وهذا منحوتٌ من كَلمتين: من صهل وصلق، وقد ذكرناهما. قال ابنُ أحمر:

صَهْصَلِق الصَّوت إذا ما غَدَتْ *** لم يَطْمَع الصَّقرُ  بها المنكدِرْ([4])

ومن ذلك (المصمئِلَّة): الدَّاهية. والأصل صَمَل، وقد مضى ذكره.

ومن ذلك (الصَّفاريت)، وهم الفُقَراء،  الواحد صِفْريت. قال ذو الرُّمّة:

* ولا خُورٍ صَفَارِيتِ([5]) *

والتاء فيه زائدة، وإنَّما هو الصِّفْر، وهو الخالي.

ومن ذلك (الصَّعْنَبة)، أي تَصَوْمُع الثَّريدة. والباء فيه زائدة، وهو من المُصْعَنّ([6]) والصِّعْوَنّ، وقد ذكرناه.

ومن ذلك (الصَّمْعَرةُ([7]))، وهو ما غلُظَ من الأرض. و(الصَّمْعَريّة) من الحيّات. الخبيثة. و(الصَّمعريُّ): اللئيم. وقياس هؤلاء الكلماتِ واحد، وهي منحوتةٌ من صَمَر ومَعَر. أمَّا صمر فاشتدّ. وأمَّا معر فقلّ نبته وخَيره. وقد ذُكِر في بابه.

ومن ذلك (الصِّمْلاَخ): خَرْق الأُذُن، واللام فيه زائدة، وإنّما هو الصِّماخ، وقد ذكرا. ومن ذلك (الصُّمَالخ): اللبن الخاثر المتلبِّد([8]). فهذا من صلخ وصمل. أمّا صمل فاشتدّ، وأمَّا صَلَخَ فمن الصَّمَم. فكأنَّ اللّبَن إِذا خثُر لم يكنْ له عند صبِّه صَوت.

ومن ذلك (الصِّقَعْل)، وهو التَّمر اليابس([9]). وهذا من الصَّقْل. والعين فيه زائدة، وذلك أنَّه إِذا يَبِسَ صار كالشَّيءِ الصَّقِيل([10]).

ومن ذلك (الصِّلْدمَة): الفَرَس الشَّديدة. وهذه من صَلَد وصَدَمَ. أمَّا الصَّلْد فالشَّديد، وهو من الصَّخْرة الصَّلْد. والصَّدْم من صَدْم الشّيء، وقد مرّ ذكره، فأمَّا (الصِّنْتِيت): وهو السيِّد، فمضى ذكرُهُ؛ لأنَّه من باب الإِبدال، وهو الصِّنْديد.

ومن ذلك (الصَّقْعب): الطّويل من الرِّجال. فهذا منحوتٌ من كلمتين من صَقَب وصَعَب. أما الصَّقْب فالطَّويل، والصَّعب من الصُّعوبة.

ومن ذلك (الصَّلْهب): الرَّجُل الطَّويل، فهذا معنيان: الإِبدال والزِّيادة. أمَّا الإِبدال فالصاد بدل السين، وهو السَّلْهَب. وإِذا كانت الهاء زائدة فهو من السَّلِب، وهو الطَّويل.

وأمَّا الذي وُضع وَضْعاً، وهو غيرُ منقاسٍ عندي، (فالصُّنْبُور) النَّخلة تبقى منفردةً ويَدِقُّ أسفلُها. والصُّنْبور: مَثْعَب الحوض. والصُّنبور: الرَّجل الفَرْد الذي لا ولدَ لـه ولا أخ. والصُّنْبور: القَصَبة التي تكون في الإداوة من حديد أو رَصاصٍ يُشرَب بها. وأمَّا (الصِّنَّبْر) وهو البرد الشديد، فالنون والباء فيه زائدتان، وهو من الصِّرّ.

ومما وُضِعَ وضعاً، ولعله أن يكون كالنَّبَز: (الصَّعافقة)، يقال الذين ليست معهم رؤوس أموال، يحضرون الأسواق فإذا اشترى واحدٌ شيئاً دخَلُوا معه فيه.

(تم كتاب الصاد)

ــــــــــــــــــ

([1]) مادة (صعن). ص 286.

([2]) يقال (صَلْخَد) و(صِلَخْد) و(صِلْخَدّ).

([3]) الجمهرة (3: 403).

([4]) في الأصل: "إذا ما عذب * لم يطمع الصفو"، صوابه في المجمل.

([5]) قطعة من بيت لذي الرُّمة في ملحقات ديوانه 663 واللسان (صفر). وهو بتمامه:

بفتية كسيوف الهند لا روع *** من الشباب ولا خور صفاريت.

([6]) في الأصل: "الصعن"، تحريف.

([7]) وكذا في المجمل. ولم تذكر في اللسان. وذكر في القاموس: "الصمعر".

([8]) في الأصل: "المتكبد"، صوابه في اللسان.

([9]) زاد في اللسان: "ينقع في المخض"،  وأنشد: * ترى لهم حول الصقعل عثيره  *.

([10]) في الأصل: "الصفقل".

 


كتاب الضاد:

ـ (باب الضاد في المضاعف [والمطابق])

(ضع) الضاد والعين في المضاعف أصلٌ واحدٌ صحيحٌ، يدلُّ على الخضوع والضَّعْفِ. يقال تضعضعَ، إِذا ذلَّ وخَضَع. قال أبو ذؤيب:

وتجلُّدِي للشَّامِتِين أرِيهِمُ *** أنِّي لرَيْبِ  الدَّهرِ لا أتضعضعُ([1])

وكلُّ ضعيفٍ ضَعْضَاعٌ، إِذا لم يكن ذا رأيٍ ولا قُوَّةٍ.

(ضغ) الضاد والغين ليس بشيء، ولا هو أصلاً يفرّع منه أو يقاس عليه، لكنَّهم يقولون: إنَّ الضَّغْضَغة: حِكايةُ أكلِ الذئبِ اللحْم. وقال الخليل: الضَّغْضَغة: لوك الدَّ‌رداء. ويقولون: الضَّغَّاغة([2]): الأحمق. والضغيغة: العجينُ *الرَّقيق. وأقاموا في عيشٍ ضغيغٍ، أي خَصيب. وليس هذا كلُّه بشيءٍ وإنْ ذُكِر.

(ضف) الضاد والفاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على أمرين: أحدهما الاجتماع، والآخر القِلة والضَّعف.

[فأمَّا الأوَّل فهو الضَّفف]، وهو اجتماع النَّاس على الشيءِ. ويقال ماء مضفوف، إذا كثُر عليه الناس. وطعامٌ مضفوف. وفي الحديث: "أنه عليه السلام لم يشبَع من خُبزٍ ولحم إلاَّ على ضَفَف". يراد بذلك كثرةُ الأيدي على الطَّعام. وقال في الماء:

لا يَسْتَقِي في النَّزَحِ المضفوفِ *** إلاَّ مُدَارَاتُ الغُروبِ الجُوفِ([3])

وجانبا النَّهْرِ: ضَفَّتَاهُ، لاجتماعهما عليه، قال الخليل: ناقةٌ ضَفوفٌ، أي كثيرةُ اللَّبنِ لا تُحلَبُ إلاَّ ضَفَّاً. والضَّفُّ: الحَلَب بالكفِّ كلِّها.

وأمّا الآخر فقولُهم: في رأيِ فلانٍ ضَفَفٌ، أي ضَعف. ولقيتُهُ على ضَفَفٍ، أي عَجَلةٍ لم أتمكَّنْ منه.

(ضك) الضاد والكاف أُصَيلٌ صحيح فيه كلمتان: امرأةٌ ضكضاكة ورجل ضكْضاكٌ، يراد به القِصَر واكتنازُ اللَّحم. والكلمة الأخرى: الضَّكْضَكة سُرعة المَشي.

(ضل) الضاد واللام أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على معنىً واحد، وهو ضَياع الشيء وذهابُهُ في غيرِ حَقِّه. يقال ضَلَّ يَضِلّ ويَضَلّ، لغتان. وكلُّ جائرٍ عن القصد ضالٌّ. والضَّلاَل والضَّلالَة بمعنى. ورجلٌ ضِلِّيل ومُضلَّل، إذا كان صاحبَ ضَلاَلٍ وباطل. وممّا يدُلُّ على أنّ أصل الضّلاَل ما ذكرناهُ، قولُهم أُضِلّ الميّتُ، إِذا دُفِنَ. وذاكَ كأنَّهُ شيءٌ قد ضاع. ويقولون: ضَلَّ اللَّبَنُ في الماءِ، ثم يقولون استُهْلِكَ. وقال في أُضِلَّ الميّت:

وآبَ مُضِلُّوهُ بعينٍ جَلِيَّةٍ *** وغودِرَ بالجَوْلان حَزمٌ ونائلُ([4])

قال ابنُ السكِّيت: يقال أَضلَلْتُ بعيري، إذا ذهبَ منك؛ وضللت المسجد والدَّارَ، إِذا لم تهتدِ لهما. وكذلك كلُّ شيءٍ مُقيمٍ لا يُهتَدَى لـه. ويقال: أرضٌ مَضِلّة ومَضَلّة. ووقعوا في وادي تُضَُـلِّلَ، إذا وَقعوا في مَضَِلَّة.

(ضم) الضاد والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على مُلاءَمةٍ بين شيئين. يقال ضَمَمت الشّيءَ إلى الشيء فأنا أضُمُّه ضمّاً. وهذه إِضْمامةٌ من خَيل، أي جماعة. وفرسٌ سَبّاق الأضاميم، أي الجماعات. وإِضمامةٌ من كُتُب مثل إِضْبارة.

ومن الباب: أسدٌ ضَمْضَم وضُماضِمٌ: يضمُّ كلَّ شيءٍ.

(ضن) الضاد والنون أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على بُخْلٍ بالشيء. يقال ضَنِنْتُ بالشّيءِ أَضَنُّ به ضَنّاً وضَنانةً، ورجلٌ ضَنين. وهذا عِلْقُ مَضَنَّةٍ ومَضِنّة، إذا كان نفيساً يُضَنُّ به. وفلانٌ ضِنِّي مِنْ بين إخواني، إذا كان النّفِيسَ الذي يُضَنُّ به. وربما قالوا ضَنَنْتُ بفتح النون.

(ضأ) الضاد والهمزة كلمة صحيحة، وهي الضِّئْضئُ، وهو الأصل. وفي الحديث: "يخرج من ضِئْضِئِ هذا قومٌ يمرُقون من الدِّين"([5]).

وأمَّا الضاد والحرف المعتل فهو يدلُّ على صِياحٍ وجَلَبَة. من ذلك الضَّوَّة والضَّوْضَاة([6]): أصوات النّاس وجَلَبَتهم. يقال ضَوْضَوْا بلا همز.

(ضب) الضاد والباء أصلٌ واحدٌ يدلُّ عُظْمُه على الاجتماع. قال أبو زيد: أَضَبَّ القومُ إضباباً، إذا تكلّموا جميعاً. ثمّ يُحْمَل على هذا الأصلِ أكثرُ البابِ. من ذلك ضَبَّة الحديد، والجمع ضَبَّات. والضَّبّ: الغِلُّ في القلب. وقد أَضَبَّ على غِلٍّ في صدره، إذا جَمَعَه في صدرهِ. ومنه الضَّبَاب، وهو الذي كأنَّه غبارٌ يجتمع فيَستُر. وهذا يومٌ مُضِبٌّ. وضَبِبَ البلدُ: كثُر ضَبابه.

ومن الباب: التَّضَبُّب، وهو السِّمَن. والضَّبِيبة: سمنٌ ورُبٌّ([7]) يُجمع بينهما، يقال ضَبِّبُوا لصبيِّكم. والضبُّ من دوابِّ الأرضِ معروف، وسمِّي لتجمُّع خَلْقِهِ ولحْمِه؛ والجمع ضِباب: وربَّما شبِّه الطَّلْع به. قال:

أطَافَ بِفُحَّالٍ كأنَّ ضِبابَهُ *** بُطونُ الموالي يومَ عِيدٍ تَغَدَّتِ

يقول: طَلْعُها ضخمٌ كأنَّه ضِبابٌ ممتلئة. ثم شَبَّه تلك الضِّبابَ ببطونِ موالٍ تغدَّوْا فتضَلَّعُوا. ويقال: وقَعْنا في مَضَابَّ مُنْكَرة، أي قِطَعٍ من الأرض كثيرة  الضِّباب. والضُّبَاضِب: الرّجل *القصير السمين. فأمَّا قولهم: ضبَّ النّاقة، فهو مِثل ضَفَّها([8]) إِذا حَلَبَها بالكفّ جميعاً. قال الكسائيّ: فَطَرت النّاقةَ أفطرُها، إذا حلبتَها بطرف أصابعك. وضَبَبْتُها أَضُبُّها ضبّاً، إذا حَلَبْتَها بالكفِّ كلِّها. قال الفرَّاء: هذا هو الضَّفُّ. فأمَّا الضَّبُّ فأنْ تجعل إِبهامك على الخِلْف وأصابعَك على الإبهامِ والخِلْف معاً.

ومما شذَّ عن هذا الأصل قولُهم: ناقةٌ ضَبَّاءُ وبعيرٌ أضبُّ، وهو وجعٌ يأخذهما في الفِرْسِن([9]). فأمَّا قولُهم: ضَبّت لِثَتُه دماً، وضبَّت يدُهُ إذا سالت دماً، فليس من هذا الباب، إنّما هو مقلوب من بَضَّ([10])، وقد مرَّ.

(ضج) الضاد والجيم أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على صِياحٍ بِضَجَر. من ذلك ضجَّ يضِجُّ ضجيجا، وضجَّ القوم ضِجَاجاً. قال أبو عبيد: أَضجَّ القوم إِضجاجاً، إذا جَلبُوا([11]) وصَاحُوا. فإِذا جزعوا من شيءٍ وغُلِبوا قيلَ ضَجُّوا. وقال: الضِّجَاج: المشاغَبة والمشارَّة. قال غيره، الضَّجُوج من الإِبل؛ التي تضجُّ إِذا حُلِبَت.

ومما شذَّ عن هذا الباب: الضَّجاج([12])، وهو خَرَز([13]).

(ضح) الضاد والحاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على رقَّةِ شيءٍ بعينه. من ذلك الضَّحضاح: الماء إلى الكَعبَين، سمِّي بذلك لرقّته. والضَّحضحة: تَرقرُقُ الشَّراب. ومنه الضِّحّ، وهو ضَوء الشَّمس إذا استمكَنَ من الأرض. وكان ابنُ الأعرابيِّ يقول:  هو لون الشَّمس. ويقولون: جاء فلانٌ بالضِّحِّ والرِّيح، يُراد به الكَثْرة، أي ما طلَعت عليه الشَّمس وما جَرَتْ عليه الرِّيح. قال: ولا يقال [الضِّيح([14])].

(ضخ) الضاد والخاء ليس بشيء. على أنَّهم يقولون: الضَّخّ: امتداد البَول. والمِضَخَّة: قَصَبةٌ يرمَى بها الماء فيمتدّ.

(ضد) الضاد والدال كلمتان متباينتان في القياس.

فالأولى: الضِّدّ ضِدّ الشيء. والمتضادّان: الشَّيئان لا يجوز اجتماعهما في وقتٍ واحد، كالليل والنَّهار.

والكلمةُ الأخرى الضَّدُّ،  وهو المَلْء، بفتح الضاد، يقال ضَدَّ القِربَة: ملأها، ضَدّاً.

(ضر) الضاد والراء ثلاثةُ أصول: الأوّل خلاف النَّفْع، والثاني: اجتماعُ الشَّيء، والثالث القوّة.

فالأوَّل الضَّرّ: ضدُّ النَّفْع. ويقال ضَرَّه يضُرُّه ضَرّاً. ثمَّ يحمل على هذا كلُّ ما جانَسَه أو قارَبَه. فالضُّرُّ: الهُزال. والضِّرّ: تزوُّج المرأة على ضَرَّة. يقال نكحَتْ فلانةُ على ضِرّ، أي على امرأةٍ كانت قَبْلَها. وقال الأصمعيّ: تزوّجَت المرأةُ على ضُرٍّ وضِرّ. قال: والإِضرار مثلُه، وهو رجلٌ مُضِرٌّ. والضَّرَّة: اسمٌ مشتقٌّ من الضَّرِّ، كأنَّها تضرُّ الأخرى كما تضرُّها تلك. واضطُرَّ فلانٌ إلى كذا، من الضرورة. ويقولون في الشِّعر "الضَّارُورة". قال ابنُ الدُّمينة:

أثيِبِي أخا ضارورةٍ أشفَقَ العِدَى *** عليه وقَلّت في الصديق مَعاذرُهْ([15])

والضَّرِير: المُضَارَّة. وأكثر ما يُستعمَل في الغَيْرة؛ يقال ما أشدَّ ضريره عليها. وشُبِّه الحَجَرانِ للرَّحَى بالضَّرَّتينِ فقيل لهما الضَّرَّتانِ. والضَّرِير: الذي به ضَرَرٌ من ذَهاب عَيْنِه. أو ضَنَى جِسْمِه.

وأمّا الأصلُ الثاني فَضَرَّة الضَّرع: لَحْمتُه. قال أبو عُبيد: الضَّرَّة: التي لا تخلو من اللَّبن. وسمِّيت بذلك لاجتماعِها. وضَرَّةُ الإبهام : اللحم المجتمع تحتَها. ومن الباب: المُضِرّ: الذي له ضَرَّةٌ من مال، وهو من صِفَة المال الكثير. قال:

بِحَسْبِكَ في القومِ أن يَعلموا *** بأنَّكَ فيهم غَنِيٌّ مُضِرّْ([16])

وأمّا الثالث فالضرير: قُوَّة النّفْس. ويقال: فلانٌ ذو ضرير على الشيء، إذا كان ذا صبرٍ عليه ومقاساة، في قول جرير:

* جُرأةً وضَرِيرا([17]) *

ويقال للفرس: أضرَّ على فأس اللِّجامِ، إذا أَزَم عليه.

(ضز) الضاد والزاء كلمةٌ واحدةٌ، وهي الضَّزز، وهو لُصوق الحنَك الأعلى بالأسفل؛ رجلٌ أَضَزُّ.

ـــــــــــــــــــ

([1]) ديوان أبي ذؤيب 3 والمفضليات (2: 222)، واللسان (ضعع).

([2]) هذا اللفظ مما انفرد به في المجمل والمقاييس.

([3]) الرجز في اللسان (ضفف).

([4]) البيت للنابغة، كما أسلفت في حواشي (جول).

([5]) في اللسان: "وفي الحديث أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقسم الغنائم فقال لـه: اعدل فإنك لم تعدل. فقال: يخرج من ضئضئ هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".

([6]) والضوضاء، بالهمز أيضاً.

([7]) في الأصل: "وربما"، تحريف. وفي المجمل: "والضبيبة: السمن والرب يجمع بينهما ويؤكل".

([8]) في الأصل: "ضبها" صوابه في المجمل.

([9]) في الأصل: " الفرس"، صوابه في المجمل.

([10]) في الأصل: "بضن".

([11]) يقال جلب، وأجلب، بالتشديد.

([12]) ضبطه في القاموس كسحاب، وفي المجمل بتشديد الجيم. وهذا اللفظ لم يرد في اللسان.

([13]) في القاموس: "خرزة".

([14]) التكملة من المجمل.

([15]) في الأصل: "أتتني"، صوابه في اللسان (ضرر) حيث ورد البيت بدون نسبة. ولم أجد البيت في ديوان ابن الدمينة.

([16]) البيت للأشعر الرقبان الأسدي، جاهلي، يهجو ابن عمه رضوان. اللسان (ضرر).

([17]) قطعة من بيت له في ديوانه 290 واللسان (ضرر). وهو بتمامه:

من كل جرشعة الهواجر زادها  *** بعد المفاوز جرأة وضريرا

 

 

ـ (باب الضاد والطاء وما يثلثهما)

(ضطر) الضاد والطاء والراء كلمةٌ تدلُّ على ضِخَم. ويقولون: ويكون مع ذلك لُؤم. وقال أبو عُبيد: الضَّيطر: العظيم، وجمعه ضَيطارُون وضَياطِرة. وأنشد:‏

تعرَّضَ ضَيطارُو فُعَالةَ دوننا *** وما خَير ضَيطارٍ يقلِّب* مِسْطَحَا(1)‏

ـــــــــــــــ

(1) البيت لمالك بن عوف النصري، كما سبق في حواشي (حمر، سطح)، وفعالة بالضم: كناية عن خزاعة.‏

 

ـ (باب الضاد والعين وما يثلثهما)

(ضعف) الضاد والعين والفاء أصلانِ متباينانِ، يدلُ أحدُهما على خلاف القُوَّة، ويدلُّ الآخر على أن يزاد الشَّيءُ مِثلَه.‏

فالأوَّل: الضَّعف والضُّعف، وهو خلاف القُوَّة. يقال ضَعُفَ يضعُف، ورجلٌ ضعيف وقوم ضُعفاءُ وضِعافٌ.‏

وأمَّا الأصل الآخَر فقال الخليل: أضعفت الشَّيءَ إِضعافاً، وضعَّفتُهُ تضعيفاً، وضاعْفتُهُ مُضاعَفة، وهو أن يُزادَ على أصل الشَّيء فيُجعلَ مثلين أو أكثر. قال غيره: المضعوف الشَّيء المضاعَف. قال أبو عمرو: المضعوف من أضعفْتُ الشَّيء. وذكر أبو عبيدٍ ذلك في باب أفعلتُهُ فهو مفعول. والمضاعَفَة: الدِّرع نُسِجَتْ حَلْقَتينِ.‏

(ضعو) الضاد والعين والواو كلمةٌ واحدةٌ، وهي الضَّعة: شجرة، حُذِفت واوُها؛ والجمع ضَعَوات. قال:‏

* متّخِذاً في ضَعَواتِ تَوْلجا(1) *‏

(ضعس) الضاد والعين والسين ليس بشيء. وذكر ابن دُريد أنهم يقولون للحريص النَّهم: ضَعْوَس(2).‏

ـــــــــــــ

(1) البيت لجرير في ديوانه 92 واللسان (ضعا) من رجز يهجو به البعيث المجاشعي.‏

(2) الجمهرة (3: 24) والكلمة لم تذكر في اللسان ولا في القاموس، وبدلها في اللسان: "الضَّعْرَس"، وفي القاموس: "الضَّغْرَس".‏

 

ـ (باب الضاد والغين وما يثلثهما)

(ضغت) الضاد والغين والتاء ليس بشيء([1]).

(ضغث) الضاد والغين والثاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على التباسِ الشَّيءِ بعضه ببعض. يقال للحالم: أَضْغَثْتَ الرُّؤيا. والأضغاث: الأحلام الملتبِسة. والضِّغْث: قُبضة([2]) [من([3])] قُضْبان أو حشيش، قال الخليل: أصلٌ واحدٌ. ويقال ناقة ضَغوثٌ، إِذا شَكَكْتَ في سِمَنِها فلمستَ أَبِها طِرْقٌ. والضَّغْثُ كالمَرْس.

(ضغب) الضاد والغين والباء ليس بأصل، بل هو بعضُ الأصوات. يقولون: إنَّ الضَّغيب تضوُّرُ الأرنب إذا أُخِذَت؛ ومثله: الضُّغَاب. والضَّاغب: الذي يختبئ في الخَمَر يفزِّعُ النَّاس.

(ضغم) الضاد والغين والميم أُصَيْلٌ واحد يدلُّ على العَضِّ. يقال: ضَغَمَه. ومنه اشتُقَّ الضَّيغم، وهو الأَسَد. قال أبو عُبيد: الضَّيْغَم الذي يَعَضُّ. والياء زائدة. وذكر ابنُ دُريد: الضُّغَامة: ما ضَغَمْتَه ولفظتَه.

(ضغن) الضاد والغين والنون أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تغطية شيءٍ في ميل واعوِجاج، ولا يدلُّ على خَير. من ذلك الضِّغْن والضَّغْن: الحِقْد. وفرسٌ ضاغن، إِذا كان لا يُعطِي ما عندهُ من الجري إلاّ بالضَّرب. ويقال ضَغِنَ صَدرُ فلانٍ ضِغْنَاً وضَغَناً. وقناةٌ ضَغِنةٌ: عَوجاء. ويقولون: ناقةٌ ذات ضِغْن، عند نزاعها إلى وطَنِها.

فأمَّا الخليل فقال: يقال للنَّحُوص([4]) إِذا وَحِمَتْ فاستعصَتْ على الجأْب: إِنَّها لَذَاتُ شَغْبٍ وضِغْن. ويقال ضَغَنَ فلانٌ إلى الدُّنيا: ركَنَ ومالَ. وضِغْنِي إلى فلانٍ، أي ميلي إِليه. والذي دلَّ على ما ذكرناهُ من تغطية الشيء قولُهم إنَّ الاضطغانَ الاشتمالُ بالثَّوب. قال:

* كأنَّه مضطغِنٌ صَبِيّاً([5]) *

ويقال اضطَغْنتُ الشَّيء تحت حِضْنِي. قال ابنُ مُقْبِل:

إذا اضطغَنْتُ سِلاحي عند مَغْرِضها   ومِرْفَقٍ كرِيَاسِ السَّيف إِذْ شَسَفا([6])

(ضغط) الضاد والغين والطاء أصلٌ صحيحٌ واحد يدلُّ على مُزاحَمَةٍ بِشِدة. يقال ضَغَطَهُ، إذا زَحَمَهُ إلى حائط. والضَّغِيط: بئرٌ تُحفَر إلى جنْبِها بئر أخرى فيقل ماؤها. والمَضَاغِط: أَرَضُونَ منخفِضة. وبعيرٌ بهِ ضاغط، وهو لُزوقُ العضُد بالجَنْبِ حَكاًّ حَتَّى يضغط ذلك بعضُهُ بعضاً ويتدلَّى جِلْدُه. قال أبو عبيدٍ: الضَّاغط والضَّبّ شيءٌ واحدٌ، وهو انفتاقٌ من الإِبط وكثرةٌ من اللَّحم. ويقال: اللَّهمَّ ارفَعْ عنَّا هذه الضَّغطة، يريدون الشدَّةَ والمشقّة. ويقال: أرسلْتُهُ ضاغِطاً على فلان، وهو شِبْه الرّقيبِ يمنعُهُ من الظُّلم.

(ضغز) الضاد والغين والزاء ليس بأصلٍ صحيح، إلاّ أن يأتي به شِعْر. غير أنَّ الخليل ذكر أنَّ الضِّغْز من السِّباع: السيّئ الخُلُق([7]). والله أعلم بالصواب.

ــــــــــــــــــ

([1]) في اللسان:"الضغت: اللوك بالأنياب والنواجذ". وحق هذه المادة واللتين بعدها أن تكون بين مادتي (ضغن) و(ضغط).

([2]) في الأصل وكذا في المجمل: "قضية"، صوابه في اللسان.

([3]) هذه الكلمة من المجمل واللسان.

([4]) النحوص: الأتان الوحشية. وفي الأصل: "النحوض"، صوابه  في المجمل واللسان.

([5]) نسبه في اللسان (ضغن 124)، إلى "العامرية". وقبله:

لقد رأيت رجلاً دهرياً  *** يمشي وراء القومِ سيتهيا

([6]) أنشده في اللسان (ضغن، رأس، شسف)، وقد سبق في (ريس).

([7]) أنشده في اللسان:

فيها الجريش وضغز ما بنى ضئزاً *** يأوي إلى رشف منها وتقليص

 

 


ـ (باب الضاد والفاء وما يثلثهما)

(*ضفن) الضاد والفاء والنون أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على رمْي الشَّيءِ بخفاء. والأصل فيه ضَفَنت بالرّجُل الأرضَ، إِذا رميتَه وضربتَ الأرض به. ومنه ضَفَن البعيرُ برِجْله: خبط بها. وضَفَن بغائِطِه: رمى به. وضَفَن الحِمْلَ على ناقته: حَمَله عليها. وضَفَنَه برِجْله: ضَربه. والقياس في ذلك كلِّه واحد.

ومن الباب: ضَفَنَ إلى القوم، إِذا لجَأَ إليهم فجلس عندهم. وهذا عندي مما ينبغي أن يزاد فيه وصْف، فيقال: "وهم لا يريدونه"، كأنَّه رمى بِنَفسِه عليهم. والدَّليل على هذا قولهم للطفيليّ الذي يجيء مع الضّيف: ضَيْفَن. وهذا فَيْعَل من ضَفَن. وقد سمعتُ ولم أسمعه من عالم، أنَّ الذي يجيء مع الضَّيفن الضَّيْفنَانُ([1])، ولا أدري كيف صحّتُه. والقِياس يُجيزه. قال في الضَّيْفَن:

إذا جاءَ ضيفٌ جاء للضَّيف ضيفنٌ *** فأودى بما يُقرَى الضُّيوفُ الضَّيافنُ([2])

ومن الباب الضِّفَنّ، وهو الأحمق مع عِظَم خَلْق.

(ضفو) الضاد والفاء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على سبوغ وتمام. يقال: ثوبٌ ضافٍ، وفرسٌ ضافي السَّبيب، إِذا كان شَعَر ذَنبه وافياً. وفلانٌ في ضَفْو وضَفْوةٍ من عَيْشِه. قال الأخطل([3]):

إذا الهَدَفُ المِعزالُ صَوَّبَ رأسَه *** وأعجبَه ضَفْوٌ من الثَّلّةِ الخُطْلِ([4])

الخُطْل: المُسترخية الآذان. ورجلٌ ضافي الرأس، أي كثير شَعَر الرأْس، قال:

* إذا استغَثْتَ بضافي الرَّأس نَعَّاق([5]) *

وضَفَْوَى: موضعٌ.

(ضفر) الضاد والفاء والراء أصلٌ صحيح، وهو ضمُّ الشَّيءِ إلى الشَّيءِ نسجاً أو غيره عريضاً. ومن الباب ضَفائِر الشّعَر، وهي كل شَعَر ضُفِر حتى يصيرَ ذُؤابة. ومن الباب قولُهم: تضافَرُوا عليه، أي تعاوَنُوا. وأصله عندي من ضفائر الشعر، وهو أن يتقاربوا حتى كأنَّ كلَّ واحدٍ منهم قد شدَّ ضفيرتَه بضفيرة الآخر. وهذا قِياسٌ حسَن في المساعدة والمظاهَرة وغيرهما. يقال إنَّ الضفِر: حِقْفٌ من الرّمل. والذي نحفظه في كتاب أبي عُبيدٍ العَقِدة والضَّفِرة الرمل المُنْعَقد. ويقال كِنانةٌ ضَفِرةٌ، أي ممتلئة. وأصلها من تَضافُرِ ما فيها من السِّهام، وهو تجمُّعها. والضَّفيرة،  هي التي يقال لها المُسَنّاة، وسمِّيت بذلك كأنما ضُفِرَتْ ضَفْراً، كالشَّيء يُضَمُّ بعضُهُ إلى بعضٍ نسجاً وغيرَه.

(ضفز) الضاد والفاء والزاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على دَفْعِ شيءٍ بشيءٍ تلقمه، ثمَّ يُحمَل على ذلك. من ذلك [الضَّفز] : لَقْم البعير. ويقال الضَّفَر: أن تُلقِمه إِيّاه وإن كرِهَه.  والعرب تقول ضَفزْتُهُ حقَّه فما قَبِلَه، أي إِنِّي أكرهتُه عليه. ومن الباب: ضفَزت الفرسَ لجامَه، أي أدخَلتُهُ في فيه. وقد يقال الضَّفْز: الجِماع، وهو قريب من الباب.

(ضفس) الضاد والفاء والسين ليس بشيء، إلاَّ أنَّ ابنَ دُريد ذكر أن الضَّفْس مثل الضَّفْز.

(ضفط) الضاد والفاء والطاء أُصَيلٌ يقولون إنّه صحيحٌ، وأَصلهُ الحُمق والجَفَاء. يقال للأحمق ضَفِيطٌ بيِّن الضَّفَاطة. ويقال: الضَّفَّاط: الذي يُكْرِي الإِبل. والضَّفَّاطة فيما يقال: الإِبل تحمل المتاع. وأحسب أنَّ البابَ كلُّه مما لا يعوَّل عليه.

(ضفع) الضاد والفاء والعين ليس بشيء. على أنَّ الخليل حكى ضَفَع: جَعس. والسلم([6]).

ــــــــــــــــ

([1]) لم يذكر هذا اللفظ في اللسان ولا في القاموس.

([2]) أنشده في اللسان (ضيف، ضفن) بدون نسبة.

([3]) سيأتي في (هدف).

([4]) كذا في الأصل. وفي المجمل: "الهذلي"، وهو الصواب؛ إذا البيت التالي لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 43 واللسان (هدف، عزل، ضفا) كما سبق في حواشي (خطل).

([5]) لتأبطَ شراً من القصيدة الأولى في المفضليات، ويروى أيضاً "نغاق" بالمعجمة وصدره:  * فذاك همي وغزوي أستغيث به *

([6]) كذا وردت هذه الكلمة في الاصل.

 


ـ (باب الضاد والكاف وما يثلثهما)

(ضكع) الضاد والكاف والعين فيه كلمةٌ لا قياسَ لها. يقال رجل ضَوْكَعةٌ، إِذا كان كثيرَ اللَّحم ثقيلاً.‏

(ضكل) الضاد والكاف واللام. يقولون: إنَّ الضَّيْكَل: العُرْيان.‏

 

ـ (باب الضاد واللام وما يثلثهما)

(ضلع) الضاد واللام والعين أصلٌ واحدٌ صحيح مطّرد، يدلُّ على ميل واعوجاج. فالضِّلَع: ضِلَعَ الإِنسان وغيرِهِ، سمِّيت بذلك للاعوجاج الذي فيها. ويقول القائل في وصف امرأة:

هي الضِّلع العوجاءُ لستَ تقيمها *** ألا إنّ تقويمَ الضُّلوع انكسارُها([1])

وقولهم: دابّةٌ ضليعٌ مُجْفَر الجَنْبَين، إِنّما هو عندي من قوّة الأضلاع، واستعير ذلك في كلِّ شيء، حتَّى قيل لكل قويٍّ: *ضليع. وفي حديث عمر لما صَارَعَ الجنّيّ فقال له: "إِنِّي من بينهم لَضليع([2])". والرُّمح الضَّلِع([3]): المائل. قال:

* فَليقُه أجردُ كالرُّمح الضَّلِع([4]) *

ومن الباب: ضَلَعَ فلانٌ عن الحقِّ: مال. ومنه قولهم: كلَّمت فلاناً فكان ضَلْعُكَ عليَّ، أي مَيْلك.

قال ابنُ السِّكّيت: ضَلعت تضلع، إِذا مِلْت، ويقولون في المثل: "لا تنقُش الشَّوكة بالشَّوكة؛ فإِنَّ ضَلْعَها معها".

وأمَّا قولهم: تضلَّعَ الرَّجُل: امتلأَ أكلاً، فهو من هذا، أي إنَّ الشّيءَ من كثرته ملأ أضلاعَه. وأمَّا قولهم حِمْلٌ مُضْلِع، أي ثقيل، فهو من هذا، أي إنّ ثقله يصل إلى أضلاعه. وفلانٌ مُضْطَلِعٌ بهذا الأمر، أي إِنّهُ تَقْوَى أضلاعُهُ على حملهِ. فأمَّا قولُ سُوَيد:

* سَعَةَ الأخلاقِ فينا والضَّلَعْ([5]) *

فأصله من هذا، يريد القوّة على الأمور. قال المفضَّل: الضَّلَع الاتِّساع. وقال الأصمعيّ: هو احتمال الثِّقَلِ والقُوّةِ.

ومن الباب، وهو يقوِّي هذا القياس، قولهم: [هم عليه([6])] ضَلْعٌ واحد، يعنى ميلَهُمْ عليه بالعداوة. والله أعلم بالصَّواب.

ــــــــــــــــ

([1]) البيت لحاجب بن دينار، كما في اللسان (ضلع).

([2]) في اللسان: "وفي الحديث أن عمر رضي الله عنه صارع جنياً فصرعه عمر ثم قال لـه: ما لذراعيك كأنهما ذراعا كلب؟ يستضعفه بذلك. فقال له الجني: أما إني منهم لضليع".

([3]) في الأصل: "الضليع"، صوابه في المجمل واللسان.

([4]) في الأصل: "فليلقها"، صوابه من إصلاح المنطق 321 واللسان (فلق).

([5]) صدره كما في المفضليات (1: 195)  واللسان (ضلع):

* كتب الرحمن والحمد لـه*

([6]) التكملة من المجمل.

 

ـ (باب الضاد والميم وما يثلثهما)

(ضمد) الضاد والميم والدَّال: أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على جمعٍ وتجمُّع. من ذلك ضَمَدت الشيءَ أَضْمِده، إِذا جَمَعتَه. والضِّمَاد: العِصابة، يقال ضَمَدت الجُرْح. ويقولون الضَّمْد، بسكون الميم: أن تتَّخذ المرأة صديقين. قال الهذلي:

تريدين كَيْمَا تَضْمُِدِيني وخالداً *** وهل يُجمَع السّيفانِ وَيْحَكِ في غِمْدِ([1])

ويقال شبعت الإبل من ضَمْد الأرض، إِذا شَبعت من الرَّطيب واليبيس، والقديم والحديث. قالوا: ويقول الرجل للغريم: أقضيك من ضَمْدِ هذه الغَنَم، أي من خِيارها ورُذَالها، وكبارها وصغارها. ومن الباب: أَضْمَدَ العرفجُ، إذا تَجوّفَتْه الخوصةُ ولم تَنْدُر منه، أي كانت في جوفه. وهو من هذا، كأنَّها جمعته في جوفها.

ومن الباب الضَّمَد، بفتح الميم، وهو الغَيظ يُجمَع في الصدر ولا يُزاح فيخفّ. قال النابغة:

ومَنْ عَصاكَ فعاقِبْهُ مُعاقبةً *** تَنهى الظَّلومُ ولا تقْعُدْ  على ضَمَدِ([2])

يقال ضَمِدَ يَضْمَدْ ضَمَداً. قال أبو بكر([3]):  وفصَل قومٌ بين الغَيظِ والضَّمَد. فقالوا: الضَّمد: أن يغتاظ على من لا يقدر عليه والغيظ أن يغتاظ على من يقدر عليه ومن لا. واحتجُّوا بقول النابغة. والقِياس في هذه الكلمات واحد. ويقال الضَّمَد، بفتح الميم: الغابر من الحقّ. يقال لنا عند فلان ضَمَدٌ، أي غابر حقٍّ،  من مَعْقُلةٍ أو دين. وأصله شيءٌ قد تجمَّع عندهم وبقي.

(ضمر) الضاد والميم والراء أصلان صحيحان: أحدهما يدلُّ على دقّةٍ في الشَّيء، والآخر يدلُّ على غَيبةٍ وتستُّر.

فالأوّل قولهم: ضَمَرَ الفرس وغيرُهُ ضموراً، وذلك من خِفّة اللَّحمِ، وقد يكون من الهُزَال. ويقال للموضع الذي تُضمَّر فيه الخيل: المِضْمَار. ورجل ضَمْرٌ: خفيف الجسم. واللؤلؤ المضْطمِر: الذي في وسطهِ بعضُ الانضمام والانضمار([4]).

والآخر الضِّمَار، وهو المال الغائب الذي لا يُرجَى. وكلُّ شيءٍ غابَ عنك فلا تكونُ منهُ عَلَى ثقَةٍ فهو ضِمَارٌ. [قال الشاعر]([5]):

وأَنْضَاءٍ أُنِخْنَ إلى سعيد *** طُروقاً ثم عَجَّلْنَ ابتكارَا

حمِدْنَ مَزارَهُ وأَصَبْنَ منه *** عطاءً لم يكن عِدَةً ضِمارا

ومن هذا الباب: أَضْمَرتُ([6]) في ضميري شيئاً؛ لأنَّه يُغيِّبه في قلبه وصدره.

(ضمز) الضاد والميم والزاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على إمساكٍ في كلام أو إِمساكٍ على شيءٍ بفم وما أشبَهَ ذلك. من ذلك ضَمَز البَعِيرُ: أَمسك عن الجِرّة. والضَّامِز: السّاكت. وقال بشر:

وقد ضَمَزَتْ بِجِرّتها سُلَيْمٌ *** مخافتَنا كما ضَمَزَ الحِمارُ([7])

والضَّمْز: ضرب من الأكل، لأنَّه إِذا أكل أمسَكَ عليه في فمه.  وضَمَز فلانٌ على مالي، أي لزمه([8]).

ومما شذَّ عن هذا الأصل: الضَّمْزَة: الأَكَمة الخاشعة، والجمع ضَمْزٌ.

(ضمس) الضاد والميم والسين ليس بشيء. وذكر ابن دريد كلمةً إن صحَّت فهي من باب الإِبدال. قال([9]): الضَّمْس: المَضْغ. فإن كان كذا *فهو من الضَّمْز.

(ضمن) الضاد والميم والنون أصلٌ صحيح، وهو جَعْل الشَّيء في شيءٍ يحويه. من ذلك قولهم: ضمَّنت [الشيء]، إِذا جعلته في وعائه. والكَفَالة تسمَّى ضَمَاناً من هذا؛ لأنَّه كأنَّه إذا ضمِنَه فقد استوعَبَ ذمّته. والمَضَامِين: ما في بطون الحوامل. ومنه الحديث أنَّه نهى عن المَلاقيح والمَضامين. وذلك أنَّهم كانوا يبيعون الحَبَل([10])، فنَهَى عن ذلك. وأما قولـه: "لكم الضَّامِنة من النَّخْل"، فإنَّه يريد ما تضمّنَتْه قُراهم. فهذا الباب مطّرد.

وأمَّا الضَّمانة، وهي الزَّمانة. والضَّمِن: الزَّمِن، فإنَّهُ عندي من باب الإبدال كأنَّ الضاد مبدلة من زاي. وفي الحديث: "مَنْ اكتتب ضَمِناً بعثَهُ الله تعالى  ضَمِناً"، أي من كتب نفسه من الزَّمْنَى.

(ضمج) الضاد والميم والجيم ليس بشيء، وكذلك ما أشبهه. فأمَّا الضَّمْخ بالخاء فصحيح. يقال تضمَّخ بالطِّيب، وهو متضمِّخ.

ــــــــــــــــ

([1]) لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 159 واللسان (ضمد).

([2]) البيت في ديوانه 22 واللسان (ضمد).

([3]) أبو بكر بن دريد في الجمهرة (2: 276).

([4]) في الأصل: "الإضمار".

([5]) التكملة من المجمل. والبيتان للراعي في اللسان (ضمر).

([6]) في الأصل: "ضمرت" صوابه في اللسان.

([7]) البيت منسوب إلى بشر بن أبي خازم في المفضليات (2: 142)، لكنه نُسِب في اللسان أيضاً إلى ابن مقبل، وهذه النسبة الأخيرة غير صحيحة.

([8]) في المجمل: "إذا جمد عليه ولزمه".

([9]) في الجمهرة: (3: 24).

([10]) الحبل والحمل بمعنى، وهو اسم لما تحمل المرأة. قال:

ذا جرأة تسقط الأحبال رهبته *** مهما يكن من مسام مكره يسم.

 

 


ـ (باب الضّاد والنون وما يثلثهما)

(ضني) الضاد والنون والحرف المعتل أصلان صحيحان: أحدهما يدلُّ على مرضٍ، والآخر يتردَّد بين مهموزٍ وغيره، ويدلُّ ذلك على شيئين: إمَّا أصلٍ وإِمَّا نِتاج، والأصل والنِّتاج متقارِبان.‏

فالأوّل الضَّنَى في المرض، يقال ضَنِيَ يَضْنَى ضَنَىً شديداً، إِذا كانَ به داءٌ مُخامِر، كلَّما ظنَّ أنَّه قد بَرَأَ نُكِس. وأَضْنَاهُ المرضُ يُضْنيه.‏

وأمَّا الآخر فيقال ضَنَأتِ المرأة ضَنْأً، وهي ضانئة، وأضنأت إذا كثُر ولدها. والضِّنء: الأصل والمعدِن. وفلانٌ من ضِنْءِ صِدق. وأضنأ القومُ، إِذا كثُرت ماشيتُهم. وضَنَأ المالُ: كثر.‏

وأخبرَنا علي بن إبراهيمَ، عن عليّ بن عبد العزيز، عن أبي عمرو: الضَّنْو الولد ويقال الضِّنو. قال الأمويّ عن أبي المفضّل من بني سلامة: الضَّنْو الولد بالفتح، والضِّنْء: الأصل، مهموز.‏

ومما شذَّ عن هذا كله: أَضْنَأَ فلانٌ من كذا، استحيا منه.‏

(ضنط) الضاد والنون والطاء، يقولون فيه إنَّ الضِّنَاط: الزِّحام الكثير.‏

(ضنك) الضاد والنون والكاف أصلان صحيحان وإن قلَّ فروعُهما فالأوّل الضِّيق، والآخر مرضٌ.‏

فالأوَّل الضَّنْك: الضِّيق. ومن الباب امرأةٌ ضِناكٌ: مكتنِزة اللحم، إذا اكتنَزَ تَضَاغَطَ.‏

والأصل الآخر المضنوك: المزكوم. والضُّنَاك الزُّكام. والله أعلم.‏

 

ـ (باب الضاد والهاء وما يثلثهما)

(ضهي) الضاد والهاء والياء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على مشابهة شيءٍ لشيء([1]). يقال ضاهاه يُضاهِيهِ، إِذا شاكَلَهُ؛ وربما هُمِزَ فقيل يُضاهِئُ. والمرأة الضَّهْياء، هي التي لا تَحِيض؛ فيجوز على تمحُّلٍ واستكراه، أن يقال كأنَّها قد ضاهت الرِّجالَ فلم تَحِضْ.

(ضهب) الضاد والهاء والباء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على شَيءٍ وما أشبَه ذلك. فمن ذلك اللحم المضَهَّب: الذي يُشْوَى. وقال قومٌ: هو الذي يُشوى ولا يُنضَج. وقال امرؤ القيس:

نَمُشُّ بأعرافِ الجِيادِ أكفَّنا *** إِذا نحن قُمنا عن شواءٍ مُضَهَّبِ([2])

وقالوا: الضَّيْهَب: المكان يُحمَى ليُشوَى عليه اللحم. وقال قومٌ: اللحم المضهّب: المقطّع. وليس هذا بشيء إلاَّ أن يكونَ مقطعاً مشويّاً؛ لأن القياس كذا هو. تقول: ضهّبت القَوْسَ [و] الرُّمح بالنار عند التَّثقيف([3]).

(ضهر) الضاد والهاء والراء ليس بشيء، ولا فيه شاهدُ شعرٍ، لكنهم يقولون: إنَّ الضَّهْرَ: خِلْقَةٌ في الجبل من صخرٍ يخالف جِبِلّته.

(ضهس) الضاد والهاء والسين ليس بشيء. على أنَّ ابنَ دُرَيد([4]) ذكر أن العضَّ بمقدَّم الفم يسمى ضَهْساً، يقال منه ضَهَسَ ضَهْساً. قال: وفي الدُّعاء على الإنسان: "لا تأكُل [إلاّ]  ضاهساً ولا تشربُْ إلاَّ قارساً"، أي إنَّه لا يأكل ما يتكلَّف مضغَه، إِنَّما يَأكل النَّزْر من نبات الأرض. والقارس: البارد، أي لا يشرب إلاّ الماء.

(ضهل) الضاد والهاء واللام * أصلان صحيحان، أحدُهما يدلُّ على قِلّةٍ والآخر على أوبةٍ.

فالأوّل: ضَهَلَت الناقةُ إِذا قلَّ لبنُها. وهي ناقة ضَهُولٌ. وعينٌ ضاهلة: قليلة الماءِ. وفي حديث يحيى بن يَعمر: "إنْ سَأَلَتْكَ ثمنَ شَكْرها وشَبْرِك أنشأتَ تَطُلُّها وتَضْهَلُها". ومن الباب ضَهَلَ الشّرابُ: قلَّ ورقّ.

والأصل الآخر: هل ضَهَل إليكم خَبرٌ، أي عادَ. قال الأصمعي: ضَهَلْتُ إلى فلان: رجعت على وجه المقاتَلة والمغالبة.

وممّا شذَّ عن البابين: أضْهَلَت النّخلةُ: أرطبَتْ.

(ضهد) الضاد والهاء والدال كلمةٌ واحدةٌ. ضَهَدْتُ فلاناً: قهرتُهُ، فهو مضْطَهَدٌ ومضْهُودٌ.

ــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "بشيء".

([2]) ديوان امرئ القيس 88 واللسان (ضهب).

([3]) في المجمل: "ضهبت القوس بالنار والرمح، إذا عرضتهما عليها عند التثقيف".

([4]) في الجمهرة: (3: 25).

 

ـ (باب الضّاد والواو وما يثلثهما)

(ضوأ) الضاد والواو والهمزة أصلٌ صحيح، يدلُّ على نورٍ. من ذلك الضَّوء والضُّوء بمعنىً، وهو الضِّياء والنُّور. قال الله تعالى: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ ما حَوْلَهُ} [البقرة 17]. قال أبو عبيد: أَضاءَت النَّارُ وأضاءت غيرَها. وأنشد:

أضاءَت لنا النَّار وجهاً أغـ  *** ـرَّ ملتبِساً بالفؤاد التباسا([1])

(ضوي) الضاد والواو والياء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على هُزَالٍ. يقال غُلامٌ ضاوِيٌّ: مهزول؛ وزنه فاعول. وجاريةٌ ضاوِيّة. وكانت العرب تقول: إذا تقارَبَ نسبُ الأبوين خرج الولدُ ضاويّاً. وجاء في الحديث: "اسْتَغْرِبُوا لا تُضْوُوا([2])". وقال ذو الرُّمَّة:

أخوها أبوها والضَّوَى لا يَضِيرُها *** وساقُ أَبِيها أمُّها عُقِرَتْ عَقْرَا([3])

يقال منه ضَوِيَ يَضْوَى ضَوَىً.

وممّا حُمِلَ على هذا قولُهم: أضويتُ الأمرَ، إذا لم تُحْكِمْه. ويقال: أضوَيْتُهُ إِذا انتقَصتَه([4]) واستضعفته. قال:

* وكيف أضَوَى وبلالٌ حِزْبِي([5]) *

فأمَّا الضَّواة فشيءٌ يقال إنَّه يخرجُ مِنْ حَياء النّاقة قبل أن يخرُجَ الولَد. ويقال الضَّوَاة: ورمٌ يُصِيبُ البعيرَ في رأسه. قال:

* فصارت ضَواةً في لهازِم ضرْزِمِ([6]) *

ومما شذَّ عن هذا الباب: ضَوَيت إليه أضوِي ضُوِيّاً وأوَيت بمعنىً. ويجوز أن يكون من الإِبدال، أن يقام الضَّاد مقام الهمزة.

(ضوج([7])) الضاد والواو والجيم حرف واحد، وهو الضَّوْج: مُنعَطَف الوادي، وجمعه أضواج.

(ضوع) الضاد والواو والعين كلمةٌ واحدة تتفرّع، وهي تدلُّ على التحريك والإِزعاج. يقال ضَاعَني لك الشيءُ يَضُوعُني، إذا حرَّكني. قال:

* ولكنها ريحُ الدِّماء تَضُوعُ([8]) *

وتضوّعَتْ رائحتهُ: نَفَحَتْ. قال:

تَضَوَّعَ مِسكاً بطنُ نَعْمَانَ أنْ مشت *** به زينبٌ في نسوةٍ عَطِرَاتِ([9])

وضَاعَت الرِّيحُ الغُصنَ: ميَّلَتْه. وقال قوم: هذا الأمر لا يَضُوعُني، أي لا يُثْقِلُني، والأقيس أن يقال لا يُحَرِّكُ منِّي ولا أعبأ به. ويقال ضاع يضوع ويَنْضَاع، إذا تضّور. قال:

فُرَيْخَانِ ينضاعانِ بالفجرِ كلَّما *** أحسَّا دَوِيَّ الرِّيح أو صوتَ ناعبِ([10])

قال أبو عبيد عن أبي عمرو: ضاعني الشّيء: أَفْزَعَنِي. وهذا صحيحٌ؛ لأنَّ الفزع يُزْعِجُهُ ويُقْلِقُهُ.

(ضون) الضاد والواو والنون ليس بشيء. لكنهم يقولون: إنَّ الضَّيْونَ دُوَيْبَّة تشبه السِّنَّوْر.

(ضوض) الضاد والواو والضاد، الضَّوْضاة قد مضى ذِكْرُهُ([11])، والأصل مُضَاعَف.

(ضوط) الضاد والواو والطاء كلمةٌ واحدةٌ، وهي الضَّوِيطة. يقال للعجين إِذا كثُر ماؤُه حتَّى يسترخِيَ: الضَّويطة.

(ضور) الضاد والواو والراء أُصَيْلٌ صحيح وفيه بعض الإِبدال. فالتضوُّر: الصِّياح والتلوِّي عند الضَّرب. ويقال هو التقلُّب ظهراً لبَطن. ويقال الضَّوْر: الجُوع الشديد.

وأمّا الإِبدال فقال الكسائي: لا يَضُورني كذا، بمنزلة لا يَضِيرني. ورجل ضُورَة: ذليل، من هذا.

(ضوز) الضاد والواو والزاء أصلان صحيحان، أحدهما نوعٌ من الأكل، والآخر دالٌّ على اعوجاج.

فالأول ضازَ التَّمْر يَضُوزُهُ ضَوزاً، إِذا أكله بِجَفاء وشِدّة. قال:

فظَلَّ يضُوز التّمر والتّمرُ ناقعٌ *** بوَردٍ كلون الأرجوانِ سَبائِبُه([12])

قال ابنُ دُريد: هو * أن يأخذ التَّمرة في فمه حتّى تلين. ومعنى البيت هو أن يأخذ الدِّية تَمْراً بدلاً عن الدم الذي لونُهُ لونُ الأُرجوان.

والأصل الآخر: القِسمةُ الضِّيزَى.([13])

(ضوب) الضاد والواو والباء شيءٌ يقال ما أدري ما صحّتُه. الضُّوَبانُ: الجَمَل القويّ، ويقال بل الضوبان كاهل البعير.

ــــــــــــــــ

([1]) البيت للنابغة الجعدي في اللسان (ضوأ) وشروح سقط الزند 646.

([2]) وكذا في المجمل. ويروى: "اغتربوا".

([3]) ديوان ذي الرُّمة 175 واللسان (ضوا).

([4]) في الأصل: "انتضته".

([5]) لرؤبة في ديوانه 16 برواية "ولست أضوى"، من أرجوزة يمدح بها بلال بن أبي بردة.

([6]) صدره في اللسان (ضوا): * قذيفة شيطان رجيم رمى بها *.

([7]) وردت هذه المادة وسائر مفرداتها بالحاء، صوابها  الجيم.

([8]) البيت لبشار كما في حماسة ابن الشجري 113. وصدره كما في شروح سقط الزند 700، 708، 857:

* وأسيافكم مسك محل أكفكم  *

وفي الحماسة                * وبيض بها مسك لمس أكفهم  *

([9]) البيت لعبد الله بن نمير الثقفي، كما في اللسان (ضوع)، وإصلاح المنطق 287، والحماسة بشرح المرزوقي 1289.

([10]) لأبي ذؤيب الهذلي في اللسان (ضوع) وإصلاح المنطق 287، وليس في ديوانه.

([11]) في نهاية مادة (ضأ).

([12])البيت بدون نسبة أيضاً في اللسان (ضوز)، والجمهرة (3: 4).

([13]) زاد في المجمل: "الجائرة".

 

ـ (باب الضاد والياء وما يثلثهما)

(ضيل) الضاد والياء واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على نَباتٍ معروف. من ذلك الضَّالُ: السِّدْرُ البَرّيّ.الواحدة ضالة. قال الفرَّاء: أَضَالَت الأرض، وأضْيَلَت، إِذا صارَ فيها الضَّالُ. ويقال إنَّ الضَّالَةَ: بُرَة النّاقة. قال ابنُ ميّادة:

قطعتُ بمِصلالِ الخِشاشِ يردُّها  *** على الكَرْهِ منها ضالةٌ وجديلُ([1])

(ضيح) الضاد والياء والحاء أُصَيلٌ صحيح، وهو اللَّبن الممزوج، وهو الضَّيَاح. يقال ضِحت اللّبن ضَيْحا، وضَيَّحت أكثَر.

(ضير) الضاد والياء والراء كلمةٌ واحدةٌ، وهو من الضَّير والمضَرَّة. ولا يَضِيرني كذا، أي لا يضرُّني. قال الله تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضِرْكُم كيدُهم شيئاً([2])}  [آل عمران 120].

(ضيز) الضاد والياء والزاء قد مضى ذكره، وأصله فيما يقال الواو. وقد قيل إنَّه من بَنات الياء، فلذلك ذكرناه هاهنا. فالقِسمة الضّيزى: النّاقصة. يقال ضِزْته حقَّه، إِذا منعتَه. وحكى ناس ضَأَزَه، مهموز. وأنشدوا:

* فَحَقُّكَ مَضْؤوزٌ وأنفُكَ راغمُ([3]) *

ليس في الباب غيرُ هذا.

(ضيع) الضاد والياء والعين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على فَوت الشّيء وذَهابِه وهلاكه. يقال ضاعَ الشَّيءُ يَضيعُ ضَياعاً وضَيْعَةً، وأَضَعْتُهُ أنا إضاعة. فأمّا تسميتُهم العَقَار ضيعة فما أحسَبُها من اللُّغة الأَصِيلة([4])، وأظنّهُ من مُحْدَث الكلام. وسمعت من يقول: إنَّما سمِّيت بذلك لأنَّها إذا تُرِكَ تعهُّدِها ضاعت.

فإن كان كذا فهو دليلُ ما قلناهُ أنَّه من الكلام المحْدَث. ويقال أَضَاعَ فهو مُضِيعٌ، إِذا كثُر ضِياعُهُ. فأمَّا قول الشَّماخ:

* أعائِشَُ ما لأهلكِ لا أُراهم([5]) *

وبقيت كلمة ليست من الباب وهي من باب الإبدال، حكى ابنُ السِّكيت: تضيَّعت الرِّيح، مثلُ تضوَّعت.

(ضيف) الضاد والياء والفاء أصلٌ واحدٌ صحيح، يدلُّ على مَيل الشيء إلى الشيء. يقال أَضَفْتُ الشَّيءَ إلى الشَّيء: أمَلْتهُ. وضافت الشمس تَضِيف: مالت؛ وكذلك تضيَّفَتْ، إذا مالت للغروب. وفي الحديث: "أنَّه نَهى عن الصَّلاة إِذا تضيَّفت الشَّمسُ للغروب". وقال امرؤ القيس:

فلمّا دخَلْناه أضفْنا ظُهُورَنا  *** إلى كلِّ حاريٍّ جديدٍ مشَطَّبِ([6])

أي أَسْنَدْنا ظهورَنا. ويقال ضَافَ السَّهم عن الهدف يَضِيف. قال أبو زُبيد:

كلَّ يومٍ ترميهِ منها برِشْق *** فمصيبٌ أو ضافَ غيرَ بعيدِ([7])

والضَّيف منْ هذا، يقال ضِفْتُ الرَّجُل: تعرَّضْت لـه ليَضِيفَني. وأَضَفْتُهُ: أنْزلتُه عليَّ. ويقال ضَيَّفْته مثل أضفْتُهُ، إذا أنزلتَه بك. وفلانٌ يتضيَّفُ النّاسَ، إذا كان يتّبعهم ليُضِيفوه. وهو قولُ الفرزدق:

* وَمَنْ هو يرجو فَضْلَهُ المتضيِّفُ([8])*

والضَّيف يكون واحداً وجمعاً. ويقال أيضاً أضياف وضِيفانٌ. ويقال لناحية الوادي ضِيفٌ، وهما ضِيفانِ. وتَضايَفنا الوادِيَ: أتيناه من ضِيفيه([9]). وكذلك تَضَايَفَ الكلابُ [الصَّيدَ ([10])]، إذا أتوه من جوانبه([11]). قال:

* رِيمٌ تضايَفَهُ كلابٌ أَخْضَعُ([12]) *

والمضاف:  الذي قد أُحِيط به في الحرب. قال:

ويَحمِي المضافَ إِذا ما دعا *** إذا فَرَّ ذو اللِّمّة الفَيْلَمُ([13])

وهو من هذا القِياس. ويقال تضَيَّفُوه، إذا اجتمعوا عليه من جوانبه. قال:

* إذا تضيَّفْن عليه انسلاَّ([14]) *

فأمَّا قول القائل:

لَقىً حملتْه أمُّهُ وهي ضَيفةٌ *** فجاءت بِنَزٍّ للنَّزَالةِ أَرْشَمَا([15])

فهي الضَّيفةُ المعروفة من الضِّيافة. وقال قومٌ: ضافت المرأة: حاضت. وهذا ليس بشيء، ولا مما هو يدلُّ عليه قِياسٌ، ولا وجهَ للشُّغْل به.

فأمَّا قولهم أضاف من الشيء، إذا أشفقَ منه، فيجوز أن يكون شاذّاً عن الأصل الذي ذكرناه*، ويمكن أن يتَمَحَّل([16]) لـه بأن يقال أضاف من الشيء، إِذا أشفق منه، كأنَّه صار في الضِّيف، وهو الجانب، أي لم يتوسَّط إِشفاقاً. وهو بعيد، والأولى عندي أن يقال إنَّه شاذّ. والكلمة مشهورة. قال:

* وكانَ النَّكيرُ أن تُضيفَ وتجأرا([17]) *

وقال الهذليّ([18]):               * إذا يغزو تُضِيفُ ([19]) *

أي تشفِق. قال أبو سعيد: ضاف الهمُّ، إِذا نَزَلَ بصاحبه. والقياس أنَّه إذا نزل به فقد مال نحوه.

(ضيق) الضاد والياء والقاف كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على خلافِ السَّعة، وذلك هو الضِّيق والضَِّيقة: الفَقْر. يقال أضاق الرّجلُ: ذهب مالُهُ. وضاقَ، إِذا بخل. وشيءٌ ضَيْقٌ، أي ضَيِّق. والباب كلُّه قياس واحد. فأما قول القائل:

* بضيقَةَ بينَ النَّجْمِ والدّبَرانِ([20]) *

فيقال إنَّ الضِّيقة منزلٌ في منازل القمر. قال أبو عمرو: الضِّيقة هاهنا من الضِّيق.

(ضيك) الضاد والياء والكاف كلمةٌ لا تتفرَّع. يقولون الضَّيَكانُ: مشْي الرَّجُل الكثيرِ لحمِ الفخِذين، فهو ربما يتفحَّج. ويقال هذه إِبلٌ تَضِيك، أي تفرّج أفخاذها من عِظَم ضُروعها.

(ضيم) الضاد والياء والميم أصلٌ صحيحٌ، وهو كالقهر والاضطهاد. يقال ضامه يَضِيمُهُ ضَيْماً. فهو اسمٌ ومصدر. والرجل المَضِيم: المظلوم. وبقيت في الباب. كلمةٌ واحدةٌ، يقال إنَّ الضِّيم، بكسر الضاد: جانب الجبل. قال الهذَليّ([21]):

 

- (باب الضاد والهمزة وما يثلثهما)

(ضأد) الضاد والهمزة والدال أُصَيلٌ قليل الفُروع، يدلُّ على مَرض من الأمراض. قالوا: الضُّؤْد: الزكام، وكذلك الضُّؤْدَة. رجلٌ مَضْؤُود، أي مزكوم. وحُكِيت كلمةٌ أخرى عن أبي زيد، إنْ صحّت، قالوا: ضَأَدْت الرَّجُل ضأداً، إذا خَصمتَه.

(ضأل) الضاد والهمزة واللام أُصَيْلٌ  يدلُّ على ضَعف ودِقَّةٍ في جسم. من ذلك الضَّئيل، وهو الضَّعيف. والفعل منه ضَؤُل يَضْؤُل. ورجل ضُؤَلَةٌ: ضعيف. والضَّئيلة: الحيَّة الدَّقيقة.

(ضأن) الضاد والهمزة والنون أُصَيلٌ صحيح، وهو بعض الأنعام. من ذلك الضأن. يقال أَضْأَنَ الرجلُ، إِذا كَثُرَ ضأنُهُ. والضائنة الواحدة من الضأن. وحكى بعضُهم: فلانٌ ضائن البطنِ: مسترخِيهِ.

ـــــــــــــــــ

([1]) أنشده في اللسان (ضيل).

([2]) من الآية 120 في سورة آل عمران. وهذه قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو ويعقوب، ووافقهم ابن محيصن واليزيدي. وقراءة الباقين: (لايَضُرُّكم). إتحاف فضلاء البشر 178.

([3]) صدره كما في اللسان (ضأز):  * إن تنأَ عنا ننتقصك وإن تقم *.

([4]) في الأصل: "الأصلية"، وليس يقولها.

([5]) كذا ورد الكلام مبتوراً. ويستشهدون بهذين البيتين للشماخ:

أعائشَُ ما لأهلكِ لا أراهم *** يُضِيعون السوام مع المُضيعِ

وكيف يُضِيعُ صاحبَ مدفآتٍ *** على أثباجهنَّ من الصَّقيعِ

ولعل بقية الكلام بعدهما عند ابن فارس: "فهذا من الإضاعة بمعنى التضييع".

([6])ديوان امرئ القيس 88 واللسان (ضيف).

([7]) سبق البيت وتخريجه في (رشق، صيف).

([8]) صدره في ديوانه 560:

* وجدت الثرى فينا إذا يبس الثرى *

وفي اللسان (ضيف) كذلك. ومرة أخرى: * ومنا خطيب لا يعاب وقائل *.

([9]) في الأصل: "ضيفه"، وأثبت ما في المجمل.

([10])  التكملة من المجمل.

([11]) جعل للكلاب ضمير العاقل.

([12]) لمتمم بن نويرة في المفضليات: (1: 94) وصدره: * وكأنَّه فوت الجوالب جابئا *

([13]) للبريق الهذلي في اللسان (ضيف، فلم)، من قصيدة في بقية أشعار الهذليين 22 وشرح السكري للهذليين 110 وسيأتي في (فلم).

([14]) قبله في اللسان (ضيف): * يتبعن عوداً يشتكي الأظلا *.

([15]) للبعيث يهجو جريراً، كما سبق في (رشم) حيث تخريج البيت في الحواشي.

([16]) في الأصل: "يتحمل".

([17]) للنابغة الجعدي، وصدره كما في اللسان (ضيف): * أقامت ثلاثاً بين يوم وليلة *.

([18]) هو أبو ذؤيب الهذلي، والبيت في ديوانه 99.

([19]) البيت بتمامه، كما في الديوان:

وما إن وجد معولة رقوب *** بواحدها إذا يغزو تضيف.

([20]) الأخطل في ديوانه 233 واللسان (ضيق). وصدره:

* فهلا زجرت الطير ليلة جئتها *.

([21]) بدلـه في المجمل:  "وهو في شعر الهذلي: فضيمها". والهذلي الذي عناه هو ساعدة ابن جؤية. وبيته، كما في اللسان (دبب، ضيم)، وديوان الهذليين 207:

وما ضَرَبٌ بيضاء يَسقي دَبوبَها *** دُفَاقٌ فعُروانُ الكَرَاثِ فضِيمُها

 

 

ـ (باب الضاد والباء وما يثلثهما )

(ضبث) الضاد والباء والثاء أصل صحيحٌ يدلُّ على قَبْض. يقال ضبث إِذا قبض على الشَّيء. ويقال ناقةٌ ضَبُوث: يُشَكُّ في سِمَنِها، فتُضْبَث بالأيدي. ويقولون: ضُبِثَ، أي ضُرِبَ. وهو قريب مما ذكرناه.

(ضبح) الضاد والباء والحاء أصلانِ صحيحان: أحدهما صوتٌ، والآخَرُ تغيُّرُ لون من فعلِ نار.

فالأَوَّل قولُهم: ضَبَحَ الثّعلبُ يَضْبَح ضَبْحاً. وصَوْتُهُ الضُّبَاح، وهو ضابح. قال:

دعوتُ ربِّي وهو لا يُخَيِّبُ *** بأنَّ فيها ضابحاً ثعَيلِب

فأمَّا قولُه تعالى: {وَالعَادِيَاتِ ضَبْحاً}  [العاديات 1]. فيقال هو صوتُ أنفاسها، وهذا أقيَسُ، ويقال: بل هو عَدْوٌ فوق التَّقْريب. وهو في الأصل ضَبَع، وذلك أنْ يَمُدّ ضَبْعَيْهِ،  حتى لا يجدَ مَزِيداً. وإن كان كذا فهو من الإِبدال.

وأمَّا الأصل الثاني فالضَّبْح: إحراقُ أعالي العُود بالنار. والضِّبْح: الرَّماد. والحجارة المضبوحة هي قَدَّاحة النّار، التي كأنها محترقة. قال:

* والمرْوَ ذَا القَدَّاحِ مضبوحَ الفِلَق([1]) *

ويقال الانضباح تغيُّرُ اللون إلى السواد.

(ضبد)  الضاد والباء والدال ليس بشيء، وإن كان ما ذكره ابنُ دريد صحيحاً، من أن الضَّبَد الضَّمَد. فهو من باب الإِبدال. قال: يقال أَضْبَدْتُه، إِذا أنت أغضبْتَه([2]).

(ضبر) الضاد والباء والراء أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدل على جمعٍ وقُوّةٍ. يقال ضَبرَ الشَّيءَ: جَمَعه، وضَبَر الفرسُ قوائِمَه، إذا جَمَعَها ليَثِب. وفرسٌ ضِبِرٌّ من ذلك. وإضبارة الكُتُب([3]) من ذلك. واشتقاق ضَبَارَة منه، وهو أبو عامر بن ضَبَارة. وناقةٌ *مضبَّرةٌ ومضبورةُ الخَلْق، أي شديدة. وقال في صفة فرس:

مُضَبَّرٌ خَلْقها تضبيراً *** ينشقُّ عن وجهها السَّبيبُ([4])

والضَّبْر : الجماعة. قال الهُذَليّ:

* ضَبْرٌ لباسُهم القَتير مؤلَّبُ([5]) *

وأمَّا الرُّمّانُ الجبليّ فيقال إنَّهم يسمونه الضَّبْر. وقد قلنا إنَّ النباتَ والأماكنَ لا تكادُ تنقاس.

(ضبس) الضاد والباء والسين أُصَيلٌ إنْ صَحَّ فليس إلاَّ في شيءٍ مذمومٍ غير محمود. قال الخليل: الضَّبِيس: الحريص، والضَّبِيس: القليل الفِطنة لا يهتدي لشيء. ويقال الضَّبِيس الجَبان.

(ضبز) الضاد والباء والزاء. يقولون الضَّبْز: شدّة اللَّحظ ولا معنَى لهذا.

(ضبط) الضاد والباء والطاء أصلٌ صحيحٌ. ضَبَطَ الشَّيء ضَبْطاً. والأضبط: الذي يَعمل بيديه جميعاً. ويقال ناقةٌ ضبطاء. قال:

عُذافرة ضَبْطاء تَخْدِي كأنَّها *** فَنِيقٌ غَدَا يَحوي السَّوامَ السَّوارحا([6])

وفي الحديث: "أنَّه سُئِل عن الأضبط".

(ضبع) الضاد والباء والعين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على معانٍ ثلاثة: أحدها جنسٌ من الحيوان، والآخر عضو من أعضاء الإنسان، والثالث صِفة من صِفة النُّوق.

فالأوَّل الضَّبُع، وهي معروفة، والذكر ضِبْعان، وفي الحديث: "فإذا هو بِضبْعانٍ أَمْدَر([7])"، ثم يستعار ذلك فيُشبَّه السنةُ المجدِبة به، فيقال لها الضَّبُع. وجاء رجلٌ فقال: "يا رسولَ الله، أكلَتْنَا الضَّبُع"، أراد السَّنةَ التي تسميها العرب الضَّبُع؛ كأنَّها تأكلهم كما تأكل الضَّبُعُ. قال:

أبا خُراشةَ أمّا أنتَ ذا نَفَرٍ  *** فإنّ قوميَ لم تأكُلْهم الضَّبعُ([8])

وأمَّا العُضو فضَبْع اليد، واشتقاقها من ضَبْع اليد وهو المدّ. والعرب تقول: ضَبَعتِ الناقة وضَبَّعت تضبيعاً، كأنَّها تمدُّ ضَبْعَيها. قال أَبُو عُبيد: الضَّابِع: التي ترفع ضَبْعَها في سيرها.

ومما يشتقُّ من هذا: الاضطباع بالثَّوب: أن يُدْخِل الثَّوبَ من تحت يده اليمنى فيلقيَه على مَنكِبه الأيسر. ومنه الضِّباع، وهو رفع اليدين في الدُّعاء. قال رؤبة:

* وما تَنِي أيدٍ علَينا تَضَبعُ([9]) *

أي تمد أضباعَها بالدُّعاء. قال ابن السّكّيت: ضَبَعُوا لنا من الطَّريق، إِذا جعلوا لنا قسماً، يَضْبَعون ضَبْعا. كأنَّه أراد أنَّهم يقدِّرونه فيمدُّون أضباعَهم به. وضَبَعت الخيلُ والإِبلُ، إِذا مدَّت أضباعَها في عَدْوِها، وهي أعضادُها([10]). وقول القائل([11]):

* ولا صُلحَ حتَّى تضبعونا ونَضْبَعا ([12]) *

أي تمدُّون أضباعَكم إلينا بالسّيوف ونمدّ أضْبَاعَنا بها إليكم. قال أبو عمرو: ضَبَعَ القومُ للصُّلْحِ، إِذا مالوا بأضباعهم نحوه. وحَكى قومٌ: كنَّا في ضَبْعِ فلانٍ، أي كَنَفِهِ. وهو ذاك المعنى؛ لأنَّ الكَنَفين جناحا الإنسان، وجناحاه ضَبْعاه. [وَضَبَعت الناقةُ تضبع ضَبْعاً وضَبَعةً([13])]، إِذا أرادت الفحل.

(ضبن) الضاد والباء والنون أصلٌ صحيحٌ، وهو عُضوٌ من الأعضاء. فالضَّبْن: ما بين الإبط والكَشْح. يقال أَضطبنته: جعلته في ضِبْني. والضبْنَة([14]): أهل الرّجُل، يضطبِنها. وناسٌ يقولون: المضبون الزَّمِن، وهو عندي من قلب الميم. ومكان ضَبْنٌ : ضيّق. وهذه الكلمةٌ من الباب الأوّل.

(ضبأ) الضاد والباء والهمزة أصلٌ واحدٌ صحيح، وهو قريبٌ من الاستخفاء وما شاكلَه، من سُكُوتٍ ومِثلِه. قال أبو زيد: أَضْبأَ الرجُل على الشَّيء إِضْباءً، إِذا سَكَتَ عليه، وهو مُضْبِئٌ عليه. وقد أَضْبَأَ على داهية. وضَبَأْت: استخفَيت. ويقال في هذا إِنّما هو أَضْبَى غير مهموز، والأوّل أجود.

قال أبو سعيد: ضبأ يضبَأُ ضَبْأً، إِذا لصِق بالأرض، والمَضْبَأ: الذي يُضْبَأ فيه، أي يختفي. قال الكميت:

* إِذا علا سِطَةَ المضبَأَيْن([15]) *

وسمِّيَ الرَّجُل ضابئاً لذلك. ويقال ضَبَأْتُ إليه، أي لجأت([16]). والضابِئ: الرَّماد([17])، سمِّيَ بذلِكَ لأنَّهُ يَضْبَأُ، كأنَّهُ يَستخفي.

وإِذا ليّنت الهمزةَ تغيَّر المعنى، ويكون من صفات النَّار؛ يقال: ضَبَتْه النَّار، إذا شَوته، تَضْبُوه ضَبْوا. والمَضْباة: خُبز المَلَّة([18]). والله أعلم بالصَّواب.

ـــــــــــــــــــ

([1]) لرؤبة بن العجاج. وقبله في ديوانه 106 واللسان (ضبح):

* يتركن ترب الأرض مجنون الصيق *

([2]) في الجمهرة (1: 244): "ضبدت الرَّجل تضبيداً: ذكرته بما يغضبه". ومثله في القاموس. وفي اللسان: "ضبدته" مخفف الباء.

([3]) في الأصل: "الكب"، صوابه في اللسان.

([4]) البيت لعبيد بن الأبرص، من بائيته المشهورة، انظر ديوانه 9 وشرح التبريزي للمعلقات 310.

([5]) لساعدة بن جؤية الهذلي في ديوان الهذليين: (1: 185)، واللسان (ضبر). وصدره:  * بينا هم يوماً كذلك راعهم *.

([6]) لمعن بن أوس المزني في اللسان (ضبط). وكلمة (غذا) ساقطة من الأصل.

([7]) الأمدر: الذي في جسده لمع من سلحه. ويقال لون له.

([8]) لعباس بن مرداس، كما في اللسان (ضبع). وهو من شواهد النحويين لحذف "كان" بعد أن وتعويض "ما" عنها.

([9]) ديوان رؤبة 177 واللسان (ضبع).

([10]) في الأصل: "وفي أعضادها"، صوابه في المجمل واللسان.

([11]) هو عمرو بن شأس، كما في اللسان (ضبع) والخزانة (3: 599).

([12]) صدره:  * نذود الملوك عنكم وتذودنا *

([13]) التكملة من المجمل.

([14]) بتثليث الضاد ، وكفرحة، كما في القاموس.

([15]) استشهد في المجمل بكلمتي "سطة المضبأين" فقط.

([16]) في الأصل "الجأت"، صوابه في المجمل.

([17]) في الأصل: "الرماة"، صوابه في المجمل واللسان.

([18]) في اللسان : "وبعض أهل اليمن يسمون خبزة الملة مضباة من هذا، قال ابن سيده: ولا أدري كيف ذلك، إلا أن تسمّى باسم الموضع"

 

ـ (باب الضاد والجيم وما يثلثهما)

(*ضجر) الضاد والجيم والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على اغتمامٍ بكلام. يقال ضَجِرَ يَضْجَر ضَجَراً. وضجِرت النَّاقةُ: كثر رغاؤها. ويقولون في الشعر: ضجْرَ، بسكون الجيم. قال:

* فإن أهجُهُ يَضْجَرْ كما ضَجْرَ بازلٌ([1]) *.

(ضجع) الضاد والجيم والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على لُصوقٍ بالأرض على جنْب، ثم يُحمَل على ذلك. يقال ضَجَعَ ضُجوعاً. والمرَّة الواحدة الضَّجْعة. ويقال: اضطَجَع يضطجع اضطجاعاً. وضجيعُك: الذي يُضاجِعك. وهو حسن الضِّجْعة كالرِّكْبة.

ومن الباب: ضجَّعَ في الأمر، إِذا قصَّر، كأنَّه لم يقُم بهِ واضطجَعَ عنه. ويقال رجلٌ ضَجُوع، أي ضعيف الرّأي. ورجل ضُجَعَة: عاجزٌ لا يكاد يبرح. والضَّجوع: النَّاقة التي ترعى ناحية. ويقال تضجَّع السحاب، إذا أرَبّ بالمكان. وهو في شعر هذيل. ويقال أكَمَة ضَجُوع، إذا كانت لاصقةً بالأرض. والضجوع: أكمة بعينها. والضَّواجع: موضع في قوله:

* راكسٌ فالضَّواجع([2]) *

والضَّاجعة والضَّجعاء: الغنم الكثيرة، وإنما هو من الباب لأنَّها ترعى وتضطجع. والضَّجُوع: ناقة ترعى ناحيةً وتضطجع وحْدَها.

(ضجم) الضاد والجيم والميم أصلٌ صحيحٌ يدل على عِوَج في الشّيء. فالضَّجَم: العِوَج. يقال تَضَاجَم الأمرُ بالقومِ، إذا اختلف. والضَّجَم: اعوجاجٌ في الأنفِ وأن يميل إلى أحد جانِبي الوجه. وضُبَيْعةُ أضجَمَ: قومٌ من العرب، كأنّ أباهم أَضجم. ويقال الضَّجَم أيضاً اعوجاجُ المَنْكِبَين.

(ضجن) الضاد والجيم والنون، ليس بشيء، إلاَّ أنَّهم يقولون: [الضَّجَن]: جبلٌ معروفٌ. وقد قلنا في هذا. وقال الأعشى:

* كَخَلْقَاءَ مِنْ هَضَباتِ الضَّجَنْ([3]) *

وضَجْنانُ: جبلٌ بتهامة.

ـــــــــــــــ

([1]) للأخطل يهجو كعب بن جعيل، وليس في ديوانه، وعجزه كما في اللسان (ضجر):  * من الأدم دبرت صفحتاه وغاربه *.

([2]) قطعة من بيت للنابغة في ديوانه 51 واللسان (ضجع). وهو بتمامه:

وعيد أبي قابوس في غير كنهه *** أتاني ودوني راكس فالضواجع

([3]) في الأصل: "بحلقاء"، صوابه في المجمل واللسان والديوان  ص16 وصدره: * وطال السنام على جبلة *.

 


ـ (باب الضاد والحاء وما يثلثهما)

(ضحل) الضاد والحاء واللام أصلٌ صحيحٌ، وهو الماء القليل وما أشبهه. من ذلك الضَّحْل: الماء القليل، ومكانه المَضْحَل، والجمع مَضاحل. ويقال ضَحِل الماء: رقَّ وقلَّ، وهو من الكلام الفصيح الصحيح. وأتَان الضَّحْل: صَخرة بعضها في الماءِ وبعضُها خارج.

(ضحي) الضاد والحاء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على بُروز الشيء. فالضَّحَاء: امتداد النَّهار، وذلك هو الوقت البارز المنكشف. ثمَّ يقال للطعام الذي يُؤكل في ذلك الوقت ضَحاء. قال:

* تَرَى الثَّوْرَ يمشي راجعاً مِنْ ضَحائِهِ([1]) *

ويقال ضحِي الرَّجلُ يَضْحَى، إذا تعرَّضَ للشَّمْس، وضَحَى مثلُهُ. ويقال اضْحَ يا زيد، أي ابرُزْ للشَّمْس. والضَّحِيَّة معروفة، وهي الأُضْحِيَّة.

قال الأصمعي: فيها أربع لغات: أُضْحِيَّة وإضْحيَّة، والجمع أضَاحِيّ؛ وضَحِيَّة، والجمع ضحايا؛ وأَضْحاةٌ، وجمعها أُضْحىً([2]). قال الفرّاءُ : الأَضْحَى مؤنّثة وقد تذكّر، يُذهَب بها إلى اليوم. وأنشد:

* دنا الأَضْحَى وصَللت اللِّحامُ([3]) *

وإِنما سُمِّيت بذلك لأنَّ الذّبيحة في ذلك اليوم لا تكون إلاَّ في وقت إشراق الشَّمس. ويقال ليلَةٌ إِضحيَانةٌ وضَحْيَاءُ، أي مضيئةٌ لا غيمَ فيها. ويقال: هم يتضحَّوْنَ، أي يتغدَّوْن. والغَداء: الضَّحاء. ومن ذلك حديث سلمة بن الأكوع: "بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم  نتضَحَّى"، يريد نتغدَّى. وضاحية كلِّ بلدةٍ: ناحيتُها البارزة. يقال هم ينزلون الضَّوَاحيَ. ويقال: فعل ذلك ضاحيةً، إِذا فعله ظاهراً بيّناً. قال:

عَمِّي الذي منعَ الدِّينارَ ضاحيةً *** دينارَ نَخَّةِ كلبٍ وهو مشهودُ([4])

وقال:

وقد جزتْكُم بنو ذُبيانَ ضاحيةً *** بما فعلتم ككيل الصَّاع بالصّاعِ([5])

فأمَّا قولُ جرير:

فما شَجَرات عِيصِكَ في قريشٍ  *** بعَشَّات الفُرُوع ولا ضَواحِ([6])

فإنَّه يقول: ليست هي في النَّواحي، بل هي [في] الواسطة. ويقال للسَّماوات كلِّها الضَّواحي. وقال تأبَّطَ شرّاً:

وقُلّةٍ كسِنانِ الرُّمح بارزةٍ *** ضحيانة…………([7])

فهي البارزة للشمس.

قال أبو زيد: ضَحَا الطريق يَضْحُو ضَحْواً وضُحُوّاً([8])، إِذا بدا وظَهَر. فقد دَلَّت هذه الفروعُ كلُّها على صحة ما أصّلناه * في بروزِ الشَّيء ووُضوحه. فأمَّا الذي يُروى عن أبي زيدٍ عن العرب: ضحَّيت عن الأمر([9]) إذا رفقت، فالأغلب عندي أنَّه شاذٌّ في الكلام. قال زَيد الخيل:

لو أنَّ نصراً أصلحَتْ ذاتَ بينِها *** لضحَّت رُويداً عن مصالحها عمرُو([10])

(ضحك) الضاد والحاء والكاف قريبٌ من الباب الذي قبله، وهو دليل الانكشاف والبروز. من ذلك الضَّحِك ضَحِك الإنسان. ويقال أيضاً الضَّحْك([11])، والأوَّل أفصح. والضَّاحكة: كل سنٍّ تبدو من مُقَدَّم الأسنان والأضراس عند الضَّحِك.

قال ابنُ الأعرابيّ: الضَّاحِك من السَّحاب مثلُ العارض، إلاَّ أنَّه إِذا بَرَقَ يقال فيه ضَحِك. والضَّحُوك: الطَّريق الواضح. ويقال أَضْحَكْتَ حوضَك، إِذا ملأتَه حتى يفيض. قال ابن دُريد([12]): الضَّاحك حجرٌ شديد البَرِيقِ يبدو في الجَبَل، أيَّ لونٍ كان. ويقال في باب الضَّحِك: الأُضحوكة ما يُضحِك منه. ورجلٌ ضُحْكة: يُضْحَك منه. وضُحَكَة: يكثر الضَّحَك. فأمَّا الضَّحْك فيقال إنَّه العَسل. ويُنشَد:

فَجاءَ بمزجٍ لم يَرَ الناسُ مثلَهُ *** هو الضَّحْكُ إلاَّ أنَّهُ عملُ النَّحْلِ([13])

ويقال هو البَلَح، قال الشَّيبانيُّ: الطَّلْعُ هو الكافور والضَّحْكُ جميعاً حين ينفتق.

ـــــــــــــــــ

([1]) لذي الرمة في ديوانه 503 واللسان (19: 210). وعجزه:

* بها مثل مشي الهبرزي المسرول *.

([2]) زاد في اللسان: "مثل أرطاه وأرطى" فألفها للإلحاق.

([3]) لأبي الغول الطهوي في اللسان (19: 211)، وإصلاح المنطق 193، 330، 397. وصدره:

* رأيتكم بي الخذواء لما  *.

([4]) أنشده في اللسان (نخخ، ضحا) وسيأتي في (نخ).

([5]) البيت للنابغة، كما في اللسان (ضحا)، وليس في ديوانه. وعجزه في اللسان:

* حقاً يقيناً ولما يأتنا الصدر *.

([6]) ديوان جرير 99 واللسان (ضحا).

([7]) من القصيدة الأولى في المفضليات. وتمام البيت: "في شهور الصيف محراق".

([8]) ويقال أيضاً "ضُحِيَّاً".

([9]) في الأصل: "في الأمر"، صوابه في المجمل واللسان.

([10]) نصر وعمرو ابنا قعين، بطنان من بني أسد، كما في اللسان عند إنشاد البيت.

([11]) ويقال أيضاً: "الضحك"، بالكسر، وبكسرتين.

([12]) في الجمهرة (2: 167).

([13]) لأبي ذؤيب في ديوانه 42 واللسان (ضحك)، وسيأتي في (مزج).

 

ـ (باب الضاد والخاء وما يثلثهما)

(ضخم) الضاد والخاء والميم أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على عِظَمٍ في الشَّيء. يقال هذا ضَخْمٌ وضُخَامٌ. ويقال: إنَّ الأضخومة شيءٌ تعظِّم به المرأة عجيزتها.‏

 

ـ (باب الضاد والراء وما يثلثهما)

(ضرز) الضاد والراء والزاء كلمةٌ واحدةٌ. يقال إنَّ الضِّرِزّة: المرأة القصيرة اللئيمة.

(ضرس) الضاد والراء والسين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على قوّةٍ وخشونة وقد يشِذُّ عنه ما يخالفه. فالضِّرْس من الأسنان، سمِّي بذلك لقوّته على سائر الأسنان. ويقال ضَرَسَه يَضْرُسُهُ، إذا تناوله بضِرْسِه. وقال:

إِذا أنتَ عاديتَ الرّجالَ فلا تكن *** لهم جَزَرَاً واجرَحْ بنابك واضْرُسِ

والضِّرْس: ما خَشُنَ من الآكام. ويقال: تضارَسَ البِناء، إذا لم يستَوِ. وقال بعضُهم: ضَرّستْ فلاناً الخطوبُ. ويقال بئرٌ مضروسة: مطوّية بحجارة. وناقة ضَروسٌ: تَعَضُّ حالِبَها. ورجل ضَرِسٌ: صعب الخُلق. ويقال أضرَسه الأمر، إِذا أقلقه. والمضرَّس: ضربٌ من الرَّيْط، وكأنَّه سمِّي بذلك لأنَّه فيه صوراً كأنَّها أضراس. والضَّرَس: خَورٌ في الضِّرْس.

وممّا شذَّ عن الباب وقد يمكن أن يُتمحَّل لـه قياسٌ: الضِّرْس: المَطْرة القليلة، والجمع ضُروس.

(ضرع) الضاد والراء والعين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على لينٍ في الشَّيء. من ذلك ضَرَعَ الرجل ضَراعةَ، إذا ذلَّ. ورجلٌ ضَرَعٌ. ضعيف: قال ابنُ وَعْلة:

أناةً وحلماً وانتظاراً بهم غداً *** فما أنا بالواني ولا الضَّرَعِ الغُمْرِ([1])

ومن الباب ضَرْعَ الشّاة وغيرِهِ، سمِّيَ بذلك لما فيه من لِين. ويقال: أضْرَعَت النّاقة، إذا نَزَلَ لبنُها عند قرب النَّتاج. فأمَّا المضارعة فهي التشابُه بين الشيئين. قال بعض أهلِ العلمِ: اشتقاق ذلك من الضَّرْع، كأنهما ارتضعا من ضَرعٍ واحد. وشاةٌ ضَرِيعٌ: كبيرة الضَّرْع، وضريعةٌ أيضاً. ويقال لناحِل الجسمِ: ضارع. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ابني جعفر: "مالي أراهما ضارعَين؟".

ومما شذَّ عن هذا الباب: الضَّريع، وهو نبتٌ. وممكنٌ أن يُحمَل على الباب فيقال ذلك لضَعْفِهِ، إِذا كان لا يُسمِنُ ولا يُغنِي من جوع. وقال:

وتُرِكْن في هَزْم الضَّريع فكُلُّها *** حدباءُ داميةُ اليدينِ حَرودُ([2])

(ضرف) الضاد والراء والفاء شيءٌ من النَّبْت. يقال إنَّ الضِّرف من شجرِ الجبال، الواحدة ضِرْفة.

قال الأصمعيّ:  يقال فلانٌ في ضِرْفَة خيرٍ، أي كَثْرَة.

(ضرك) الضاد والراء والكاف * كلمةٌ واحدةٌ لا قِياسَ لها. يقال: الضَّريك: الضَّرير، والبائس السيِّئ الحال.

(ضرم) الضاد والراء والميم أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على حرارةٍ والتهاب. من ذلك الضِّرَام من الحطب: الذي يلتهب بسرعة. قال:

ولكن بهذَاكِ اليَفَاعِ فأوقِدِي *** بجزل إِذا أوقَدْتِ لا بِضِرامِ([3])

ويقال ضَرِم الشَّيء: اشتدّ حرُّه.

ومن الباب فرس ضَرِم: شديد العَدْو. والضَّرِيم والضِّرام: اشتعال النَّار. ومما شذَّ عن الباب فيما يقولون، أنَّ الضَّرِم فَرْخ العُقاب. ولعلّه أن يكون ذلك اسمَهُ إِذا اشتدَّ جُوعه، فكأنَّه يضطرم.

(ضري) الضاد والراء والحرف المعتل أصلان: أحدهما شبه الإغراء بالشَّيء واللَّهَج به، والآخر شيء يستر.

فالأوّل قولُ العرب: ضَرِيَ بالشَّيءِ، إذا أُغْرِيَ به حتى لا يكاد يصبِر عنه. ويقال: لهذا الشَّيء ضَرَاوة: أي لا يكاد يُصبَر عنه. والضَّارِي من أولاد الكلاب، والجمع الضِّراء، وسمِّي ضارياً لأنَّه يَضْرَى بالشَّيء. والضِّرو: الضَّاري. ومن الباب: [الضَّارِي، و([4])] هو العِرق السائل. وقد ضَرَا يَضْرُو ضَرْوَاً، كأنَّه لهجَ بالسَّيَلان.

قال الخليل. الضَّرْو: اهتِزازُ الدَّمِ عند خروجه من العِرق.

وأمَّا الأصل الآخر فالضَّرَاء: مَشْيٌ فيما يُوارِي من شجرٍ أو غيرِهِ. يقال: هو يمشي له الضَّرَاء، إِذا كان يُخاتِلهُ أو يُخادِعه.

ومن الباب الضِّرْو: شجر، لأنَّه يستُر بورَقِهِ.

(ضرب) الضاد والراء والباء أصلٌ واحدٌ، ثم يُستعار ويحمل عليه. من ذلك ضَرَبت ضرباً، إِذا أوقعت بغيرك ضرباً. ويستعار منه ويشبَّه به الضَّرب في الأرض تجارةً وغيرها من السَّفر. قال الله تعالى: {وإِذا ضَرَبْتُم في الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ} [النساء 101]. ويقولونَ إِن الإسراع إلى السَّير أيضاً ضرب. قال:

فإنَّ الذي كنْتُم تحذرونَ  *** أَتَتْنا عيونٌ به تَضْرِبُ([5])

والطَّير الضَّوارِب: الطَّوالِب للِرِّزق. ويقال رجلٌ مِضْربٌ: شديد الضَّرْب. ومن الباب: الضَّرْب: الصِّيغة. يقال هذا من ضَرْب فلان، أي صيغته؛ لأنَّه إِذا صاغَ شيئاً فقد ضربه. والضَّريب: المِثْل، كأنَّهما ضُرِبَا ضَرْباً واحداً وصِيغا صياغةً واحدة. والضَّرِيب الصَّقِيع: كأن السماء ضربت به الأرض. ويقال للذي أصابه الضريب مضروب. قال:

ومضروبٍ يَئِنُّ بغيرِ ضربٍ *** يُطاوِحُهُ الطِّرافُ إلى الطِّراف

والضَّريب من اللبن: ما خُلِطَ مَحْضه بحقينه، كأنَّ أحدَهما قد ضُرِبَ على الآخر. والضَّرِيب: الشَّهْد، كأنَّ النَّحل ضربه. ويقال للسجِيَّة والطبيعة الضريبة، كأنَّ الإنسان قد ضُرِبَ عليها ضرباً وصيغ صِيغة. ومَضْرَب السّيف ومَضْرِبه: المكان الذي يُضرَب به منه. ويقال للصِّنْف من الشيء، الضَّرْب، كأنه ضُرب على مثالِ ما سواه من ذلك الشيء. والضّريبة: ما يُضرَب على الإنسان من جزيةٍ وغيرها. والقِياس واحد، كأنَّه قد ضُرِبَ به ضَرْبَاً. ثم يتّسعون فيقولون: ضَرَبَ فلانٌ على يدِ فلان، إذا حَجَرَ عليه، كأنَّه أرادَ بَسْطَ يدَه فضرب الضاربُ على يده فقبض يدَه. ومن الباب ضِراب الفَحل النّاقة.

ويقال أضْرَبْت النّاقةَ: أنْزَيت عليها الفحل. وأضرب فلان عن الأمر، إذا كفَّ، وهو من الكفّ، كأنَّه أراد التبسُّط فيه ثم أضرب، أي أوقع بنفسه ضرباً فكفها عما أرادت.

فأمَّا الذي يُحكى عن أبي زيد، أنَّ العرب تقول: أَضْرَبَ الرَّجُل في بيته: أقامَ، فقياسُهُ قياس الكلمة التي قبلها.

ومن الباب الضَّرَب: العَسَلُ الغليظة، كأنَّها ضَرِبت ضَرْبَاً، كما يقال نَفَضَت الشيء نَفْضَاً، والمنفوض نَفَض. ويقال للموكَّل بالقِداح: الضَّرِيب. وسمِّيَ ضَريباً لأنَّهُ مع الذي يضربُها، فسمِّي ضريباً كالقعيد والجليس.

ومما استُعير في هذا الباب قولهم للرَّجُل الخفيف الجسم: ضَرْب، شُبِّه في خفّته بالضَّرْبة([6]) التي يضربُها الإنسان. قال:

أنا الرَّجُلُ الضَّرْبُ الذي تعرفونه *** خَشَاشٌ كرأس الحيّة المتوقِّدِ([7])

والضَّارب: المتَّسَع في الوادي، كأنَّهُ نَهْجٌ يَضْرِبُ في الوادِي ضَرْباً.

(ضرج) الضاد والراء والجيم أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على تفتُّح الشيء. تقول العرب: انضرجت عن البَقْل لفائِفُهُ، إِذا انفتحت. والانشقاق كله انضراج. قال:

* وانضرجَتْ عنه الأكاميم([8]) *

ويقال تضرَّجَ البَرْق: تشقَّق. وعينٌ مضروجةٌ: واسعة الشَّقّ. ويقال إن الإضريج من الخيل: الكثير العرق الجواد، وذلك من الباب لأنَّه كأنَّه يتفتح بالعرق تفتُّحاً. وعَدْو ضريج: شديد. ومن الباب تضرَّج بالدم.

ومما شذّ عن الباب الإضريج: أكسيةٌ تتخذ من أجود المِرعِزَّى، ويقال هو الخَزّ.

(ضرح) الضاد والراء والحاء أصلان: أحدُّهما رمْي الشّيء، والآخَر لونٌ من الألوان.

فالأوَّلُ قولهم: ضرَحت الشَّيءَ، إِذا رَميتَ به. والشيء المُضْطرَح: المرميّ. والفَرس الضَّروح: النَّضوح برجلهِ. وقوسٌ ضَروح: شديدةُ الدَّفْعِ للسَّهمِ. والضَّرِيح: القبرُ يُحْفَرُ من غير لَحْدٍ، كأنَّ الميت قد رُمِيَ فيه.

وأمّا الآخَر فالأبيض من كلِّ شيء، يقال لـه المَضْرَحيّ. والصَّقْر مضرحيٌّ، والسيِّد مضرحيّ.

ـــــــــــــــ

([1]) البيت من أبيات نسبت في حماسة البحتري 104 إلى عامر بن مجنون الجرمي. وفي حماسة ابن الشجري 70 لكنانة بن عبد ياليل. قال: وتروى للحارث بن وعلة الشيباني. وسيأتي في (غمر).

([2]) لقيس بن عيزارة الهذلي في اللسان (ضرع)، وقصيدته في شرح السكري للهذليين 115.

([3]) البيت في اللسان (ضرم) بدون نسبة، ونسبه الزمخشري في أساس البلاغة إلى حاتم الطائي، وليس ديوانه.

([4]) استأنست في هذه التكملة بما ورد في المجمل من قوله: "والضاري: العرق السائل".

([5]) نسب في اللسان (ضرب) إلى المسيب، وهو المسيب بن علس.

([6]) في الأصل: "بالضريبة".

([7]) البيت لطرفة من معلقته المشهورة.

([8]) لذي الرّمة في ديوانه 584 واللسان (ضرج، كمم)، وهو بتمامه:

مما تعالت من البهمى ذوائبها  *** بالصيف وانضرجت عنه الأكاميم

 

ـ (باب الضاد والزاء وما يثلثهما)

(ضزن) الضاد والزاء والنون أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على الضَّغْطِ والمزاحَمة. يقولون للذي يُزاحِمُ أباه في امرأته: ضَيْزَن. قال أوس:‏

* فكلكم لأبيهِ ضَيزَنٌ سَلِفُ(1) *‏

ويقال الضَّيْزَن: العدوّ. وإذا اتَّسع قَبُّ البَكَرة فضُيِّق بخشبةٍ فذلك هو الضَّيْزن. والضَّيزن: الذي يُزاحِم عند الاستقاء والإيراد.‏

ـــــــــــــــــ

(1) إنشاد البيت كما في الديوان 17 واللسان (ضزن):‏

والفارسية فيهم غير منكرة *** فكلهم لأبيه ضيزن سلف‏

وانظر أدب الكاتب 282 والاقتضاب 384 والبيان (3: 256).‏

 

ـ (باب  ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله ضاد)

من ذلك الضِّرغام: الأسد، فهذا منحوتٌ من كلمتين: من ضغم، وضرم. كأنَّه يلتهب حتَّى يَضْغَم. وقد فسَّرنا الكلمتين. ويقال ضَرْغَم الأبطالُ بعضُهم بعضاً في الحرب.

من ذلك (الضُّبَارِك) و(الضِّبْراك)، وهو الرّجلُ الضخْم. وهذا مما زِيدت فيه الكاف، وأصله من الضَّبْر وهو الجمْع؛ وقد مضى.

ومن ذلك (الضَّرْزَمة)، وهو شدّة العضّ. وأفْعَى (ضِرْزِمٌ): شديدة العضّ. وهذا مما زيدت فيه الميم، وهو من ضرز، وهو أن يشتدَّ على الشيء. وقد فُسِّر.

ومن ذلك (الضّفندد)، وهو الضَّخْم، والدال فيه زائدة. وهو من الضفن. ومنه (الضِّبَطْر)، وهو الشديد. وهي منحوتةٌ من كلمتين، من ضبط وضطر.

ومنه (الضَّيْطَر)، وقد مضى ذكره([1]).

ومنه (الضُّبارِم): الأسد، والميم فيه زائدة، وهو من الضَّبر.

ومنه (الضَّبْثَم)، وهو الشديد، وهو ممّا زِيدت فيه الميم، وهو من ضَبَث على الشيء، إِذا قَبَضَ عليه.

ومن ذلك (الضَّبَغْطَى): كلمة يفزّع بها، وهو ممّا زِيدت فيه الباء، وهو من الضَّغْط.

ومن ذلك (الضَّبَنْطَى): القويّ، وقد زيدت فيه النون، وهو من ضبط.

ومن ذلك (المُضْرَغِطُّ): الضَّخم، والغضبان. وهو أيضاً ممّا زيدت فيه الراء.

ومن ذلك (الضِّرْسامة) وهو اللئيم، والميم فيه زائدة، وهو من الضّرس.

ومما وُضِعَ وضعاً ولا أظنُّ له قياساً (الضَّمْعَج)، وهو الضَّخمة من النوق، ولا يقال ذلك للبعير. وامرأةٍ ضَمعجٌ: ضخمة.

ومن ذلك (الضُّغْبُوس)، وهو الرَّجُل الضَّعيف. قال جرير:

قد جَرّبت عَرَكِي في كلِّ مُعْتَرَكٍ *** غُلْبُ الليوث فما بالُ الضَغابيسِ([2])

والضَّغابيس: صِغار القِثّاء، وفي الحديث: "أنَّه أُهديت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضَغَابيس". والسين فيه زائدة، والدليل على ذلك قولُهم للذي يأكلها كثيراً ضَغِْبٌ.

ومن ذلك (اضمحلَّ) الشَّيء: ذهب. واضمحلَّ السحاب: تقشع.

ومن ذلك (الضِّفْدِع([3]))، وهي معروفة.

ومن ذلك ما رواه الكسائيّ: (اضبَأكّت) الأرض و(اضمأكّت)، إِذا خَرَجَ نَبْتُها.

ومن ذلك (الضِّئبِل)، وهي الدَّاهية.

*ويقال (اضْفَأَدَّ)، إِذا انتفخَ من الغضب، اضفئداداً. والله أعلم.

(تم كتاب الضاد)

ـــــــــــــــــ

([1]) انظر مادة (ضطر) ص 361.

([2]) ديوان جرير 324.  واللسان (ضغبس).

([3]) فيه لغات، كزبرج، وجعفر، وجندب، ودرهم. وهذا الأخير أقل، أو مردود.

 


كتاب الطاء:

ـ (باب الطاء في المضاعف والمطابق)

(طع) الطاء والعين ليس بشيء. فأمَّا ما حكاه الخليل، من أن الطَّعطعة حكاية صوت اللاطع فليس بشيء.

(طف) الطاء والفاء يدلُّ على قِلّةِ الشيء. يقال: هذا شيءٌ طفيف. ويقال: إِناءٌ طَفَّانُ، أي ملآن. والتَّطْفِيف: نقص المكيال والميزان. قال بعض أهل العلم: إِنّما سمِّي بذلك لأنَّ الذي ينقصه منه يكون طفيفاً. ويقال لِمَا فوق الإِناء الطَِّفَاف والطُّفافة. فأمَّا قولهم: طفّفت بفلانٍ موضعَ كذا، أي رفعتُهُ إليه وحاذيته([1]). وفي الحديث: "طَفَّفَ بي الفرسُ مسجدَ بني فلان([2])" فإنَّه يريد وثَب حتى كاد يساوي المسجد ـ فهذا على معنى التشبيه بطَفاف الإناء وطَفافته. والقياس واحد.

ومما شذَّ عن الباب قولهم: أطفَّ فلانٌ بفلان، إذا طَبَن له وأراد ختله. ومنه استطفَّ الأمرُ، إِذا أمكنَ وأُكْمِلَ([3])، وهذا من باب الإبدال، وقد ذكر في بابه.

(طل) الطاء واللام يدل على أصولٍ ثلاثة: أحدها غضاضة الشَّيء وغضارَته، والآخَر الإشراف، والثالث: إِبطال الشَّيء.

فالأول الطّلّ: وهو أضعف المطر، إِنّما سمِّي به لأنَّه يحسِّن الأرض. ولذلك تسَمّى امرأة الرَّجل طَلّته.

قال بعضهم: إنَّما سمِّيت بذلك لأنَّها غضّةٌ في عينه [كأنّها] طَلّ. ومن الباب في معنى القلَّة، وهو محمولٌ على الطّلّ، قولهُم: ما بالنّاقة طُلّ، أي ما بها لبن، يراد ولا قليلٌ منه. وضُمَّت الطاء فرقاً بينه وبين المطر.

والباب الآخر: الطّلَل، وهو ما شَخَص من آثار الديار. يقال لِشَخْصِ الرَّجل طَلَلُهُ. ومن ذلك أَطَلَّ على الشَّيء، إذا أَشْرَفَ. وطَلَل السَّفِينة: جِلالها، والجمع أطلال. ويقال: تَطَالَلْت، إِذا مددتَ عنقَكَ تنظُرُ إلى الشيءِ يبعُد عنك. قال:

كَفَى حَزناً أنِّي تطاللت كي أرَى  *** ذُرى عَلَمَيْ دَمْخٍ فما يُريَانِ([4])

وأمّا إبطال الشيء فهو إطلال الدِّماء، وهو إبطالها، وذلك إِذا لم يطلب لها. يقال طُلَّ دمه فهو مطلول، وأُطِلّ فهو مُطَلّ، إِذا أُهْدِر.

ومما شذَّ عن هذه الأصول، وما أدري كيف صحّته قولهم: إنَّ الطِّلَّ([5]): الحيَّة. والطَّلاَطِلَة: داءٌ يأخذ في الصُّلْب.

(طم) الطاء والميم أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تغطيةِ الشَّيءِ للشَّيءِ حتى يسوّيهِ به، الأرض أو غيرها. من ذلك قولهم طمَّ البئر بالتراب: ملأها وسَوَّاها. ثم يحمل على ذلك  فيقال للبحر الطِّمُّ، كأنَّه طَمَّ الماءُ ذلك القرار. ويقولون: "له الطِّمّ والرِّم". فالطِّمّ: البحر، والرِّمّ الثَّرَى. ومن ذلك قولهم: طَمَّ الأمر، إِذا علا وغَلَبَ، ولذلك سُمِّيت القيامة: الطَّامَّة. فأمَّا قولهم: طَمَّ شَعَره، إذا أخذَ منه، ففيه معنى التَّسويَة وإنْ لم يكن فيه التغطية.

ومن الباب: الطِّمْطِم: الرجل الذي لا يُفصح، كأنَّه قد طُمَّ كما تُطَمّ البئر. ومما شذَّ عن هذا الأصل شيءٌ ذكرهُ ابنُ السكّيت، قال: يقال طَمَّ الفرسُ إذا عَلا. وطمَّ الطّائرُ إذا علا الشجرة.

(طن) الطاء والنون أصلٌ يدلُّ على صوت. يقال: طنَّ الذباب طنيناً. ويقولون: ضرب يدَه فأطنّها، كأنَّه يُراد به صوتُ القَطْع.

ومما ليسَ عندي عربياً قولهم للحُزمة من الحطب وغيرِه: طُنّ. ويقولون: طَنَّ، إذا مات، وليس بشيء.

(طه) الطاء والهاء كلمةٌ واحدةٌ. يقال للفرسِ السريع: طَهطاهٌ.

(طأ) الطاء والهمزة، وهو يدلُّ على هَبْط شيءٍ. من ذلك قولهم: طأطأ رأسَه. وهو مأخوذٌ *من الطَّأْطاءِ، وهو منهبطٌ من الأرض. وهو في قول الكُميت([6]).

(طب) الطاء والباء أصلان صحيحان، أحدهما يدلُّ على عِلمٍ بالشيء ومَهارَةٍ فيه. والآخر على امتدادٍ في الشيء واستطالة.

فالأول الطِّبّ، وهو العلم بالشيء. يقال رجلٌ طَبٌّ وطبيب، أي عالم حاذق. قال:

فإنْ تسألوني بالنِّسَاءِ فإنّني  *** بصيرٌ بأدواء النِّساءِ طبيب([7])

ويقال فحلٌ طَبٌّ، أي ماهر بالقِرَاع. ويقال للذي يتعهّد موضِعَ خُفِّه أَينَ يَطَأُ به: طَبٌّ أيضاً. ولذلك سمِّيَ السِّحْر طِبّاً؛ يقال مطبوب، أي مسحور. قال:

فإنْ كنت مطبوباً فلا زِلْت هكذا  *** وإِنْ كُنت مسحوراً فلا برأ السِّحرُ

وأمَّا الذي يقال في قولهم: ما ذاك بِطِبِّي، أي بدهري، فليس بشيء، إِنَّما معناهُ ما ذاك بالأمر الذي أَمْهَرُه، ما ذاك بالشيء الذي أقتلُهُ علماً([8])، كما جاء في الحديث: "فما طهوي إذاً([9])". وقد ذكرناه في بابه.

وأمَّا الأصل الآخَر: فالطِّبَّة: الخِرْقَة المستطيلة من الثَّوب، والجميع طِبَب. وطِبَب شُعاع الشَّمْس: الطَّرَائق الممتّدة تُرَى فيها حين تطلُع. والطِّبابة: السَّير بين الخُرْزَتين. والطِّبّة: مستطيل من الأرض دقيقٌ كثير النَّبات.

ومن ذلك قولُهم: تلقَى فلاناً عن طِبَبٍ كثيرةٍ، أي ألوان كثيرة.

(طث) الطاء والثاء ليس بشيء. ويزعمون أنّ الطَّثَّ لُعْبَةٌ بِخشبةٍ تدعى المِطَثَّة.

(طح) الطاء والحاء قريبٌ من الذي قبله على أنّهم يقولون: الطَّحُّ: أن تسحَجَ الشيء بِعَقِبك([10]). ويقال طَحْطَح بهم، إِذا بَدّدهم. وطَحْطَحَهم: غَلَبَهم.

(طخ) الطاء والخاء ليس [له] عندي أصلٌ مطرد ولا منقاس. وقد ذُكِرَ عن الخليل: طَخْطَخَ السَّحابُ: انضمَّ بعضه إلى بعض. والطَّخْطخة: تسوية الشَّيء. وهذا إِنَّما يُحتاج في تصحيحه إلى حُجّة، فأمَّا الحكاية في هذا الباب فيقال إنّ الطّخْطَخَة الضَّحك؛ والحكايات لا تُقاس.

ومما يقرب من هذا في الضَّعف قولهم: إنَّ المتطَخطِخ: الضعيف البصر. وقالوا أيضاً: والطُّخوخ: سوء الخُلُق والشَّراسَة.

(طر) الطاء والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على حِدّة في الشيء واستطالةٍ وامتدادٍ من ذلك قولهم: طرَّ السِّنَان، إِذا حدّده. وهذا سنان مطرور، أي محدَّد. ومن الباب الرّجل الطَّرير: ذو الهَيْئَة، كأنَّه شيءٌ قد طُرَّ وجُلِيَ وحُدِّدَ. قال:

ويُعجِبك الطّريرُ فتبتليه *** فيُخلِفُ ظنَّك الرجلُ الطّريرُ([11])

ومن الباب فَتَىً طارٌّ: ط‍رَّ شاربُهُ. والطُّرَّةُ: كُفّة الثَّوب. ويقال: رمى فأطَرَّ، إِذا أنفَذ. وكلُّ شيء حُسِّن فقد طُرَّ، حتى يقال طَرّ حوضَه([12])، إذا طيّنه. والطُّرَّة من الغيم: الطريقة المستطيلة. والخُطَّة السّوداء على ظهر الحمار طُرَّة. وطُرَّة النهر: شَفيرُه. وطَرَّ النّبتُ، إِذا أنبت؛ وهو مِنْ طَرّ شاربُهُ. قال:

منّا الذي هو ما إنْ طَرَّ شاربُهُ *** والعانسون ومنّا المُرْدُ والشِّيبُ([13])

فأمَّا الطَّرّ الذي في معنى الشَّلّ([14]) والطَّرد، فهو من هذا أيضاً؛ لأنَّ مَنْ طرد شيئاً وشَلّه فقد أَذْلَقه حتى يحتدّ في شَدِّهِ وعَدْوِه. فأمَّا قول الحطيئة:

غَضِبْتُم علينا أن قتلْنا بخالدٍ *** بني مالِكٍ ها إنَّ ذا غَضَبٌ مُطِرّ([15])

فقال أبو زيد: الإطرار الإِغراء. وهذا قريبُ القِياسِ من الباب، لأنَّه إِذا أغراه بالشَّيءِ فقد أَذْلَقه وأحدَّه. وقال آخَرون: المُطِرُّ: المدِلّ. والأوّل أحسن وأقيس. ويقال الغضب المطرّ الذي جاء من أطرار الأرض، أي هو غضب لا يُدرى من أين جاء. وهو صحيح؛ لأنَّ أطرار الأرض أطرافها وطرف كلِّ شيءٍ: الحادّ منه.

(طس) الطاء والسين ليس أصلاً. والطَّسُّ لغةٌ في الطَّسْت.

(طش) الطاء والشين أُصَيلٌ يدلُّ على قِلّةٍ في مَطَر، ويجوز أن يُستعار في غيرهِ أصلاً. من ذلك الطّشّ، وهو المطر الضَّعيف. وقال رؤبة:

* ولا نَدَى وَبْلِكَ بالطَّشيشِ([16]) *

والله أعلم بالصواب.

ـــــــــــــــــ

([1])  وكذا في المجمل، وفي اللسان: "دفعته" بالدال.

([2]) في المجمل واللسان: "بني زريق".

([3]) في المجمل: "إذا استقامَ وأمكن".

([4]) لطهمان بن عمرو الكلابي، كما سبق في حواشي (دمخ). وأنشده في اللسان في (طلل).

([5]) يقال أيضاً بفتح الطاء، كما في اللسان (طلل 432).

([6]) في ديوانه (2: 22). وأنشده في اللسان والجمهرة (3: 285) بدون نسبة :

منها اثنتان لما الطأطاء يحجبه *** والأخريان لما يبدو به القبل

([7]) البيت لعلقمة الفحل في ديوانه 131 والمفضليات (3: 192).

([8]) في الأصل: "أقله علما".

([9]) انظر ما سيأتي في (طهي). وفي اللسان (طها): "وقيل لأبي هريرة: أأنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: وما كان طهوي ـ أي ما كان عملي ـ إن لم أحكم ذلك".

([10]) في الأصل: "يعقل"، صوابه في المجمل واللسان.

([11]) البيت من أبيات رويت في الحماسة: (2: 20). منسوبة إلى العباس بن مرداس. وذكر في اللسان (طرر) أن البيت يروى أيضاً للمتلمس.

([12]) في الأصل: "خوصته" ، صوابه في المجمل واللسان.

([13]) البيت لأبي قيس بن رفاعة. اللسان (عنس)، وشرح شواهد المغني 244. وسيأتي‎‎‎‎‎‎‎ في (عنس).

([14]) في الأصل: "الشك"، تحريف.

([15]) ديوان الحطيئة 49 واللسان (طرر) وإصلاح المنطق 320.

([16]) في اللسان :              * ولا جدا نيلك بالطشيش *.

وفي الديوان: 78:          * وما جدا غيثك بالطشوشِ *.

 

ـ (باب الطاء والعين وما يثلثهما)

(طعم) الطاء والعين والميم أصلٌ مطَّرد منقاسٌ في تذوُّقِ الشَّيء. يقال طَعِمْتُ الشيءَ طَعْماً. والطَّعام هو المأكول. وكان بعضُ أهلِ اللّغةِ يقول: الطَّعام هو البُرُّ خاصّة، وذكر حديث أبي سعيد([1]): "كُنّا نُخرج  صدقةَ الفِطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، صاعاً من طعامٍ أو صاعاً من كذا([2])". ثم يُحمَلُ على باب الطعام استعارةً ما ليس من باب التذوُّق، فيقال: استطعَمَني فلانٌ الحديثَ، إذا أرادكَ على أن تحدِّثه. وفي الحديث: "إذا استطعَمَكم الإمامُ فأطْعِمُوه"، يقول: إذا أُرْتِجَ عليه واستَفْتَح فافتحُوا عليه. والإطعام يقع في كل ما يُطعَم، حتَّى الماء. قال الله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي}  [البقرة 249]. وقال عليه السلام في زمزم: "إنّها طَعامُ طُعْم، وشِفاء سُقْم"، وعِيب خالدُ بن عبد الله القسريّ بقوله: "أطعِمُوني ماءً"، وقال [بعضهم] في عيبه بذلك شعراً([3])، وذلك عندنا ليس بعيب، لما ذكرناه. ويقال رجلٌ طاعم: حسن الحال في المَطْعَم. وقال الحُطيئة:

دَعِ المَكارمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِها *** واقْعُدْ فإنّك أنتَ الطَّاعُم الكاسِي([4])

ورجلٌ مِطْعامٌ: كثير القِرَى. وتقول: هو مُطعَم، إذا كان مرزوقاً. والطُّعْمة: المأكُلة. وجَعَلْتُ هذه الضيعة لفلانٍ طعمة. فأما قول ذي الرُّمّة:

وفي الشِّمال من الشِّريان مُطعمة *** كبداءُ في عَجْسِها عطفٌ وتقويمُ([5])

فإنَّه يروى بفتح العين "مُطعَمة": أنَّها قوسٌ مرزوقة. ويروى: "مُطعِمة"، فمن رواها كذا أراد أنّها  تُطعِمُ صاحبَها الصَّيد.

ويقال للإصبع الغليظة المتقدِّمة من الجارحة مُطعِمة؛ لأَنَّها تُطعمه إذا صادَ بها.  ويقولون إنَّ المطَعَّم من الإبل: الذي يوجد في مُخِّه طَعم الشحم من السِّمَن. ويقال للنَّخلة إذا أدركَ ثمرُها: قد أطعَمَتْ. والتَّطعُّم: التذوُّق. يقال: "تَطَعَّمْ تَطْعَم"، أي ذُق الطعام تشتَهِهِ وتأكُلْه. ويقال: فلانٌ خبيث الطُّعمة، إذا كان رديء الكسب. ويقال: اُدْنُ فاطْعَم، فيقول: ما بي طُعْم،  كما يقال من الشَّراب: ما بي شُرْب. ويقال شاةٌ طَعوم، إذا كان فيها بعضُ السِّمن.

(طعن) الطاء والعين والنون أصلٌ صحيحٌ مطَّرد، وهو النَّخْس في الشَّيءِ بما يُنْفِذُهُ، ثمّ يُحْمَل عليه ويستعار. من ذلك الطَّعْن بالرُّمح. ويقال تطاعن القوم واطَّعَنوا، وهم مطاعينُ في الحرب. ورجلٌ طَعّان في أعراض الناس. وفي الحديث: "لا يكون المؤمن طعَّاناً"، وحَكَى بعضُهم: طعنتُ في الرَّجُل طَعَناناً لا غير، كأنَّهُ فَرَقَ بينه وبين الطَّعَن بالرُّمح. وقال:

وأَبَى ظاهرُ الشَّناءَةِ إلاَّ *** طَعَناناً وقولَ ما لا يُقالُ([6])

وطعن في المفازة: ذهب. وقال بعضهم: طعن بالرُّمح يطعُن بالضمِّ، وطعن بالقول يطْعَن، فتحاً([7]).

ـــــــــــــــــــ

([1]) هو أبو سعيد الخدري، سعد بن مالك بن سنان، الإصابة 2189.

([2]) الذي في المجمل واللسان: "أو صاعاً من شعير".

([3]) انظر الحيوان (2: 267 ـ 268 / 4: 323 / 6: 390).

([4]) ديوان الحطيئة 54 واللسان (طعم).

([5]) ديوان ذي الرِّمة 587 والمجمل واللسان (طعم).

([6]) البيت لأبي ذؤيب الهذلي في اللسان (طعن) وليس في ديوانه. ورواية اللسان: "وأبى المظهر العداوة" وهي رواية الصحاح والمحكم والمخصص (6: 87 / 12: 170).  ورواية التّهذيب: "وأبى الكاشحون يا هند إلاَّ".

([7]) في الأصل: "طعن بالرمح يطعن ويطعن بالقول"، صوابه من المجمل.

 

ـ (باب الطاء والغين وما يثلثهما)

(طغي) الطاء والغين والحرف المعتل أصلٌ صحيح منقاس، وهو مجاوَزَة الحدِّ في العِصيان. يقال هو طاغٍ. وطَغَى السّيلُ، إذا جاء بماءٍ كثير. قال الله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الماءُ} [الحاقة 11]، يريد والله أعلم خروجَه عن المقدار. وطَغَى البحر: هاجت أمواجُه. وطغى الدَّمُ: تبيَّغَ. قال الخليل: "الطُّغْيان والطُّغْوان لغة. والفعل منه طَغَيْتُ وطَغَوت.‏

وممّا شذَّ عن هذا الأصل قولهم إنَّ الطَّغْيَة: الصَّفاة المَلْساء.‏

(طغم) الطاء والغين والميم كلمةٌ ما أحسبها من أصل كلام العرب. يقولون لأوغاد الناس : طَغَام.‏

 

ـ (باب الطاء والفاء وما يثلثهما)

(طفق) الطاء والفاء والقاف كلمةٌ صحيحة. يقولون: طفِقَ يفعل كذا كما يقال ظلَّ يفعلُ. قال اللهُ تعالى: {فَطَفِقَ مَسْحَاً بالسُّوقِ والأعناقِ} [ص 33]، {وَطَفِقا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف 22].

(طفل) الطاء والفاء واللام أصل صحيحٌ* مطّرد، ثم يقاس عليه، والأصل المولود الصغير؛ يقال هو طِفْلٌ، والأنثى طِفلة. والمُطْفِل: الظَّبْية معها طِفْلُها. وهي قريبة عهدٍ بالنِّتاج. ويقال طَفَّلْنا إبلَنا تطفيلاً، إذا كان معها أولادُها فرفَقْنا بها في السَّير. فهذا هو الأصل. ومما اشتُقَّ منه قولهم للمرأة الناعمة: طَفْلة، كَأنَّها مشبَّهة في رُطوبتها ونَعمتها بالطِّفلة، ثم فرق بينهما بفتح هذه وكسر الأولى. ومن الباب أو قريب منه: طِفْل الظَّلام، وهو أوَّلُه، وإِنَّما سمِّيَ طِفلاً لقلَّته ودقته؛ وذلك قبل مجيء مُعظَم الليل. قال لبيد:

فتدلَّيْتُ عليه قافلاً *** وعلى الأرضِ غَياياتِ الطَّفَلْ([1])

ويقال: طَفَلَ اللَّيل: أقبل ظلامُهُ. وأمَّا قول القائل:

* لوَهْدٍ جادَه طَفَلُ الثُّريّا([2]) *

(طفو) الطاء والفاء والحرف المعتل أصلٌ صحيح، وهو يدلُّ على الشَّيء الخفيف يَعلُو الشَّيء. من ذلك قولهم طَفَا الشَّيءُ فوق الماء يطفو طَفْوَاً وطُفُوَّاً، إذا علاهُ ولم يرسُب، وحتَّى يقولوا: طَفَا الثَّور فوقَ الرَّمْلة.

ومن الباب: الطُّفْية، وهي خُوصة المُقْلِ، وسمِّيت بذلك لأنها تَعظم([3]) حتى تغطِّيَ الشجرة. وفي كتاب الخليل: الطُّفْية: حيَّة خبيثة. وهذا عندنا غلطٌ إنما الطُّفية خُوصة المقل، والجمع طُفْيٌ، ثم يشبَّه الخطُّ الذي على ظهرِ الحيَّة بها. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحيَّات: "اقتلوا ذا الطُّفْيَتَيْنِ والأَبْتَر". ألا تَراهُ جعله ذا طُفيَتَيْنِ، لأنَّهُ شبَّهَ الخطَّينِ اللذين على ظهره بذلك. وقال الهُذَ ليّ في الطُّفْي:

عفت غيرَ نُؤْيِ الدارِ ما إنْ تُبينُه *** وأقطاعِ طُفْيٍ قد عفَتْ في المعاقِلِ([4])

فأمَّا قولُ القائل:

* كما تَذِلُّ الطُّفَى مِنْ رُقْيَةِ الرَّاقي([5]) *

فإنه أراد ذوات الطُّفَى. والعرب قد تتوسَّع بأكثر من هذا. كما قال:

* إذا حملتُ بِزَّتِي على عَدَسْ([6]) *

أراد: على التي يقال لها عَدَسْ؛ وذلك زْجرٌ للبغال.

فإذا هُمِزَت كان في معنى آخر، يقال طَفِئَت النار تَطْفَأُ، وأنا أطفَأْتُها. فأمَّا الطَّفاء مثل الطَّخاء، وهو السَّحابُ الرَّقيقِ، فهو من الباب الأول، كأنَّه شيءٌ يطفو.

(طفح) الطاء والفاء والحاء. وهو شبيهٌ بالباب الذي قبله. يقال الطُّفَاحة: ما طَفَحَ فوق الشَّيءِ يُطْبَخُ من زُبْدٍ أو غيره، ثمَّ يُحْمَلُ عليهِ  فيسمَّى كلُّ شيءٍ عَلاَ شيئاً فغطَّاهُ طافحاً. يقال طَفَحَ النهرُ: امتلأ. طَفَحَ السَّكرانُ من ذلك، فهو طافح. وطفَّحت الرِّيح القُطنةَ في الهواء، إذا سطعَت  بها.

(طفر) الطاء والفاء الراء كلمةٌ صحيحةٌ، يقال طَفَر: وثَب.

(طفس) الطاء والفاء والسين، يقولون طفس: مات، والطَّفَس الدَّرَن.

(طفن) الطاء والفاء والنون ليس بشيء. على أنهم يقولون: الطُّفَانِيَة نعتُ سَوءٍ في الرّجل والمرأة. والله أعلم بالصواب.

 

([1]) سبق البيت وتخريجه في (1: 167) مادة (أيي).

([2]) أنشده في المجمل واللسان (طفل 429). والكلام بعد مبتور، تقديره: "فالطفل هنا المطر". وفي المجمل قبل إنشاد البيت: "والطفل مطر. قال".

([3]) في الأصل: "تعلم".

([4]) البيت لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 140 واللسان (طفا). ورواية الديوان واللسان: "عفا غير نؤى الدار"، يعود الضمير إلى "طلل" في بيت قبله. وفي الديوان أيضاً: "ما إن أبينه".

([5]) صدره في اللسان (طفا): * وهم يذلونها من بعد عزتها *.

([6]) انظر اللسان (عدس).

 

ـ (باب الطاء واللام وما يثلثهما)

(طلم) الطاء واللام والميم أصلٌ صحيحٌ، وهو ضَربُ الشَّيءِ بِبَسْط الشيء المبسوط. مثال ذلك الطَّلْم، وهو ضَربُكَ خُبْزَة المَلَّة بيدك تنفُضُ ما عَليها من الرَّماد. وما أقرَبَ ما بين الطّلْم واللَّطْم. والدَّليلُ على ذلك قول حسّان:

* تُطَلِّمهن بالخُمُر النِّساءُ([1]) *

فإنَّ ناساً يرونه كذا، وآخرونَ يرونه: "تلطِّمُهنَّ". وذلك دليلٌ على أن المعنى واحد. ويقال إنَّ الطلْمة الخُبْزَة، وإِنِّما سمِّيت بذلك تُلْطَم.

(طله) الطاء واللام والهاء ليس عندي بأصل يفرع منه، ولا قياسه بذلك الصَّحيح، لكنهم يقولون: طَلَهَ في البلاد، إذا ذهب، يَطْلَه طَلْهاً. ويقولون الطُّلْهة: القليل من الكلام. ويقال الطُّلْهة: الأسمال من الثِّياب؛ يقال: تَطَلَّهْ هذا [الخَلَق([2])]  حَتَّى تَسْتَجِدَّ غيرَه.

(طلي) الطاء واللام والحرف المعتل أصلان صحيحان، أحدهما يدلُّ على لطْخ شيءٍ بشيءٍ، والآخر على شيءٍ صغيرٍ كالولدِ للشَّيءِ.

فالأوَّلُ طَليْتُ الشَّيءَ بالشَّيء، * أَطْليه. [واطَّليتُ([3])]  بالشَّيءِ أَطَّلِي به. والطِّلاء: جنسٌ من الشَّراب، كأنَّه ثَخُنَ حتَّى صارَ كالقَطِران الذي يُطلى به. والمِطلاء: أرضٌ مِئْناثٌ، والجمع المَطَالِي، وهو من القِياس وذلك أنَّها قد طُليتْ بشيءٍ حتَّى لانت.

ومن الباب: كلامٌ لا طَلاَوَةَ لَـه، إذا كان غثّاً([4])، كأنَّه إذا كان خلاف ذلك فقد طُلِيَ بشيءٍ يُحلِّيهِ. وبأسنانهِ طَلِيٌّ وطِلْيَانٌ. وقد طَلِيَ فوه يَطْلَى طَلاً، وهي الصُّفْرَة، كأنها طُلِيَتْ به.

والأصل الآخر الطِّلْوَة: ولد الوحشيّة الأنثى، والذكر طِلاً. ويقولونَ الطِّلْو: الذِّئْب، ولعله أن يكون ولده؛ لما ذكرناه.

ثم يَشتَقّ من هذا فيقال للحبْل الذي يشدُّ به الطِّلاَ طِلْوَة. كذا قال ابن دريد([5]). فأمَّا أحمد بن يحيى ثعلب فأنشدني عنه القَطَّان:

ما زال مذْ قُرِّف عنه جُلَبُه *** له من اللّؤم طَلِيٌّ يجْذبُه([6])

قال الفرّاء: طَلَيْتُ الطِّلا وطَلَوْتُهُ،  إِذا ربطتَهُ بِرِجْله.

وقد بقي في الباب ما يبعُد عن هذا القِياس، إلاَّ أنَّهُ في بابٍ آخر. قال الشَّيباني: الطّلاَ: الشَّخص؛ يقال إنَّه لجميل الطَّلا. وأنشد:

وخدٍّ كمَتْنِ الصُّلَّبيِّ جَلَوْتَه *** جميلِ الطَّلاَ مستشرِبِ الوَرْسِ أكحلِ([7])

فهذا إن صحَّ فهو عندي من الإِبدال، كأنَّه أراد الطَّلَل ثم أبدل إحدى اللامين حرفاً معتلاً. وهو من باب: "تقضِّي البَازِي([8])" وليس ببعيد. ومنه أيضاً الطُّلْيَة والجمع الطُّلَى: الأعناق. وإنَّما  سمِّيت كذا لأنَّها شاخصةٌ، محمولة على الطَّلا الذي هو الشَّخْص.

(طلب) الطاء واللام والباء أصلٌ واحد يدلُّ على ابتغاء الشَّيء. يقال طلبتُ الشيء أطلبه طَلَبَاً. وهذا مَطْلَبِي، وهذه طَلِبَتِي. وأَطلبتُ فلاناً بما ابتغاهُ، أي أسعفته به. وربما قالوا أَطْلَبْتُهُ، إذا أحوجتَهُ إلى الطَّلَب. وأَطْلَبَ الكلأ:  تباعد عن الماء، حتّى طلبه القوم، وهو ماء مُطْلِب. قال ذو الرّمّة:

[أَضَلَّهُ راعيا كَلْبيَّةٍ صَدَرَا *** عن مُطْلِبٍ قاربٍ وُرَّادُهُ عُصبُ([9])]

(طلح) الطاء واللام والحاء أصلانِ صحيحان، أحدهما جنسٌ من الشجر، والآخر بابٌ من الهزال وما أشبهه.

فالأوّل الطَّلْح، وهو شجرٌ معروف، الواحدةُ طَلحة، وذو طُلُوحٍ: مكان، ولعلَّ به طَلْحَاً. ويقال إِبل طَلاَحَى وطَلِحة، إِذا شَكَتْ  عن أكل الطَّلْح.

والثاني: قولهم ناقةٌ طِلْح أسفارٍ، إِذا جهَدَها السَّير وهَزَلَهَا؛ وقد طَلِحَتْ. والطِّلْح؛ المهزول من القِرْدان. قال:

إذا نام طِلْحٌ أشعثُ الرّأس خلفَها *** هداه لها أنفاسها وزفيرُها([10])

ومن الباب الطَّلاح: ضدُّ الصَّلاح، وكأنَّه من سوء الحال والهُزَال.

(طلخ) الطاء واللام والخاء ليس بشيء، وذكروا فيه كلمةً كأنَّها مقلوبة. قال الخليل: الطَّلْخ: اللَّطْخ([11]) بالقَذَر. ويقال الغِرْيَن الذي يبقى في أسفل الحوض.

(طلس) الطاء واللام والسين أصلٌ صحيح، كأنَّه يدلُّ على ملاسة. يقال لفخِذ البعيرِ إِذا تساقطَ عنه شعره: طِلْس. ومنه طَلسْت الكتابَ([12])، إِذا محوته، كأنَّك قد مَلّسته([13]). فأمَّا الذّئب الأطلس فيقولون الأغبر، والقياس يدلُّ على أنَّه الذي قد تمعَّط شعره، فإِنْ كان ما يقولونه صحيحاً فكأنَّهُ من غُبْرته قد أُلبس طيلساناً. والطَّيْلَسان بفتح اللام صحيح([14])، وفيه يقول الشاعر:

وليلٍ فيه يُحسَبُ كلّ نجمٍ *** بدَا لكَ من خَصَاصَة طَيلسانِ([15])

 (طلع) الطاء واللام والعين أصلٌ واحد صحيح، يدلُّ على ظهورٍ وبُروز، يقال طلعت الشمس طُلوعاً ومَطْلَعاً. والمَطْلِع: موضع طلوعها. قال الله تعالى: {حَتَّى مَطْلَِعِ الفَجْر} [القدر 5]. فمن فتح اللام أراد المصدر، ومن كسر أراد الموضع الذي تطلعُ منه. ويقال طَلَعَ علينا فلانٌ، إذا هجم. وأَطْلَعْتُك على الأمر إِطْلاعاً. وقد أطلعتُك طِلْعَهُ. والطِّلاع: ما طَلعت عليه الشمس من الأرض. وفي الحديث: "لو أنَّ لي طِلاَعَ الأرض ذهباً". ونَفْسٌ طُلَعَةٌ: تتطلَّعُ للشيء. وامرأةٌ طُلَعَةٌ، إذا كانت تكثر الاطّلاع. والطَّلْع: طَلْعُ النّخلة، وهو الذي يكونُ في جوفه الكافُور، وقد أطلعت النخلة. وقوس طِلاَعُ الكفِّ، إذا كان عَجْسها* يملأ الكفّ. قال أوس:

كَتُومٌ طِلاَعُ الكفِّ لا دونَ مِلْئِها *** ولا عَجْسُها عن موضِعِ الكفِّ أفضلا([16])

ومن الباب:  استطلعتُ رأيَ فلانٍ، إذا نظرتَ ما الذي يَبْرُزُ إليك منه. وطَلْعة الإنسان: رؤيته؛ لأنَّها تطلُع، ورمى فلان فأَطْلَعَ وأشْخَص، إذا مرَّ سهمُه برأسِ الغَرَض. وطليعة الجيش: من يطَّلِع طِلْعَ العدوّ، والمُطَّلَع: المأْتَى؛ يقال أين مُطَّلع هذا الأمر، أي مأْتاه. فأمَّا قوله عليه السَّلام: "لافتدَيْتُ به من هول المُطَّلع"([17]). ومن الباب الطُّلَعاء: القيء؛ يقال أطْلَع: إذا قاء.

(طلف) الطاء واللام والفاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على إهانة الشَّيء وطَرْحه، ثم يُحمَل عليه. فالطَّلَف: الهَدَر من الدِّماء. وكلُّ شيء لم يُطْلَب فهو هَدَر. قال:

حَكَمَ الدّهرُ علينا إنه  *** طَلَفٌ ما نال منا وجُبارُ([18])

والمحمول عليه الطَّلَف: العطاء، ولا يُعطى الشَّيءُ حتّى يكون أمره خفيفاً عند المعطِي. يقال أَطْلَفَني وأَسْلَفَني. فالطَّلَف: العطاء. والسَّلَف: ما يُقتضَى. والطَّلَف: الهيِّن. قال:

وكلُّ شيءٍ من الدُّنيا نُصَاب به *** ما عِشت فينا وإنْ جلَّ الرُّزَى طَلَفُ([19])

والطَّليف والطَّلَف متقاربان. وقولهم إنَّ الطَّلَفَ الفَضْل، ليس بشيء، إلا أن يراد أنَّه الفاضل عن الشيء، لما ذكرناه.

(طلق) الطاء واللام والقاف أصلٌ صحيحٌ مطّرد واحد، وهو يدلُّ على التَّخلية والإرسال. يقال انطلقَ الرّجل ينطلق انطلاقاً. ثمَّ ترجع الفروع إليه، تقول أطْلَقْتهُ إطلاقاً. والطِّلْق: الشيء الحلال، كأنَّه قد خُلِّيَ عنه فلم يُحظَر.

ومن الباب عَدَا الفرس طَلَقاً أو طَلَقين. وامرأة طالقٌ: [طَلَّقها زوجُها]([20])، وطالقةٌ غداً. وأطلَقْتُ النّاقةَ من عِقالها وطَلّقتها فطلَقت. ورجل طَلْق الوَجه وطليقُه، كأنَّه منطلق. وهو ضدُّ الباسر؛ لأنَّ الباسر الذي لا يكاد يَهَشّ ولا ينفسِحُ ببشاشة. وأهل اليمن يقولون: أبسر المركب، إذا وقف([21]). ويقال طَلَقَ يدَه بخير وأطْلَقَ بمعنى. وأنشد ثعلب:

اُطْلُقْ يديك تنفعاكَ يا رجُلْ *** بالرَّيث ما أرويتَها لا بالعَجَلْ([22])

والطَّالق: النّاقة تُرسَل ترعى حيث شاءت. ويقال للظَّبْي إذا مرَّ لا يُلوِي على شيء: قد تَطلَّق. ورجل طَِلْق اللسان وطَلِيقُه. وهذا لسانٌ طلق ذلق([23]).

وتقول: هذا أمرٌ ما تَطَلَّقُ نفسي له، أي لا تنشرح له. ويقال طُلِّق السَّليم، إذا سكن وجعُه بعد العِداد. قال:

* تطلِّقه طَوْراً وطوْراً تُرَاجِعُ([24]) *

فأمَّا قوله:

* كما تعتري الأهوالُ رأسَ المطلَّقِ([25]) *

فإنه يُروى كذا بفتح اللام: المطلَّق، وهو الذي طُلِّق من وجع السّمّ.

ومن النّاس([26]) من يرويه "المطلِّق" بكسر اللام، فمعناه أنَّهم يسمُّون الرَّجلُ الذي يريد أن يُسابِقَ بفرسه المطلِّق، فالأهوالُ تعتريه، لأنَّه لا يدري أَيَسْبِق أم يُسْبَق.

قال الشيباني: الطالق من [الإِبل]([27]) التي يتركُها الراعي لنفسه، لا يحلبها على الماء. يقال: استطلق الرّاعي لنفسه ناقةً. وليلة الطَّلَق: [ليلةَ]([28]) يخلِّي الرَّاعي إِبلَه إلى الماء. وهو يتركها مع ذلك ترعى ليلتَئذ. يقال أطلقْتُها حتَّى طَلَقَتْ طَلَقاً وطُلوقاً، وهي قبل القَرَب وبعد التحويز.

ــــــــــــــــ

([1]) صدره كما في ديوانه 5 واللسان (طلم، مطر): * تظل جيادنا متمطرات*.

وفي الأصل: "تلطمهن"، صوابه في المجمل.

([2]) التكملة من المجمل.

([3]) التكملة من المجمل.

([4]) الطلاوة مثلثة الطاء، وفي الأصل: "إذا كان غبا"، صوابه في المجمل.

([5]) في الجمهرة: (3: 117).

([6]) في الأصل: "عنه حبله له من الطلى يجذبه"، وتصحيحه من المجمل.

([7]) عجزه في المجمل، وهو بتمامه في اللسان (طلى).

([8]) أي تقضضه. أنشد في اللسان (قضض) للعجاج: * تقضِّيَ البازي إذا البازي كسر*.

([9]) البيت ساقط في الأصل، وإثباته من الديوان 30 واللسان (طلب).

([10]) للحطيئة في ديوانه 100 واللسان (طلح).

([11]) في الأصل: "واللطخ بالقدر"، صوابه في المجمل.

([12]) يقال بتشديد اللام وتخفيفها.

([13]) في الأصل: "طلسته".

([14]) الحق أنه فارسي معرب من "تالسان".

([15]) في الأصل: "يحسب فيه"، ولا يستقيم به الوزن.

([16]) ديوان أوس 21 واللسان (طلع). وسيأتي في (عجس).

([17]) الكلام بعده مبتور. وفي اللسان: "يريد به الموقف يوم القيامة أو ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت".

([18]) للأفوه الأودي في ديوانه 9 مخطوطة الشنقيطي واللسان (طلف).

([19]) أنشده في المجمل أيضاً بهذا الضبط.

([20]) التكملة من المجمل.

([21]) كذا وردت هذه العبارة.

([22]) البيت في اللسان (طلق). قال:" ويروى: أَطْلِقْ".

([23]) هذان يقالان وكل منهما ككتف وصرد، وبضمتين.

([24]) للنابغة في ديوانه 52،  واللسان (طور). وصدره:

* فبت كأني ساورتني ضئيلة *.

([25]) صدره في اللسان (طلق):  * تبيت الهموم الطارقات يعدنني *.

([26]) في الأصل: "ومن الباب".

([27]) التكملة من المجمل.

([28]) التكملة من المجمل.

 

ـ (باب الطاء والميم وما يثلثهما)

(طمن) الطاء والميم والنون أُصَيْلٌ بزيادة همزة. يقال: اطمأنَّ المكان يطمئنّ طمَأنينة. وطامنت مِنه: سَكَّنت.

(طمي) الطاء والميم والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على علو وارتفاع في شيءٍ خاص. يقال طما البحرُ يطمو ويَطْمِي لُغتان، وهو طامٍ، وذلك إذا امتلأ وعلا. ويقال طَمَى الفرسُ، إذا مرَّ مُسرِعاً. ولا يكون ذلك إلاَّ في ارتفاع.

(طمث) الطاء والميم والثاء أصلٌ صحيح يدلُّ على مسِّ الشيء. قال الشَّيباني: الطَّمْث في كلام العرب المسُّ، وذلك في كلِّ شيء. يقال: ما طَمَث ذا المرتعَ قبلنا أحد. قال: وكلُّ شيء يُطمث. ومن ذلك الطَّامث *وهي الحائض. طَمِثَتْ وطَمَثَتْ. ويقال طَمَثَ الرَّجُل المرأةَ: مسَّها بجماع. وهذا في هذا الموضع لا [يكونُ] بجماع وحدهُ([1]). قال الله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ} [الرحمن 56 و74]، قال الخليل: طمثْتُ  البعير طَمْثاً، إذا عقلتهُ([2]). ويقال: ما طمث هذه الناقةَ حَبْلٌ قط. أي ما مسَّها. وأمَّا قول عديّ:

* أو طَمْثِ العَطَنْ([3]) *

فقال قوم: الطَّمْث: الدَّنَس.

(طمح) الطاء والميم والحاء أصل صحيح يدلُّ على علوٍّ في شيء. يقال طَمَحَ ببصرهِ إلى الشيء: علا. وكلُّ مرتفعٍ طامح. وطمَح ببوله. إذا رماه في الهواء. قال:

طويلٍ طامحِ الطّرف *** إلى مَفْزَعَةِ الكَلْبِ([4])

ومن الباب طَمَحات الدّهر: شدائِدُه.

(طمر) الطاء والميم والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على معنيين: أحدهما الوثب، والآخر وهو قريبٌ من الأوَّل: هَوِيّ الشَّيء إلى أسفل.

فالأوَّل: طَمَرَ: وثَب؛ فهو طامر. ويقال للفرسِ طِمِرٌّ، كأنَّهُ الوثّاب. وطامرُ بن طامرٍ: البرغوث.

والأصل الآخر طَمَرَ، إِذا هَوَى. والأمر المطمِّر: المهلك. والأمور المُطَمِّرات: المهلكات. وطمارِ([5]): مكان يُرْفَع إليه الإنسان ثم يُرْمَى به. قال:

إلى رجلٍ قد عَقَرَ السَّيْفُ وجهَه *** وآخرَ يَهوي من طَمَارَِ قتيلِ([6])

ومن الباب: طمرت الشَّيءَ: أخفيتُه. والمطمورة: حفرةٌ تحتَ الأرض يُرمى فيها الشيء.

ومن الباب: طَمَرت الغِرارةَ، إِذا ملأْتَها؛ كأنَّ الشيءَ قد رُمِيَ بها.

ومما شذَّ عن الباب الطِّمْر: الثّوب الخَلَق. وقولهم إنَّ المِطْمَر زِيجٌ للبنَّاء، فهو ممّا أعلمتك أنَّه لا وجهَ للشُّغلِ به.

(طمس) الطاء والميم والسين أصلٌ يدلُّ على محوِ الشيء ومسحِهِ. يقال طَمَسْتُ الخَطَّ، وطَمست الأثرَ. والشيءُ طامسٌ أيضاً. وقد طَمَسَ هو بنفسهِ.

(طمش) الطاء والميم والشين  لا قياسَ له، ولولا أنَّه في الشَّعر لكان من المشكوك فيه؛ لأنّه لا يُشِبه كلامَ العربِ. على أنَّهم يقولون: ما أدري أيُّ الطمْشِ هو؟ أيْ أيُّ النّاس والخلْقِ هو. قال:

* وَحْشٌ ولا طَمْشٌ من الطُّمُوش([7]) *

(طمع) الطاء والميم والعين أصلٌ واحدٌ صحيح يدلُّ على رجاءٍ في القلبِ قويٍّ للشَّيء. يقال طَمِعَ في الشيءِ طَمَعاً وطَمَاعة([8]) وطماعِيَة. ولَطَمُعْتَ يازيد([9]) كما يقولون: لَقَضُو القاضي. هذا عند التعجُّب. ويقال امرأةٌ مِطْماعٌ، للتي تُطمِع ولا تُمْكِن.

(طمل) الطاء والميم واللام أُصَيْلٌ يدل على ضَعَةٍ وسَفالٍ. وأصله الذي يبقى في أسفل الحوضِ من الماء القليل والطِّينِ، يقال لذلك الطَّمْلَة. يقال اطُّمِلَ ما في الحوضِ، وقد اطَّمَلَهُ، إذا لم يترك فيه قَطْرَة([10]). ثم يحملون على هذا فيقولون للمرأة الضَّعيفة: طِمْلَة، وللرجل اللصّ طِمْل. ويقولون: إنَّ الطِّمْل: الفاحش. والله أعلم بالصواب.

ـــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "إلا بجماع وحده". والمفهوم من صنيع اللسان أن الطمث الافتضاض بالتدمية، أي جماع البكر.

([2]) في الأصل: "علقته"، صوابه من المجمل واللسان.

([3]) قطعة من بيت له في اللسان (طمث). وهو بتمامه:

طاهر الأثواب يحمي عرضه *** من خنـثى الذمة أو طمث العطن

([4]) لأبي دواد الإيادي، كما في الحيوان (2: 168)، واللسان (طمع). وحقق البكري في التنبيه أنه لعقبة بن سابق الهزاني. انظر شرح الحيوان (2: 168). وسيأتي في (فزع).

([5]) طمار، بفتح الطاء، مثل قطام بالبناء على الكسر، ويقال أيضاً بالإعراب مع منعه من الصرف. وضبط هذه الكلمة غامض في اللسان والقاموس. انظر معهما معجم البلدان في رسمه.

([6]) لسليم بن سلام الحنفي، يقوله في مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وهانئ بن عروة المرادي. انظر اللسان (طمر)، ومعجم البلدان. وقبله فيهما:

فإن كنتِ لا تدرين ما الموت فانظري  *** إلى هانئ في السوق وابن عقيل

([7]) لرؤبة كما سبق في (حشر 66).

([8]) في الأصل: "ولا طماعة". وكلمة "لا" مقحمة، ليست في المجمل.

([9])  في الأصل: "وأطمعت يا زيد"، وفي المجمل: "وقال بعضهم: لطمع الرجل بضم الميم تعجباً، وكذلك لقضو القاضي".

([10]) في الأصل: "وطرة"، صوابه من المجمل واللسان.

 

ـ (باب الطاء والنون وما يثلثهما)

(طني) الطاء والنون والحرف المعتل كلمةٌ تدلُّ على مرضٍ من أمراضِ الإِبل. يقال طَنِيَ البعير، إذا التصقت رئتُهُ بجنْبِهِ فمات، يَطْنَى طَنَى. ويقال ما طَنِيتُ بهذا الأمر، أي ما تعرَّضْتُ له، كأنَّه يقول: ما لصق بي ولا تلطَّخت به.

وأمَّا المهموز فليس من الباب في البناء، لكنه في المعنى متقارب. يقولون: إنَّ الطِّنْءَ: الرِّيبة. قال:

كأنَّ على ذي الطِّنْءِ  عَيْناً رَقِيبةً  *** بِمقْعَده أو منظرٍ وهو ناظرُ([1])

وإِنما سميت بذلك لأنَّ الريبة مما يلطَّخ ويتلطَّخ به.

ومما شذَّ عن الباب الطنْء: المنزل، وقد يهمز([2])، وهو يبعد عن الذي ذكرناه بعداً.

ومما شذَّ أيضاً قولهم: تركته بِطنْئِهِ، أي بِحُشاشةِ نفسِه.

(طنب) الطاء والنون والباء أصلٌ يدلُّ على ثَبات الشَّيء و تمكنه في استطالة. من ذلك الطُّنُب: طُنُبُ الخِيام، وهي حبالُها التي تشدّ *بها. يقال طَنَّبَ بالمكان: أقام. والإطْنابة: المِظلّة، كأنَّها إفْعالة من طَنَبَ؛ لأنها تثبت على ما تُظلِّله([3]). والإِطْنابة: سيرٌ يشدُّ في طَرَف وترِ القَوْسِ.

ومن الباب قولهم: أطنب في الشيء إذا بالغ، كأنَّهُ ثبت عليه إرادةً للمبالغة فيه. ويقولون: طَنِبَ الفَرَسُ، وذلك طول المَتن وقوَّته، فهو كالطُّنُب الذي يمدُّ ثم يثبَّتُ به الشيء. وكذلك أَطَنَبَت الإِبل، إذا تَبِعَ بعضُها بعضاً في السيرِ. وأطنبت الرِّيح إِطْناباً، إذا اشتدّت في غُبار. ومعنى هذا أن ترتفع الغَبَرة حتى تصير كالإطنابة، وهي كالمظلَّة.

(طنخ) الطاء والنون والخاء كلمةٌ إن صحت. يقولون طَنِخ، إذا بَشِم، ويقال إذا سَمِن.

(طنف) الطاء والنون والفاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على دَوْرِ شيءٍ على شيء. يقولون الطُّنُف: حَيد في الجبَل  يطنّف به. ويقولون الطُّنُف: إفريز الحائط.  والطنف([4]): السُّيور. فأمَّا الطَّنَف في التُّهَمَة فهو من المقلوب، كأنَّه من النَّطَف، وقد ذكرناه في بابه.

ومما شذَّ عن الباب شيءٌ حُكيَ عن الشيباني، أن الطنف الذي يأكل القليل([5]). يقال ما أَطْنَفه.

ــــــــــــــــ

([1]) صدره في اللسان (طنأ) برواية: "عينا بصيرة".

([2]) كذا وردت  هذه العبارة.

([3]) في الأصل: "على ما تظلل به".

([4]) هذا يقال بفتحتين وبضمتين.

([5]) ذكر هذا المعنى في القاموس، ولم يذكر في اللسان.

 

ـ (باب الطاء والهاء وما يثلثهما)

(طهي) الطاء والهاء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على أمرين إمّا على معالجة شيء، وإما على رِقّة.

فالأول: علاج اللحم في الطَّبْخ. والطَّاهي: فاعل، وجمعه طُهاة. قال:

فَظَلَّ طُهَاةُ اللّحْمِ من بين مُنْضِجٍ *** صَفِيفَ شِواءٍ أو قديرٍ مُعَجَّلِ([1])

وقال أبو هريرة في شيء سُئِلَ عنه: "فما طَهْوِي إذاً ـ أي ما عملي ـ إن لم أحْكِمْ ذلك". وحكى بعضُهم طَهَت الإِبلُ تَطْهَى، إذا نَفَشَت باللَّيلِ ورعت، طَهْياً([2])، كأنَّها في ذلك تُعالجُ شيئاً. قال:

ولسنا لباغي المُهْمَلاتِ بقِرْفةٍ *** إذا ما طَهَى بالليلِ منتشراتُها([3])

والأصل الآخر الطَّهَاء، وهو غيم رقيق، وطُهَيَّةُ: حيٌّ من العرب، ومن ذلك اشتُقَّ. والنسبة إليهم طَهَوِيّ وطُهْوِيّ([4]).

(طهر) الطاء والهاء والراء أصلٌ واحدٌ صحيح يدلُّ على نقاءٍ وزوالِ دَنَسٍ. ومن ذلك الطُّهْر: خلاف الدَّنَس. والتطهُّرُ: التنـزُّه عن الذمِّ وكلِّ قبيح. وفلانٌ طاهر الثِّياب، إذا لم يدنَّس. [قال]:

ثيابُ بني عوفٍ طَهَارَى نقيّةٌ  *** وأوجُهُهمْ عند المَسَافرِ غُرّانُ([5])

والطَّهور: الماء. قال الله تعالى: وأَنْزَلْنَا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً[الفرقان 48]. وسمعتُ محمّد بن هارونَ الثَّقَفِي يقول: سمعتُ أحمد بن يحيى ثعلباً يقول: الطَّهور: الطاهر، في نفسه، المُطَهِّرُ لغيرهِ.

(طهش) الطاء والهاء والشين ليس بشيء. وذُكِرتْ كلمةٌ فيها نظر، قالوا: الطَّهْش: فَساد العمل.

(طهف) الطاء والهاء والفاء كالذي قبله. على أنَّهم يقولون: الطَّهَْفَ طعامٌ يتَّخذ من الذُّرة، ويقال هي أعالي الصِّلِّيان. ويقولون: الطُّهافة: الذُّؤابة. وكلُّ ذلك كلام.

(طهل) الطاء والهاء واللام كلمةٌ إنْ صحَّت. يقولون طَهِلَ الماء: أَجَنَ. والطهْلِئة([6]): الطين الذي يَنْحَتُّ منَ الحوضِ في الماءِ.

(طهم) الطاء والهاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على شيءٍ في خَلْقِ الإنسان وغيرهِ. فحكى أبو عبيدة أنَّ المُطَهَّم: الجميل التامّ الخَلْق من الناس والأفراس. وقال غيره: المَطَهَّم: المكلْثَم المجتَمِع. وهذا عندنا أصحُّ القولين؛ للحديث الذي رواه عليٌّ عليه السلام في وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لم يكن بالمطهَّم ولا المكلْثم"، وحكيت كلمةٌ إن صحّت، قالوا: تطهَّمْتُ الطَّعامَ: كرهته.

ــــــــــــــــــ

([1]) لامرئ القيس في معلقته.

([2]) وطهوا، بالفتح، وطهوا على فعول.

([3]) للأعشى في ديوانه 62 والمجمل واللسان (طها). وفي الأصل: "ولست"، تحريف. وفي الحيوان: (5: 434): "إذا ما طما".

([4]) ويقال أيضاً طهوي، بالفتح، وبالتحريك.

([5]) لامرئ القيس في ديوانه 115 واللسان (طهر، غرر).

([6]) في الأصل: "والطهيلة"، صوابه في المجمل واللسان.

 

ـ (باب الطاء والواو وما يثلثهما)

(طوي) الطاء والواو والياء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على إدراج شيءٍ حتَّى يدرَج بعضُه في بعض، ثم يحمل عليه تشبيهاً. يقال طويت الثَّوبَ والكِتاب طَيّاً أطويه. ويقال طَوَى الله عُمر الميّت. والطَّوِيّ: البئر المطوية. قال:

فقالت له: هذا الطَّوِيُّ  وماؤه *** ومحترقٌ من يابسِ الجِلْدِ قاحِلُ([1])

ومما حمل على هذا الباب قولهم *لمن مضى على وجهه: طوى كَشْحَه. وأنشد:

وصاحبٍ لي طوى كشحاً فقلتُ لـه *** إنَّ انطواءَكَ عنِّي سوف يَطْوِيني([2])

وهذا هو القِياس؛ لأنَّه إذا مضى وغاب عنه فكأنه أُدرج.

ومن الباب أطواء النّاقة، وهي طرائقُ شحم جنبيْها. والطَّيَّانُ: الطَّاوِي البطن. ويقال طوِيَ؛ وذلك أنَّه إذا جاع وضَمُر صار كالشَّيءِ الذي لو ابتُغِيَ طيُّه لأمكن. فإنْ تعمَّدَ للجوُع قال: طَوَى يَطْوِي طَيَّاً، وذلك في القياس صحيح، لأنَّه أدرج الأوقاتَ فلم يأكلْ فيها، قال الشاعر([3]) في الطَّوَى:

ولقد أبيتُ على الطَّوَى وأظلُّهُ *** حتَّى أنالَ به كريمَ المأكلِ

ثم غَيَّرُوا هذا البناءَ أدنى تغييرٍ فزال المعنى إلى غيرهِ فقالوا: الطَّاية([4])؛ وهي كلمةٌ صحيحةٌ تدلُّ على استواءٍ في مكان. قال قوم: الطَّاية: السَّطْح. وقال آخرون: هي مِرْبَد التَّمر. وقال قوم: هي صخرةٌ عظيمة في أرضٍ ذات رمل.

(طوب) الطاء والواو والباء ليس بأصل؛ لأنَّ الطوب فيما أحسب هذا الذي يسمى الآجُرّ، وما أَظُنُّ العربَ تعرفه. وأمَّا طُوبَى فليس من هذا، وأصله الياء، كأنها فعلى من الطِّيب، فقلبت الياء واواً للضمَّة.

(طوح) الطاء والواو والحاء ليس بأصل، وكأنه من باب الإِبدال. يقال طاحَ يَطيح. ثم يقولون: طاحَ يَطُوح، أي هَلَكَ.

(طود) الطاء والواو والدال أصلٌ صحيح، وفيه كلمةٌ واحدةٌ. فالطَّود: الجَبَل العظيم. قال الله سبحانه: {فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيْمِ} [الشعراء 63]. ويقولون: "طَوَّدَ في الجبل، إذا طَوَّف، كأنه فعل مشتقٌّ من الطود.

(طور) الطاء والواو والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على معنىً واحد، وهو الامتداد في شيءٍ من مكانٍ أو زمان. من ذلك طَوَار الدَّار، وهو الذي يمتدُّ معها من فِنائِها. ولذلك [يقال] عدا طَوْره، أي جاز الحدَّ الذي هو له من دارِهِ. ثم استعير ذلك في كل شيء يُتعدَّى. والطُّور: جبلٌ، فيجوز أن يكون اسماً عَلَمَاً موضوعاً، ويجوز أن يكون سمِّي بذلك لما فيه من امتدادٍ طولاً وعَرضاً. ومن الباب قولهم: فعل ذلك طَوْراً بعد طَوْر. فهذا هو الذي ذكرناه من الزَّمان، كأنَّه فَعَلَه مَدَّةً بعد مدة. وقولهم للوحشيِّ من الطَّير وغيرها طُورِيّ وطُورانيٌّ، فهو من هذا، كأنَّه توحَّشَ فعدا الطَّورَ، أي تباعد عن حدِّ الأنيس.

(طوس) الطاء والواو والسين ليس بأصل، إنّما فيه الذي يقال لـه الطَّاوُوس. ثم يشتقّ منه فيقال للشَّيء الحسن: مُطوَّس. وحُكيَ عن الأصمعيّ: تطوَّست المرأةُ: تزينَت. وذكر في الباب أيضاً أنَّ الطَّوْس: تغطيةُ الشّيء. يقال طُسْته طَوْساً، أي غطَّيته. قالوا: وَطَوَاس([5]): ليلةٌ من ليالي المَُِحَاق.

(طوع) الطاء والواو والعين أصلٌ صحيحٌ واحد يدلُّ على الإصحابِ والانقيادِ. يقال طاعَه يَطُوعه،  إذا انقاد معه ومضى لأمره. وأطاعه بمعنى طاعَ له. ويقال لمن وافَقَ غيرَه: قد طاوعه.

والاستطاعة مشتّقةٌ من الطَّوع، كأنها كانت في الأصل الاستطواع، فلما أسقطت الواو جعلت الهاء بدلاً منها، مثل قياس الاستعانة والاستعاذة.

والعرب تقول: تطاوَعْ لهذا الأمر حتى تستطيعَه. ثم يقولون: تطوَّعَ، أي تكلَّف استطاعتَه، وأمَّا قولهم في التبرُّع بالشيء: قد تطوَّعَ بهِ، فهو من الباب لكنَّه لم يلزمه، لكنَّه انقاد مع خيرٍ أحبَّ أن يفعله. ولا يقال هذا إلاَّ في باب الخير والبِرّ. ويقال للمجاهِدَةِ الذين يتطوَّعون بالجِهاد: المُطَّوِّعة، بتشديد الطاء والواو، وأصله المتطوّعة، ثم أدغمت التاء في الطاء. قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المؤمِنِينَ}  [التوبة 79]، أراد ـ والله أعلم ـ المتطوِّعين.

(طوف) الطاء والواو والفاء أصلٌ واحدٌ صحيحٌ يدلُّ على دَوَران الشيء على الشيء، وأن يُحفَّ به. ثم يُحمل عليه، يقال طاف * به وبالبيت يطوف طَوْفَاً وطَوَافاً، واطَّاف به، واستطاف. ثم يقال لما يدور بالأشياء ويُغَشِّيها من الماء طُوفان. قال الخليل: وشبَّه العجّاج ظلامَ الليلِ بذلك، فقال:

* وعمَّ طُوفانُ الظَّلاَمِ الأثْأَبَا([6]) *

و"غَمَّ" أيضاً. ومن الباب: الطَّائف، وهو العاسُّ. والطَّيْفُ والطَّائف: ما أَطافَ بالإنسان من الجِنَّان. يقال طاف واطَّاف. قال الله تعالى: {إِذا مَسَّهُمْ طَيْفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ} ([7]) [الأعراف 200]، و(طائِفٌ) أيضاً. قال الأعشى:

وتُصْبِحُ عن غِبِّ السُّرَى وكأنَّما *** ألمَّ بها من طائفِ الجنِّ أولَقُ([8])

ويقولون في الخيال: طافَ وأطافَ. ويُرْوَى:

أنَّى أَلَمَّ بكَ الخيالُ يُطيف *** وطوافه بك ذِكرةٌ وشُعوف([9])

ويروى: "ومطافه لك ذِكرة وشُغوف". فأمَّا الطائفة من النّاس فكأنَّها جماعةٌ تُطِيفُ بالواحد أو بالشيء. ولا تكاد العرب تحدُّها بعدَدٍ معلومٍ، إلاَّ أن الفقهاء والمفسِّرين يقولون فيها مرّة: إنَّها أربعةٌ فما فوقها، ومرَّة إنَّ الواحد طائفةٌ([10])، ويقولون: هي الثَّلاثة، ولهم في ذلك كلامٌ كثير، والعربُ فيه على ما أعلمتك، أنّ كلَّ جماعةٍ يمكن أن تحُفَّ بشيء فهي عندهم طائفة، ولا يكاد هذا يكون إلاَّ في اليسير هذا في اللغة والله أعلم. ثم يتوسَّعون في ذلك من طريق المجاز فيقولون: أخَذْتُ طائفةً من الثَّوبِ، أي قطعة منه، وهذا على معنى المجاز، لأنَّ الطَّائفة من النَّاس كالفِرقة والقِطعة منْهم. فأمَّا طائفُ القوسِ [فهو] ما يلي أَبْهَرها.

(طوق) الطاء والواو والقاف أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على مِثل ما دلَّ عليه الباب الذي قبلَه. فكلُّ ما استدار بشيء فهو طوق. وسمِّي البِناءُ طاقاً لاستدارته إذا عُقِدَ. والطَّيلَسان طاقٌ، لأنَّه يدور على لابِسه. فأمَّا قولهم أطاق هذا الأمر إِطاقةً، وهو في طَوقه، وطوَّقْتُكَ الشَّيءَ، إذا كَلَّفْتُكَه([11]) فكلُّه من الباب وقياسِه؛ لأنَّه إِذا أطاقَه فكأنَّه قد أحاط به ودار به من جوانبه.

ومما شذَّ عن هذا الأصل قولُهم: طاقةٌ من خيط أو بَقْل، وهي الواحدة الفَردةُ منه، وقد يمكن أن يتمحَّل فيقاس على الأوَّل، لكنَّه يبعُد.

(طول) الطاء والواو واللام أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على فَضْلٍ وامتداد في الشيء. من ذلك: طالَ الشَّيءُ يطُولُ طُولاً. قال أحمد بن يحيى ثعلبٌ: الطُّول: خلاف العَرض. ويقال طاوَلْت فلاناً فطُلْتُه، إذا كنتَ أطوَلَ منه. وطال فلاناً فلانٌ، أي إنه أطول منه. قال:

إنَّ الفرزدقَ صخرةٌ ملمومةٌ *** طالت فليس تنالها الأوعالا([12])

وهذا قياسٌ مطَّرد في كلِّ ما أشبه ذلك، فيقال للحبل الطِّوَل؛ لطوله وامتداده. قال طرفة:

لعمرُكَ إنَّ الموتَ ما أخطأ الفتى *** لكالطِّوَل المُرخَى وثِنياهُ في اليدِ([13])

ويقولون: لا أكلِّمه طَوَالَ الدَّهر. ويقال جملٌ أطوَلُ، إذا طالت شفتُهُ العليا. وطاولَني فلانٌ فطُلْتُه، أي كنت أطولَ منه. والطُّوَال: الطَّويل. والطِّوَال: جمع الطَّويل. وحكى بعضهم: قَلانِسُ طِيال([14])، بالياء. وأمرٌ غير طائلٍ، إذا لم يكن فيه غَناء. يقال ذلك في المذكَّر والمؤنث. قال:

* وقد كلَّفُوني خُطَّةً غيرَ طائِلِ([15]) *

وتطاولتُ في قِيامي، إذا مددتَ رِجليكَ لتنظر. وطوِّلْ فرسَك، أي أَرْخِ طويلتَه في مرعاه([16]). واستطالُوا عليهم، إذا قتلوا منهم أكثر ممَّا قتلوا.

(طوط) الطاء والواو والطاء كلمتان إن صحَّتا. يقولون: إنَّ الطَّوطَ القطْن. والطوط: الرَّجلُ الطَّوِيل.

ـــــــــــــــــــ

([1]) البيت لمزرد بن ضرار، من مقطوعة في الحيوان (2: 18-19).

([2]) في اللسان (طوي): "هذا عنك يطويني".

([3]) هو عنترة. وفي ديوانه 181، أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشد هذا البيت، فقال: "ما وصف لي أعرابيٌّ قط، فأحببت أن أراه إلا عنترة".

([4]) جعلت في اللسان في مادة (طي)، وفي القاموس في (طوى).

([5]) كذا ضبط في المجمل، ومثله في القاموس، إذ ضبطه كسحاب. وفي اللسان ضبط بالضم ضبط قلم.

([6]) للعجاج، في ديوانه 74 واللسان (طوف).

([7]) هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي ويعقوب. وقراءة الباقين: "طائف". إتحاف فضلاء البشر 234، وهي الآية 200 من سورة الأعراف.

([8]) ديوان الأعشى  147، واللسان (طوف، ولق).

([9]) نسب في اللسان (طيف) إلى كعب بن زهير، وهو في ديوانه 113 طبع دار الكتاب.

([10]) في الأصل: "طائفة فما فوقها". والكلمتان الأخيرتان مقحمتان.

([11]) في الأصل: "كلفته"، صوابه في المجمل.

([12]) البيت لسنيح بن رياح الزنجي، كما في اللسان (طول). وانظر حواشي الحيوان: (7: 205).

([13]) البيت من معلقته المشهورة.

([14]) في اللسان: "ابن جني: لم تقلب إلا في بيت شاذ، وهو قوله:

تبين لي أن القماءة ذلة  *** وأن أعزاء الرجال طيالها".

([15]) أنشد هذا العجز في اللسان (طول). والطائل يقال للذكر والأنثى.

([16]) وهذا أيضاً نص الجوهري في الصحاح. قال أبو منصور: "ولم أسمع الطويلة بهذا المعنى من العرب، ورأيتهم يسمونه الطول".

 

ـ (باب الطاء والياء وما يثلثهما)

(طيب) الطاء والياء والباء أصلٌ واحد صحيحٌ يدلُّ على خلافِ الخَبيث. من ذلك الطيِّب: ضدّ الخبيث. يقال سبيّ طِيبَةٌ، أي طيِّبٌ. والاستطابة: الاستنجاء؛ لأنَّ الرجل يطيِّب نفسَه مما عليه من الخُبث بالاستنجاء. ونهى رسول الله * صلى الله عليه وآله أن يَستَطِيب الرَّجُل بيمينه. والأطيبانِ: الأكل والنِّكاح. وطَيْبَة([1]) مدينة الرسول صلى الله عليه وآله. ويقال: هذا طعام مَطْيَبةٌ للنَّفْس. والطَّيِّب:الحلال، والطَّاب: الطِّيب: قال:

مُقابَلَ الأعراقِ في الطَّابِ الطَّابْ *** بين أبي العاص وآلِ الخطّابْ([2])

 

(طيخ) الطاء والياء والخاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تلطّخٍ بغير جميل. قالوا طاخَ يَطِيخُ وتَطيَّخ، إذا تلطَّخ بالقبيح. وقالوا: الطِّيخ: الخِفَّة، وهو بمعنى الطَّيش، قال الحارث:

[فاتركوا الطَّيْخ والتَّعدّي وإمَّا *** تتعاشَوا ففي التَّعاشِي الدَّاءُ([3])]

(طير) الطاء والياء والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خِفّة الشَّيءِ في الهواءِ. ثمَّ يستعار ذلك في غيرِهِ وفي كلِّ سُرعة. من ذلك الطَّير: جمع طائر، سمِّيَ ذلك لما قُلناه. يقال طارَ يَطير طَيَراناً. ثمَّ يقال لكلِّ مَنْ خفَّ: قد طار. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خيرُ النَّاسِ رجلٌ مُمْسِكٌ بِعِنان فرسِهِ في سبيل الله، كلَّما سمِعَ هَيْعَةً طار إليها". وقال:

* فَطِرْنَا إليهم بالقنابل والقَنَا *

ويقال مِنْ هذا: تَطَايَرَ الشَّيءُ : تفرَّق. واستطار الفجر: انتشر. وكذلك كلُّ منتشِر. قال الله تعالى: {يَخَافُونَ يَوْمَاً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} [الدهر 7]. فأمَّا قولهم: تطيَّر من الشيء، فاشتقاقه من الطَّيرِ كالغراب وما أشبهه. ومن الباب: طائر الإنسانِ، وهو عمَلُهُ. وبئر مُطارَةٌ، إذا كانت واسعة الفم. قال:

* هُوِيُّ الرِّيح في جَفْرٍ مُطارِ([4]) *

ومن الباب : الطَّيْرة: الغضَب، وسمِّي كذا لأنَّه يُستطَار له الإنسان. ومن الباب قولهم: خذ ما تطَايَرَ من شعر رأسك، أي طال. قال:

* وطارَ جِنّيُّ السَّنَامِ الأَطْوَلِ([5]) *

(طيس)  الطاء والياء والسين كلمةٌ واحدة. قال:

* عددتُ قومِي كعَديدِ الطَّيْسِ([6]) *

أراد به العدد الكثير.

(طيش) الطاء والياء والشين كلمةٌ واحدة، وهي الطَّيْش والخِفَّة. وطاشَ السَّهم من هذا، إذا لم يُصِبْ، كأنَّه خَفَّ وطاشَ وطار.

(طين) الطاء والياء والنون كلمةٌ واحدة، وهي الطِّين، وهو معروف. ويقال طيَّنْت البيتَ، وطِنت الكتابَ. ويقال طانَه الله تعالى على الخَيْر، أي جَبَله. وكأَنَّ معناه، والله أعلم، من طِنت الكتاب، أي ختمته؛ كأنَّه طبعه على الخير وختم أمرَهُ بهِ.

ـــــــــــــــــــــ

([1]) يقال أيضاً طيبة، بتشديد الياء، وطابة، والمطيبة، بتشديد الياء المفتوحة.

([2]) الرجز لكثير بن كثير النوفلي، يمدح به عمر بن عبد العزيز. وقبله:

* يا عمر بن عمر بن الخطاب *.

وذاك أن أم عمر بن عبد العزيز، هي أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، وأبوه عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص.

([3]) موضع البيت بياض في الأصل، وأنشد في المجمل الكلمتين الأوليين من البيت.

([4]) صدره في المجمل واللسان (طير): * كأن حفيفها إذ بركوها *.

([5]) لأبي النجم، كما في المجمل، وهو من أم الرَّجز، مجلة المجمع العلمي بدمشق 1347. والرواية فيها وفي الحيوان (6: 185): "وقام جنى السنام الأميل".

([6]) لرؤبة بن العجاج في ملحقات ديوانه 175 واللسان (طيس). وبعده:

* إذا ذهب  القوم الكرام ليسي  *.

 

ـ (باب الطاء والباء وما يثلثهما)

(طبخ) الطاء والباء والخاء أصلٌ واحد، وهو الطَّبخ المعروف، يقال طَبَخت الشَّيءَ أطبُخه طَبْخاً، وأنا طابخ، والشَّيء مطبوخ وطَبِيخ. والطُّبَّخ: جمع الطَّابخ. وقول العجّاج:

* والله لولا أن تَحُشَّ الطُّبَّخُ([1]) *

أراد به الملائكة الموكَّلين بالنَّار. ويقال لسَمائمِ الحرِّ: طبائخُه. وطابخة: لقبُ رجلٍ من العرب، لأنَّه طبخ طَبْخَاً فسمِّي بذلك. ويقال الطُّبَاخَة: ما فار من رُِغوة القِدر إذا طبخت، وهي الطُّفَاحة والفُوَارة. ويقال للحُمَّى الصَّالبِ: طابخ.

ومما يُحمَلُ على هذا، ولعلّه أن يكون من الكلام المولَّد، قولهم: ليس به طَُباخٌ([2])، للشّيء لا قُوَّةَ له، فكأنهم يريدون ما تناهى بَعدُ ولم ينضَج.

ومما شذَّ عن الباب قولُهم، وهو من صحيح الكلام، لفَرخ الضبّ: مُطَبِّخ، وذلك إذا قوي. يقولون: هو حِسْل، ثم مطبِّخ، ثم خُضَرِمٌ، ثم ضَبّ.

(طبس) الطاء والباء والسين ليس بشيء. على أنهم يقولون: الطَّبَسانِ: كُورتان. وهذا وشِبهه ممَّا لا معنى لذكره؛ لأنَّه إِذا ذكر ما أشبه كلُّه حُمِلَ على كلام العرب ما ليس هو منه. وكذلك قول من قال([3]): إنَّ التَّطبيس: التَّطبين([4]).

(طبع) الطاء والباء والعين أصلٌ صحيح، وهو مثلٌ على نهايةٍ ينتهي إليها الشيء حتى يختم عندها يقال طبَعت على الشيء طابَعاً. ثم يقال على هذا طَبْعُ الإنسان وسجيَّتُه. ومن ذلك طَبَعَ اللهُ على قَلْب الكافر، كأنَّه ختم عليه حتى لا يصل إليه هُدىً ولا نُور، فلا يوفَّق لخير. ومن ذلك أيضاً طبْع السَّيف والدِّرهم، وذلك إذا ضربه حتى يكمّله. والطَّابع: الخاتم يُختَمُ به *. والطَّابِع: الذي يَختِم.

ومن الباب قولُهم لملْءِ المِكيال طَبع. والقياسُ واحدٌ؛ لأنه قد تكامل وخُتم. وتطبَّع النَّهر، إذا امتلأ؛ وهو ذلك المعنى. وكذلك إذا حُمِّلت النّاقة حِمْلَها الوافِيَ الكاملَ، فهي مطبَّعة. قال:

أينَ الشِّظاظانِ وأيْنَ المِرْبَعَهْ *** وأيْنَ وَسْقُ النَّاقَةِ المطبَّعهْ([5])

قال ابنُ السكِّيت: الطِّبع: النَّهر، والجمع: الطِّباع. قال:

فتولَّوْا فاتراً مشيُهم *** كروايا الطِّبْع همَّتْ بالوَحَلْ([6])

ولعلَّ الذي قالُوه في وصف النّهر، أن يكون ممتلئاً، حتى يكون أقيس.

ومما شذَّ عن هذا الأصل وقد يمكن أن يُقارَب بينهما، إلاَّ أنَّ ذلك على استكراه، قولهم للدَّنَس: طَبَع. يقال رجلٌ طَبِعٌ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استَعيذوا بالله من طمَعٍ يَهدِي إِلَى طَبَعٍ". وقال:

له أكاليلُ بالياقوت فَصَّلَها *** صَوَّاغُها لا ترى عَيْبَاً ولا طَبَعا

ومن هذه الكلمة قولهم للرجل إذا لم ينفُذْ في الأمر: قد طَبِعَ.

(طبق) الطاء والباء والقاف أصلٌ صحيحٌ واحد، وهو يدلُّ على وضع شيء مبسوط على مِثله حتى يُغطِّيَه. من ذلك الطَّبَق. تقول: أطبقْت الشيءَ على الشيء، فالأول طَبَق للثاني؛ وقد تطابَقَا. ومن هذا قولهم: أطبَقَ الناسُ على كذا، كأنَّ أقوالهم تساوَتْ حتى لو صُيِّرَ أحدُهما طِبْقاً للآخر لَصَلح. والطَّبَق: الحال، في قولـه تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَق}  [الانشقاق 19]. وقولهم: "إحدى بناتِ طَبَق" هي الدّاهية، وسمّيت طَبَقاً، لأنَّها تعمُّ وتشمل. ويقال لما علا الأرضَ  حتى غطَّاها: هو طَبَق الأرض([7]). ومنه قول امرئ القيس يصف الغيث:

ديمةٌ هطلاءُ فيها وَطَفٌ *** طَبَقُ الأرضِ تَحَرَّى وتَدُرّْ([8])

وقولهم: طَبَّق الحقَّ، إذا أصابه، من هذا، ومعناه وافقه حتى صار ما أراده وَفْقاً للحقّ مطابِقاً لـه. ثم يُحمَل على هذا حتى يقال طبَّقَ، إذا أصاب المَفْصِل ولم يخطئْه. ثم يقولون: طَبَّقَ عُنقَه بالسيف: أبانَها.

فأمَّا المُطابقة فمشْى المقيَّد، وذلك أن رجليه تقعانِ([9]) متقاربتين كأنَّهما متطابقتين. ومنه قول الجَعْدِيّ:

* طِباقَ الكِلاَبِ يَطَأْنَ الهَرَاساَ([10]) *

والطبَق: عظمٌ رقيق([11]) يفصل بين الفَقارتَين. ويد طَبِقة، إذا التزقَتْ بالجنْب. وطابقت بين الشيئين، إذا جعلتَهما على حَذْوٍ واحد. ولذلك سمَّينا نحن ما تضاعف من الكلام مرَّتين مُطابَقاً. وذلك مثل جَرجَر، وصَلْصَل، وصَعْصَع. والطَّبَق: الجماعة من الجراد؛ وإنما شبِّه ذلك بطبَقٍ يغطِّي الأرض. ويقالَ وَلدت الغنمُ  طبقاً وطبقةً، إذا ولد بعضُها بعد بعض. والقياس في ذلك كله واحد.

فأمَّا قولهم للعييِّ من الرِّجال: الطَّبَاقاء، وللبعير لا يُحسن الضِّرَابَ طَباقاءُ، فهو من هذا القِياس، كأنَّه سُتر عنه الشَّيءُ حتى أطبق فصار كالمغطَّى. قال جميل:

طَبَاقاءُ لم يشهد خُصوماً ولم يَقُدْ *** رِكاباً إلى أكوارها حين تُعْكَفُ([12])

(طبل) الطاء والباء واللام ثلاث كلمات ليست لها طَُِلاَوَةُ كلامِ العرب، وما أدري كيف هي؟ من ذلك الطَّبل الذي يُضْرَب. ويقولون إنَّ الطّبل: الخَلْق([13]). والثالثة الطُّوبالة، ولولا أنها جاءت في بعض الشِّعر ما كان لذكرها معنىً، وما أحسبها في غير هذا البيت:

نَعَاني حَنَانهُ، طُوبالةً *** تُسَفُّ يبيساً من العِشْرِقِ([14])

ويقال هي النَّعْجة.

(طبن) الطاء والباء والنون أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على ثباتٍ. ويقال اطبأنَّ، إذا ثبت وسكَن، مثل اطمأنَّ، ويقولون: طَبَنت النار: دفنتُها لئلا تَطفَأ،  وذلك الموضعُ الطَّابون. ويقال طابِنْ هذه الحَفيرةَ: طاطئْها. ويقولون: إنَّ الخير في بني فلانٍ كثابت الطَّبْن، أي هو تليدٌ قديم.

ومن الباب الطَّبَن، وهو الفِطْنة؛ وذلك قياس الباب، لأنَّ في ذلك كالثَّبات في العِلمِ به.

(طبي) الطاء والباء والحرف المعتل أُصَيْلٌ يدلُّ على استدعاء شيء. من ذلك قولهم اطَّبى * بَنُو فُلانٍ فلاناً إذا خالُّوه وقَبَِلوه. وربما قالوا: طَبَاه واطَّباه، إذا دعاه، فإنْ حُمِلَ الطَّبيُ([15]) من أَطْبَاء النَّاقة، وهي أخلافها، على هذا وعلى أنَّه يُطَّبَى منه اللبن، لم يبعُد.

وذُكر أن العرب تقول: هذا خِلْفٌ طِبِيٌّ، أي مُجيب([16]).  فإن كان هذا صحيحاً فهو يدلُّ على صحَّة القياس الذي قِسْناه.

ــــــــــــــــ

([1]) ديوان العجاج 14 واللسان (طبخ). وبعده:

* بي الجحيم حيث لا مستصرخ *.

([2]) في اللسان: "وجد بخط الأزهري طُباخ بضم الطاء، ووجد بخط الإيادي طَباخ بفتح الطاء". وضبط في الأصل والمجمل بفتح الطاء.

([3]) هو الخليل كما صرح بذلك في المجمل.

([4]) التطبين، بالنون، كما في الأصل والمجمل والقاموس. لكن في اللسان:"التطبيق" بالقاف.

([5]) سبق البيتان في (ربع، شظ).

([6]) البيت للبيد في ديوانه 17،  طبع فينا 1881 وإصلاح المنطق 9 واللسان (طبع).

([7]) في الأصل: "طباق الأمر".

([8]) ديوان امرئ القيس 143، واللسان (طبق).

([9]) في الأصل: "يقسمان"، تحريف.

([10]) سيأتي في (هرس). وصدره في اللسان (طبق، هرس): * وخيل يطابقن بالدارعين *.

([11]) في المجمل: "دقيق" بالدال.

([12]) اللسان (طبق) والبيان والتبيين (1: 110)، بشرح محقق المقاييس.

([13]) شاهده ما أنشده في اللسان:

قد علموا أنا خيار الطبل  *** وأننا أهل الندى والفضل

([14]) البيت لطرفة في ديوانه 16 واللسان (طبل، حنن)، والمجمل (طبل). وذكر في (حنن)، أن "حنانة" اسم راع. وطوبالة منصوب على الذم، أي أذم طوبالة، عنى بذلك حنانة. وبعد البيت:

فنفسك فانع ولا تنعني  *** وداو الكلوم ولا تبرق

([15]) الطبي، بكسر الطاء وضمها.

([16]) في اللسان والقاموس: "مجيَّب"، بضم الميم وتشديد الياء المفتوحة، ولا وجه له، فإن المجيب  بمعنى المقور والأجوف، وقد أثبت الضبط الصحيح من نسخة المجمل، ومن تهذيب الصحاح، وهو من الإجابة  كما يدل عليه ما سبق. وفي الصحاح "مجبب".

 

ـ (باب الطاء والثاء وما يثلثهما)

(طثر) الطاء والثاء والراء أُصَيل صحيح يدلُّ على غَضارةٍ في الشَّيء وكثرةِ ندى. يقولون: فلان في طَثْرة من العَيش، أي في غَضارة. قالوا: واشتقاقه من اللبن الطاثر، وهو الخاثر. ويشبَّه بذلك فيقال للحَمْأة طَثْرة، وقياسُه ما ذكرناهُ(1). وسمِّيَ طَثْرَة من العَرب.‏

ومما شذَّ عن الباب وما ندري كيف صحَّةُ هذا، قولهم: إنَّ الطَّيْثار: البعوض. والله أعلم.‏

ـــــــــــــــــــ

(1) في الأصل: "ويأخذ ما ذكرناء"، وقد اقتبست تصحيحه من مألوف عباراته.‏

 


ـ (باب الطاء والجيم وما يثلثهما)

(طجن(1)) يقولون في الطاء والجيم والنون: إنَّ الطَّاجَن(2): الطَّابَق(3). وهو كلام، والله أعلم.‏

ــــــــــــــــــ

(1) الكلام من أول الباب إلى هنا مبيض لـه في الأصل، وأثبت ما يقتضيه الكلام وما هو ثابت في المجمل أيضاً.‏

(2) ضبطه في القاموس كصاحب، وزاد في تاج العروس: "وكهاجر". وضبط في الأصل والمجمل بفتح الجيم لا غير.‏

(3) الطاجن والطابق معربان كما في القاموس، وضبط الطابق في المجمل بفتح الباء، وفي القاموس: "كهاجر وصاحب". قلت: أما الطاجن، فهو معرب من اليونانية "تيكانون" كما في الألفاظ الفارسية 111 نقلاً عن فرنكل 67. وفي الجمهرة (3: 357): الطيجن. الطابق، لغة شامية وأحسها سريانية أو رومية. انظر المعرب 221. وأما الطابق، فهو معرب "تابه" بالفارسية كما في المصادر السابقة، ومعجم استيجناس.‏

 

ـ (باب الطاء والحاء وما يثلثهما)

(طحر) الطاء والحاء والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على الحَفز والرَّمْي والقذْف. يقولون: طَحَرَتِ العينُ قَذاها، إذا قذَفَتْ به. يقال طَحَرتْ عينُ الماء العِرمِضَ، إذا رمت به. وقوس مِطحَرٌ، إذا حَفَزت سَهْمَها فرمت به صُعُداً. وحربٌ مِطحرةٌ: زَبُون. والطَّحِير: النَّفَس العالي، وسمِّيَ بذلك لأنَّ صاحبه يَطحَر. قال الكميت:

بأهازيجَ من أغانيِّها الجُـ *** ـشِّ وإتباعها  الزَّفيرَ الطَّحِيرَا([1])

فأمَّا المُطْحَر من النِّصال، فهو المُطوَّل المسال([2]). قال الهُذَليّ([3]):

* من مُطْحَراتِ الإِلالِ([4]) *

(طحل) الطاء والحاء واللام أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على لونٍ غير صافٍ ولا مُشرقٍ. من ذلك الطُّحْلة، وهو لون الغُبْرة. ويقال رمادٌ أطحل، وشرابٌ أطحل، إذا لم يكن صافياً. والطِّحال معروف، وممكنٌ أن يكون سمِّيَ بذلك لكُدْرَةِ لونه. ويقال طَحِلَ الماء: فسد وتغيَّر.

(طحم) الطاء والحاء والميم أصلٌ صحيحٌ  يدلُّ على تجمُّع وتكاثف. من ذلك الطّحمة([5]) من النَّاس، وهي الجماعة الكثيفة. وطُحْمة اللَّيل وطَحْمَتهُ، وطُحْمة السَّيل وطَحمته: مُعْظَمه. قال الخليل: طَحْمَة الفتنة: جَوْلَةُ النَّاس عندها. ويقال للرَّجُل الشَّديد العِراك: طُحَمَة. والباب كلُّه واحد.

(طحن) الطاء والحاء والنون أصلٌ صحيحٌ، وهو فتُّ الشيء ورَفْتُهُ([6]) بما يدور عليه من فوقِهِ. يقال طَحَنَتِ الرَّحَى طَحْناً. والطّحْن: الدَّقيق. ويقولون: "أسمعُ جَعْجَعَةً ولا أرى طِحْناً". والجعجعة: صوت الرَّحَى. ومن الباب: كتيبةٌ طَحُونٌ: تطحَنُ ما لَقِيَت. ويقال للأضراسِ الطَّواحِن.

ومن الباب الطُّحَن([7]): دويْبَّة تغيِّب نفسَها في ترابٍ قد سوَّتْهُ وأدارته.وَطَحَنتِ الأفعى، إذا تلوَّت([8]) مستديرة.

(طحو) الطاء والحاء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على البسط والمدِّ. من ذلك الطَّحْو وهو كالدَّحْو، وهو البَسْط. قال الله تعالى: {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا([9])}، أي بَسَطها، وقال تعالى في موضع آخر: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحَاهَا([10])}، ويقال طحا بك هَمُّكَ يطحو، إذا ذَهَبَ بك في الأمر ومدَّ بك فيه. قال علقمة:

طحا بك قلبٌ في الحِسانِ طَروبُ *** بُعَيدَ الشَّبابِ عَصْرَ حان مشيبُ([11])

والمُدوِّمة الطَّواحِي: النُّسور تستدير حول القَتْلَى. وقال الشَّيْبَاني: طَحَيْت: اضطجَعْت. والطَّاحِي: الجمع الكثير، وسمِّيَ بذلك لأنَّهُ يجرُّ على الشيء، كما يسمَّى جرَّاراً. قال:

* من الأَنَسِ الطاحِيْ عليكَ العَرمْرَمِ([12]) *

والله أعلم.

ـــــــــــــــــ

([1]) في الهاشميات ص 93 أبيات من هذا الوزن والروي.

([2]) كذا وردت الكلمة في الأصل، وليست في المجمل.

([3]) هو أمية بن أبي عائذ الهذلي؛ وقصيدته في شرح السكري للهذليين 180 ونسخة الشنقيطي  79.

([4]) البيت بتمامه فيها:

فلما رآهن بالجلهتين  *** يكبون في مطحرات الإلال.

([5]) الطحمة مثلثة الطاء، ولكن يفهم من صنيعه بعد أنه يعرف فيها لغتين فقط: الضم والفتح، وهما ما نص عليه صاحب اللسان. أما صاحب القاموس فيروي اللغات الثلاث.

([6]) الرفت: الدق والكسر. وفي الأصل: "ورقته"، تحريف.

([7]) ويقال أيضاً: "الطحنة".

([8])في الأصل: "تولت".

([9]) الآية 6 من سورة الشمس.

([10]) الآية 30 من سورة النازعات.

([11]) ديوان علقمة  131 والمفضليات (2: 191).

([12]) لصخر الغي الهذلي من قصيدة في شرح السكري للهذليين 21 ونسخة الشنقيطي 91. وصدره:  *وخفض عليك القول واعلم بأنني *.

 

ـ (باب الطاء والخاء وما يثلثهما)

(طخف) الطاء والخاء والفاء أُصَيْلٌ يدلُّ على الشَّيء الرَّقيق. من ذلك الطَّخَاف، وهو الغَيم الرَّقيق. والطَّخْف كالهَمِّ يغشَى القلب.‏

(طخر) الطاء والخاء والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على خفّةٍ في شيء. من ذلك * الطَّخَارير: المتفرِّقون، يشبَّه بذلك الرَّجُل الخفيف الخَطَّاف.‏

(طخي) الطاء والخاء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على ظُلْمة وغِشاء، من ذلك الطَّخْوة والطَّخْية: السَّحابة الرَّقيقة. والطَّخْياء: اللَّيْلة المُظْلمة. ويقال ظلام طاخٍ. ومن الباب: وَجَدَ على قلبه طَخَاء، وهو شبه الكَرْب. ويقال: كَلَّمَني كلمةً طَخْياء، أي أعجَميّة.‏

(طخم) الطاء والخاء والميم أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على سوادٍ في شيء. من ذلك الطُّخْمَة: سوادٌ في مقدَّمِ الأنفِ. يقال كبشٌ أطْخَمُ، وأسدٌ أطخَم. والله أعلم بالصواب.‏

 

ـ (باب الطاء والراء وما يثلثهما)

(طرز) الطاء والراء والزاء كلمةٌ يظنُّ أنَّها فارسيّةٌ معرّبةٌ، وهي في شعر حَسَّان:

بَيضُ الوُجوهِ كريمةٌ أحسابُهُمْ *** شمُّ الأنوفِ من الطِّرَازِ الأوّلِ([1])

ويقولون: طِرْزُه، أي هيئَتُه.

(طرس) الطاء والراء والسين فيه كلامٌ لعلّه أن يكون صحيحاً. يقولون الطِّرْس: الكتاب الممحُوّ. ويقال: كلُّ صحيفةٍ طِرس. ويقولون:  التَّطرُّس: أن لا يَطعَمُ الإنسانُ ولا يشربَ إلاَّ طيّباً.

(طرش) الطاء والراء والشين كلمةٌ معروفةٌ، وهي الطَّرَش، معروف([2]). وقال أبو عمرو: تطرَّش([3]) النَّاقِهُ من المرض، إذا قام وقعَد.

(طرط) الطاء والراء والطاء كلمةٌ. يقولون الأطرط: الدَّقيق الحاجبين؛ وقد طرِطَ.

(طرف) الطاء والراء والفاء أصلان([4]): فالأوَّل يدلُّ على حدِّ الشيء وحَرفهِ، والثاني يدلُّ على حركةٍ في بعض الأعضاء.

فالأوَّل طَرَفُ الشيء والثوب والحائط. ويقال ناقةٌ طَرِفَة: ترعى أطرافَ المرعَى ولا تختلطُ بالنُّوق.

وقولهم: عينٌ مطروفة، من هذا؛ وذلك أن يصيبَها طَرَف شيءٍ ثوبٍ أو غيره فتَغْرَوْرِقَ دمعاً. ويُستعار ذلك حتى يقال: طَرَفَها الحُزْن.

فأمَّا قولُهم: هو كريم الطَّرَفين، فقال قومٌ: يُراد به([5]) نَسَب الأب والأمّ.  ولا يُدْرَى أيُّ الطَّرَفين أطول، هو من هذا. وجمع الطَّرَف أطراف. قال:

وكيف بأطرافي إذا ما شَتَمْتَنِي *** وما بعدَ شَتْمِ الوالدينِ صُلُوح([6])

ويقال إنَّ الطِّرَاف: ما يُؤخَذ من أطراف الزَّرع([7]).

ومن الباب: الطَّوَارِف من الخِباء، وهي ما رفعتَ من جوانبه لتنظُر، فأمَّا قولهم: جاء فلانٌ بطارفةِ عينٍ فهو من الذي ذكرناه في قولهم: طُرِفت العين، إذا أصابَها طَرَف شيءٍ فاغرورَقَتْ. وإذا كان كذا لم تكد تُبْصِر. فكذلك قولهم: بِطارِفةِ عينٍ، أي بشيءٍ  تَتَحيَّر له العينُ من كَثْرتهِ.

ومن الباب قولُهم للشيء المستحدَث: طريف؛ وهو خلافُ التَّليد، ومعناه أنَّهُ شيءٌ أُفِيدَ الآنَ في طَرَف زمانٍ قد مضى. يقولون منه اطَّرَفْتُ الشيءَ، إذا استحدثتَه، أطَّرِفه، اطِّرَافاً.

ومن الباب: الرَّجُل الطَّرِف: الذي لا يثبُت على امرأةٍ ولا صاحب. وذلك القياسُ؛ لأنَّه يطلُب الأطراف فالأطراف. والمرأة المطروفة، يقولون إنَّها التي لا تثبُت على رجلٍ واحدٍ، بل تَطّرِف الرِّجال. وهو قولُ الحُطيئة:

* بَغَى الودَّ من مطروفة الوُدِّ طامِحِ([8]) *

ومن الباب الطِّرف: الفرس الكريم، كأنَّ صاحبَه قد اطّرَفه. وللمطَّّرَف فضلٌ على التَّليد.

وأمَّا الأصل الآخر فالطَّرْف، وهو تَحريك الجفون في النَّظَر. هذا هو الأصل ثم يسمُّون العينَ الطَّرْف مجازاً. ولذلك يسمَّى نجمٌ من النُّجُوم الطَّرْفة([9])، كأنَّه فيما أحسب طرْفُ الأسَد. قال جرير:

إنَّ العيونَ التي في طَرْفِهَا مرضٌ *** قَتَلْنَنَا ثم لم يُحْيِينَ قتلانا([10])

فأما الطِّرَاف فإنه بيتٌ من أَدَم، وهو شاذٌّ عن الأصلين اللذين ذكرناهما.

(طرق) الطاء والراء والقاف أربعة أصول: أحدها الإتيان مَسَاءً([11])، والثاني الضَّرْب، والثالث جنسٌ من استرخاء الشيء، والرابع خَصْف شيء على شيء.

فالأوَّلُ الطُّرُوق. ويقال إنَّه إتيان المنزلِ ليلاً. قالوا: ورجلٌ طُرَقَةٌ، إذا كان يَسْرِي حتى يطرُقَ أهلَهُ ليلاً. * وذُكِرَ أنَّ ذلك يقال بالنَّهار أيضاً، والأصل اللَّيل. والدَّليل على أنَّ الأصلَ اللَّيل تسميتُهم النَّجم طارقاً؛ لأنَّه يَطلُعُ ليلاً. قالوا: وكلُّ  من أتى ليلاً فقد طَرَق. قالت:

* نحنُ بناتُ طارق([12]) *

وهو قول امرأةٍ. تريد: إنَّ أبانا نجمٌ في شرفه وعلوّه([13]).

ومن الباب، والله أعلم: الطَّريق، لأنه يُتَوَرَّدُ. ويجوزُ أن يكون من أصلٍ آخَر، وهو الذي ذكرناه من خَصْف الشيء فوق الشيء.

ومن الباب الأوَّل قولهم: أتيتُه طَرْقَتين، أي مَرَّتين([14]). ومنه طارِقةُ الرَّجُل، وهو فَخِذه التي هو منها؛ وسمِّيت طارقة لأنها تطرُقه ويطرُقها. قال:

شكوت  ذَهابَ طارقتي إليه *** وطارِقَتِي بأكناف الدُّرُوبِ([15])

والأصل الثَّاني: الضَّرْب، يقال طَرَقَ يَطْرُقُ طَرْقاً. والشيء مِطْرَق ومِطْرَقة. ومنه الطَّرْق، وهو الضَّرْب بالحصى تكهُّناً، وهو الذي جاء في الحديث النَّهْيُ عنه، وقيل: "الطَّرْق والعيافة والزَّجر من الجِبت([16])". وامرأةٌ طارقةٌ: تفعل ذلك؛ والجمع الطَّوارق. قال:

لعمرك ما تَدْرِي الطَّوَارِقُ بالحصى *** ولا زاجراتُ الطيرِ ما الله صانعُ([17])

والطرْق: ضرب الصُّوف بالقضيب، وذلك القضيبُ مِطرَقةٌ. وقد يفعلُ الكاهن ذلك فيطرُق، أي يخلط القُطْنَ بالصُّوفِ إذا تكهَّنَ. ويجعلون هذا مثلاً فيقولون: "طَرَقَ وماشَ". قال:

عاذلَ قد أولِعتِ بالتّرْقيشِ *** إليَّ سِرّاً فاطرُقي ومِيشِي([18])

ويقال: طرَقَ الفحلُ الناقةَ طَرقاً، إذا ضربها. وطَروقةَ الفَحل: أنثاه. واستطرقَ فلانٌ فلاناً فَحَلَه، إذا طَلَبَه منه ليضربَ في إبله، فأطْرَقَه إِيّاه، ويقال: هذا النَّبْل طَرْقَةُ رجلٍ واحد، أي صِيغة رجلٍ واحد([19]).

والأصل الثالث: استرِخاء الشيء. من ذلك الطَّرَق، وهو لِينٌ في ريش الطائر. قال الشاعر:

..................... *** ..................([20])

ومنه أطْرَق فلانٌ في نَظَره. والمُطْرِق: المسترخِي العَين. قال:

وما كنتُ أخشَى أن تكون وفاتُه *** بكفَّيْ سَبَنْتَى أزرقِ العَينِ مُطْرِقِ([21])

وقال في الإطراق:

فأطرَقَ إطراقَ الشُّجاعِ ولو يَرَى  *** مَساغاً لِناباه الشجَاعُ لصَمَّما([22])

ومن الباب الطِّرِّيقة، وهو اللِّين والانقياد. يقولون في المثل: "إنّ تحت طِرِّيقَته لَعِنْدَأْوَةً". أي إنّ في لِينه بعضَ العُسر أحياناً. فأمَّا الطَّرَق فقال قوم: هذا اعوجاجٌ في الساق من غير فَحَج. وقال قوم: الطّرَق: ضَعف في الرُّكبتين. وهذا القول أَقْيَسُ وأشبه لسائر ما ذكرناهُ من اللِّينِ والاسترخاء.

والأصل الرابع: خَصْفُ شيء على شيء. يقال: نعلٌ مُطارَقة، أي مخصوفة. وخُفّ مُطارَق، إذا كان قد ظُوهِر لـه نعلان. وكلُّ خَصْفةٍ طِراق. وتُرسٌ مُطرَّق، إذا طورِق بجلدٍ على قَدْره. ومن هذا الباب الطِّرْق، وهو الشحم والقُوّة، وسمِّي بذلك لأنّه شيءٌ كأنّه خُصِف به. يقولون: ما به طِرْق، أي ما به قُوّة. قال أبو محمد عبد الله بن مسلم: أصل الطِّرْق الشّحم؛ لأنّ القوّة أكثر ما تكون [عنه([23])]. ومن هذا الباب الطَّرَق: مَناقع المياه؛ وإِنَّما سمِّيت  بذلك تشبيهاً بالشيء يتراكبُ بعضهُ على بعض. كذلك الماء إذا دام تراكب. قال رؤبة:

* للعِدِّ إذْ أخْلفَه ماءُ الطَّرَقْ([24]) *

ومن الباب، وقد ذكرناه أوَّلاً وليس ببعيد أن يكون من هذا القياس: الطَّريق؛ وذلك أنَّه شيءٌ يعلو الأرضَ، فكأنَّها قد طُورِقَتْ به وخُصِفت به. ويقولون: تطارَقَت الإِبلُ، إذا جاءت يتبع بعضُها بعضاً. وكذلك الطَّرِيق، وهو النَّخْل الذي على صفٍّ واحد، وهذا تشبيهٌ، كأنَّه شُبِّه بالطَّرِيق في تتابُعه وعلوّه الأرض. قال الأعشى:

ومِنْ كلِّ أحوَى كجِذْعِ الطَّريقِ *** يزينُ الفِناءَ إذا ما صَفَنْ([25])

ومنه [ريشٌ([26])] طِراق، إذا كان تطارق بعضه فوقَ بعض، وخرج القومُ مَطارِيقَ، إذا جاؤوا مُشاةً لا دوابَّ لهم، فكأنَّ كلَّ واحدٍ منهم يَخْصِف بأثر قدَميه أثَر الذي تقدَّم. ويقال: جاءت الإِبلُ على طَرْقَة واحدة، وعلى خُفٍّ واحد؛ وهو الذي ذكرناه من أنَّها *تَخصف بآثارها آثارَ غيرها. واختضَبت المرأةُ طَرْقَتينِ، إذا أعادت الخِضاب، كأنَّها تَخصِف بالثَّاني الأوَّل. ثم يشتقُّ من الطَّريق فيقولون: طَرَّقت المرأةُ عند الوِلادة، كأنَّها جَعلتْ للمولودِ طريقاً. ويقال ـ وهو ذلك الأوَّل ـ لا يقال طَرَّقت إلاَّ إذا خرج من الولد نصفُه ثمَّ احتبَس بعضَ الاحتباسِ ثمَّ خرج. تقول([27]): طرّقت ثم خلَصت.

وممّا يُشْبِه هذا قولُهم طَرَّقت القطاة، إذا عَسُر عليها بيضُها ففحصت الأرضَ بجُؤجُئِها.

(طرم) الطاء والراء والميم أُصَيْلٌ صحيح يدلُّ على تراكُمِ شيءٍ. يقولون: الطُّرَامة([28]): الخُضْرَة على الأسنان. ويقولون: الطِّرْم([29]): العَسَل. والطِّرْيَم: السَّحاب الغليظ.

(طري) الطاء والراء والحرف المعتلُّ أُصيلٌ صحيحٌ يدلُّ على غضاضةٍ وجِدّة. فالطَّرِيّ: الشيء الغَضّ؛ ومصدره الطَّرَاوة والطَّراءة، ومنه أَطْرَيْتُ فلاناً، وذلك إذا مدحتَهُ بأحسنِ ما فيهِ.

فإذا هُمِزَ قيل طرَأَ فلانٌ، إذا طلع. وأحسَِب هذا من باب الإبدال، وإنّما الأصل دَرَأ وقد ذُكِر.

(طرب) الطاء والراء والباء أُصَيْلٌ صحيحٌ. يقولون: إنَّ الطّرَب خِفّة تُصيب الرَّجُلَ من شدةِ سرور أو غيره. ويُنشدون:

وقالوا قد طرِبْتَ فقلتُ كلاَّ *** وهل يبكي من الطَّرَبِ الجليدُ

وقال نابغة بني جعدة:

وأُراني طَرِبَاً في إِثْرِهمْ *** طرَبَ الوالهِ أو كالمُخْتَبَلْ([30])

قالوا: وطرَّب في صوته، إذا مدَّه. وهو من الأوَّل. والكريم طَروبٌ. ومما شذَّ عن هذا الباب المَطَارِب؛ وهي طرقٌ ضيِّقة متفرِّقةٌ. وأراها([31]) من باب الإبدال، كأنها مدارب، مشتقة من الدَّرْب.

وأمَّا قولهم في الطُّرْطُبّ، إنَّه الثَّدي المسترخِي، وكذلك الطَّرْطَبَة: صوت الحالب بالمِعزى، فكلُّه وما أشبهه كلام.

(طرث) الطاء والراء والثاء كلمةٌ صحيحةٌ، وهي الطَُّـَرثُوث([32])، وهي نبْت.

(طرح) الطاء والراء والحاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على نَبْذ الشَّيءِ وإِلقائِهِ. يقال طَرَحَ الشَّيْءَ يطرحُه طرحا. ومن ذلك الطَّرَح، وهو المكان البعيد([33]). وطَرَحتِ النَّوَى بفلانٍ كلَّ مَطرَحٍ، إذا نأتْ به ورمت به. قال:

أَلِمَّا بميٍّ قبل أن تطرَحَ النَّوى  *** بنا مَطْرَحاً أو قبل بينٍ يُزِيلُها

ويقال فحل مِطْرَحٌ؛ بعيدُ موقع الماءِ في الرَّحِم. ومن الباب: نخلةٌ طروحٌ: طويلة العَراجين. وسَنامٌ إطريحٌ: طويلٌ. وقوسٌ طَروح: شديدة الحفْزِ للسَّهم. والقياس في كلِّه واحد.

(طرد) الطاء والراء والدال أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على إبعاد. يقال طردْتهُ طرداً. وأَطْرَدَه السُّلطانُ وطَرَّدَه، إذا أخرجه عن بلده. والطَّرْد: معالجة أخْذ الصّيد. والطرِيدة: الصَّيْد. ومُطارَدَة الأقرانِ: حملُ بعضِهم على بعض؛ وقيل ذلك لأنَّ هذا يَطْرُد ذاك. والمِطْرَد: رمح صغير. ويقال لمحَجّة الطَّريق مَطْرَدَة([34]). ويقال: اطَّرد الشَّيء اطراداً، إذا تابَعَ بعضُه بعضاً، وإِنما قيل ذلك تشبيهاً، كأنَّ الأوَّل يطرُدُ الثَّاني. ومنه قولُه:

أتعرِف رسماً كاطِّراد المذاهبِ  *** لعمرةَ وحشَّا غيرَ موقفِ راكبِ([35])

ومُطَّرَدُ النَّسيم: الأنْف. أنشدَنا علي بن إبراهيم القَطَّان، عن ثعلبٍ عن ابن الأعرابيّ:

وكأنَّ مُطّرَدَ النَّسيم إذا جَرَى  *** بعد [الكلالِ خليَّتَا زُنبورِ([36])

واطرَدَ] الأمر: استقام. وكلُّ شيءٍ امتدَّ فهذا قياسُهُ. يقال طرِّدْ سَوْطَكَ: مدِّدْه. والطَّرِيد: الذي يُولَد بعد أخيه، فالثَّاني طريدُ الأوَّل. وهذا تشبيه، كأنَّه طرَدَه وتَبِعه([37])، وطريدٌ بمعنى طارِد.

ـــــــــــــــــ

([1]) ديوان حسان  310 واللسان  (طرز).

([2]) الطرش: الصمم، وقيل أهونه . وقيل هو مولد. يقال في الوصف منه أطرش وأطروش، بضم الهمزة والراء فيهما، كما في اللسان.

([3]) هذه الكلمة في القاموس، ولم ترد في اللسان.

([4]) في الأصل: "أصول". وليس كذلك.

([5]) في الأصل:"فقال قومٌ أراد قوم أراد به".

([6]) البيت لعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، كما في اللسان (طرف). وأنشده في (صلح). بدون نسبة، وكذا في إصلاح المنطق 124. وقد سبق في (صلح)

([7]) هذا المعنى لم يذكر في اللسان، وذكر في القاموس. وفي المجمل: "مأخوذ" بدل "يؤخذ".

([8]) وكذا إنشاده في المجمل والصحاح. وفي الديوان 63 واللسان (طمح، طرف): "مطروفة العين". وصدره:

* وما كنت مثل الكاهلي وعرسه *.

([9])وكذا في المجمل والقاموس. وفي اللسان (طرف)، والأزمنة والأمكنة: (1: 191، 318): "الطرف" بدون هاء. قال المرزوقي: "وأما الطرف فكوكبان يبتدان الجبهة بين يديها، يقولون: هما عين الأسد".

([10]) ديوان جرير 595، والعمدة (1: 135). ويروى: "في طرفها حورٌ"، كما في زهر الآداب (4: 215). والأغاني (7: 37). والبيت من المائة المختارة في الأغاني (7: 35).

([11]) في الأصل: "مكاناً".

([12]) الرجز لهند بنت بياضة بن رباح بن طارق الإيادي كما في اللسان (طرق). وبعده:

لا ننثني لوامق *** نمشي على النمارق

المسك  في المفارق *** والدر في المخانق

إن تقبلوا نعانق *** أو تدبروا نفارق

فراق غير وامق

 

([13]) وقد يكون أيضاً أنها تعتز بأبيها طارق الإيادي.

([14]) في القاموس: "وأتيته طرقين وطرقتين، ويضمان".

([15]) لابن أحمر، كما في اللسان (طرق) وكذا جاءت رواية البيت في المجمل، وفي اللسان: "إليها" موضع "إليه".

([16]) في اللسان: "روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: الطرق والعيافة من الجبت".

([17]) البيت للبيد في ملحقات ديوانه 55 طبع 1881 واللسان  (طرق) وبعده في الديوان:

سلوهن إن كذبتموني متى الفتى  *** يذوقُ المنايا أو متى الغيث واقعُ

([18]) لرؤبة بن العجاج، في ديوانه 77 واللسان (رقش، طرق، ميش). وسبق في (رقش).

([19]) يقال سهام صيغة، أي صنعة رجل واحد. في المجمل: "صنعة رجل واحد"، وفي القاموس: "وهذا طرقة رجل، أي صنعته".

([20]) بياض في الأصل: وشاهده في اللسان:

سكاء مخطومة وريشها طرق *** سود قوادمها صهب خوافيها

وانظر الحيوان (5: 579) والأغاني (7: 151).

([21]) لمزرد بن ضرار أخي الشماخ، يرثي عمر بن الخطاب، كما في اللسان (طرق، سبت). وجعله أبو تمام في الحماسة (1: 454) في مقطوعة للشماخ، وليست في ديوانه. على أنَّه روي من شعر منسوب للجن. زهر الآداب (4: 107). وقال أبو محمد الأعرابي إنه لجزء أخي الشماخ، وهو الصحيح. حواشي اللسان (سبت). وقد سبق البيت في ص 162، من هذا الجزء.

([22]) البيت للمتلمس في ديوانه 2 مخطوطة الشنقيطي والحيوان (4: 263)، وحماسة البحتري  15 ولباب الآداب 393 وأمثال الميداني (1: 395). وبالبيت يستشهد النحويون على إلزام المثنى الألف في أحوال الإعراب الثلاث عند بعض القبائل. انظر الخزانة (3: 337). وقد أخذه عمرو بن شأس فقال: (انظر معجم المرزباني 213):

فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى  *** مساغاً لنابيه الشجاع لقد أزم

([23]) التكملة من اللسان (طرق 92).

([24]) وكذا إنشاده في المجمل واللسان. والوجه: "إذ أخلفها"، كما في الديوان، 104. وقبله:

* قواربا من واحف بعد العبق *.

([25])ديوان الأعشى 17 ورواية البيت وسابقه في الديوان:

هو الواهب المائة المصطفا *** ة كالنخل زينها بالرجن

وكل كميت كجذع الخضاب *** يزين الغناء إذا ما صَقن

([26]) التكملة من اللسان (طرق 88).

([27]) في الأصل: "يقول".

([28]) في الأصل: "الطّرامية"، صوابه في المجمل واللسان.

([29]) يقال بكسر الطاء وفتحها، ويقال طويم أيضاً كدرهم. وفي الأصل: "الطّرام"، صوابه في المجمل واللسان.

([30]) أنشده في اللسان (خبل) بدون نسبة. وقبله في (طرب):

سألتني أمتي عن جارتي *** وإذا ما عيّ ذو اللب سأل

سألتني عن أناس هلكوا *** شرب الدهر عليهم وأكل

([31]) في الأصل: "وأرى".

([32]) شاهده ما أنشده في إصلاح المنطق 45 واللسان (طرث):

أرض عن الخير والسلطان نائية *** والأطيبان بها الطرثوث والصرب

([33]) شاهده قول الأعشى في ديوانه 161 واللسان (طرح):

يبتني المجد ويحتاز النهى  *** وترى ناره من ناء طرح

وفي اللسان:

تبتني الحمد وتسمو للعلا *** ونرى نارك من ناء طرح

([34]) ذكرت في القاموس، بفتح الميم وكسرها، ولم تذكر في اللسان. وقد ضبطت في المجمل بفتح الميم كما أثبت.

([35]) لقيس بن الخطيم في ديوانه 10 واللسان (طرب) . وقصيدة البيت في جمهرة أشعار العرب 123 ـ 125 في القصائد المذهبات.

([36]) التكملة إلى هنا من المجمل واللسان (طرد). وبقية التكملة من اللسان (طرد 257). وقد ضبط  "مطرد" في اللسان بكسر الراء، وهو خطأ، وإنما هو مكان اطراد النسيم، وهو الأنف. والضمير في "جرى" للفرس.

([37]) في الأصل: "كأنه طرده ربيعه".

 

 


ـ (باب الطاء والزاء وما يثلثهما)

هذا بابٌ يضيقُ الكلام فيه، على أنهم يقولون الطَّزِع؛ الرَّجُل لا غَيْرة له. والله أعلم.‏

 

ـ (باب الطاء والسين وما يثلثهما)

(طست) الطاء والسين والتاء ليس بشيء، إلاَّ الطَّسْت، وهي معروفة.‏

 

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله طاء)

(طسأ) الطاء والسين والهمزة كلمةٌ واحدةٌ. يقولون: طَسِئَتْ نفسي فهي طَسِئة.‏

(طسل) الطاء *والسين واللام فيه كلمات، ولعلَّها أن تكون صحيحة غير أنَّها لا قِياس لها. يقولون: الطَّسْل: اضطراب السَّراب. والطَّيْسَل: الكثير، يقال ماءٌ طَيْسَل. ويقولون: الطَّيْسَل: الغُبار.‏

(طسم) الطاء والسين والميم كلمةٌ واحدةٌ. يقال: طَسَمَ، مثل طَمَسَ. وطََسْم: قبيلةٌ من عاد.‏

 

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله طاء)‏

من ذلك (الطَّلَنْفح)، وهو السَّمِين. وهذا إنِّما هو تهويلٌ وتقبيحٌ، والزائد فيه اللام والنون، وهو من طفح، إذا امتلأَ. ومنه السَّكران الطَّافح، وقد مرَّ.‏

ومن ذلك (الطُّحْلب)(1)، معروف. والباء فيه زائدة، وإنّما هو من طَحَل، وهو من اللَّون. وقد ذكرناه.‏

ومن ذلك (طَحْمَر)، إذا وَثَب، والحاء زائدة، وإِنَّما هو طمر.‏

ومن ذلك (طَرْمَحَ) البناء: أطاله. ومنه اسم الطِّرِمّاح. والأصل فيه الطَّرَح، وهو البعيدُ والطَّوِيل، وقد فسرناه.‏

ومن ذلك (طَرْفََشَتْ) عينُه: أظلَمَتْ. والشّين زائدة، وأصله من طُرِفَت: أصابها طَرَفُ شيءٍ فاغرورقَتْ، وعند ذلك تُظْلِمُ، وقد مرَّ.‏

ومن ذلك (الطلخف(2)): الشديد. واللام زائدة، وهو الطَّخَف، وهو الشِّدَّة(3).‏

ومن ذلك (الطُّلْخُوم)، وهو الماء الآجِن(4). والميم زائدة، وإنما هو من الطّلْخ، وقد ذكرناه.‏

ومن ذلك الشَّباب (المُطْرَهِمّ(5)). وهذا مما زيدت فيه الراء، وأصله مُطَهَّمٌ، وقد مضى.‏

ومن ذلك قولهم: ما في السماء (طَحْرَبة(6))، أي سحابة، والباء زائدة، كأنَّه شيءٌ يَطْحَر المطرَ طَحْراً ، أي يدفعُه ويرمِي به.‏

ومن ذلك الرَّغِيف (الطَّملَّس): الجافّ، وهي منحوتةٌ من كلمتين: طَلَسَ وطَمَسَ، وكلاهما يدلُّ على ملاسةٍ في الشيء.‏

ومما وُضِعَ ولا يكاد يكون له قياس: (الطَّفَنَّش): الواسع صُدورِ القَدَمين.‏

و(طَرسَم) الرَّجُّل: أطرق.‏

و(الطِّرْفِسَانُ): الرَّملة العظيمة.‏

(والطّثْرَج) فيما يقال: النَّمْل(7). قال:‏

* أَثْرٌ كآثارِ فِراخ الطَّثْرَجِ(8) *‏

و(طَلْسَم) الرَّجُلُ: كرَّه وجهَه.‏

ويقولون: (الطِّلْخام): الفِيل(9).‏

و(اطْرَخَمَّ): تَعَظَّمَ.‏

ويقولون: (الطُّمْرُوس): الكذَّاب. و(الطُّرْمُوس) خُبز المَلَّة؛ و(الطِّرْمِساء): الظلمة. ويجوز أن تكون هذه الكلمة مما زيدت فيه الرَّاء، كأنَّها من طَمَس.‏

ويقولون: (طَرْبَلَ) الرَّجُل، إذا مدَّ ذُيولَه.‏

وكلُّ الذي ذكرناه مما لا قياس له، وكأنَّ النّفس شاكّة في صحّته(10)، وإن كنّا سمعناه. والله أعلم بالصواب.‏

(تم كتاب الطاء)‏

ــــــــــــــــــ

(1) بضم الطاء مع ضم اللام وفتحها، ويقال أيضاً، كزبرج، وهو الخضرة تعلو الماء المزمن.‏

(2) يقال بكسر الطاء مع فتح اللام خفيفة أو مشددة، ويقال بفتح الطاء واللام أيضاً.‏

(3) لم يذكر ابن فارس ولا غيره من أصحاب المعجمات هذا المعنى في مادة (طخف).‏

(4) والطلخوم أيضاً، العظيم الخلق.‏

(5) قال ابن أحمر:‏

أرجى شباباً مطرهما وصحة *** وكيف رجاء المرء ما ليس لاقيا‏

(6) يقال بفتح الطاء والراء، وكسرهما وضمهما.‏

(7) في الأصل: "فيما يقال له الرمل"، صوابه من المجمل واللسان.‏

(8) لمنظور بن مرثد الأسدي، وكلمة "فراخ"، من المجمل واللسان. وقبله في اللسان:‏  *والبيض في متونها كالمدرج*.‏

(9) قيده في اللسان بأنه الفيل الأنثى، وكذا في القاموس.‏

(10) في الأصل: "وكأن النفس شاكلة في صحته".‏

 

كتاب الظاء:

ـ (باب الظاء وما معها في المضاعف والمطابق([1]))

(ظل) الظاء واللام أصلٌ واحد، يدلُّ على ستر شيءٍ لشيءٍ، وهو الذي يُسمَّى الظّلّ. و[كلمات] البابِ عائدةٌ إليهِ. فالظِّل: ظِلّ الإنسان وغيرِه، ويكونُ بالغداةِ والعَشيّ، والفيءُ لا يكون إلا بالعشيّ.  وتقول: أَظلَّتْني الشَّجرة. وظِلٌّ ظليل: [دائمٌ([2])]. واللَّيل ظِلٌّ([3]). قال:

قد أَعْسِفُ النّازحَ المجهولَ مَعْسِفُه *** في ظل أخضَرَ يدعو هامَهُ البومُ([4])

يريدُ في سترِ ليلٍ أخضر. وأظَلَّكَ فلانٌ، كأنَّه وقاكَ بِظلِّه، وهو عزُّه ومَنَعَتُهُ. والمِظَلَّةُ معروفة. وأَظَلَّ يومُنا: دامَ ظِلُّه، ويقال إنَّ الظُّلَّة: أوّلَ سحابةٍ تُظِلّ.  والظُّلَّة: كهيئةِ الصُّفَّةِ. قال الله تعالى: {وإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ}  [الأعراف 170].

ومن الباب قولهم: ظلَّ يفعل كذا، وذلك إذا فعله نهاراً. وإنما  قلنا إنّه من الباب لأنَّ ذلك شيءٌ يخصّ به النهار، وذلك أن الشيء يكون له ظلٌّ نهاراً، ولا يقال ظلَّ يفعلُ كذا ليلاً؛ لأنّ الليلَ نفسه ظِلّ.

ومن الباب،  وقِياسُهُ صحيح: الأَظَلّ، وهو باطنُ خُفِّ البعيرِ. ويجوز أن يكون كذا لأنَّه يستُر ما تحتَه، أو لأنَّه مُغَطَّى بما فوقه. قال:

* في نَكِيبٍ مَعِرٍ دامِي الأَظَلّ([5]) * .

فأمَّا قول الآخر([6]):

* تشكو الوَجَى من أَظْلَلٍ* وَأَظلَلِ *

فهو الأظلّ، لكنه أظهر التَّضْعِيفَ ضرورة.

(ظن) الظاء والنون أُصَيْل صحيحٌ يدلُّ على معنينِ مختلفين: يقين وشكّ.

فأمَّا اليقين فقولُ القائل: ظننت ظناً، أي أيقنتُ. قال الله تعالى: {قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنَّهُمْ مُلاَقُو اللهِ}  [البقرة 249] أرادَ، والله أعلم، يوقِنون. والعربُ تقول([7]) ذلك وتعرفه. قال شاعرهم([8]):

فقلت لهم ظُنُّوا بأَلَْفَيْ مُدَجَّجٍ  *** سراتُهم في الفارسيِّ المُسَرَّدِ([9])

أراد: أيقِنُوا. وهو في القرآن كثير.

ومن هذا الباب مَظِنَّة الشيء، وهو مَعْلَمه ومكانُه. ويقولون: هو مَظِنَّةٌ لكذا. قال النَّابغة:

* فإنَّ مَظِنَّة الجهلِ الشَّبابُ([10]) *

والأصل الآخر: الشَّك، يقال ظننتُ الشيءَ، إذا لم تتيقّنْه، ومن ذلك الظِّنَّة: التُّهْمَةَ. والظَّنِين: المُتّهم. ويقال اظَّنَّنِي([11]) فلانٌ. قال الشاعر:

ولا كُلُّ من يَظَّنُّنِي أنا مُعْتِبٌ *** ولا كُلُّ ما يُرْوَى عليَّ أَقُول([12])

وربَّما جُعلت طاء، لأنَّ الظَّاء أُدغمت  في تاء الافتعال. والظَّنُون: السَّيِّئُ الظنّ. والتَّظَنِّي: إِعمال الظَّنّ. وأصل التظَنِّي التظنُّن. ويقولون: سُؤت به ظنَّاً وأسأْت به الظّنّ، يدخلون الألف إذا جاؤوا بالألف واللام. والظَّنُون: البِئر لا يُدرَى أَفيها ماءٌ أمْ لا. قال:

ما جُعِلَ الجُدُّ الظُّنُونُ الذي  *** جُنِّبَ صَوبَ اللّجِبِ الماطرِ ([13])

والدَّيْن الظَّنُون: الذي لا يُدرى أيقضى أم لا. والباب كلُّه واحد.

([ظب)  الظاء والباء] ما يصحُّ منه إلاَّ كلمةٌ واحدةٌ، يقال ما به ظَبْظَابٌ، أي مابه قَلَبَة، قال ابن السكِّيت: ما به ظبظابٌ([14])، أي ما به عيبٌ ولا وَجع. قال الراجز:

* بُنَيَّتي ليس بها ظبظابُ([15]) *

ويقولون: الظَّباظِب: صليل أجواف الإِبل([16]) من العطش؛ وليس بشيءٍ؛ وقيل: هو تصحيف، وهو بالطّاء. فأمَّا الذي في الكتاب الذي للخليل: أنَّ الظَّابَّ السِّلْف([17]) فأراه غلط على الخليل. لأنَّ الذي سمعناه الظَّأْب، بالتخفيف، وقد ذُكر في بابه.

(ظر) الظاء والراء أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على حَجَرٍ محدَّد الطَّرَف. يقولون: إنَّ الظُّرَر: حجرٌ محدَّد صُلب، والجمع ظِرَّانٌ([18]). قال:

بِجَسْرَةٍ تَنْجُل الظِّرَّانَ ناجيةٍ *** إذا توقَّدَ في الدّيمومةِ  الظُرَرُ([19])

وأظرَّ الرَّجُل: مَشَى على الظرَار. ويقولون: "أَظِرِّيَ إِنَّك ناعلة". يقولون: امْشِي على الظُّرَر، فإنَّ عليك نَعلين، يُضرَب مثلاً لمن يُكلَّف عملاً يقوَى عليه. ويقال المَظَرّةُ: الحجر يُقدح به، ويقال بل هو حجرٌ يُقطع به شيءٌ يكون في حياة النّاقةِ كالثُؤلول. ويقال أرضٌ مَظَرَّةٌ: كثيرة الظُّرَر.

ومما شذَّ عن هذا الباب قولهم: اظْرَوْرَى([20])، أي انتفخ. والله أعلم.

ــــــــــــــــــ

([1]) بدلـه في الأصل: "باب الظاء واللام وما يثلثهما"، وهي عبارة ناسخ غافل، أثبت مألوف عبارته في مثل هذا.

([2]) في المجمل: " والظل الظليل: الدائم" وبه استأنست في إثبات هذه الكلمة.

([3]) في الأصل: "والظل ظل"، صوابه في المجمل. وفي اللسان: "وسواد الليل كله ظل" وانظر ما سيأتي في س 13.

([4]) لذي الرمة، كما سبق في حواشي (يوم).

([5]) للبيد في ديوانه 11 وصوابه روايته: "بنكيب"  كما في اللسان والديوان. وصدره:

* وتصك المرو لما هجرت *.

([6]) هو العجاج. ديوانه 47 واللسان (ظلل).

([7]) في الأصل: "يقولون".

([8]) هو دريد بن الصمة. الأصمعيات 32 ليبسك واللسان (ظنن).

([9]) البيت وما قبله، كما في الأصمعيات:

وقلت لعارض وأصحاب عارض *** ورهط بني السوداء والقوم شهدى

علانية: ظنوا بألفي مدجج *** سراتهم في الفارسي المسرد

وهما كما في الحماسة: (1/ 336):

نصحت لعارض وأصحاب عارض *** ورهط بني السوداء والقوم شهدى

فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج *** سراتهم في الفارسي المسرد

([10]) البيت أول بيت في مقطوعة له بالديوان 14. وكذا أنشده في اللسان (ظنن). وصدره:

* فإن يك عامر قد قال جهلا *

([11]) اظن، بوزن افتعل، أصلها اظتن، قلبت التاء ظاء معجمة ثم أدغمت في نظيرتها. ومثله "اظلم" في قول القائل:

هو الجواد الذي يعطيك نائله *** عفواً ويظلم أحياناً، فيظلم

([12]) أنشده في اللسان (ظنن) والمخصص (12: 319). وفي المجمل: "ولا كل من يروى".

([13]) البيت للأعشى، كما سبق في (جد 407).

([14]) في إصلاح المنطق 426: "مابه وذية ولا ظبظاب".

([15]) إصلاح المنطق 426 واللسان (ظبب).

([16]) في المجمل فقط: "أجواف البقر".

([17]) السلف، بالكسر: واحد السلفين، وهما زوجا الأختين، وفي الأصل: "السليف"، محرف.

([18]) نظيره في الجموع: جرذ وجرذان، وصرد وصردان.

([19]) البيت للبيد في ديوانه 38 طبع 1880 واللسان (ظرر، نجل).

([20]) حق هذه الكلمة أن تكون في (ظرا) المعتل، كما صنع اللسان والقاموس، ومثله "اقلولى" في (قلو)، و"اعرورى"، في (عري)، و"احلولى"، في (حلو).

 

ـ (باب الظاء والعين وما يثلثهما)

(ظعن) الظاء والعين والنون أصلٌ واحدٌ صحيحٌ يدلُّ على الشُّخوص من مكانٍ إلى مكان. تقول: ظَعَنَ يظعَن ظَعْناً وظَعَنَاً، إذا شَخَصَ. قال الله سبحانه: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ(1)}. والظَّعينة، ممَّا يقال فيه(2) فقال قوم: هي المرأة، وقال آخرُونَ: الظَّعائِنُ الهوادِجُ، كان فيها نساءٌ أو لم يكن. وهذا أصحُّ القولين؛ لأنَّه من أدوات الرَّحِيل. والظَّعُون: البعير الذي يُعَدُّ للظَّعْن. ومن الباب الظِّعَان، وهو الحبل الذي يُشَدُّ به القَتَبُ على البعيرِ، وسمِّيَ بذلك ظِعَاناً(3)لأنه أحدُ أدواتِ السَّير والظّعن. قال:‏

له عُنقٌ تُلوِي بما وُصِلَت به *** وَدفَّانِ يشتفّان كلَّ ظِعَانِ(4)‏

ـــــــــــــــ

(1) الآية 80 من سورة النحل، قرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، بإسكان العين، والباقون بفتحها، إتحاف فضلاء البشر 285.‏

(2) في الأصل: "والظعنة امرأة يقال فيه".‏

(3) في الأصل: "وسمي بذلك قاما".‏

(4) البيت لكعب بن زهير في اللسان (شفف). وهو بدون نسبة في (ظعن). وقد سبق في (دف، شف).‏

 

ـ (باب الظاء والفاء وما يثلثهما)

(ظفر) الظاء والفاء والراء أصلان صحيحان، يدلُّ أحدُهما على القَهر والفَوز والغَلَبة، والآخر على قُوَّةٍ في الشيءِ. ولعلَّ الأصلين يتقاربان في القياس.‏

فالأوّل الظَّفَر، وهو الفَلْج والفَوْز بالشَّيء. يقال ظَفِرَ يظفَرُ ظَفَراً. والله تعالى أَظْفَرَه. وقال تعالى: {مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح 24]. ورجل مُظَفَّر.‏

والأصل الآخَر الظُّفْرُ ظُفْرُ الإنسان(1). ويقال ظَفَّرَ في الشَّيء، إذا جعل ظُفْره *فيه. ورجلٌ أظفَرُ، أي طويل الأظفار، كما يقال أَشْعَر أي طويل الشَّعر. ويقال للمَهِين: هو كَليل الظُّفر. وهذا مَثلٌ. قال طَرفة:‏

لا كليلٌ دالفٌ من هَرَمٍ *** أَرْهَبُ اللّيلَ وَلا كَلُّ الظّفُرْ (2)‏

ويقال ظَفَّرَ النَّبتُ تظفيراً، إذا طَلَعَ. وذاك أن يَطْلُع منه كالأظفار بقوّة. وأمّا قولهم في الجُلَيدة تغشى العَين ظَفَرة، فذلك على طريق التَّشبيهِ. ويقال ظُفِرت العينُ، إذا كان بها ظفَرة. قال أبو عُبيدٍ: وهي التي يقال لها ظُفْر.‏

ومن الباب ظُفْر القَوس، وهما الجزءان اللذان يكون فيهما الوَتَر في طرفَيْ سِيَتَي القَوس. وربَّما قالوا الظَّفَرة: ما اطمأنَّ من الأرض وأنبَت(3). وهذا أيضاً تشبيه. والأظفار: كواكِبُ صغار(4)، وهي على جهة الاستعارة. فأمَّا ظَفَارِ، وهي مدينةٌ باليمن، فممكن [أن تكون] من بعض ما ذكرناه، والنسبة إليها ظَفَارِيٌّ. والله أعلم.‏

ــــــــــــــــ

(1) يقال بضمة وبضمتين، وبالكسر أيضاً، وقرئ به شاذاً.‏

(2) ديوان طرفة 66 واللسان (ظفر).‏

(3) في الأصل: "متن من الأرض نبت"، صوابه من المجمل واللسان.‏

(4) يقال لـها "أظفار الذئب". كما في الأزمنة والأمكنة (3: 374). وفي الأصل: "الصغار"، صوابه في المجمل واللسان.‏

 

ـ (باب الظاء واللام وما يثلثهما)

(ظلع) الظاء واللام والعين أُصَيْلٌ يدلُّ على مَيْل في مَشي([1]). يقال: دابَّةٌ بِهِ ظَلْعٌ، إذا كانَ يَغمِز فيميل([2]). ويقولون: هو ظالع، أي مائلٌ عن الطَّريقِ القويم. قال النابغة:

أتُوعِدُ عبداً لم يخُنْكَ أمانةً  *** وتَتْرُكَ عبداً ظالماً وهو ظالعُ ([3])

(ظلف) الظاء واللام والفاء أصل صحيحٌ يدلُّ على أدنى قوّةٍ وشِدّة. من ذلك ظِلْف البَقرة وغيرِها. ورُبَّما استُعير للفرسِ. قال:

* وَخَيلٍ تَطَأْكُمْ بأظلافها([4]) *

وإذا رميتَ الصَّيْدَ فأصبتَ ظِلفه قلت: قد ظَلَفْتُهُ، وهو مظلوف. والظّلف([5]) والظَّليف: كلُّ مكانٍ خَشِن. وقال الأمويّ: أرضٌ ظَلِفَةٌ: غليظة لا يُرَى أثرُ مَنْ مشَى فيها، بيِّنة الظَّلَف. ومنه أُخذ الظَّلَف في المعيشةِ.

وقول الناس: هو ظَلِفٌ عن كذا، يراد التشدُّد في الورع والكَفُّ، وهو من هذا القياس.

وأمَّا حِنْو القَتَب فسمِّيَ ظَلِفة لقُوَّتِه وشدَّته. ويقال أخذ الجزورَ بظَلَفها وظَلِيفتها، أي كلّها.

(ظلم) الظاء واللام والميم أصلانِ صحيحانِ، أحدهما خلافُ الضِّياء والنور، والآخَر وَضْع الشَّيءِ غيرَ موضعه تعدِّياً.

فالأوَّل الظُّلْمة، والجمع ظلمات. والظَّلام: اسم الظلمة؛ وقد أظْلَمَ المكان إظلاماً. ومن هذا الباب ما حكاه الخليل من قولهم: لقيته أوَّلَ ذِي ظُلْمة([6]). قال: وهو أوَّلُ شيءٍ سَدَّ([7]) بصرَك في الرُّؤْية، لا يشتقُّ منه فِعل. ومن هذا قولهم: لَقيته أدنى ظَلَمٍ ([8])، للقريب. ويقولونه بألفاظٍ أُخَرَ مركبةٍ من الظاء واللام والميم، وأصل ذلك الظُّلمة، كأنَّهم يجعلون الشَّخْصَ ظُلْمَةً في التشبيهِ، وذلك كتسميتهم الشَّخصَ سواداً. فعلى هذا يُحمل الباب، وهو من غريب ما يُحمل عليه كلامُهم.

والأصل الآخَر ظلَمَه يظلِمُه ظُلْماً. والأصل وضعُ الشَّيْءِ [في] غير موضعه؛ ألا تَراهم يقولون: "مَنْ أشْبَهَ [أباه] فما ظَلَمَ"، أي ما وضع الشَّبَه غيرَ موضعه. قال كعب:

أنا ابنُ الذي لم يُخْزِني في حياته *** قديماً ومَنْ يشبهْ أباهُ فما ظلمْ([9])

ويقال ظَلَّمت فلاناً: نسبتُه إلى الظُّلم. وظَلَمْتُ فلاناً فاظَّلَم وانظلم([10])، إذا احتملَ الظُّلْم. وأُنشد بيت زُهَير:

هو الجوادُ الذي يُعطيك نائلَهُ *** عَفْواً ويُظْلَمُ أحياناً فَيَظَّلِمُ([11])

بالظاء والطاء. والأرض المظلومة: التي لم تُحفَر قطُّ ثمَّ حفرت؛ وذلك التُّرابُ ظَليم. قال:

فأصبح في غَبْراءَ بعد إِشاحةٍ *** على العيشِ مردودٍ عليها ظليمُها([12])

وإِذا نُحِرَ البعيرُ من غيرِ عِلَّةٍ فقد ظُلِمَ. ومنه قوله:

عادَ الأَذِلَّةُ في دارٍ وكان بها  *** هُرْتُ الشَّقاشِقِ ظَلاَّمون للجُزُرِ([13])

والظُّلاَمة: ما تطلبه من مَظْلِمَتك عند الظَّالم. ويقال: سقانا ظَلِيمَةً طيِّبة. وقد ظَلَمَ وطْبَه، إِذا سَقَى منه قبل أن يروبَ ويُخرِج زُبَده. ويقال لذلك اللَّبن ظليمٌ أيضاً. قال:

وَقائِلةٍ ظلمتُ لكم سِقائي *** وهل يَخْفَى على العَكِدِ الظَّليمُ

والله أعلم بالصَّواب.

ــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "يدل على شيء".

([2]) في الأصل: "فميل".

([3]) ديوان النابغة 55 والمجمل واللسان (ظلع).

([4]) أنشد هذا الشطر في المجمل واللسان (ظلف). وفي كل منهما قبل الإنشاد: "واستعاره عمرو بن معد يكرب للأفراس فقال".

([5]) ضبط في المجمل بالكسر، وفي اللسان والقاموس بفتح الظاء وكسر اللام.

([6]) ويقال أيضاً: "أدنى ذي ظلم"، بالتحريك أيضاً.

([7]) في الأصل: "مد"، صوابه في المجمل واللسان.

([8]) في الأصل: "القريب".

([9]) سبق إنشاده في (شبي). والذي في ديوان كعب 65 طبع دار الكتب:

أنا ابن الذي لم يخزني في حياته *** ولم أخزهِ حتى تغيب في الرجم

أقول شبيهات بما قال عالماً  *** بهن ومن يشبه أباه فما ظلم

([10]) في الأصل: "وأظلم". صوابه في اللسان.

([11]) ديوان زهير 152 واللسان (ظلم).

([12]) يعني حفرة القبر يرد عليها ترابها بعد الدفن. والبيت في اللسان (ظلم).

([13]) البيت لابن مقبل في اللسان (دور، ظلم)، ودار: اسم موضع.

 

ـ (باب الظاء والميم وما يثلثهما)

(ظما) الظاء والميم والحرف المعتل والمهموز أصلٌ واحدٌ يدلُّ على ذبولٍ وقلّة ماء. من ذلك: الظَّمَا، غيرمهموز: قلّة دم اللِّثة. يقال امرأةٌ ظمياء اللثاث. وعينٌ ظمياء: رقيقة الجَفن. ثم يحمل عليه فيقال ساقٌ ظمياء: قليلة اللحم.‏

ومن المهموز: الظَّمَأ، وهو العطش، تقول: ظمئت أظمأ ظمَا. فأما الظِّمْء فما بين الشَّربتين. والقياس في ذلك كلِّه واحد. ويقولون: رمحٌ أظْمَى: أسمر رقيق. وإنما صار كذلك لذهاب مائه.‏

 

ـ (باب الظاء والنون وما يثلثهما)

(ظنب) الظاء والنون والباء كلمةٌ صحيحةٌ، وهو العظم اليابس من ساقٍ وغيره، ثم يتمثَّل به فيقال للجادِّ في الأمر: قد قرع ظنبوبَه. وقول سلامةَ بنِ جندل:‏

كُنَّا إِذا ما أَتَانا صارخٌ فزع *** كان الصُّراخُ له قَرعَ الظَّنابِيبِ (1)‏

فقال قومٌ: تقرع ظنابيب الخيل بالسِّياط ركضاً إلى العدوِّ. وقال قوم: الظُّنْبوب: مسمار جُبَّة السِّنَان، أي إِنَّا نركِّب الأسنّة.‏

ـــــــــــــــ

(1) ديوان سلامة بن جندل 11، والمفضليات (1: 122)، واللسان (ظنب، فزع).‏

 

ـ (باب الظاء والهاء وما يثلثهما)

(ظهر) الظاء والهاء والراء أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على قوّةٍ وبروز. من ذلك ظَهَرَ الشيءُ يظهرُ ظهوراً فهو ظاهر، إذا انكشفَ وبرزَ. ولذلك سمِّيَ وقت الظُّهرِ والظَّهيرة، وهو أظهر أوقات النّهار وأَضْوَؤُها. والأصل فيه كلّه ظهر الإنسان، وهو خلافُ بطنه، وهو يجمع البُروزَ والقوّة. ويقال للرِّكاب الظَّهر، لأنَّ الذي يَحمِل منها الشيءَ ظهورُها. ويقال رجلٌ مظهَّر، أي شديد الظَّهْر. ورجلٌ ظَهِر([1]): يشتكي ظهره.

ومن الباب: أظهرْنا، إذا سرنا في وقت الظُّهْرِ. ومنه: ظهرتُ على كذا، إذا اطلَّعتَ عليه. والظَّهِير: البعير القويّ. والظَّهيرِ: المُعين، كأنَّه أسندَ ظَهْرَه إلى ظهرك. والظُّهور: الغَلبة. قال الله تعالى: {فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِين} [الصف 14]. والظَّاهرة: العين الجاحظة. والظِّهار: قولُ الرَّجل لامرأته: أنتِ عَلَيَّ كظهرِ أُمِّي. وهي كلمةٌ كانوا يقولونها، يريدونَ بها الفراق. وإِنَّما اختصُّوا الظَّهْر لمكان الرُّكوب، وإلاَّ فسائر أعضائِها في التَّحريمِ كالظَّهْرِ. والظُّهار من الرِّيش: ما يظهر منه في الجَناح. والظِّهريُّ: كلُّ شيءٍ تجعله بظَهْرٍ ، أي تنساه، كأَنَّكَ قد جعلتَه خلف ظهرِكَ ، إِعراضاً عنه وتركاً لـه. قال الله سبحانه: {وَاتّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً} [هود 92]. وقد جعل فلانٌ حاجتي بظهرٍ، إذا لم يُقْبِل عليها، بل جعلها وراءه. وقال الفرزدق:

تميمَ بنَ بدر لا تكوننَّ حاجتي *** بظهرٍ فلا يَخْفَى عليكَ جوابُها([2])

ومن الباب: هذا أمرٌ ظاهرٌ عنك عارُهُ. أي زائل، كأنَّهُ إذا زالَ فقد صارَ وراء ظهرك. وقال أبو ذؤيب:

وعَيَّرَها الواشون أنِّي أحبُّها *** وتلك شَكاةٌ ظاهرٌ عنك عارُها([3])

ويقولون: إنَّ الظَّهَرَة([4]): متاع البيت. وأحسب هذه مستعارة من الظَّهر أيضاً؛ لأنَّ الإنسان يستظهِر بها، أي يتقوَّى ويستعين على ما نابَه. والظَّاهرة: أن ترِدَ الإِبلُ كلَّ يومٍ نصفَ النَّهار. ويقولون: سلكْنا الظًَّهْر: يريدون طريقَ البَرِّ، وذلك لظهورهِ وبروزه. ويقولون: جاء فلانٌ في ظَهْرَته وناهضتِهِ، أي قومه. وإِنّما سُمُّوا ظَهْرَةً لأنَّه يتقوَّى بهم. وقريشُ الظَّواهِر سُمُّوا بذلك لأنهم ينزلون ظاهرَ مكة. قال:

* قُريشِ البطاحِ لا قريشِ الظَّواهِرِ([5]) *

وأقران الظَّهْر: الذين يجيئون من ورائك.

وحكى ابن دريد([6]): "تظاهر القوم، إذا تدابَرُوا، وكأنَّه من الأضداد".

وهذا المعنى الذي ذكره ابن دريد صحيح؛ لأنَّه أراد أنَّ كلّ واحدٍ منهما أدبَرَ عن صاحبهِ، وجعل ظهرَهُ إليهِ. والله أعلم.

ـــــــــــــــــــ

([1]) في اللسان والقاموس: "ظهير"، والصواب ما أثبت من الأصل مطابقاً ما ورد في مجالس ثعلب

218 س 2 وصحاح الجوهري (ظهر).

([2]) في اللسان (ظهر): "فلا يعيا علي جوابها". وفي الأغاني (19: 36): "فلا يخفى علي". وفي ديوان الفرزدق 95:

تميم بن زيد لا تهونن حاجتي  *** لديك ولا يعيا علي جوابها

([3]) ديوان أبو ذؤيب 31 واللسان (ظهر).

([4]) الظهر، بالتحريك، وفي الأصل: "الظهيرة"، صوابه في المجمل والقاموس واللسان.

([5]) لأبي خالد ذكوان، مولى مالك الدار. انظر معجم البلدان (2: 213). حيث أنشد له:

فلا شهدتني من قريش عصابة  *** قريش  البطاح لا قريش الظواهر

ولكنهم غابوا وأصبحت شاهدا *** فقبحت من مولى حفاظ وناصر

وقد سبق إنشاد البيت في (بطح).

([6]) في الجمهرة (2: 379).

 

ـ (باب الظاء والهمزة وما يثلثهما)

(ظأر) الظاء والهمزة والراء أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على العطف والدنُوّ. من ذلك الظِّئر. وإِنّما * سمِّيت بذلك لعَطْفها على من تُربيِّه. وأظَّأَرت لولدي ظِئْرا، كما مرَّ في اظَّلم بالظَّاء. والظُّؤُور من النُّوق: التي تعطف على البَوّ. وظأَرَنِي فلانٌ على كذا، أي عطَفَني. والظَّؤَار تُوصَفُ به الأثافيّ، كأنَّها متعطِّفة على الرَّماد([1]). والظِّئار: أن تُعالَج النَّاقة بالغِمامةِ في أنفها لكي تَظْأَر. وقولهم: "الطَّعْن يَظْأَر([2])"، أي يَعطِف على الصُّلح. ويقال ظِئر وظُؤَار، وهو من الجمع الذي جاءَ على فُعال، وهو نادر.

(ظأب) الظاء والهمزة والباء كلمتان متباينتان: إحداهما  الظّأب، وهو سِلْف الرَّجُل. والأُخرى الكلام والجَلَبَة([3]). قال:

يَصُوعُ عُنوقَها أَحوَى زنيمٌ *** له ظَأْبٌ كما صَخِبَ الغَريمُ ([4])

(ظأم) الظاء والهمزة والميم من الكلام وَالجَلبَة، وهو إبدال. فالظَّأْم والظأب بمعنىً. والله أعلم. 

ــــــــــــــــــ

([1]) من شواهده قوله:

سفعاً ظؤاراً حول أورق جاثم *** لعب الرياح بتربه أحوالا

([2]) ويروى أيضاً : "الطعن يظئره". ويقال ظأره، وأظأره.

([3]) زاد في المجمل: "ولا أدري أمهموز هو أم لا".

([4]) البيت للمعلى بن جمال العبدي، كما في اللسان (صوع، ظأب)، ويروى لأوس بن حجر. انظر

ديوانه 25.

 

ـ (باب الظاء والباء وما يثلثهما)

(ظبي) الظاء والباء والحرف المعتل كلمتان، إحداهما الظَّبْي، والأخرى ظُبَةُ السيف، وما لواحدةٍ منهما قياس. فالظَّبْي: واحدُ الظِّباء، معروف، والأنثى ظَبية، وقد يُجمع على ظُِبىً. وإذا قَلَّتْ فهي أظْبٍ. و[أمَّا ما] جاء في الحديث: "إذا أتيتَهُم فاربِضْ في دارِهمْ ظَبْيَاً". فإنّه يقول: كن آمِناً فيهم كأنَّك ظَبْيٌ آمن في كِناسِه لا يرى أنيساً. ويقولون: به داءُ ظبْيٍ. قالوا: معناه أنَّه لا داءَ به، كما لا داءَ بالظبْي. قال:

لا تَجهَمينا أمَّ عمروٍ فإِنَّنا *** بنا داءُ ظبيٍ لم تَخُنْهُ قوائمُه([1])

والظَّبْيَة على معنى الاستعارة: جَهازَ المرأة، وحياءُ النَّاقة. والظَّبْية: جِرَاب صغير عليه شَعر. وكلُّ ذلك تشبيه.

وأمَّا الأصلُ الآخَر فالظُّبَة: حَدُّ السيف، ولا يُدرى ما قياسُها، وتجمع على ظُبِين وظُباتٍ. قال قومٌ: هو من ذواتِ الواو، وهو من قولنا ظَبَوْت. وهذا شيءٌ لا تدُلُّ عليه حُجّة. وقال في جمعِ ظِبةٍ ظِبين:

يرى الرَّاؤونَ بالشَّفَرات منها *** كَنَارِ أبي حُباحِبَ والظُّبينا([2])

ـــــــــــــــــــ

([1]) لعمرو بن الفضفاض الجهني ، كما سبق في حواشي (3: 490).

([2]) للكميت، كما في اللسان (ظبا) برواية: بالشفرات منا وقود.

 

ـ (باب الظاء والراء وما يثلثهما)

(ظرف) الظاء والراء والفاء كلمةٌ كأنَّها صحيحة. يقولون: هذا وعاء الشيء وظَرْفُه، ثمَّ يسمُّون البراعةَ ظَرْفاً، وذكاءَ القَلْبِ كذلك. ومعنى ذلك أنّه وعاءٌ لذلك. وهو ظريفٌ. وقد أظْرَفَ الرَّجُلُ. إذا وَلَد بنين ظُرَفاء. وما أحسبُ شيئاً من ذلك من كلام العرب.‏

(ظرب) الظاء والراء والباء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على شيءٍ ثابتٍ أو غير ثابت مع حِدَّةٍ. من ذلك الظِّرَاب، وهو جمع ظَرِب، وهو النّابت من الحجارة مع حدَّة في طرَفه. ويقال: [إنَّ الأظراب: أسناخُ الأسنان. ويقال: بل(1)] هي الأربعة خلف النَّواجذ. وأمَّا ابنُ دريد(2) فزعم أنَّ الأظراب في اللّجام: العُقَد التي في أطراف الحديدة. وأنشد:‏

* بادٍ نواجذُهُ على الأظرابِ (3) *‏

ويقال: إنَّ الظُّرُبَّ: القصير اللَّحيم، وهذا على التَّشبيهِ. قال:‏

* لا تَعْدِلِيني بظُرُبٍّ جَعْدِ(4) *‏

والظَّرِبانُ: دُوَيْبَّة(5).‏

ـــــــــــــــ

(1) التكملة من المجمل.‏

(2) في الجمهرة (1: 263).‏

(3) للبيد بن ربيعة في ديوانه 145. ونسب أيضاً إلى عامر بن الطفيل خطأ في اللسان (ظرب). وصدره:‏ * ومقطع حلق الرحالة سابح *.‏

(4) قبله في اللسان (ظرب):‏

يا أم عبد الله أم العبد *** يا أحسن الناس مناط عقد‏

وبعده في (عدد):‏ *كز القصيرى مقرف المعد *.‏

(5) جاءت هذه العبارة بعد كلمة "شيئاً" في الباب التالي، وبهذه الصورة: "والظربان دويبة، من باب الظاء والراء والباء".‏

 

ـ (باب ما جاءَ من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله ظاء)

لم نجد إلى وقتنا شيئاً(1).‏

تم كتاب الظاء، والله أعلم بالصواب‏

ـــــــــــــــــــ

(1) أورد من هذا الباب في المجمل: "الظيان: ياسمين البر".‏

 

مراجع التحقيق والضبط

يضاف إلى المراجع المثبتة في نهاية الجزأين السابقين:‏

ـ إصلاح المنطق، لابن السكيت. طبع دار المعارف 1368 القاهرة.‏

ـ الأصمعيات، للأصمعي. طبع دار المعارف 1367 القاهرة.‏

ـ الألفاظ الفارسية لأدّي شير. طبع الكاثوليكية 1908 م. بيروت.‏

ـ أوضح المسالك، لابن هشام. طبع التجارية 1354 القاهرة.‏

ـ أيمان العرب، للنجيرمي. طبع السلفية 1343 القاهرة.‏

ـ بقية أشعار الهذليين. طبع 1884 برلين.‏

ـ البيان والتبيين، للجاحظ، بتحقيق عبد السلام هارون. طبع لجنة التأليف 1367.‏

ـ ديوان عروة بن الورد، من مجموع خمسو دواوين. طبع الوهبية 1293 القاهرة.‏

ـ ديوان كعب بن زهير، رواية السكري. طبع دار الكتب 1368.‏

ـ شرح الحماسة للمرزوقي. طبع لجنة التأليف 1372هـ.‏

ـ شرح شواهد الألفية للعيني، بهامش خزانة الأدب للبغدادي. طبع بولاق 1299.‏

ـ شروح سقط الزند، بتحقيق لجنة إحياء آثار أبي العلاء. طبع دار الكتب.‏

ـ الفصيح لثعلب. طبع السعادة 1325 القاهرة.‏

ـ قطر الندى وبل الصدى، لابن هشام. طبع السعادة 1355 القاهرة.‏

ـ لباب الآداب، لأسامة بن منقذ. طبع الرحمانية 1354 القاهرة.‏

ـ مجالس ثعلب، بتحقيق عبد السلام هارون. طبع المعارف 1367 القاهرة.‏

ـ مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1347.‏

ـ مفاتيح العلوم، للخوارزمي. طبع محمد منير 1342 القاهرة.‏

ـ الموشح، للمرزباني. طبع السلفية 1343 القاهرة.‏

ـ نقد الشعر، لقدامة. طبع الجوائب 1302 القسطنطينية.‏

ـ الهاشميات، للكميت. طبع شركة التمدن 1330 القاهرة.‏ 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج9وج10.[ معجم البلدان - ياقوت الحموي]

  ج9. [ معجم البلدان - ياقوت الحموي] كندوان بالضم وبعد الدال واو من نواحي مراغة تذكر مع كرم يقال كرم وكندوان كندير اسم جبل في قول الأ...